التجربة الأمريكية

تجارب دولية في استشراف مشاهد المستقبل: (1)التجربة الأمريكية

  منذ منتصف القرن الماضي والتفكير العلمي في المستقبل وتطبيقاته العملية، أي دراسات المستقبلات، في انتشار عالمي متسارع . ووراء هذا الواقع يكمن تأثير العديد من المتغيرات. ولعل من بين المهم منها مثلا متغيران. فأما عن المتغير الاول فهو يكمن في إدراك مفاده قدرة الإنسان ليس على استشراف مشاهد المستقبل فحسب، وإنما أيضا على صناعته وفقا لأهدافه المنشودة وإرادته الحرة.

 ولنتذكر أن التفكير في المستقبل يبقى من بين اهم وأبرز الخصائص التي ينفرد بها الإنسان عن سواه من الكائنات الحية. وبهذا الصدد قال المستقبلي العربي الرائد حسن صعب أن: ” … كل الكائنات تتوقف عند حدود حاضرها أو ماضيها إلا الإنسان (فهو) الكائن الوحيد الذي تجاوز الماضي الفاني والحاضر المتناهي إلى مستقبل لا متناه. (كما أن) كل الكائنات هي موجودات الحدود إلا الإنسان … فهو الكائن اللامحدود في … كينونته وصيرورته. أنه كائن المستقبل… والإنسان هو الذي يخترع المستقبل وليس المستقبل هو الذي يخترع الإنسان…”.

وأما عن المتغير الثاني فقوامه مخرجات عملية تاريخية مستمرة هي عملية تغيير العالم التي بدأت بالموجة الحضارية الثالثة ( المعلوماتية) مع منتصف القرن الماضي مرورا بالموجة الحضارية الرابعة (ما بعد المعلوماتية) مع بداية القرن الحالي: الواحد والعشرين. فهذه المخرجات أدت إلى أن تتعايش الإنسانية مع تأثير غير مسبوق لمجموعة متغيرات متعددة ومتنوعة العناوين: علمية، وتكنولوجية، واقتصادية، واجتماعية، وسياسية …الخ. افضت بدورها إلى أن يقترن العالم ليس فقط بتغيير غير مسبوق من حيث السرعة, وانفتاح الواقع العالمي على شتى الاحتمالات الإيجابية والسلمية جراء تعدد الفرص وتنوع التحديات التي يقترن بها هذا الواقع، وإنما أيضا, وعلى العكس من أزمنة الموجات الحضارية السابقة على الموجة الحضارية الراهنة, إلى أن يتميز العالم الراهن أيضا بأربع خصائص مهمة جراء مخرجات سرعة التغيير، هي: خصائص التقلب  (Volatile)، واللايقين ,(Uncertain)  والتعقيد ( (Complex ، والغموض (Ambiguous).

وجراء تأثير هاذان المتغيران وسواهما، عمدت اعداد متزايدة من المستقبليين، ومنذ زمان ما بعد الآخذ بالتفكير العلمي في المستقبل، إلى التبصر/التشوف في المشاهد التي يمكن، أو يحتمل، أن يقترن بها المستقبل في الزمان بعد الحاضر بمدياته المتعددة، وخصوصا تلك المتوسطة أو البعيدة أو غير المنظورة . ويفيد الاهتمام العالمي المكثف في الموضوع أنه اضحى من بين متطلبات الارتقاء الحضاري الأساسية، سيما وأن عدم الاستعداد العلمي المسبق للمستقبل ابتداء من الحاضر”… يجعل من البقاء في المستقبل أمرا مشكوكا فيه.”. كما يؤكد المفكر العربي فؤاد زكريا.

ويتباين الرأي في شأن الموطن/ المكان/ الاول لبداية التفكير العلمي في المستقبل وتطبيقاته العملية وكذلك في المدخلات الخاصة التي أدت إلى الآخذ به. فأما عن الموطن الأول لهذه البداية،  فعلى الرغم من أن ثمة اراء تؤكد أن هذا التفكير قد برز في الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا في زمان واحد تقريبا، ألا أن المعطيات الموضوعية لبدايته تفيد أن الولايات المتحدة كانت الأسبق تاريخيا في الآخذ به. فهذه البداية اقترنت بالمحاولات المتكررة، الفردية والجماعية، الخاصة والرسمية، التي جرت في الولايات المتحدة الامريكية أثر بداية مرحلة اندلاع الحرب الباردة عام 1947 .

