العدو الإسرائيلي واللوبي الصهيوني وحلفاؤهما عاجزان عن إخفاء الهزيمة والإجرام وسقوط السردية الكاذبة..
ابنة حانين الجنوبية، المصورّة الفوتوغرافية والمراسلة الحربية نجلاء أبو جهجه لم تتخلّ عن كفاحها في توجيه بوصلة النضال وشعار الإنسانية في كافة الميادين. ارتبط اسمها بشكل مباشر بالصور التي التقطتها لمجزرة سيارة إسعاف المنصوري، فوثّقت جرم العدو بعدستها، في خضم العدوان الذي شنّه العدو الإسرائيلي في “نيسان 1996″، حيث قصفت طائرة تابعة للجيش الإسرائيلي سيارة إسعاف مدنية في قرية المنصوري في جنوب لبنان، أدّت لمقتل امرأتين و4 أطفال.
واليوم بعد 28 عاماً، تستعيد هذه المصوّرة ذكريات المهنة الأليمة التي وثّقتها، وها هو العدو الغاصب يوجّه طائراته نحو الجنوب اللبناني مجدداً مستخدماً أداة الدمار والقتل واستهداف الأبرياء.
لذا وضمن الواجب الذي اتخذته “الحصاد” على عاتقها منذ بدء الحرب على قطاع غزة، لتوجيه البوصلة نحو فلسطين، كان لنا حديث خاص مع المصوّرة الفوتوغرافية والكاتبة نجلاء أبو جهجه حدّثتنا عن تجربتها المهنية وما يتحتّم عليها خلال أداء واجبها مروراً بقراءة على الأحداث الأخيرة في غزة ورفح والجنوب اللبناني.
- “الحصاد”: لمجزرة إسعاف المنصوري أثر عميق في نفسك، كيف تصفينه اليوم؟
- العمل ضمن ميدان الحرب جعلني أعيش لحظات صعبة جداً وقد شاهدت القتل والدمار في كل مكان، نقلت هذه المشاهد بعدستي، لكن هذه
المشاهد سكنت عقلي وذاكرتي حتى اليوم. مجزرة إسعاف المنصوري أتذكرها تفصيلياً كأنها حدثت أمس. لن أنسى يوماً صرخات الألم، وبكاء الأطفال ومناداة الأب الذي خسر عائلته بأكملها في ذلك اليوم.
لن أنسى هذه المجزرة سأتذكّرها دائماً فهي تعيش في حنايا صدري. أتذكر صراخ الطفلة هدوء تنادي عمتها، والطفلة حنين التي كانت تضع رأسها على باب السيارة.
- “الحصاد”: تعرّضتِ للانتقادات العنيفة لعدم تدخُّلك في إنقاذ الأطفال والنساء الذين كانت تنقلهم سيارة الإسعاف. كيف واجهت هذه الانتقادات؟
- صحيح تعرّضت لعدّة انتقادات من الجمهور. المشاهد الذي يجلس أمام التلفاز يظنّ أنني مكثت في مكان الحادثة لبضع دقائق في حين أنني بقيت أكثر من ساعة، واتصلت فوراً بقوات الطوارئ الدولية من أجل إنقاذ الأرواح. وقد طلبت المساعدة أكثر من مرة، لكنّهم لم يحركوا ساكناً إلى أن سمحت لهم قوات العدو الإسرائيلي بالاقتراب من السيارة. كما أنني تواصلت مع أناس من القرى القريبة والجهات الأمنية والدفاع المدني.
لقد قمتُ بواجبي الإنساني الذي يتحتّم عليّ.
- “الحصاد”: برأيكِ، كيف تكون الصورة أفتك من السلاح أحياناً؟
- الصورة أحياناً أفتك من السلاح، ما إن وظّفت في المكان والشكل المناسبين ووصلت للرأي العام كما هي دون أي تحريف. مع الإشارة، إلى أن للسلاح دوراً مهماً في تحرير الشعوب.
ولتسليط الضوء على أهميّة الصورة في الحروب والمجازر، أشير إلى أن مجزرة قانا راح ضحيّتها أكثر من مئة شهيد معظمهم نساء وأطفال وعجّز، لكنها لم تنتشر عالمياً والسبب وراء ذلك أنه لم تكن هناك صور تحمل الطابع الإنسانيّ تكون بمثابة شواهد على إجرام العدو. أما ما حصل لحظة وقوع مجزرة سيّارة إسعاف المنصوري يختلف كلياً عما حدث في قانا. فصورة المنصوري التي التقطتها أثارت جدلاً واسعاً على صعيد العالم. التقطت صورة السيارة قبل القصف، وأخرى للطائرات الإسرائيلية في الجوّ وصوّرت لحظة انفجار الصاروخ ثم حالة الهلع. نقلت مشهد الحادثة بأكمله، الأمر الذي كان وقعه صارخاً على الرأي العام.
- “الحصاد”: عملت مراسلة حربيّة لمدة ٨ سنوات في رويترز. ما أبرز صفة يحتاجها المراسل الحربيّ كي يستمرّ؟
- هناك أكثر من صفة يحب أن يمتلكها المراسل الحربي كي يستمرّ، أولها أن يعرف الميدان جيداً وكيفية التنقل وحماية نفسه أثناء القصف. عليه، ثانياً التمتّع بالمصداقيّة. والأهم من ذلك، أن يعرف كيف يصطاد اللحظة الحاسمة دون خوف من الموت.
- “الحصاد”: عن أيامك، ما الذي اختلف في العمل على خطوط النار والحروب؟
- اليوم، بات بإمكان أيٍّ كان أن يكون مراسلاً حربياً، مصوراً، وينقل الحدث على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر
الذي لم يكن متاحاً سابقاً، ألا وهو السرعة في نشر الخبر.
