توقعات بأن تؤدي تهديداته إلى نتائج عكسية… ومخاوف من حرب تجارية
* يبدو أن ترامب جاد هذه المرة في فرض الرسوم الجمركية التي يصفها بانها أجمل كلمة في القاموس
*هدد الرئيس المنتخب برسوم جمركية مرتفعة جداً على كندا والمكسيك والصين
* توعد دول “بريكس” بقيود جمركية صارمة في حال إقرار العملة الموحدة
عندما يعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) المقبل، من المرجح على نطاق واسع أن تلعب الرسوم الجمركية مرة أخرى دوراً رئيسياً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.
ويبدو أن ترامب جاد هذه المرة في فرض الرسوم الجمركية التي يصفها بانها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة “كانتور فيتزجيرالد” في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه الرئيس المنتخب إنه “سيتولى ملف التجارة والتعريفات”.
كما أنه من خلال استهداف المكسيك وكندا، فضلاً عن الصين، (التي تمثل معاً حوالي 43 في المائة من السلع الواردة
إلى الولايات المتحدة) فإنه يؤكد التهديدات التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية والتي بدت الأكثر غرابة بين تصريحاته.
وكان ترامب تعهد بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25 في المائة على جميع المنتجات القادمة من المكسيك وكندا وزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية الصنع بنسبة 10 في المائة، في اليوم الأول لإدارته.كما قال مراراً خلال حملته الانتخابية إنه يخطط لفرض تعريفة شاملة تتراوح بين 10 في المائة أو 20 في المائة على كل واردات قادمة إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تعريفة جمركية تصل إلى 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، في محاولة لتشجيع التصنيع الأميركي.
يُرجح أن الأساس المنطقي الذي تقوم عليه القيود التي يستهدف ترامب فرضها على الواردات الأميركية لا يتعلق في المقام الأول بالتجارة أو السياسات الاقتصادية. بل يتعلق بالضغط على المكسيك وكندا والصين لتغيير سياساتها في التعامل مع الهجرة وأنشطة المخدرات غير الشرعية. فمعروف أن ترامب يستخدم الرسوم الجمركية كسلاح دبلوماسي، وحتى كوسيلة لإجبار دول أخرى على أشياء يريدها، في أمور لا علاقة لها على الإطلاق بالتجارة العالمية.
ويريد ترامب تغيير الخريطة الاقتصادية العالمية جذريا، وتقليص الفائض التجاري للصين وأوروبا مع الولايات المتحدة، والذي يرى أن اتساعه يُعد “تمزيق للولايات المتحدة”.
التعريفات والأسعار
ومن شأن الرسوم الجمركية أن تزيد التكاليف وتمن حالة عدم اليقين في جميع الاقتصادات المعنية، وأن تقوض اتفاقية التجارة التي وقعها ترامب مع كندا والمكسيك في ولايته الأولى. ووفقاً لخبراء التجارة والاقتصاد، فإن تهديد ترامب قد يمهد الطريق لحرب تجارية عالمية مريرة، حيث حذر المستهلكون والشركات من الاستعداد لتكاليف باهظة.
وهو ما أشار إليه بوضوح المدير السابق في منظمة التجارة العالمية كيث روكويل الذي توقع أن تشعل خطوة ترامب حرباً تجارية. وقال: “تصدر الولايات المتحدة بضائع بمئات المليارات من الدولارات إلى هذه الدول.. أي شخص يتوقع أنها ستقف صامتة ولن تنتقم فإنه لم يكن متنبهاً”.
وأشارت الصين من جهتها إلى أن أحداً “لن يربح حرباً تجارية أو حرب رسوم جمركية”. أما كندا فحرصت على الإشادة بالعلاقات الاقتصادية “المتوازنة والمفيدة للطرفين” التي تربطها بالولايات المتحدة.
ومن جانبها، هددت المكسيك بأنها سترد إذا نفذ ترامب اقتراحه، وهو الإجراء التي حذرت من أنه قد يؤدي إلى فقدان 400 ألف وظيفة أميركية وزيادة الأسعار للمستهلكين الأميركيين.
وحذر صندوق النقد الدولي من أن الرسوم الجمركية المقترحة قد تضر بالنمو العالمي، وقال إنها قد تؤدي إلى حروب تجارية متبادلة تتسبب في إفقار الاقتصادات المشاركة في النزاع والاقتصاد العالمي الأوسع.
هذه المرة… الأمر مختلف
في فترة رئاسته الأولى، لم تُحدث التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب تغييراً يذكر في الاقتصاد، ولكن هذه المرة قد تكون مختلفة. فعندما أصبح ترامب رئيساً لأول مرة في عام 2017، جمعت الحكومة الفيدرالية34.6 مليار دولار من الجمارك والرسوم الجمركية والرسوم. وتضاعف هذا المبلغ إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 70.8 مليار دولار في عام 2019، وفقًا لسجلات مكتب الإدارة والموازنة.
وعلى الرغم من أن هذا المبلغ قد يبدو ذا مغزى، إلا أنه كان صغيراً نسبياً مقارنة بالاقتصاد الكلي، وفق “أسوشييتد برس”.