واما عن المدخلات الخاصة التي أدت إلى الآخذ بالتفكير العلمي في المستقبل فهي تتباين من دولة إلى أخرى. وبالقدر الذي يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، فلقد أدى صراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق إلى تأجيج حاجة صناع القرار الأمريكي إلى تشوف احتمالات تطور هذا الصراع استعدادا للتعامل معه ضمانا للأمن القومي الأمريكي.

وانطلاقا من أن مفهوم الآمن القومي كان في وقته يدرك امريكيا بدالة عسكرية-استراتيجية تولت المؤسسة العسكرية الامريكية عملية استشراف المستقبل عبر المنظمات التي تم انشاؤها لهذا الغرض. وقد كانت منظمة راند( RAND ) أبرزها. كما أن التقرير المسمى: نحو افاق جديدة (Towards New Horizons), الذي قام بإعداده المستقبلي تيودور فون كارمان (Theodor von Karman) عام 1947, وبتكليف من المؤسسة العسكرية الامريكية كان باكورة اهتمام هذه المؤسسة باستشراف المستقبل. كذلك يُعد المستقبلي الأمريكي هرمان كان (Hermann Kahn) أول امريكي عمد إلى استشراف المستقبل علميا عبر ابتكاره لمقاربة بناء المشاهد (Scenarios Building), التي تم التطرق إلى مضمونها في أحد مقالاتنا السابقة.

ومنذ بداية نشأته صعودا،  اقترنت دراسات المستقبلات الامريكية بخصائص المد( النمو) في أحيان والجزر( التراجع ) في أحيان أخرى. ففي عقد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مثلا تميزت هذه الدراسات بالثراء الفكري والإنتاج الواسع، فضلا عن اتجاهها إلى الاقتران بالمأسسة، التي تجسدت لاحقا وتدريجيا في تعاقب انشاء جمعيات ومراكز متخصصة في التفكير العلمي في المستقبل وتطبيقاته العملية، فضلا عن تعاقب صدور دوريات علمية متخصصة. ولعل اول واهم هذه الجمعيات هي جمعية مستقبل العالم (The Future World Society), التي تأسست عام 1967 وأصبحت بمرور الزمان من بين أهم جمعيات استشراف المستقبلات في العالم.

كما أن من بين أبرز مظاهر الاهتمام الأمريكي في التفكير العلمي في المستقبل هو ادخاله في البرامج التدريسية للجامعات الامريكية ومنح شهادات عليا ( ماجستير ودكتوراه) في تخصصه العلمي. ويشير الباحث العربي، نواف وبدان الجشعمي، إلى أن هذه الجامعات تتوافر على 416 مقررا دراسية موزعة على 8 ولايات امريكية .

وجراء هذه التطورات الامريكية، شهدت الدراسات الامريكية في المستقبل خلال العقود السابقة قفزة نوعية مهمة. وقد ساعد على ذلك تصاعد الادراك الداخلي الأمريكي، الرسمي وغير الرسمي، لجدوى مخرجاتها العملية. بيد إن هذه القفزة لا تعني أن هذه الدراسات لم تشهد أيضا، وبالمقابل، تراجعا ملموسا خلال الأزمنة السابقة.

وتتعدد الرؤى في شأن هذا التراجع. فبينما يؤكد المستقبلي الامريكي ويندل بل (Wendel Bell) أن ذلك كان محصلة لعملية نقد ذاتي وإعادة تقيم لافتراضات الاستشراف الأمريكي للمستقبل ومبادئه ومفاهيمه ومقارباته. ترى المستقبلية الإيطالية ماسيني(Masini) أن السبب الأساس يكمن في افتقار هذا الاستشراف لمستقبليين جدد من أمثال أولئك الذين اقترنت بهم العقود السابقة على عقد الثمانينات. وبالمقابل يرى الباحث العربي محمد الخولي وبما يفيد أن انتهاء الحرب الباردة في عام 1990 ومن ثم تربع الولايات المتحدة الامريكية على قمة الهرم الدولي انعكس سلبا على استشرافها للمستقبلات. إذ افضى إلى استرخاء جانب منه.

