تتردّد التهديدات الدولية لرؤساء الدول الكبرى حيال مفاهيم العظمة لتترك غموضاً وخوافاً يتردّد تلويحاً بالقنابل النووية. صحيح أنّها أسلحة توازن تحفظ مكانات الدول الكبرى لكنها تبقى تُهدد البشرية أمام لحظة جنونٍ تضغط على 7 مفاتيح موزعة على سبع مرجعيات عسكرية بما يُبقي النووي سلاحاً مغمّساً بالتهديد المُرعب حتى قبل الاستعمال. قد تكون إيران اليوم كما يبدو، هي الهم النووي المعاصر الظاهر بل المُقيم لا في ذهن العالم لا على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مباشراً ولايته الثانية في البيت الأبيض مسكوناً بخواف كشف الإستراتيجيات المنتظرة لكأننا على أبوابٍ خطيرة لم تتّضح ملامحها أو مقاصدها بعد. كان وقع الكلمات الأولى المرتجلة لترامب في ولايته الثانية، قلع بقايا الفلسطينيين من غزّة وتحميلهم أو شحنهم (هكذا) نحو الأردن ومصر لكأنها الكارثة لا القشة التي قصمت ظهر المستقبل والأحلام في أفواه الجائعين والنازحين الفلسطينيين قبل دفنهم لشهدائهم، بل إطفاء شعاع المستقبل وألق القرن المخيم تباهياً أمام الدنيا بمقتنيات الذكاء الاصطناعي وصراعاته الجنونية المستقبلية. كان يكفينا توقيع الرئيس ترامب من دون أية أقنعة على العديد من القرارات مستعرضاً أمام البشرية قلمه المشابه للمسدّس الأسود، وخلفه الموقد المشتعل يصفّ ترامب الثاني فوق رفوفه صوراً عائلية وسياسية وفي مقدّمها صورة صغيرة ل: فريد جدّه المُهاجر من المانيا نحو أميركا تاركاً خلفه كروم العنب ليمارس في أميركا مهنة الحلاقة والعمل في الفنادق وإلى جانبها صورة لوالدته الآتية من اسكوتلندا بعدما أعياها القعود داخل الأسماك الضخمة لتفريغها قبل تصديرها نحو أسواق أميركا والعالم.
أحاول اختصار التاريخ المُغلّف بإنتاج قنابل التدمير النووي المُقيمة في أذهان سلاطين العظمة الدولية. لماذا وكيف؟
لأنّ روسيّا بوتين تُهدد بالنووي وكانت قد حسرت عن ترسانتها النووية بكونها تمتلك أكبر مخزون نووي في العالم قوامه 5977 رأس حربي، بينها 977 تستطيع تسوية مدنٍ بالأرض ومحوها عن الخرائط، وقدّمت أسماءها: صاروخ يصل مداه إلى 11000 ميل، وآخر إلى 7500 ويصعب تعقبهما، بالإضافة إلى أسلحة نووية تكتيكيّة تقتل أكبر عدد من الجنود إلى صاروخ “كإنزال” الذي يُطلق من الطائرة وتفوق سرعته سرعة الصوت ب 12 ضعفاً، ثمّ الغوّاصة “بوساي دون” التي تتخفّى تحت الماء لسنوات قبل أمر إطلاق قذائفها المساوية 2 ميغا طن أي بما يتجاوز انفجار هيروشيما ب 130 مرّة. يبدو بوتين متأزماً حتى وصول ترامب مجدداً لذلك التغوّل الغربي الذي أقلقه عبر دعم أوكرانيا بانتزاع بقايا عظمته. وهنا يبقى بقايا الخوف من الآتي عبر شفاه زعماء العالم عبر وسائل الإعلام. كانت أميركا الدولة الأولى التي امتلكت السلاح النووي.
