تعلق المريض بقشة ما ورائية خوفاً من الموت
بدأ الطب في عصور ما قبل التّاريخ، وكان يسمى بالطب الشعبيّ.حيث كانت تستخدم أنواعاً من الأعشاب والنباتات للشّفاء من بعض الأمراض.
كانت العلاجات العشبية تُستعمل للحالات الشائعة كالسّعال ونزلات البرد والأمراض الجلدية البسيطة.
وكانت تعرف فاعليتها عن طريق التجربة والخطأ.
أمّا بالنسبة للدين والسّحر فكان لهما دور مهم في محاولة علاج الأمراض الصعبة، التي عجز الطب التقليديّ والخلطات المنزلية عن شفائها في ذلك الوقت.
فالتعاويذ والتعازيم والبخور وغيرها، كانت بمثابة وسائل نفسية ونوعاً من أنواع التخدير الروحيّ للمريض.
هكذا يتبيّن لنا أن الطب في مراحله الأولى كان مصاحباً للسّحر، فالأطباء لم يكونوا سوى مشعوذين، لا مكان للعلم وتجاربه في خلطاتهم الروحية القائمة على الدّجل أولاً وأخيرً.
كان ابقراط ولقبه أبو الطب الحديث قد فصّل فعلياً بين المعتقدات الدّينية وبين ممارسة الطب كمهنة قائمة على تشخيص المرض وإعطاء الدواء المناسب، وقد ربط عملية الشّفاء بمجموعة من الممارسات السّلوكية والعملية.
ونجد أيضاً أن المصريين القدامى استخدموا الأعشاب المختلفة في علاجاتهم وشرّحوا جسد الإنسان من خلال المومياوات وذلك لمعرفة عمل القلب والأوعية الدموية، وقد توصلوا إلى تنظيم النسل وتحديد الحمل عند النساء، إضافةً إلى اكتشاف علاجات للأمراض المتعلقة بالعيون والعظام المكسورة والحروق الصعبة.
من هنا نُدرك أن الشعوب والحضارات الأولى بذلت جهوداً كبيرة لعلاج الأمراض على أنواعها، وقد وقفت عاجزة أمام الكثير من الأوبئة على امتداد التّاريخ مثل الطاعون والجدري والملاريا وغيرها، ورغم التطور الكبير للعلم في عصرنا الراهن إلا أن هناك بعض أنواع السرطانات والإيدز وغيرها من الأمراض التي لم يجد العلم دواء لها حتّى اللحظة.
أمّا الطب الحديث فقد رست أسسه على علاج المريض روحياً وجسدياً وهو ما يسمى بالعلاج الوهميّ، والذي قد يحد بشكل كبير من تدهور صحة المريض ويساعده على التّعافي.
إن هذا النوع من العلاج يعكس حكمة الأطباء البدائيين في تخليص المريض من أوجاعه الدّاخلية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل الطب البديل يمكن أن يُغني عن الدواء والطبيب المختص؟ وهل اللجوء إلى العطارين سببه الفقر واليأس من الشّفاء، أو التخلف والإيمان بالموارائبات؟
الطب البديل هو أسلوب علاجيّ، وهو يختلف عن الطب الحديث الذي يمارسه الأطباء في عياداتهم، إذ يهتم بالعلاقة بين النفس والجسد عبر استخدام الأعشاب المختلفة ومن خلال بعض التقنيات لاستكمال عملية التعافي.
ونذكر في هذا السّياق بعض أنواع العلاجات كالتنويم المغناطيسي، تقويم العمود الفقريّ، التأمل، الطب الصيني التقليدي، الأيورفيدا، التّداوي بالأعشاب وغيرها وهي بمعظمها موروثات اجتماعية وثقافية، تلعب دوراً نفسياً، لكنها لا تُغني عن الطبيب الحقيقيّ الذي قضى نصف عمره في الدّراسة والتحصيل الأكاديميّ.
