لا أزال اتساءل عن ما دفع عيسى الصنديد لاختيار نص باييخو الإشكالي . لأنه غيره لا على نحو من الأنحاء . غيره على نحو لم يعد بمقدور من يشاهده أن يرى فيه نص صاحبه . لعله الإندفاع . ولكنه اندفاع خطر . ذلك أن الإندفاع إلى صندوق ، اندفاع خطر . نص باييخو نص صندوق . يصعب الدنو منه ، لأن لحظاته لا متوقعة . لأن لحظاته ، كل لحظة تقع في

مساحة خفية ، لا تنكشف إلا بعدم إهدارها . ثم ، بإخراجها من مساحتها الخفية . نص كمصعد لا يرتفع . مسرح نزول . لأنه مسرح حياة . حياة نازلة ، إذن مصعد نازل .
من يمتلك ذكاء لا يتذكر . ذكاء باييخو المسرحي ذكاء إنجاز الأعمال بالنفس على النفس . ذكاء من لا يضع نفسه في التذكر المباشر ، حتى حين يتذكر. يتذكر بذكاء . يتذكر بذكاء من لا يرى في التذكر شيكاً غير متوقع . هكذا يتذكر حين يدع رأسه سبَّاحة في الذكريات، في تقديمات لا تفقد المتذكر ذكاءه . ذكاء وتذكر . لا علاقة للأمر بالألعاب اللغوية . ولو أن ألعاب اللغة واحدة من دنيا باييخو ،يقلب فيها الدنيا من رأسها على وجهها. الذكريات إذن ، صديقة المسرحي من يناشد المشاهد أن لا يبحث عنه في النص . لأنه هو نفسه النص . لا لأنه موجود في النص فقط . لأنه جزء من إبلاغات النص. ثم ، إن النص جزء من الإبلاغ . جزء من الشخصية أولاً . لذا ، لا يظهر التاريخ بعيداً من الغاية في رواية الأحداث ، وسط التهديدات بالموت . فض الصنديد الشراكة مع باييخو منذ اللحظات الأول ، حين أقام حياة واسعة ، حياة مديدة ، سعيدة بالإختراع الجسدي ، على المنصة ، مع مؤلّف داهم بالمرثيات . يدرك من يدرك دون أن يجن أن الذكريات هي الخطور الأنسب للعودة بالتاريخ ، للعودة إلى التاريخ . لا حكم بالقول أن باييخو جزء من تاريخ إسبانيا ، حيث مر الفاشيون ، البدو الفاشيون ، على اقتفاء اثر الفرح لحلاقته . كما فعلوا مع الحرية وحقوق الإنسان . بحيث لم يسمحوا لأحد بالسير في أحلامه. حلاقة أحلام . ولأن باييخو مشاء أحلام ، مؤلف على الحلم الكابي ، لم ينس طقوسه . أتذكر أن التذكر استئناف احكام . هذا ما فعله. ذلك أنه وقف في وجه قر الفاشية ، حين وجد في طبائعها طبائع الموت الداهم. بقي يتذكر بدون ان يفقده التذكر ذكاءه . ذكاء بقي يذكره بما عليه القيام به . عدم الضلال . ثم ، حمل النفس على التأليف بالجمل الأخيرة . لا مزاح . لا تمنيات بالحظوظ الطيبة . لا شيء سوى الإنقلاب على نزعات التفاؤل . دفع إلى تذكر الجريمة بذكاء المسرحي . ذكاء مضاعف ، لكي لا يقع المتذكر بالوفاق مع الذكريات المجرمة، المحرمة. كسر جدار الصمت من خلال نفاذه إلى الأشياء ، فؤاد الأشياء على الجدل والتزام تدوير الكلام والشخصيات ، وهو يدري أن رواية سير الشخصيات

بالكلام المسرحي يهددها فرط العاطفة . انطلاق بعيد من العواطف . إتمام إجراءات الطلاق مع فرط العاطفة ، جزء من رنين اللغة. لغة لا علاقة لها بالرسميات اللغوية . لغة رفض ، تحمل نفسها على الصبر ، على شجاعة المخاطرة بأن تمنى بسوء الفهم . لغة تداع . كما هي مسرحيات باييخو ، مسرحيات تداع . مسرحيات تقوم على التداعي . شيء من الجاز الخفي ، مع مواجز من بلوز حزين بطبقات حزن عديدة . لم يخف ، لأنه يعرف جلايا الأمور، لأنه جزء من جلاياها . لا رصد ولا مراقبة ، لأن الرجل ابن الهيكل. هيكل متداع ، لا يقوم على التداعيات ولو قام عليها مسرحه . مسرحه لا مسرحياته . ذلك أنه اذ ينصرف في مسرحية ، ينصرف ليعود في أخرى . ثم ، يعود لينصرف . لا فارق عنده . عنده ، المسرح شيء جوهري لا شيء تقريبي . ثمة ما يقال فيه . أقوال ضد التدني .