ونحن نرى أن تأكيد، ويندل بل، أعلاه هو الأقرب لتفسير التذبذب في دراسات المستقبلات الامريكية بين النمو والتراجع، خصوصا وان تراجعها كان مؤقتا. ومما يؤكد ذلك نوعية الاقدام الأمريكي اللاحق على استشراف المستقبلات. فهذا اضحى يشمل شتى صعد الحياة وحقول المعرفة العلمية وبمخرجات جعلت الولايات المتحدة الامريكية تبدو وكأنها ورشة عمل مستقبلية المضمون والاتجاه. ولا نستبعد أن ما تقدم هو الذي دفع بالباحث العربي، محمد الخولي، إلى القول:” أن تأثير الولايات المتحدة الامريكية لا يكمن في استمرارية نوعية قدراتها الموضوعية على الفعل فحسب، وإنما أيضا في تلك النظرة التي ترتقب المستقبل دون أن تكون مكبلة بأغلال الماضي… (إنه) ذلك الشغف الإيجابي بما يأتي، وما يطرأ، وما يستجد. “

ان هذا الواقع أدى، وكما يؤكد المستقبلي الأسترالي، ريتشارد سلوترRichard A.Slaughter )) إلى أن يبقى عدد المستقبليين الأمريكيين، وبمختلف اهتماماتهم، هو الأعلى في العالم. وعليه لا غرابة في أن تتماهى النسبة العالية لعدد الدراسات المستقبلية الأمريكية المنشورة، بالمقارنة مع سواها، مع النسبة العالية لعدد المستقبليين الأمريكيين.

ويفيد واقع الاستشراف الأمريكي لمشاهد المستقبل أن مواضيع اهتماماته، وإن صارت تمتد على شتى حقول المعرفة العلمية ، بيد أن هذا الامتداد جعلها، في الوقت ذاته، تجمع بين خليط من الدراسات العلمية الجادة ودراسات أخرى لا ترتقي إلى مستوى الأولى. ولهذا عمدت المستقبلية الإيطالية ، ماسيني، إلى تصنيف مضامين دراسات المستقبلات الامريكية الجادة إلى ثلاث مجاميع أساسية : تكنولوجية، واجتماعية- سياسية، وعالمية.

فأما عن الدراسات التكنولوجية، التي تصاعد تأليفها بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها انصرفت، في البدء، إلى استشراف الأثر المستقبلي للتكنولوجيا العسكرية. ويعد المستقبلي الأمريكي هرمان كان أبرز رواد هذه الدراسات وكذلك الأكثر شهرة في الثلث الأخير من القرن العشرين. ففي كتابه الصادر عام 1977 بعنوان عام 2000: إطار افتراضات عن السنوات الثالثة والثلاثون القادمة (The Year 2000:A Framework for Speculation on the Next Thirty-three Years)،الذي يعتبر من بين اكثر مؤلفاته انتشارا، اكد متفائلا أن الإنسانية تمر في وقته بمرحلة انتقالية وإنها بانتهاء هذه المرحلة في عام 2000, تكون الإنسانية قد استطاعت إيجاد الحلول لمشاكلها المتعددة، هذا جراء التوظيف الإنساني لمخرجات التطور التكنولوجي .

أن تأكيد، هرمان كان، على دور التكنولوجيا لا يعد امتدادا لرؤى علماء وفلاسفة القرن التاسع عشر في دور العلم في تحقيق الارتقاء الحضاري فحسب، وإنما أيضا لرؤية كانت منتشرة في وقته داخل الولايات المتحدة ذاتها. فعدد من المستقبليين الأمريكيين كانوا قد أدركوا ان التأثير الحتمي للتكنولوجيا هو الذي سيفضي إلى أن يكون المستقبل التكنولوجي هو الخيار الوحيد امام الإنسان والمجتمع والعالم.