وقد أثار هذا النوع من العلاج جدلاً كبيراً، إذ اعتبره البعض ناجحاً وفعّالاً وبديلاً للطب التقليديّ، بينما البعض الآخر وجد أنّه مهم لكنه لا يُلغي مهنة الطب. في حين لم يعترف النخبة بجدواه وأهميته باعتباره زائفاً وغير خاضع لمنطق العلم والاختبارات والأدّلة المثبتة سريرياً.
انطلاقاً من هذه الفرضية يمكننا التطرق لعمليات النصب والدّجل المرافقة لهذا النوع من العلاج، فبعض المعالجين “ورث المصلحة” عن أجداده، لذلك فهو يُمارس مهنته “بين هلالين” من خلال عملية التّقليد والنقل، فهو غير متخصص في الجامعة بل مجرد وريث لعمل يدر عليه المال والربح السريع.
لذلك فإن الطب البديل ليس سوى مصطلح باهت لكوارث قد تصيب المريض نتيجة عوامل كثيرة قد يتعرض لها بسبب جهله بالمخاطر المحدقة، والتي قد تؤدي به إلى التهلكة.
يقول ريتشارد دوكيز:” لا يوجد أيّ دواء بديل”.
بمعنى أن هذا النوع من الطب هو بمثابة تقليد ثقافي موروث، يرفضه العلماء والمتخصصون بسبب عدم مراعاته للشروط العلمية أو السريرية المثبتة والفعّالة في مداواة المرضى.
إن العالم الحديث جعل الإنسان في سباق مع نفسه، لذلك بات مُعرضاً أكثر من ذي قبل للمشاكل الصحية والنفسية، كذلك لمخاطر الرأسمالية والتوتر بسبب متطلبات العيش برفاهية، حيث يعتبر هذا العصر مخاتلاً وقائماً على تحصيل الأمور المادّية والنفعية.
من هنا فإن تيارات مناهضة لهذا النمط من الحياة تدعو إلى فك الارتباط بالمادة والعودة إلى الطبيعة كخيارغريزيّ،كون الإنسان جزءاً منها.
وتشمل هذه العودة، إحاطة الذات بكل ما هو طبيعيّ من غذاء ودواء وعلاج نقسيّ وذلك من خلال تغيير أسلوب الحياة والتّداوي الجسديّ والنقسيّ بهذا العالم وطاقاته المثالية للشّفاء، سواء عن طريق الأعشاب أو التأمل أو الاندماج بعوالم مريحة يؤمنها التواصل مع عالم مسالم لا ربح فيه ولا خسارة.
قد يساعد تغيير نمط الحياة في مداواة النفس، إذ أن هذا النوع من الثقافة ليس جديداً، بل قديم قدم الإنسان، لكن يجب أن يترافق مع الوعي ونضوج الجسد والعقل على حدّ سواء، فكما يوجد مشاكل واضطرابات في العلاقات خارج هذا العالم، كذلك فإن تصديق الجانب الآخر لا يعني بالضرورة أنتهاء المشاكل سواء الصحية او النفسية، فالتداوي بالأعشاب له مخاطره ومن يمارس هذه المهنة ليس منزهاً او قديساً، والدليل وفاة الكثيرين على أيدي مثل هؤلاء الدّجالين، بسبب وصفات غير مدروسة ولا تناسب داء المرضى.
ان قدرة هذه الاعشاب على الشّفاء، قد تكون صحيحة لكن استجابات الأفراد لها مختلف، فعلى الرغم من فوائدها ومساهمتها في علاج بعض الحالات، فإنّها في المقابل قد يتسبب بتدهور حالة المريض وإصابته بأنواع من التسمم، وأعراض جانبية خطيرة، منها تلف الأعضاء وصولاً إلى الموت، في حال تناولها بجرعات زائدة.
نذكر على سبيل المثال ” شاي ستيرال” الذي قد يتسبب في الفشل الكلويّ على الرغم من أنّه يعمل كمضاد للأكسدة ويزيل الآلام. كذلك فإن الثوم والزنجبيل يفيدان في علاج الصداع، إلا إنّهما يسببان ميوعة الدم ومنع تجلطه، ممّا يعرض المريض لنزيف مستمر.
