الإعلامي الفلسطيني الأردني سلطان القيسي: المرحلة المقبلة غامضة ويتعيّن علينا الصمود والأمل من أجل مستقبل واعد
*لم يستطع الاستعمار فصل جنوب لبنان عن شمال فلسطين، فهذه أرض الجليلين، وعلى سكّان الجبال دائماً حماية سكان السهول. فكما علّموا العالم الكتابة، سيعلّمونه الحرية أيضاً*.
الاستحواذ على الفكرة الإعلامية والثقافية التي تتنقل بين أطراف العالم لم تعُد واحدية القطب، بل باتت أكثر عموميّة وفوضى في ظلّ التراكمات السياسية والعسكرية والإعلامية التي تشهدها مناطق الشرق الأوسط. فيما بينها. فالأحداث التي شهدتها غزة منذ عام تقريباً وما يجري في لبنان، وعليه فإن الصلة الفاصلة لتحديد المسار الحقيقي للحقوق وشرعية الأرض يقع على عاتق المنابر، الأصوات الإعلامية، التي تتشكّل على هيئة أفراد أو مؤسسات، تتضامن بالكلمة وتؤدي الدور الأبرز والأصعب في استقطاب الرأي العام والجمهور نحو أي قضية، والقضية الفلسطينية في مقدّمتها.
من هنا، ومن المنطلق الاعتماد الجوهري على هذه الأصوات الإعلامية والثقافية في رسم خطوط الصمود يطرح الإعلامي والشاعر الفلسطيني الأردني سلطان القيسي نماذج وأساسيات العمل الإعلامي في ظلّ المخاطر التي تحيط بمجتمعاتنا وتهدّد وجوده، وقد اكتسب القيسي مهارات الحوار والتحليل، ويتقن 3 لغات من بينها اللغة العبرية، التي مكنته من القدرة على التحليل والمناقشة والمعرفة الكافية في عرض الفكرة من جميع الجوانب، لا سيما منظور العدو القريب والبعيد الأمد.
وعلى ضوء ذلك، كان لـ”الحصاد” حديث شيّق مع الإعلامي السياسي والمحاور الثقافي سلطان القيسي، تطرّقنا خلاله إلى قراءته الخاصة عن السيناريو المطروح للمرحلة المقبلة للشرق الأوسط وماهية دعم الرأي العام الغربي لما يحصل في لبنان وغزة.
- “الحصاد”: الاتجاه نحو مهنة الإعلام في يومنا هذا، يتطلّب صلابة ودافعاً خاصين. من أين تأتي بصلابتك وما دافعك؟
- كل عمل متقن يتطلّب صلابة، ولا صلابة بدون دوافع، ولعلّ صدق الرسالة مهما كانت، والشغف، يشكّلان الدافع الأهم، بالنسبة إليّ فإن الدفاع عن قضايانا كعرب هي واحدة من أسمى رسائلي، ليس من باب القيميّة، إنّما من باب الدفاع عن نفسي وبيتي وبيئتي، وهو ما أسعى إليه عن طريق الشعر أو الكتابة بأشكالها، بما في ذلك الإعلام.
- “الحصاد”: تنقلت بين أقسام المهنة الإعلامية بين إعداد، تقديم، محاورة وتحليل. أيّها تفضل؟
- أنظر إلى الإعلام بوصفه صناعة متكاملة. كل مرحلة من مراحله تشتمل على أهميتها، وتكمل الأخرى، كوافد إلى الشاشة من أفق الكتابة، أجد بالطبع الكتابة أساساً، فإذا كنتَ كاتباً ماهراً، فأنت بالضرورة باحثاً ماهراً، ومتأملاً جيداً، يستطيع خلق أفكار والبناء عليها، هذه شروط جيّدة للمعدّ. لكن بالحديث عن التقديم التلفزيونيّ فالأمر يختلف قليلاً، قد تمنحك الكتابة ثقة في هذه الحالة، لكنها لا تعطيك التكنيك اللازم، الذي تبنيه تجربتك في الحياة، فضلاً عمّا ينمو في داخلك بفعل تكوين شخصيتك، بالنسبة إليّ فأستمتع أكثر بتقديم البرامج التي أعدّها بنفسي، أكثر من سواها، لكن التشاور مع الزملاء مهم ومنتج دائماً.
