الجمالية في الفكر الأندلسي

ليست الأندلس مجرد ماضٍ نحنّ إليه، بل أفق يتّسع لأسئلة المعنى، وساحة تتقاطع فيها الفلسفة بالفن، والتصوف بالخيال. على هذا التصور، يبنى كتاب ” الجمالية في الفكر الأندلسي: من تأليف المستعرب الأسباني خوسيه ميغيل بويرتا بيلتشيز، وترجمة الباحث جعفر العلوني. يمضي الكتاب الصادر حديثاً عن “مؤسسة الفكر العربي”، في قراءة جديدة للفكر الجمالي العربي من خلال تجربة الأندلس، مستعرضاً أفكار أعلام كبار كابن حزم، وابن طفيل، وابن رشد، وابن عربي، وابن خلدون، ومبرزاً كيف تجاوزوا الموروث ليؤسسوا تصورات غير مألوفة عن الجمال والمعرفة والحضور الإنساني. في إطار سعي المؤسّسة إلى تسليط الضوء على التراث العربيّ من منظورٍ فكريّ وجماليّ حديث.

في قلب هذا المشروع الفكري يبرز قصر الحمراء لا كأثرٍ فنّيٍّ فحسب، بل كمعمارٍ للروح ومجالٍ حيٍّ لما يسمّيه المؤلّف “جماليّة المطلَق”، حيث تلتقي الصورة بالكلمة، ويصبح التأمّل طريقًا للفهم. إصدارٌ يعيد وصل الفكر العربيّ الكلاسيكيّ بأسئلة الحاضر، ويدعو القارئ العربيّ والغربيّ معًا إلى إعادة النظر في مكانة الجمال داخل الحضارة الإسلامية.

يأتي هذا الكتاب في إطار سعي المؤسّسة إلى تسليط الضوء على التراث العربيّ من منظورٍ فكريّ وجماليّ حديث، وهو ثمرة أكثر من ثلاثين عامًا من البحث في الفكر والفنّ الإسلاميَّين، أمضاها المؤلّف في تتبّع إرث قصر الحمراء، واستكشاف معالم الجماليّة العربيّة الإسلاميّة التي لطالما تمّ تهميشها في الأوساط الأكاديميّة الغربيّة.

يضمّ الكتاب مجموعةً من الدراسات التي تتناول تطوّر الجماليّات في الفكر الأندلسيّ، من خلال أعمال أعلامٍ الأندلس، ويطرح المؤلّف مُقاربةً تربط بين البُعدَين الأخلاقيّ والتعليميّ في الشعر والفنون، كما يتعمّق في صوفيّة ابن عربي ورؤيته عن الجمال والحبّ الكونيّ، حيث يحتلّ الخيال والتلقّي والتأويل مكانةً مركزيّة.

يتناول الكتاب كذلك مفاهيم الجمال في نتاج ابن الخطيب وغيره من الأدباء في آخر مملكة أندلسيَّة، ويولي اهتمامًا خاصّاً لقصر الحمراء، باعتباره نموذجًا حيًّا لما يسمّيه المؤلّف “جماليّة المُطلَق”، حيث تنصهر الكلمة بالصورة، والواقع بالروح، والإنسان بالخالق. ويشدّد بويرتا في هذا العمل على خصوصيّة التجربة الأندلسيّة داخل الحضارة الإسلاميّة، ويدعو إلى إعادة قراءة الفكر العربيّ الكلاسيكيّ كرافدٍ مؤسِّس للفكر الجماليّ العالميّ.

يدعو هذا الإصدار القارئ العربيّ والغربيّ على حدٍّ سواء، إلى إعادة اكتشاف الأندلس، لا بوصفها ماضياً مجيداً فحسب، بل كمختبرٍ حيٍّ لأفكار الحداثة والمعنى والجمال.

الصور

1 غلاف الكتاب.