اختبرت تفجيرها الأوّل في صحراء “نيومكسيكو”(16 تموز/يوليو 1945) ثم ّفي وجه اليابان في 6 و9 آب/ٍ أغسطس 1945.حاولت احتكاره قانونياً في الأمم المتحدة عبر مشروع “برنار باروخ”، لكن الإتحاد السوفياتي رفض بشكلٍ قاطع ليمتلك سلاحه النووي في العام 1949، واستخدمه في خطواته نحو الفضاء (1957) بصاروخ حمل اسم “سبوتنيك” أول قمر أعلن عبره الرعب النووي يومها في العالم. وكرّت الدول لتُدخل أعناقها في سلسلة السبحات النووية: بريطانيا (1952)، فرنسا(1960)، الصين (1964). تمّ عقد “العظمة” الماحقة بين الدول الخمسة الظافرة في الحرب العالمية الثانية بامتلاكها حق النقض أو “الفيتو” الدولي. صعدت باكستان (1974) سلّم البحث النووي وتبعتها الهند تحقيقاً للتوازن في القوة معها بعد صراعهما الطويل الذي استمرّ حتى ال(1998) حيث قامتا بتجاربهما النووية رسمياً، وبقيتا خارج النادي النووي أو خيط السبحة بإلحاح مشترك بينهما طالب بنزع شاملٍ للسلاح النووي وشهواته من كلّ دول العالم. شاب المناخ الدولي غموض نووي مخيف بعد ذلك، بعدما امتلكت إسرائيل القنبلة النووية المشوبة أبداً بالأحاجي الحائرة المكثّفة، ومثلها وصلت جنوب أفريقيا إلى النادي لكنّها تراجعت فتخلّت عن برنامجها النووي ومثلها فعلت البرازيل والأرجنتين. طغت عدوى الشهوة الدولية النووية على معظم الدول المسكونة برعب هيروشيما وناكا زاكي آنذاك المحفورتين في الذاكرة البشرية، والمحكومة بتكاليفها الباهظة المتجاوزة لإمكانيات الدول والخاضعة لضغوطات أمنية عُظمى ومعقّدة جدّاً. أعلنت اليابان (1993) عن إمكانية بلوغ برنامج نضجها النووي خشية قيام قوة كورية نووية موحّدة في وجهها، والمقصود خصوصاً وبالطبع كوريا الشمالية التي تشغل بال دونالد ترامب في ولايته الثانية اليوم بعدما عادت لتظهر دولة نووية متقدّمة في ما يسمّى ب”محور الشر” بكونها راحت تتحدّى بصواريخها أميركا ودول العالم قاطبةً بعدما أحرقها الأميركيون في الخمسينيات لكنها عادت خضراء يانعة راحت تُعيد بناءها من الصفر لتصبح وكأنها جنّة الله على الأرض وقد كان لي حظّ تلبية الدعوة لزيارتها برفقة زوجتي الدكتورة مي إذ كان والدها النائب فريد جبران رئيساً للصداقة اللبنانية الكورية في البرلمان اللبناني لفترة طويلة على أيّام الرئيس المحبوب كيم إيل سونغ. كوريا. ولهذا نص ممتع قادم.
وكانت مكسيكو الأولى التي تمّ فيها توقيع 14 دولة على معاهدة بتحريم السلاح النووي في أميركا اللاتينية، وبوشر بتنفيذها (25 كانون الثاني1969) بموافقة 189 دولة وبوشر بتنفيذها في 5 آذار 1970، وأوكلت هيئة الأمم، منقادة لإرادة النادي الدولي الخُماسي مهمة تنفيذ المعاهدة الى الوكالة الدولية للطاقة الذريّة إلاّ إذا كان الأمر محصوراً فقط بالأغراض السلمية والعلمية والتنموية للدول.
أُعلن بعد ذلك الفضاء الخارجي، منطقة خالية من النووي وفقاً لمعاهدة تشرين الأول1967 تحكم عمليات اكتشاف الفضاء والأجرام السماوية وكذلك على قعر الأرض والبحار والمحيطات في 18 أيار 1972.أزال دان ميرور وزير الاستخبارات الغموض النووي الإسرائيلي خلال القمة النووية (12-13 نيسان 2010) كاشفاً عن مفاعلي “ديمونا” ونحال شوريك” لتبقى إيران حتى اليوم الدولة الوحيدة المُقيمة في عين دونالد ترامب ويتصدر ملفها النووي اهتمام قادة العالم وهواجسهم حول الطاولات المستديرة الضيّقة أو الموسّعة.