المطرب الفنان هاني شاكر .. ومعركته الشرسة .. للنهضة الفنية ضد مطربي المهرجانات

هاني شاكر مطرب كبير ومعروف ،ويوصف في الاوساط الاعلامية بأنه  (أمير الغناء العربي) وله جمهور عريض ينتشر في ربوع العالم العربي،لكن هاني شاكرمن جانب اّخر ايضا يشغل موقع (نقيب المهن الموسيقيه) في مصر .في اطار مسؤوليته تلك اصطدم بظاهرة جديده في سماء الفن المصري تلقب،بمطربي (المهرجانات). وحتى لا يختلط الامر على القارئ الكريم ، حين يقرأ تعبير (مهرجان) فيتصور انها تعني الأحتفال العظيم ألذي تحشد له جهود ضخمة وتفرد له امكانات استثنائيه وتقدم فيه الوان متعددة من الأستعراضات أوالقدرات الفنية العالية والمبتكرة،نقول ان (المهرجان) في تعريف هذه النوعية من (المطربين) تعني ( اللمه) والزحمة) وتقديم (التحية والسلام) من جمهور الحاضرين لصاحب (المناسبة)مع تقديم (النقوط)وهو مبلغ من المال يهدى للمطرب او الراقصة في امثال تلك المناسبات. بطبيعة الحال ينسحب ذلك المناخ من تعبير ( اللمه والزحمه) فيصل الى ( كلمات الأغنية ) بصرف النظر عن اللحن أو الصوت ،أو على الأقل للمؤدي. مثال عن ذلك اغنية باسم ( بنت الجيران ) يقدمها حسن شاكوش ،وعمر كمال .تقول كلمات الاغنية في مقطع من مقاطعها : ( لو تسيبيني أكره حياتي وسنيني ،وأتوه ومش حتلاقيني ،واشرب خمور وحشيش ) ،وحين ذهب ( المطرب) عمر كمال الى السعوديه للغناء قام بتغيير عبارة (خمور وحشيش) ،الى (تمور وحليب ) . هذا ( المطرب) تعددت من حوله الأزمات ، مع نقابة المهن الموسيقية برئاسة هاني شاكر الى حد استدعائه امام النقابة بعد ان ذكر لفظا خارجا في مقطع لفيديو مذاع عبر منصات التواصل الاجتماعي ،ووجهت له النقابة خطابا شديد اللهجة بالأيقاف نهائيا اذا تمت ممارسته لمثل هذا المستوى من  الاغنيات وما تتضمنه من  الفاظ خارجة أو خادشة للحياء ،ويوضع  في الاعتبار انها ليست الكبوة الاولى التي يواجه فيها ما يسمى ب( مطرب المهرجانات) التحقيق في النقابة بسبب تلك الالفاظ الخارجه.ونتيجة  لتكرار تلك المخالفات قامت النقابة بمنع عدد من هؤلاء المغنيين(الشعبيين)من العمل ،وذلك عن طريق سحب تصريحاتهم السنوية للغتاء مما اثار جدلا واسعا في مصر. تضمنت القائمة، التي أصدرتها النقابة برئاسة الفنان هاني شاكر، 19 اسماً من “مؤدي المهرجانات” ويطلقون على انفسهم ( مطربين أو مغنيين ) الذين شملهم قرار سحب التصريح بمزاولة فن الغناء.

 الطرب الشعبي

ابطاله وامتداداته

عرفت مصر في أزمنة خلت الوانا كثيرة ،من فنون الغناء والطرب،واستطاعت ان تطهرها من كل الوان الابتذال التي رددها بعض ادعياء الغناء، وذلك في فترات التردي التي عرفتها مصر ايام الاحتلال وغياب الارادة الوطنيه ،ولذلك احتفظ تاريخ الغناء بأسماء رنانه ظلت باقيه في الضمير الشعبي مثل عبده الحامولي والمظ ،ثم سيد درويش، ولا حاقته منيرة المهدية التي قاسمها محمد عبد الوهاب بعض الادوار على مسرحها ،ثم مالبث ان تطور فن الغناء على يد محمد عبدالوهاب وام كلثوم وقد لمع نجميهما ،وسطع في عالم الغناء والطرب، كما ظهرت ايضا على الساحة  في اطار ذلك الزمن الجميل نخبة فذه من كبار المطربين الذين الهبوا الخيال من خلال  الأغنية الرومانسية التي حظيت بجمهور كبير، حيث تألق في غنائها مجموعة من مشاهير المطربين والمطربات بجوار عبدالوهاب وام كلثوم أمثال فريد الاطرش ومحمد فوزي وعبد الحليم حافظ واسمهان وليلى مراد وشادية ونجاة الصغيرة وغيرهم ممن أثروا الجانب العاطفي لدى الشعب المصري، على الجانب الآخر من التألق والإبداع ظهر الفن الشعبي بمطربيه الذين برعوا في مغازلة خيال الطبقه الشعبيه ،بأغنيات تخاطب افراحهم وليالي بهجتهم ،وتداعب مشاعرهم في صور جمالية براقه وكان منهم محمد عبدالمطلب واشهر اغنياته ( ساكن في حي السيده وحبيبي ساكن في الحسين ) و ( ياحاسدين الناس مالكم ومال الناس ) وايضا هو صاحب الأغنية الخالده ( رمضان جانا ..اهلا رمضان ) ومازالت تذاع كل عام في بداية الشهر الكريم من كل عام . كان هتاك ايضا عبدالغني السيد ( البيض الأمارة والسمر العذاري) و ( عالحلوة والمرة مش كنا متعاهدين) و سبقهم عبده السروجي في ( غريب الدار علي جار رماني بسهمه وظلمني ..مشيت سواح مسا وصباح ادور علي راح مني) وغنت شادية ( غاب القمر يابن عمي ياللا روحني دا النسمة اّخر الليل تفوت وتجرحني) ،وفي نهاية الخمسينات دخل الى حلبة الغناء الشعبي شعراء العامية المصريه وابرزهم صلاح جاهين وعبدالرحمن الابنودي،ومرسي جميل عزيز  كما دخل الى ساحة الموسيقى واللحن محمد الموجي وكمال الطويل ومنير مراد ثم بليغ حمدي ، دخلت الاغنية مرحلة جديده من الارتباط بالوجدان الشعبي ، فاستمعنا الى فايزة احمد ( بيت العز يابيتنا ) و(يامه القمر على الباب)