فأما عن الدراسات الاجتماعية- السياسية التي بدأت بالانتشار بين المستقبليين الأمريكيين مع منتصف العقد السادس من القرن الماضي صعودا فإنها جعلت من الآثار المستقبلية لاتجاهات التحولات الاجتماعية محط اهتمامها الأساس. ويًعد المستقبلي دانيال بل Danial Bell) ) ابرز هؤلاء المستقبليين وسواهم شهرة، هذا جراء نوعية مؤلفاته، ولاسيما كتابه حلول المجتمع ما بعد الصناعي

Coming of Post-Industrial Society)    (Theالصادر في عام 1973.ففي كتابة هذا ابتكر مفهوم المجتمع ما بعد الصناعي, ورأى أن خاصية المعرفة التي يقترن بها ستفضي ليس فقط إلى أحداث تغيير اجتماعي عميق فحسب, وإنما أيضا إلى أن تكون الجامعات ومراكز البحث في هذا المجتمع بمثابة البور الفاعلة للتأثير السياسي. ومن هنا دعا إلى بناء هياكل اجتماعية قادرة على التكيف مع تحديات المجتمع ما بعد الصناعي.

وأما عن دراسات المستقبلات ذات البعد العالمي، والتي بدأت بالانتشار مع أواخر عقد الستينيات من القرن الماضي صعودا فإنها أدركت العالم وكأنه شبكة متغيرات تقوم فيما بينها علاقات متداخلة ووثيقة الروابط. ولهذا عمدت إلى استشراف مشاهد المستقبل العالمي انطلاقا من الإجراءات المنهجية لمقاربة النماذج العالمية التي سبق لنا تناولها في أحد مقالتنا المنشورة في مجلة الحصاد.

وعلى خلاف تصنيف المستقبلية ماسيني لاتجاهات دراسات المستقبلات الامريكية، انطلق المستقبلي الأسترالي، سلوتر، الذي يًعد أحد الناقدين البارزين في العالم لمضامين الاستشراف الأمريكي لمشاهد المستقبل. فعلى الرغم من أنه رأى أن هذا الاستشراف يقترن بدراسات أصيلة، الا أنه أكد، في الوقت ذاته، أنه يقترن أيضا بدراسات تتميز باختلالات هيكلية واضحة، ومن هنا عمد الى تصنيف مجمل هذه الدراسات واصحابها ثلاثيا إلى سطحية ، وعملية ، وانتقادية.

فأما عن الدراسات السطحية فهي تلك التي أطلق عليها دراسات البوب Pop Studies))، واصحابها بالمستقبليين السطحيين. ومن المعروف أن البوب نوع من الموسيقى الصاخبة التي يحبذها المراهقين الشباب. وعنده وسواه تتماهى هذه الدراسات مع معطيات اقتصادات السوق، وتحليلات وسائل الاتصال الجماهيري، والمناخ النفسي الداخلي السائد، ولغاية تكمن في تحقيق الفائدة المادية. لذا يؤكد، سلوتر، أن رؤى أصحاب هذه الدراسات تتميز بافتقارها للعمق.

وأما عن الدراسات العملية Practical Studies)), وأصحابها العمليون، فهي تلك التي ترى أن المجتمعات المعاصرة صارت، جراء عملية تغيير العالم، تجابه بتحديات متعددة المضامين وأن مستقبلاتها تتحدد على وفق نوعية استجابتها لهذه التحديات. ومن هنا ينصرف اهتمامهم إلى تقديم رؤى عملية لكيفية التعامل الرشيد مع هذه التحديات. ويوكد، سلوتر، أن هذا النمط من الدراسات يشكل التيار الأساس للانشغال في استشراف المستقبلات.

وأما عن الدراسات الانتقادية (Critical Studies), واصحابها بالانتقاديين، فهي تلك التي تعمد إلى الغوص في أعماق مواضيع اهتماماتها لاستشراف مالاتها المتعددة ويستخدمون لهذا الغرض مقاربات نقدية. ويؤكد، سلوتر, أن المستقبليين الانتقاديين سيشكلون الجيل الجديد من المستقبليين ليس فقط في الولايات المتحدة الامريكية فحسب, وإنما في العالم أيضا.

ومنذ الآخذ بالتفكير العلمي في المستقبل في الولايات المتحدة الامريكية في اربعينيات القرن الماضي وهو يتبنى منطلقات فكرية من نوعين مختلفين: الاول يرى أن المستقبل يًعد امتدادا اتجاهيا لنسق الماضي. ومن هنا كان التنبؤ بالمشهد الذي يفيد به هذا الاتجاه هي الغاية الأساس للدراسة. أما المنطلق الثاني فقد ذهب إلى العكس، مؤكدا على أن المستقبل إنما يعبر عن مشاهد متعددة وبديلة وأن استشراف الممكن والمحتمل والمرغوب فيه هو المطلوب.

