العيد الـ 81 لإستقلال لبنان تحت العدوان الاسرائيلي وترقّب الحل

عسيران لـ الحصاد”:طرق الاتفاق معقّدة بهذه الظروف

حلت يوم22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي الذكرى الـ 81 لعيد استقلال لبنان (1943) . ومرت الذكرى للمرة الثالثة من دون احتفالات رسمية، في ظل الشغور الرئاسي المستمر من شهر تشرين اول – اكتوبر العام 2022، وبسبب الحرب الاسرائيلية على لبنان القائمة منذ اكثرمن سنة (تشرين اول – اكتوبر 2023)، والتي شهدت موجة تدمير للمناطق غير مسبوقة، وحيث يواجه لبنان تحديات كبرى ليس اقلها  نتائج الحرب التدميرية وبخاصة على مستوى نزوح اكثر من مليون ونصف المليون شخص من قراهم ومنازلهم ، وخطر الشغور في قيادة الجيش اللبناني حيث تنتهي ولاية القائد الحالي العماد جوزيف عون كانون- يناير الثاني من العام المقبل. وتعطل المؤسسات الدستورية بغياب رئيس الجمهورية ووجود حكومة تصريف اعمال تدور حولها خلافات عميقة سياسية ودستورية وإجرائية حول طريقة عملها.

حضر العيد وغابت مظاهر الاحتفال الرسمي بإستثناء وضع اكاليل من الزهورعلى أضرحة رجال الاستقلال في بيروت، وعروض رمزية لوحدات الجيش في مقر القيادة بوزارة الدفاع وفي الثكنات وتلاوة “امر اليوم” الصادرعن قائد الجيش.

 ولعل اكبرواخطر ما يواجهه لبنان منذ الاستقلال الاول غير مخاطر الحرب ونتائجها، تراجع حضور الدولة ومؤسساتها وعجزها عن معالجة الازمات القائمة بشكل نهائي. والانقسامات الخطيرة بين القوى السياسية حول مسائل الرئاسة والحكومة والحرب والمصالح الحزبية والشخصية والطائفية، عدا الحروب والتوترات القائمة في المنطقة العربية من سوريا الى العراق فاليمن والسودان، وعدا الازمات الاقليمية والدولية الاخرى التي تنعكس على لبنان، الذي ينتظر ايضاً تسلم الرئيس الاميركي الجديد الجمهوري دونالد ترامب مهامه رسمياً مطلع العام المقبل، لتبيان حقيقة وعوده بوقف الحرب، وامكانية تحقيق ذلك بظل التعنت الاسرائيلي والتصعيد العسكري الواسع بالغارات على مناطق واسعة من لبنان في الجنوب والبقاع ونسبياً على جبل لبنان والشمال.

عسيران والاستقلال وبناء الدولة

“الحصاد” التقت للمناسبة عضوكتلة التنمية والتحرير النائب الحالي والوزير السابق علي عسيران، وهو  ابن احد صانعي الاستقلال رئيس مجلس النواب (من 1953 حتى 1958) والنائب والوزير الاسبق الرئيس الراحل عادل عسيران، وحاورته عن المرحلة الحالية في ظل تغييب معاني الاستقلال بظل الظروف الحالية الصعبة؟ وكيف يُعاد بناء مؤسسات دولته بعد الازمات التي مر ويمر بها منذ العام 2019 وحتى الان زمن الحرب؟

  رداً على سؤال عن المرحلة الحالية في ظل تغييب معاني الاستقلال في الظروف الحالية؟

أجاب عسيران: أن لبنان كما هو معروف يقع على فالق سياسي وطبيعي لا بل أكثر من فالق، حيث أنه ممر أساسي للشرق نحو الغرب وللغرب نحو الشرق، فيه تتضارب الحضارات وفيه تلتقي الحضارات، وهذه الحضارات التي تحمل الصراعات السياسية والثقافية والدينية…لكني أؤكّد بأن الاستقلال سنة ١٩٤٣ أُنجز، بغض النظر عن الثغرات.

وتابع عسيران: أن منطقتنا تتواجد في نقطة صراع كبير ومنذ زمن بعيد، وحُكماً لبنان يتأثر، لكن ما أنا مؤمن به أن اللبنانيين يجتمعون حول معنى العيش المشترك والمُحترم بين مختلف الطوائف، بالرغم من الأزمات.

وهنا أشار عسيران إلى أن دولة بلجيكا عانت بالماضي القريب، من عدم وجود حكومة لأكثر من سنة ونصف، ولمّا قامت الصراعات في أوروبا، لم يلتفت أحد الى حالتها المعلنة لعدم الإنحياز.