ضد المرور على الواجهات . ذلك أن مسرح باييخو نهر . لا تهتم الأنهر لإشارات المرور . مسرح يوجّه الأسئلة ، لكي لا يظهر مؤلفه في غرفة يقرأ في كتاب واحد . لأن في قراءة الكتاب الواحد سوء خداع للنفس أولاً . ثم ، للآخرين . مسرح لا مسرحيات ، لأن ثمة تيمة واحدة في مسرحياته . ثمة شكل واحد لا يكف عن الإشتغالات الذهنية . لن يثق فيها بمن يرى حياة البشر كما يرى الأسماء في دليل الهاتف . لا خدع ، لا مخترع من فورية اللغة ، من صفق اللغة الأحداث بوضعها في بقعها القاتمة. ذلك أن ما انقضى من حياته هو حقيقته كشخصيّة محلية تضم الأجزاء إلى الأجزاء خوفاً من تدليها كالشراطيط . يستل من جيبه شظايا الحياة ليضعها في البقاع المناسبة . مسرحه بهذا المعنى تاريخي ولا تاريخي.تاريخي لأنه يعود إلى التاريخ،جزء من تاريخ إسبانيا وجزء من تاريخ العالم.تاريخي ولا تاريخي لأنه لا يجد في التاريخ سوى تفريغ العصب من العصب .وتاريخي، إذ يجد في التاريخ ما يضيء على الواقع ويقود إلى المستقبل من خلال ارتطامه بالأرض ،ليقرع إسمنتها . المسرح التاريخيّ ثمين ما دام يضيء الحاضر ، يقول . لا يريد الرجل إصلاح العالم . لن يصلح المسرح العالم ، لا لأنه متعب أو شهواني . لأنه حزين ولا يريد ان يصل إلى آخر العمر من أول العمر، بعد أن رأى من هو جدير بهندسة العالم ، ينام مخفقاً، كما حدث في اضخم الثورات . الثورة البلشفية ، مع من عبروا طريقها ،

بعيداً من العلامات العشوائية . لم يؤد المسرح لا إلى التخمة الثورية ولا إلى الحمية الثورية . مايرهولد وستانسلافسكي وبوبوف وماياكوفسكي والآخرون ، قرأوا في مسرحهم الأسباب لا النتائج . لأن المسرح مسرح أسباب لا نتائج . ذلك أن مظاهرة واحدة ماخرجت من صالة من صالات المسرح . كما أن رجلاً ما خرج من مسرحية بسعادة وإيمان دفعاه إلى المشي إلى الجبهات . مثلهم باييخو. ولكنهم لم يثرثروا في مسارحهم . ما أرادوه من المسرح أن يحميهم من السهولات النادرة الدافعة إلى الوقوع في حساء الشوارع . القطعان . لا نشاز ، ما دام القصد واضحاً . تسلق الفراغ بامتلاءات المسرح الكاسرة .بالمسرح نية فهم النفس ، من اجل ترميمها بعد أن اصابها الإنكسار . باييخو على هذا المذهب في كل أعماله . منذ العمل الأول . سواء في الأعمال الميثولوجية كحائكة الأحلام ، وهي استعادة لبينولوبي هوميروس او كونتيسة توسان . أو في الأعمال المعاصرة كالظلمة المشتعلة والمؤسسة ، حيث اشتغل باييخو دوماً على التوازن بين الفعل الدارمي والعمق الموضوعاتي بنسيجه السيكولوجي والإجتماعي والسياسي . عنده أن تقديم الحقيقة في العالم المعرى هو الصواب.ما جانب عيسى الصنديد ، الإستعمالات هذه . ولكن بسهولة غير بعيدة من العقلنة .الإقتراب من العقل بعد من الحواس . انزياح إلى اللسان المظهري . تهور لا سماجة . قفر مخطوط في خطوط ، بعيداً من فهم باييخو. ذلك أن عدم فهمه غرق في الأفعال الدرامية المعطوبة . لأن مسرحه مسرح مغلق ، غامض، رصين ، يقوم على تحوير المحادثات بين الأبطال الدراميين ، كأنهم عميان في عالم من العماء ، صم في عالم من الصمم. يتكلمون في “المؤسسة”، كأن واحدهم وحيد قرنه ، وحيد مساحته ، وحيد فضائه ، ولو أنه فقد أوقاته وهو يرى الأشياء لا لكي يتذكر ، لكي ينسى . كلامهم كلام نسيان . كلام أمحاء . كل ما يقال ينسى في اللحظة الأخرى . كل ما يقال يمحى في اللحظة الأخرى.