وتجدر الإشارة إلى أن كثافة الآخذ أمريكيا بكل من هذين المنطلقين تباين من وقت إلى أخر. فبينما تبنى أوائل المستقبليين الأمريكيين المنطلق الفكري الأول تماهيا مع فكرة غربية قديمة يستوي مضمونها ومفهوم الحتمية التاريخية مفادها أن المستقبل ينشا في الماضي ويكون، في الوقت ذاته، محكوما به، عمد اخرون لاحقا إلى الآخذ بالمنطلق الفكري الثاني. وقد كان تأثير الاستشراف الفرنسي للمستقبل، الذي سنبحث فيه في مقالنا القادم، أحد أبرز المتغيرات التي أدت إلى ذلك.

وقد تبع هذا التحول الفكري تحول مماثل في استخدام كلمة المستقبل. فبعد ان كانت هذه الكلمة تستخدم بدالة المفرد (The Future)  من قبل دعاة المنطلق الفكري الأول، صارت هذه الكلمة تستخدم بصيغة الجمع (The Futures) تأكيدا لمضمون المنطلق الفكري الثاني أعلاه. وقد افضى هذا التحول إلى أخر. فبدلا من عبارة دراسة المستقبل ( The Study of the Future)  صارت عبارة دراسات المستقبلات (Futures Studies) هي البديل والأكثر انتشارا داخل الولايات المتحدة الامريكية وكذلك في العالم.

وبهذا الصدد، لنتذكر أن رفض جمعية مستقبل العالم الامريكية، المشار اليها في أعلاه، لفكرة انغلاق المستقبل على مشهد واحد وحتمي ومن ثم التنبؤ به, لصالح فكرة انفتاح المستقبل على مشاهد بديلة ومتعددة هو الذي دفعها إلى استطلاع اراء أعضائها وقراء مجلتها الموسومة بالمستقبلي(The Futurist) بشأن التسمية المفضلة لديهم. وقد قامت في عام 1975 بنشر حصيلة هذا الاستطلاع في العدد الرابع من مجلتها. وبموجبه تبين أن الأغلبية العظمى من الآراء، وبنسبة 72% قد دعت إلى الاخذ بتسمية دراسات المستقبلات.

وغني عن القول إن انتشار هذه التسمية عالميا لا يعني أن غيرها لا يجد استخدما هنا وهناك، هذا وعلى الأرجح جراء استمرار الاخذ بالفكرة الخاطئة التي مفادها انغلاق المستقبل على مشهد واحد وحتمي . وكثير من الباحثين العرب لازال مستمرا في الآخذ بها.

وأخيرا نقول أن التفكير العلمي في المستقبل وتطبيقاته العملية، أي دراسات المستقبلات، وبعد نحو ستة عقود من التطور لم يعد احتكارا أمريكيا كما كان في بداياته التاريخية.  فالمستقبليين صاروا اليوم ينتشرون في العالم، ولهم مساهمات جادة ومؤثرة في تطوير هذه الدراسات تعبر عن رؤى ثقافية متعددة ومهمة. ولهذا سنعمد عبر سلسلة من المقالات اللاحقة إلى تناولها بالبحث تباعا.

وللبرهنة على ما تقدم يشير كمثال إلى أن موسوعة المستقبل(The Encyclopaedia of the Future) الصادرة عام 1996, والتي جمعت دراسات مائة مستقبلي قالت عنهم أنهم الأكثر تأثيرا، جعلت حصة المستقبليين من غير الأمريكيين وكذلك غير الاوربيين في حدها الأدنى مقابل الحصة الكبرى للمستقبليين الأمريكيين والأوربيين.

أن الخلل الهيكلي في دراسات المستقبلات الامريكية متفاعلا مع نزوع بعض المستقبليين الأمريكيين إلى الهيمنة الفكرية لا يلغيان، مع ذلك، أن الاستشراف الأمريكي للمستقبل يتميز بدراسات ذات مضامين أصيلة وبحصيلة أفضت إلى تراكم معرفي مهم ساعد على الارتقاء بالتفكير العلمي في المستقبل وتطبيقاته العملية إلى أفاق أرحب. وتكفي الإشارة مثلا إلى مؤلفات إدوارد كورنيش، ووندل بل، وجيمس داتور مثلا.