وأكّد عسيران على أنه من الطبيعي أن يتنادى اللبنانيون لحقوق أخوانهم الفلسطينيين لأن حقوقهم اغتُصبت وهم شعب مقهور.

  وردا على سؤال كيف يمكن إعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية بعد هذه الأزمات التي مرّ بها لبنان من ٢٠١٩ الى اليوم في زمن الحرب؟

أجاب: أنه ليس من الصعب إعادة بناء مؤسسات الدولة، لكن الصعب في هذه الأوقات هو الاتفاق، وطُرق الاتفاق في لبنان هي معقدة أكثر مما هي في دول أخرى، للأسباب التي ذكرتها آنفا.

وأكّد عسيران أن جميع اللبنانيين سوف يجتمعوا ليعيدوا الى لبنان بريقه، مشدّدا أن الدفاع عن كل شبر من أرض لبنان هو أمر مهم وواجب.

  وحول إمكانية التوافق بين اللبنانيين على الحلول الخاصة في ظل الخلاف حول الحرب الحالية؟

أجاب عسيران: انه بالتأكيد سيتم اتفاق لما هو مصلحة لبنان ومصلحة جميع اللبنانيين،  فاللبنانيون مزمعون على العيش بسلام مع بعضهم البعض، ومجمعون على عيشهم المشترك والمُحترم، وهنا أجلّ أبناء هذا الوطن الذين تهافتوا لمساعدة أخوانهم التاركين منازلهم وقراهم قسراً، كلٌّ حسب إمكانياته، من قناعة ثابتة لديهم بهذا الواجب الوطني الأخوي، وأشار عسيران الى أنه بالرغم من بعض المشكلات الصغيرة التي تحدث هنا أو هناك، إلا أنها تبقى حالة خاصة وليست عامة، وهي بالتأكيد حالة شاذة. وهنا أعود وأؤكد أننا جميعنا شعب واحد، نؤمن بالله والإنسان أخ الإنسان

  وعمّا اذا كان متفائلاً حول الحلول بما فيها الرئاسة؟ والأمور بعد الحرب الى أين؟

أجاب عسيران: من المعروف عنا أننا وسط هذه البلاد وأساسها، لذا لا نحيد عن الأمور الأساسية، من هنا أرى التفاؤل بالتأكيد، ولما لا أتفاءل، إذا لم يتفقوا، فماذا يفعلون، يتقاتلون وبعدها يذهبون الى الأدغال والصحارى لجمع المال والثروات وإعادة بناء الوطن. لذا لا بدّ من اتفاق، لكن لا شيء متبلور حتى الساعة ولا صورة واضحة للإتفاق.  أتمنى أن ترسي الأمور قريبا على خير، فيعود الوطن الى مرتبته المهمة بين الدول ويعود لبنان منارة بين الدول.

لبنان وترامب والحرب

 وبالتوازي مع صدور المواقف السياسية حول الاستقلال،فإن  الحرب التدميرية الاسرائيلية على لبنان أطاحت كل المناسبات، وتجاوزت المواجهات التقليدية في جبهة الجنوب، استمرت على وتيرتها العالية من جهة اسرائيل ومن جهة المقاومة اللبنانية، برغم الكلام الاميركي عن المساعي التي تجددت لوقفها، وبخاصة بعد دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب المباشرعلى خطها إثرانتخابه، عبر تواصله مع الرئيس الحالي جو بايدن وموفده الى المنطقة آموس هوكشتاين ورئيس حكومة  الاحتلال ينيامين نتنياهو، على امل وقف الحرب قبل تسلمه ولايته دستورياً.

وفي ماخصّ لبنان، يجب ترقّب تنفيذ ترامب للتعهد الخطي الذي قدمه للجالية اللبنانية “بوقف الحرب والمعاناة والدمار ودعم ازدهارلبنان، وإنجازالسلام الحقيقي في الشرق الاوسط قريباً جداً”. إذ قد يغير رأيه عند ممارسة مهامه عملياً، وفق طريقة تعامله مع الكيان الاسرائيلي، ومدى مراعاته لمطالب اسرائيل ومصالحها وتعامله مع الظروف التي تسود حالياً بعد قرار نتنياهو الاستمرار في الحرب، لا سيما وان ترامب كان هومن اتخذ عند رئاسته الاولى قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس المحتلة، وتجاوَزَ حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق لبنان في استعادة اراضيه المحتلة، ولم يضغط بما يكفي لوقف الخروقات الاسرائيلية المتمادية للقرار 1701 وللذهاب نحو تنفيذه كاملا من جانبي الحدود اللبناية- الفلسطينية.