ثم محمد رشدي واغنيات ( تحت الشجر يا وهيبه) و( عدوية) بجوار محمد العزبي واغاني فرقة رضا باستعراضاتها الفنية الجمالية التي نهلت من التراث الشعبي ،وقد قامت بجوارها فرقة الفنون الشعبيه ثم فرقة البحيرة للفن الشعبي . ودخل عبدالحليم حافظ الى تلك الحلبة من الغناء فغنى ( انا كل مااقول التوبة يابوي ترميني المقادير،وسواح وعدى النهار . ظهرت كذلك المطربه عايده الشاعر التي تزوجها

الملحن علي اسماعيل و ضمها إلى فرقة الفنون الشعبية كمغنية متميزة في أداء  هذا النوع من الأغاني الشعبية حتى كانت من أشهر المطربات الشعبيات في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فقد اتسع رصيدها من الأغاني الشعبية الى مدى متميزا ،وأشهرها “الطشت قال لي” و”كايدة العزال” و”فالح ياوله” و”قمر 14″، ولحن لها كبار الموسيقيين منهم السنباطي وحلمي بكر وعلي إسماعيل وجمال سلامة وعبد العظيم محمد.برز ايضا استاذ الموال الشعبي وهو الفنان العفوي الذي تغني بالعديد من فنون (الموال) بدون إعداد سابق، فهو الملحن والمؤلف في نفس الوقت وهو أحد ملوك الأرقام القياسية في فن الارتجال في نفس لحظة وقوفه على المسرح، انه الفنان التلقائي،الذي يبقى هو الأوحد في كتاب الفن. بدأ نجمه في الصعود منذ ان سمعه الإذاعيان طاهر أبو زيد وإيهاب الأزهري وهو

الفنان المطرب هاني شاكر
نقيب المهن الموسيقيه
يخوض حربا شرسه ضد الابتذال

ينشد في مقهى “المعلم علي الأعرج” أحد مقاهي الحسين، حيث أعجبا به،ما جعلهما يصطحباه إلى الإذاعة ليقوم بتسجيل عدد من مواويله التي كانت فاتحة شهرته ،حيث اختاره الفنان زكريا الحجاوي وضمه إلى فرقة “الفلاحين الشعبية” التي كلفته وزارة الثقافة بتشكيلها. وبعد هذه المحطة ضمه الإعلامي الكبير جلال معوض في حفلات أضواء المدينة،وكان لتلك الحفلات شهرة كبيرة ،وتنقلت الى العديد من المدن ،حاى انهت ذهبت إلى مدينة غزة وغنى محمد طه هناك للفدائيين الفلسطينيين، كما قام بالغناء أمام الرئيس عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة، وعندما ذاع صيته بهذا الشكل صمم على تطوير أدواته، وذلك بتأسيس فرقة فنية  اطلق عليها اسم (الفرقة الذهبية للفنون الشعبية)، التي ضمت عازفين للكمان والطبلة والأرغول، وقد لازمته تلك الفرقة في كل حفلاته وسفرياته.