- “الحصاد”: تبرع في التحليل خصوصاً أنك كنت تقدّم قسم الأخبار الخاص بمتابعة الصحافة العبريّة والتحليل العسكريّ في غزة. من هذا المنطلق ما هي الخصال التي على الإعلامي أن يتميّز بها ليبرع في هذا المجال؟
- أي مهارة أو معلومة يمكن للمذيع توظيفها، تلقي بظلالها على أدائه، درست الأدب والنقد الإنجليزي، وطوّرت لغتي العربية من خلال الشعر، ولاحقاً تعلّمت اللغة العبرية بمفردي، هذه ٣ لغات ساعدتني في تشكيل وجهات نظر من مصادر متباينة، هذا مثال. أيضاً النقاشات والندوات، والمشاركات في المهرجانات والفعاليات الشعرية، أسهمت في صقل كثير من مهارات الحوار والتحليل لدي.
- “الحصاد”: من ناحية الثقة والمصداقية. كيف تبني جسر الثقة بينك وبين الجمهور؟
- الثقة فعل مراكمة، والمراكمة تحتاج جهداً مستمراً، يأتي من الالتزام، عليك الالتزام دائماً بأهداف وغايات، وعليك أن تسلك الطرق المؤدية إليها دون توقف، الزمن كفيل بأن يعمل كغربال في يد المتلقّي، كثير من الأفكار والمواقف، تبني ثقة بينك وبين المتلقي، أو تهدمها، فكيف تبني هذه الأفكار والمواقف؟ بالعمل وبالإيمان في ما تعمل.
- “الحصاد”: ما قراءاتُك للمرحلة المقبلة، ونحن على مشارف عام 2025؟
- ما تزال المرحلة المقبلة غامضة. نحن أمام عدو متوحش مدعوم من كل طاقات الغرب، السياسية والعسكرية وحتى الإعلامية، أصحاب القرار في العالم يتعاملون مع منطقتنا كأنها خالية من البشر، ويتعاملون معنا بدون أي احترام لاحتياجاتنا البشرية المادية أو المعنوية، ولكن علينا مع كل ذلك التحلّي بالأمل، والتمسك بفكرة الحرية ومبدأ التحرّر، مهما كانت الأثمان، فالأمر يجب أن ينطلق من ثقتنا بحقوقنا، وليس من مبدأ لعبة المراهنات.
- “الحصاد”: برنامجك “الموعد” تستضيف خلاله شخصيات أدبية، ثقافية، مبدعة. أبرز شخصية تركت أثراً فيك؟
- برنامج “الموعد” تجربة لها بعد شخصي حقيقة، ففضلاً عن كونه برنامجاً، فهو تجربة للاحتكاك بعوالم متصلة ومنفصلة في آن، بين السينما والدراما والكتابة والموسيقى، وغيرها من عوالم الإبداع، في كل حلقة كنت أكتشف أثراً عميقاً للضيف علي، لا سيما أنني عمدت إلى انتقاء الضيوف بحرص شديد، فكل مبدع لديه أسرار كانت تسحرني، لنقل إن الأسرار على اختلافها هي التي كانت تؤثر بي، وأفكر فيها طويلاً.
- “الحصاد”: تجربتك في قناة المملكة الأردنيّة؟
- قناة المملكة مؤسسة كبيرة بسياستها المتوازنة، وبرسائلها النظيفة، بدأت العمل فيها قبل اكتمال المبنى، وقبل اكتمال سياسات تحريرها، وكان هذا شرفاً منحني فرصة المشاركة في وضع بعض السياسات، التجربة كانت ولا تزال غنية، ومؤثرة، وساعدتني على اكتشاف ذاتي مرات عدة، من خلال تحديات العمل الصحافي والإعلامي والإبداعي أيضاً. فالعمل الإعلامي في بلادنا يحتاج إلى الحكمة، والتروّي، لكي يكون مؤثراً وواقعياً.