  وحسب ما لوحظ من متابعين للمعركة الرئاسية، فإن الوعود التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية، كانت بهدف إستقطاب جمهور الناخبين لا سيما الجاليات اللبنانية والعربية والاسلامية في الولايات التي لهم فيها صوت وازن كما في ولاية ميشيغان.

   اما اذا قرر تنفيذ تعهده الخطي للجالية اللبنانية، فيجب ترقّب كيف سينفذ هذا التعهد، ووفق اي سيناريو او تسوية سياسية، وعلى اساس مصلحة مَنْ؟ مصلحة اسرائيل على حساب مصلحة لبنان، أم يُراعي ايضا مصلحة لبنان وحقوقه كما سيراعي بالتأكيد مصلحة اسرائيل؟ والأهم، هل سيفي بوعده إعادة الازدهار الى الشرق الاوسط ومنه وفي قلبه لبنان، ويوقف مسلسل الحروب والتعديات والانتهاكات الاسرائلية التي لم تتوقف ولا يوم في لبنان منذ إقرار القرار 1701 في مجلس الامن الدولي؟ وفي فلسطين برغم إقرار اكثرمن اتفاق بين الكيان الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية والتي اسقطتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة؟

مصداقية ترامب على المحك

 لا شك ان الفترة الفاصلة عن تسلم ترامب مهامه الدستورية في 20 كانون الثاني المقبل، ستكون ساخنة اذا لم يستطع خلال اتصالاته وضغوطه على الكيان الاسرائيلي وقف الحرب على لبنان، هذا اذا إتضحت علاقته الشخصية بنتنياهو، فعليها تُبنى الامور، إما تجاوب اسرائيلي وإما استمرار التصعيد في الوقت الضائع. علماً ان وسائل اعلام اميركية واسرائيلية  ذكرت أن هناك تفاهماً بين نتنياهو وترامب على العمل لإنهاء الحروب. وأن “نتنياهو لن يقوم بأي خطوة كبيرة في لبنان وغزة قبل تنصيب ترامب رسمياً”؟! مشيرة الى اتصالات عديدة جرت بينهما بعد فوز ترامب، وركزت بشكل خاص على وقف الحرب على لبنان. وعلى استئناف مهمة موفد الرئيس بايدن آموس هوكشتاين.

  لكن الوقائع عكست توجهاً اسرائيلياً مخالفأ للكلام عن وقف الحرب اوتخفيف وتيرتها، عبّر عنه نتنياهو بقوله انه “يريد إجراء المفاوضات مع لبنان “على الساخن” لمزيد من الضغط عليه وعلى المقاومة للقبول بشروط اسرائيل مستحيلة التنفيذ. وفعلا بعد انتخاب ترامب مباشرة وسّع الكيان الاسرائيلي ليشمل مناطق لم يستهدفها قبلاً مثل منطقة عكار ومنطقة جبيل ملاحقاً النازحين في الجنوب ومرتكباً المجازر. وسط تسريبات اميركية واسرائيلية متناقضة ومتضاربة، مرة عن قرب التوصل الى اتفاق لوقف الحرب، ومرة عن وقف العملية البرية عند الحدود الجنوبية، لتعود التسريبات والمواقف المعلنة ومنها لوزير الحرب الجديد يسرائيل كاتس لتتحدث عن استمرار الحرب حتى تحقيق هدف “إبعاد المقاومة عن الحدود وضمان عدم تسلحها مجدداً”، ومنها الاعلان عن مصادقة رئيس الاركان هيرتسي هاليفي على توسيع العملية البرية في الجنوب.

 يقابل هذا التصلّب الاسرائيلي تصلّب لبناني برفض اي حلول تنتقص من سيادة لبنان، عبّر عنها مراراً رئيس المجلس النيابي نبيه بري المفوض من حزب الله بالتفاوض مع الجانب الاميركي. حيث قال برّي امام زواره: هل من عاقل يعتقد أننا سنوافق على تسوية او حل يحقق مصلحة إسرائيل على حساب لبنان وسيادته؟. أنّ المطلوب هو وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 بلا حرف زائد او حرف ناقص. وهذا ما اتفقنا عليه مع هوكشتاين.

فهل يتمكن ترامب من تبريد رأس نتنياهو بوعود ضمنية سرية بتلبية طلباته ومصالحه، ام انه “سيهزّ العصا” بوجهه ليلزمه بالتراجع؟ وهل يستمرنتنياهو في استغلال الفترة الانتقالية بين انتهاء ولاية بايدن وتسلم ترامب من دون ضغوط اميركية كافية ومؤثرة في قراره؟

  مصداقية ترامب ومستشاره اللبناني الاصل مسعد بولس على محك التجربة، والميدان العسكري في لبنان وغزة سيثبت واقع الحال تصعيداً اضافياً او تبريداً.