لم تتغيّر مشاهد الحروب والإبادة، فهذا العدو اشتهر بإجرامه، وإذا تابعنا عن كثب طريقة اعتدائه وأداة إجرامه لا نجد أيّ فرق بين ما حصل سابقاً في الجنوب اللبناني وما يحصل اليوم أيضاً على الحدود اللبنانيّة وما يحصل في غزة ورفح!
- “الحصاد”: من مراسلة حربيّة إلى كاتبة شاعرة وروائية. كيف كانت رحلة الانتقال، حدّثينا عنها.
- أحبّ الكتابة الأدبية والشعر. بدأت كتاباتي بكتاب وثّقت فيه تجربتي كمراسلة حربية ومشاهداتي تضمّن حوالي 100 صورة وثّقتها عدستي. عدد مؤلفاتي وصل 13 كتاباً، وديواناً شعرياً ورواية قيد الطبع. تناولت الكتب قضايا لطالما أثارت اهتمامي كالإعلام والاجتماع والتصوير الفوتوغرافيّ والمرأة والعدوان وقضايا النضال في فلسطين.
- “الحصاد”: عبّرت كتبك ومؤلفاتك عن العديد من المبادئ النضالية. أخبرينا عن هذا الارتباط؟
- أنا مناضلة منذ نعومة أظافري، كنتُ في مراحل الدراسة الأولى، أشارك بالمسرحيات. إلى أن أنشأت فرقة مسرحيّة خاصة مع زملائي الطلاب وكنتُ أقوم بكتابة النصّ وإخراجه وكنّا نجول مدارس القرى، وفي الجامعة أنشأتُ فرقة مسرحيّة واصلت فيها عملي المسرحي الذي كان يتمحور حول المقاومة وأهميتها.
- “الحصاد”: مؤلفك “فيروز” حاز على شعبية كبيرة. هل كان تحدّياً بالنسبة إليك الغوص في أعمال فيروز الفنية؟
- لا يمكن إنكار أن السيّدة فيروز هي أيقونه فنية نادرة، صوتها كالصلاة، يجعلنا نطير معها إلى سابع سماء. كنت سعيدة جداً مع كل اكتشاف لي عن هذه السيدة وسيرة أغانيها. كما أنني أعددتُ كتاباَ أيضاَ عن الرائع محمود درويش.
- “الحصاد”: بالانتقال إلى ملف القضية الفلسطينية، نرى الأثر الكبير الذي تتركه الصورة في تعرية جرائم الكيان الإسرائيلي. برأيك ما زالت تنجح في ذلك؟
- نعم الصورة ما زالت تنفع في ذلك خاصة أن اليوم كل شخص يحمل هاتفاً ممكن أن يكون مصوّراً. لكن الأمر الخطير أن الصورة اليوم خسرت وهجها القديم. لكن ضمن هذه العشوائيّة يخرج من بين ذلك شيء حقيقيّ. في غزة الجريمة كبيرة جداً لم يستطع العدو الإسرائيلي
واللوبي الصهيوني المنتشر والضاغط في كل أنحاء العالم وكل حلفائه من التخفيف أو التستّر أو التبرير لهذا الإجرام.. فهو اليوم بمأزق لكنه يُخفي ذلك، فهو حائر أمام صمود الشعب الفلسطينيّ وقدرته على التحمّل.
النقمة ازدادت على العدو، لأول مرة في تاريخ فلسطين، يكون التضامن والتعاطف الدوليّ بهذا الزخم مع أهلنا في غزة. عادت قضيّتها إلى الواجهة وبات الكلّ مدركاً أن القدس للفلسطينيين. كما أن الشعب الفلسطينيّ لن يتنازل عن حبة تراب واحدة من أرضه.
سقوط وهم أن ثمة قانوناً دولياً وحقوقاً للإنسان. كلّ ذلك كلامٌ للاستهلاك
- “الحصاد”: كيف تقيّمين مبادئ حقوق الإنسان وما يحصل في غزة. هل فعلاً ما زال هنالك ما يسمّى حقوق الإنسان وحرية تعبير؟
- عندما كنا ندرس في المدارس أوهمونا أن ثمة قانوناً دولياً وحقوقاً للإنسان، كلّ ذلك كان كلاماً للاستهلاك. فلسطين منذ 75 محتلة حصلت فيها مجازر فظيعة وما زال شعبها يموت ويعاني من العدوان.
ليس هناك ما يُسمّى حقوق إنسان طالما العالم يُمسك يد العدو الإسرائيلي، عن أي إنسانية تتكلمون! هل هذا العدو إنسانيّاً أم يكترث لقانون حماية! ما يحدث في غزة ورفح أزال غشاوة العالم عن حقيقة العدو الإسرائيلي، ولست متأكدة كم سيصمد بوجه الحقّ.
- “الحصاد”: كيف تقرئين ما يحدث في الجنوب اللبناني؟
- ما يحصل في الجنوب فتح جروح الماضي، فجراحي من المجازر في الجنوب اللبناني لم تلتئم بعد. لكن اليوم وضع الكيان الغاصب محرَجٌ، يشبه الطائر المذبوح الذي يرقص من الألم فهو لم يستطع رغم المجازر المهولة القضاء على ثقة الفلسطينيين وقوة تحمّلهم.
- “الحصاد”: بما تتوجّهين إلى أهالي الجنوب؟
- أقول لهم سينبت مكان كلّ نقطة دم وردة.. أمهاتنا ما زلن يلدن الأبطال، ستنبت قامات الشهداء زيتوناً وقمحاً وسندياناً، كل حبّة من تراب الجنوب ولبنان لنا والقدس لنا والنصر آتٍ لا محال!