نص في يد عيسى الصنديد وفرقة الصواري. يد تشع باللامبالاة بعالم باييخو الداخلي ، عالم يخيط أجزاءه كما يخاط السجاد . نص يدس نفسه في عذابات العالم ، لا في قراءة صحيفة . نص زجاج مكبر ، يخلع على النص تفاصيله حين يوضع الزجاج على النص . لن يستعين بالنص إلا لأنه لا يريد أن يؤلف نصه . هكذا ، يقوم النص مقام البديل، لا مقام الأصيل ، ما يؤدي إلى التشكك في النص نفسه . إذ أنه يغيب في حقائقه القائلة بأن ما من شيء بالإمكان سوى التحدث بالموت في هياكل النظام الفاشي، في فرادة لا علاقة لها بحفر المناوشة الموجودة في النص . الفكرة بحكم تعريفها . نص يغيب في عدم التمركز في الأجساد ، الشخصيات، وفي عدم الإلحاح الأخلاقي على منح الأولوية للأداء الأبستمولوجي . الأداء العليم . اداء المعرفة العلمية .أو الدراسة النقدية للوغوس. قوة باطنة تحيي الأشياء وتربطها . تدخل في التكوين من خلال الوساطة . لا زيف في براغماتية عيسى الصنديد . براغماتي تقوده براغماتيته إلى وقوعه في مضار النأي النسبي أو الكلي في قراءة البعد النظري والبعد الجمالي في مسرحية باييخو . ثمة مباشرة لدى الصنديد على لمحات تعبيرية وأسلبة تؤدي إلى تغريب ، لا تهمها فراسة الدماغ ،حين لا توحي بالشغل على بعدي المسرح . الواقعي والخيالي . أو تضمين صور الحاضر في مدى الدراما في شريط واضح السلوك بين البعدين. ذلك أن السلوك قام على البنيات التقليدية . ثمة جمالات في تقديم عالم باييخو وكأنه عالم كافكاوي . مسوخ لا بشر . سلوك أفقي . ثم ، قيام على التجريد. ثمة تجريد لا يقاوم . كالتجريد في وحدة الملابس. لا تؤدي الملابس عملاً مهماً سوى من خلال تفصيلها الموحد في السجن . ثمة تجريد من خلال النماذج في المدى البصري ، كتكرار الشكل الهندسي في البرج الحديدي في عمق المسرح. وضعه في عمق المسرح يطيح بالعمق البؤري ( البيرسبيكتيف). أو في وجود حاويات الماء( السيفونات ) كواحدة من وسائل مقاومة الفراغ في المساحة الفارغة . اداء لا يحاكي . لعب على الأطراف . ولكن بلهفة تضرب أطنابها ، بحيث لا تستقر على نحو من مقصود . نحو احتمالي . اداء لا يشير إلى ماهية ، بدون لحظة استرخاء . عدد من القصص ذات الغرابة ، لا تشيع على المنصة سوى بصعوبة . كلام يمضي بالعلو إلى أبعد مما ينبغي في اللعب المسرحي . ثم ، عدم توظيف الأدوات في وسائل الإتصال ، إلا من خلال ارتباط التحولات المشهدية النادرة ، كأن تتحول حاويات الماء إلى عازل أو سجن صغير ، سجن إضافي في السجن .