- “الحصاد”: هل الشعر هو منبرك الأزلي المريح أم على العكس؟
- الشعر بالنسبة إليّ هو مادة الإبداع، ما يجعل أي مبدع مختلف عمّن هم سواه هو الشعر، إنه مخزن لا ينضب، ومنصة يمكنها أن تتوزّع في كل شيء، وأن تشعّ من كل شيء، حتى من نشرة الأخبار.
- “الحصاد”: حازت قصيدتك “أؤجل موتي”، على جائزة وزارة الثقافة الأردنية، ما يُميّزها؟
- لا أكاد أبتعد عن الشعر أبداً، فأنا أعيش في داخله، هو في الحقيقة ما يريني الأشياء على نحو مختلف، فلا تعود الحقائق مسطّحة، إنما ذات أبعاد ووجهات كثيرة، وذات أعماق متباينة.
عدة جوائز حصلت عليها مجموعة من قصائدي، “أؤجل موتي”، سلم الذكريات، علميني الصبر، وحوار على حافة السرير، هناك ثلة ترجمت أيضاً إلى التركية والفرنسية والإنجليزية، في زعمي فإن النجاح الحقيقي هو وصول تلك النصوص إلى قراء جادّين، قادرين على التعامل معها حسيّاً وفكرياً.
- “الحصاد”: في كل فرصة تستغلّ منبرك وترفع صوتك بوجه الظلم والعدوان، برأيك هل صوت الإعلامي العربي يصل إلى العالم؟
- بنيت هذا المنبر المتواضع لأقول من خلاله ما ينبغي قوله، فأجد التخلّي عن تبنّي القضايا العادلة خيانة صريحة، وجدنا هنا لحكمة ما، تقتضي القول، وهذا واجب علينا تأديته، مهما بلغت الفاتورة، هكذا أرى الأمر.
- “الحصاد”: التضامن الشعبي الغربي مع القضية الفلسطينيّة، كيف تراه؟ وهل هو على قدر التوقع المطلوب واللازم؟
- التضامن الغربي ينطلق في تقديري من تضامنهم مع قيمهم المفترضة، فهو احتجاج على سقوط الصورة القيميّة للغربي أمام ذاته، أكثر مما هو تضامن حقيقيّ وفاعل مع قضايانا، وهذا ما يجعلني أقول إنه ليس كافياً بعد، مرحّب به، ولكن الأمل معقود على أكثر من ذلك، فبالإمكان الضغط أكثر من طرف دافعي الضرائب على حكوماتهم، بإمكانهم إسقاط التيارات المتطرفة التي تدعم الاحتلال، ولكن حتى الآن يحدث العكس، عبر صعود اليمين.
*فاتورة الدم ثقيلة جداً ويبقى الأمل*
- “الحصاد”: بحسب قراءاتك، هل من ترسيمات جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وما السيناريو المرجح لذلك؟
- الشرق الأوسط أمام تحدّيات حقيقية فعلاً، لست أملك إجابة قطعية عمّا إذا كان سيُعاد تقسيمه، ولكنني مؤمن بأن إصرار الشعوب على عدالة قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، من شأنه أن يُسقط كل قوة، كما فعل في غزة وفي لبنان، وحتى في اليمن والعراق وسورية، وفي إيران إن شئت، قد تكون فاتورة الدم ثقيلة جداً كما في غزة، ولكن النصر سيكون نتيجة حتميّة.
- “الحصاد”: كلمات وعبارات، بها تتوجّه للشعب في فلسطين ولبنان؟
- على امتداد التاريخ، لم يستطع الاستعمار أن يفصل جنوب لبنان عن شمال فلسطين، فهذه أرض الجليلين، الجليل الأعلى وجبل عامل، وعلى سكان الجبال دائماً أن يدافعوا عن سكان السهول، هذه مسؤولية ملقاة على عاتق الفلسطيني واللبناني، فكما علّموا العالم الكتابة، سيعلّمونه الحرية أيضاً.
يتقن مهارات التحليل التحاور وغيرها الكثير.
يقرأ ما بين السطور من مبادئ المصداقية والحقيقة.