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لأميركا الآن 29.3 تريليون دولار، وفقًا لمكتب التحليل الاقتصادي. ويعادل إجمالي الرسوم الجمركية التي تم تحصيلها في الولايات المتحدة أقل من 0.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن الرسوم الجديدة التي يطرحها ترامب الآن أكبر بكثير وقد تكون لها تأثيرات أكبر بكثير. وإذا واجهت المكسيك وكندا والصين التعريفات الإضافية التي اقترحها ترامب على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، فقد يساوي ذلك تقريباً 266 مليار دولار من حصيلة الضرائب.
ومن هذا المنطلق، حذر الديمقراطيين ومجموعات الأعمال من المخاطر الناجمة عن تهديدات ترامب. ووضع الديمقراطيون في مجلس النواب تشريعاً لتجريد الرئيس من قدرته على تطبيق تعريفات جمركية أحادية الجانب بهذه الصرامة، محذرين من أنها ستؤدي على الأرجح إلى ارتفاع أسعار السيارات والأحذية والمساكن. مع العلم أن هذا الإجراء رمزي إلى حد كبير بالنظر إلى سيطرة الجمهوريين القادمة على كل من مجلسي النواب والشيوخ.
… التهديد يطال “بريكس”
وتوسع ترامب في تحذيراته حتى طالت مجموعة “بريكس” التي حذرها من إنشاء عملة جديدة بديلة للدولار، مهدداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المائة إذا أقدمت على ذلك.
وكما هو معلوم، فإن دول “بريكس” على أكثر من 40 في المائة من احتياطيات المصارف المركزية عالمياً. وقد ناقشت تقليص الاعتماد على الدولار، بما في ذلك فكرة إنشاء عملة موحدة للتعاملات البينية.
ويثير حديث ترامب عن الرسوم الجمركية مخاوف من تضرر الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. فمن شأن فرض تعريفة جمركية بنسبة 100 في المائة على الحدود الأميركية، إذا ما تم تطبيقها، أن يؤدي إلى ارتفاع حاد في تكلفة السلع من أعضاء مجموعة “بريكس”، مما سيؤدي إلى تغذية التضخم في الولايات المتحدة وزعزعة استقرار التدفقات التجارية العالمية.
وتتكون مجموعة “بريكس” في الأصل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وانضمت إليها مصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا وإيران.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة دول “بريكس” بالدعوة إلى نظام دفع بديل. وقال إنه ليس ضد العملة الخضراء ولكنه يعترض على تسليحها.
“نحن لا نرفض الدولار ولا نحاربه، ولكن إذا لم يسمحوا لنا بالعمل به، فماذا يمكننا أن نفعل؟ علينا إذن أن نبحث عن بدائل أخرى، وهو ما يحدث الآن”، هذا ما قاله بوتين في قمة أكتوبر (تشرين الأول)، حيث نصح المنظمون ضيوف القمة بإحضار الدولار واليورو.
وبحسب مراقبين أنه لا داعي لأن تقلق الولايات المتحدة وترامب من قيام دول “بريكس” بإنشاء عملة جديدة منافسة للدولار. فقد وضع بوتين بالفعل فكرة العملة المشتركة على الرف، على الرغم من أن روسيا تروج للتجارة بالعملات المحلية والعملات المشفرة.
على أي حال، وبحسب أحدث تقرير يجريه بنك التسويات الدولية كل ثلاث سنوات لعام 2022، تُعتبر أي محاولة لإزاحة الدولار عن عرشه مهمة بالغة الصعوبة؛ إذ شكّل الدولار نحو 88 في المائة من إجمالي التداولات اليومية في سوق العملات الأجنبية البالغ حجمها 7.5 تريليون دولار.
لكن مراقبين يرون أن ضغط ترامب المتجدد على الدول حول العالم للبقاء ضمن نظام مالي قائم على الدولار الأميركي قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
يقول مارك سوبل، وهو خبير متقاعد في سياسة العملات لمدة 40 عاماً عمل في وزارة الخزانة الأميركية، إن فكرة الدول الناشئة لإنشاء عملة موحدة خاصة بها هي “هواء ساخن”. كما يقول آخرون إن تصريحات ترامب قد تزيد في الواقع من احتمالية إبرام مثل هذه الاتفاقات مع بحث الدول عن طرق لتجنب الدولار.
وبحسب “دويتشيه بنك”، فإن التعريفات الجمركية التي تركز على مجموعة “بريكس” لن تساعد الاقتصاد الأميركي.
كما قال براد سيتسر، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، إن الحرب التجارية مع البرازيل والهند والصين لن تساعد الاقتصاد الأميركي.
تستخدم البرازيل دولاراتها من التجارة مع الصين لشراء السلع الأميركية. وقد يؤدي التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المائة على الهند إلى الإضرار بانحياز البلاد إلى الولايات المتحدة، كما أن الرسوم الجمركية المرتفعة على البضائع الصينية ستكون “صدمة كبيرة للولايات المتحدة” حيث من المرجح أن ينقل المستوردون الأميركيون التكلفة إلى المستهلكين.
يبدو أخيراً أن تهديدات ترامب بالتعريفات الجمركية يمكن أن تكون مجرد وسيلة ضغط للحصول على ما يريد – لأن هذه هي الطريقة التي لعب بها في ولايته الأولى. فهل ينجح في الوصو إلى مرامه في ولايته الثانية؟