السؤال لا كيف نصف المجمتع ، السؤال في وضعه عند حدياته . ما لا يحدث في أصول واعتمادات مسرحية الصواري في نحوها المجتمعي والبنيوي . لا مقاومة للتتابعيات، حين أن المسرحية تقوم على الدائريات لا على التتابعيات . لا استلهام . وقوع في تطبيق لا علاقة له بالنص ، حد الوقوع في السلوك المستعار لا في خصيصة البناء الباييخي . لأن قراءة باييخو، قراءة دفق الشخصيات الداخلي . اعتمالاتها . تذوق القواعد والقوانين المفاهيمية ، الواقع المتأصل ،لا الوقوف أمام الحجج البسطية السهلة . لا قراءة في الرمزية في مسرحه . رمزية تسمح برؤية البدائل . لا بالتركيز على صراحة الوجود دفعة واحدة. تمثيل الماضي في الحاضر.لا شيء سوى الماضي .لأن النص ماض. لأن الشغل على النص حاضر . عدم فهم النص والشغل عليه يوقع المشتغلين على النص بين مفهومين ، مقومين . مفهوم الشخص ومفهوم الدور . الشخص موجود بدور انغماسي في مسرح يرى نفسه في مناطق رفاهية العمل في المسرح ، لا في مفهوم فهم الشروط الحية في مناطق التأليف . مسرح باييخو شكلاني. مسرحية عيسى الصنديد لا تصل إلى قيم باييخو لأنها بقيت بعيداً من الجود الذهني وهي تقع في العنف البدني والقسوة ( آرتو ) ، بعيداً من تطوير القدرات، بعيداً من المحاكاة . فوضى لا تحسم مستقبلاً. واقعي ، شكلاني. تخريب إجرامي ذو طبيعة ايديولوجية كما رآها كثير من المنظرين الماركسيين . باييخو شيوعي ابويازي ( جماعة المدرسة الشكلانية الروسية ) . محاربة جميع التيارات الشكلية والنزعات البنيوية( التكرار والخروج عليه انضمام إلى مناهضي البنيوية ) . تيارات تعنى بالشكل على حساب المضمون . لذا ، يركز على المضمون في وسطه الواقعي ، حين يقف المضمون على العمر ، الإيغال بالعمر . البيض في سلة واحدة ، ما دام باييخو هو نفسه من هو في قرارة نفسه. ذهن لا يكف عن العمل ، في ولادة تأسف على الولادة ما دام العالم محكوماً بالطغاة والتوتاليترايات . واقعية لا قدرية . حدث مهم في أعماله . أعمال تطقع بالأحداث ذاتها . اجتثاث البشر بالطرق المختلفة . ولكن مسرحه جزء في اجزاء . جزء لا يختبئ وراء شيء . جزء صعب لا يمكن الدنو منه إلا بهدوء. الهدوء خفي مع عيسى الصنديد . حياة حقيقة تضحي حياة أخرى ، لا علاقة لها لا بغموض باييخو ولا بانغلاقه . الإنغلاق تضييق لم ترد أنباءه الطيبة في الإضاءة كمثال ، سوى بمرتين في رحلة الإخراج الطقوسية . ذلك أن الإخراج حوَّل عالم باييخو ذو العبارات الهادئة القاتلة إلى طقس.لم يتوقف أمام وجود التشكيل والفن التشكيلي في النص.نص داهم بالجماليات.جماليات بكواتم صوت . لأن مسرح باييخو كتيم . مسرح لا يستأنف الأحكام . يعيش العمر وكأنه ما تبقى من العمر . لم تؤخذ موسيقى روسيني كحدث في الحدث ما دام باييخو يتكلم عليها وحدها ، حين يتكلم على فنانين تشكيليين كتيربورتش وفيرمير الهولنديين . كلام يقود إلى رسم الفتاة المكللة بالغار . كأنها بيرتا ، حين يخرجها توماس من اللوحة ، لكي تضحي شخصية من شخصيات المسرحية الهذيانية . هذائون ، لا خرفون . واهمون، إحاليون، لا تبلغ الأشياء حدها معهم حتى تعود إلى الغموض . ادركوا أنهم لم يجنوا حين جنوا من الوحدة ، من لحظة دهم الموت لهم . رائحة الموت كرائحة المراحيض . الفأر رجل والرجل فأر . لا واحد فأر تجارب . كلٌ فأر تجارب . توماس وتوماسيتو. إذن ، الرحيل أرق ما ستقوده حياة السجن . الحياة سجن والسجن مختبر . رسالة تؤكد أن بلوغ الموت هو النجاة . لا تهديدات ، لا تحذيرات ، لأنها أدوات مقززة في حكم بلا استئناف . لا صروف على نحو آخر . تفويت المعنى المضاعف في الرمزية . المعنى المضاعف في الحقيقة الرمزية . ربط الأدب بإطاره السوسيولوجي، بشكل مرآوي انعكاسي . الأسلوب حديث آخر . الأسلوب الكلي . حيث الأسلوب في مؤسسة العرض البحريني اعتقاد . والطروح معلومات عابرة . كما الطروح الموسيقية والتشكيلية . هناك فان اييك و وأرنو ليفني .