يجدر بالذكر أن أنواع الطب التّكميلي أو البديل تشمل أيضاً طب العقل والجسد والمعالجات البيولوجية، الممارسات بالمناورة المعتمدة على الجسد، بالإضافة إلى المعالجات بالطاقة.
تعتمد معظم هذه التقنيات على تشخيص الأمراض من خلال فلسفة محددة وتحديد طريق العلاج مع المريض، فنجد أن نظرية العقل والجسد تسعى للتطبيب من خلال أساليب سلوكية ونفسية واجتماعية وروحية للحفاظ على الصحة، باعتبار أن العوامل النفسية والعاطفية هي السبب الأساسيّ للأمراض البدنية.
ومن تقنياتها الشائعة والمثبتة بالتجارب والتي تساعد في علاج الألم المزمن والصدّاع وغيرها هي التخيّل المًوجه، الارتجاع البيولوجي،العلاج بالتنويم، التأمل وتقنيات الاسترخاء.
أمّابالنسبة للمعالجات البيولوجية فهي تشمل الطب النباتي،كذلك العلاج بالاستخلاب أواتّباع نطام غذائيّ صحيّ.
إن الممارسات بالمناورة المعتمدة على الجسد فهي تعالج الأمراض بالاعتماد على الجسم نفسه، باعتباره قادراً على شفاء نفسه بنفسه.
وهي تنطوي أيضاً على علاج تقويم العمودالفقري،الحجامة، التدليك،الكي،الوخز بالإبر، علم المنعكسات،غواشا أي دعك الجسم بعملة معدنية أو ملعقة.
لكن هذه العلاجات لها مخاطرها في حال استخدمت بطريقة خاطئة وعنيفة، فإنها قد تتسبب بآفات صحية، كذلك فإن الدراسات لم تكشف مدى صحتها وفعاليتها.
تعتمد المعالجات بالطاقة الموجودة في الجسم وحوله على استخدام الحقول الحيوية ومصادر الطاقة الكهرومغناطيسية للتأثير في الصحة والتعافي، وهي تعتقد بوجود قوة الحياة العامة أوالطاقة الخفية حول الجسم وداخله، وتدعم الأدلة العلمية وجود هذه الطاقة رغم عدم قدرتها على إثباتها أو قياسها ،
وهي تعتمد في العلاج على الإبر الصينية،المغناطيس،الطب الصيني التقليدي،الرّيكي واللمسة العلاجية.
إن المعالجين بالطاقة يعتمدون على وضع أيديهم بالقرب من الجسد، واستخدام هذه الطاقة في التأثير على الطاقة العليلة للشخص المصاب.
على مبدأ: ” البسمة في وجه المريض، هي نصف الطريق للشّفاء”.
في النهاية يرسم الموت أمراضاً وخدعاً، ويبقى العلاج الأول والأخير للمرض هو العلاج الروحيّ والتّصالح مع كل الأفكار المحتملة.
أمّا عن لجوء المريض إلى حلول خارج نطاق الطب والعيادات والمستشفيات المتخصصة، فليس حلا ناجعاً، خاصةً في الحالات الخطيرة والتي تتطلب علاجاً متكاملاً.
من هنا فإن بدائل الطب الحديث قد تكون مفيدة للبعض، الذين تتفاعل أجسادهم بطريقة سحرية مع هذه العلاجات. أمّا البعض الآخر فقد يكون ضحيّة سهلة للموت بسبب تناوله علاجات غير مناسبة وخضوعه لتقنيات خاطئة عند بعض تجار الطب البديل.
من هنا فإن العودة إلى الطبيعة والعلاج الروحيّ من تلوث الحضارة يبدو مهماً، شرط أن يترافق مع الوعي والتمييز بين الدّجالين والأطباء الحقيقيين.
ويبدو قول الفارابي:” أهم أجزاء العلاج هو الرغبة في الشّفاء”
ينطبق على كل الأزمنة والأمكنة والمرضى الذين يطمحون في الشّفاء، لأنّ الحياة تخبّئ لهم نهايات سعيدة.