نقاش جنسيته عابر . لا إيطالي ولا كذا .لا وقوف أمام موسيقى الإيطالي ولا تشكيليات الهولنديين . ذلك أن المؤسسة تقدم الحياة كقماش شمعي يشبه التجاعيد . إشارة إلى كيفية من كيفيات إدارة العمل المسرحي . لأن العمل المسرحي أسلوب . الأسلوب يقضي على الغرائز . الأسلوب هو الشخصية . هكذا ، كمثال ، تظهر واحدة من لوحات لورين هاريس كلوحة لفان غوغ . المهم هو الأسلوب ، ولو جاء الآداء على قدر من الأسلبة. وهي اسلبة لا تسمح للمشاهد أن يستغرق في الحدث كما أراد باييخو من مسرحه . أصوات ، أصوات ، أصوات . صخب صوتي ، حين أن مسرح باييخو يقوم على العماء، دوماً على العماء ، على الصم بعد العمى ، على الإيقاع الرتيب . هذا حلم الصواب في “المؤسسة” . كما هو في التطهر . دخول في المأساة . هذا هو السبيل الوحيد للتطهر من المأساة ما دامت الحياة مأساة .ولكن ، يجدر الإعتراف بأن مسرح الرجل جنوني ، صعب ، لأنه يرى في المسافة بين المؤلف والمتلقي للنص ، ما يطمح باييخو إلى تجاوزه لكي يعتبر الإنسان نفسه بطل المسرحية ، لأنه يرى في المسافة بين النص والمتلقي المسافة نفسها بين الضمير التراجيدي وتساؤله والضمير التراجيدي وجوابه . بفهم الأمر ، تضحي الدراما حقيقة تاريخيّة . تضحي جزءاً من السيرة الذاتية . جزء من سيرة باييخو نفسه ، سيرة والده . لأن الواحد سجين الآخر . لأن الواحد سجين فرانكو. لأن الجمع سجين الحياة . هذا مسرحي بقيمة لوركا ورامون دل بايي انكلان. ميلر ، بيكت ، من لا بدائل لهم . الحياة لا تقل جسامة عن الموت لدى باييخو . قيض لنا القدر أن نعيش أزمنة صعبة او تجارب مريرة . تربص بنا الخطر الداهم في كل حين ، سواء تحدثنا أو التزمنا الصمت . تلخيص مسرحه في كلمة ألقاها عند استلامه جائزة سرفانتس بالعام ١٩٨٦. الكلام والصمت ، محورا مسرحه . كلام يقود إلى الصمت وصمت يقود إلى الكلام . يتكلم الواحد وكأنه لا يتكلم . ثمة صمت عميم في المؤسسة . الطبيب ليس طبيباً . المهندس شرحه . معلم الرياضيات. ولكنهم مثقفون يناقشون في الموسيقى والفن التشكيلي وينتظرون الموت . يتكلمون بلغة واحدة لأنهم أولاد مرحلة واحدة. الحرب الأهلية الإسبانية. ثم ، حكم فرانكو الديكتاتوري . بالمرحلتين تآخى المعارضون في كتائب اليسار . روائيون كتوماس من يؤلف رواية لن تترك آثارها البليغة لأنها لن تؤدي إلى نهاياتها، وتشكيليون وقصاصون وفلاسفة . لوركا والبرتي وبيكاسو وثامبرانو وخورخي غويين وفينسينتي الكسندري وميغييل دي أونامونو. كلهم بويرو باييخو في “المؤسسة” . مسرحية تلتزم طبائع ذلك العصر الكئيب ، زمنه الشاحب ، آثاره البليغة على روح الإنسان ، جسده ، نفسه . مسرحية تحتج ، تدين ، تنتقد ، تسخط ، تتمرد بصمت ، تسأل ولا تجيب ، تتطلع إلى السلم والتحرر والإنعتاق . اناقة ، بساطة لا تبسيط ، ترميز . الترميز دوماً . “مؤسسة “باييخو غير “مؤسسة” عيسى الصنديد ، لأنها وهي تخوض صراعها نحو اسلوبها تقع بين التقاليد والعادات الموروثة في المسرح العربي ، مسرح البلاد العربية بالأحرى ، حيث لا فرز ولا تدقيق بين مناحي الحياة ومناحي المعاصرة في المسرح . لا تركيب لغوي مزجي ولا سلاسة تعبيرية ولا طلاقة تلقائية . تلك ابرز صفات مسرح باييخو . صفات مؤجلة في مسرحية غير مؤجلة.