مشكلة تلك النوعيه من (المطربين)  من حيث الشكل والمضمون

يمكن الالتزام اولا بقاعدة تقول  أنه من حق الجميع ان يغني وأن يبتهج ،وان ينشر البهجة على الآخرين ،وان يكون الحكم في النهاية للجمهور . لكن السؤال ،أليس من حق الدولة ايضا ان تتدخل ان حدث نوع من الاسفاف في اللفظ أو التعبير ..؟ اليس من حق المجتمع مثلا  من خلال نخبه المثقفه ومؤسساته سواء النيابية او المهنية وجمعياته التربويه ان تعترض ،من اجل الحفاظ على الذوق العام ؟

ان نظرنا بقدر من التأمل لنوعية الأسماء التي اطلقها هؤلاء ( المطربون) على انفسهم باعتبارها ( اسماء فنية) فتجدها على النحو التالي : وهم: حمو بيكا، وحسن شاكوش، وكزبرة، وحنجرة، ومسلم، وأبو ليلة، وأحمد قاسم فيلو، وأحمد موزة، وحمو طيخة، وريشا كوستا، وسمارة، وشواحة، وولاد سليم، والعصابة، والزعيم، وعلاء فيفتي، وفرقة الكعب العالي، ومجدي شطة، ووزة، وشكل، وعمرو حاحا، وعنبة. تلك ظاهرة تدعو الى الجزع ،حتى من حيث الشكل ،فتلك اسماء قد تطلق من اجل تدليل الابناء في الصغر حتى وان كانت ظاهرة مستهجنة،فالأسم له مكانه ،وله جلال يدعو

( المطرب) حمو بيكا
احد مطربي موجة ( المهرجانات )

الى التقدير والاحترام،وليس الأسم مجرد تعريف يختلط  وقعه باسماء الخضراوات او حتى الفواكه .فما هو الحال ان كان الاسم يدفع للضحك او السخرية او الاستهجان . ثم من حيث الموضوع ، كيف يقبل ان تتضمن الاغاني الفاظا خارجه أو نابيه ،أو حتى ان تكون غريبه على الأذن ،أو لا تقبل التداول ،وانما تطلق من اجل الشهرة أو التميز الذي يلفت الانظار . هنا لا بد من التدخل للحفاظ على الذوق العام .

ماذا قال الفنان الراحل محمد عبدالوهاب ..؟

قبل رحيل الموسيقار عبدالوهاب كانت الاغاني التي تعتمد على الموسيقى الصاخبه،قد انتشرت،وتنحت الاغنية الطربيه عن مكانتها بعد توقف عبدالوهاب عن الغناء ورحيل ام كلثوم وفريد الاطرش ثم عبدالحليم،وسئل الموسيقار الكبير في برنامج مع المحاور مفيد فوزي عن حال الاغنية فقال لقد فقدت الاغنية مستمعا عظيما، والآن الاغنية تخاطب الاقدام التي ترقص عليها ،وهذا المستمع العظيم هو الجمهور.اي ان الذوق العام انحدر، وهبط ،ولذلك فان المتداول اصبح يعبر عن الأذواق الجديدة .

موقف نقابة المهن الموسيقيه

 نشر المطرب هاني شاكر بصفته رئيسا لنقابة المهن الموسيقيه قرار النقابة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك. أكدت النقابة في بيانها أنه: “يمنع منعاً باتاً من ليس عضواً بالنقابة وغير مصرح له، بالعمل لحين تصحيح أوضاعهم بالنقابة واجتياز الاختبارات”.وفي تصريح تلفزيوني قال الفنان هاني شاكر إنه “ليس ضد فن المهرجانات ولكنه ضد الكلمات

المطرب الشعبي الراحل محمد رشدي
ترك تراثا غنيا من الفن الشعبي

والأصوات غير الجيدة، وإن قرار النقابة الأخير بعرض أسماء الممنوعين من الغناء يستهدف ‘تنقية الأوضاع'”.

عوامل الخروج من تلك الأزمة

بعد ان تم اغلاق الاذاعات الأهلية في منتصف الثلاثينات تقريبا من القرن الماضي، ونشأت الأذاعة المصريه الرسمية ،كانت هناك ادارة للمنوعات ،وكانت حريصة ان لا يتسرب الى الميكرفون ما يمكن ان يكون مسفا ،او مبتذلا ،او يتنافى مع الذوق العام ،ومازالت هذه الادارة موجوده داخل المؤسسات الرسميه في الاذاعة والتلفزيون ،وانما المشكلة نشأت وتضخمت عبر القنوات الأهلية أو الخاصه أو اليوتيوب وعبر الانترنت ،ولذلك يقال انك لا تستطيع ان تمنع شيئا في عصر الفضائيات ،وان مصيبة هذا الزمن في  التقدم التكنولوجي الذي يسمح بتزاوج الغث مع الثمين.المصيبه الأكبر من جانب اّخر تكمن فيمن يدافعون عن مفهوم الحرية المطلق،وان الجمهور هو الذي عليه ان يستمع او لا يستمع !. انهم يتصورون ان المجتمع لا يتأثر بالكثير من العوامل .لقد قال ابن خلدون ان الحضارة حين تهتز او تتخلف فان اول ما يتأثر بها هو فن الغناء ، واهمية هذه المقولة تكشف عن حقيقة مؤكدة وهي اته من طبيعة

المطرب الشعبي الراحل محمد طه
ترك ايضا فنا راقيا من الاغنية المنظومة او المرتجلة

المجتمعات ان تغني سواء في فرحها او حزنها ،في تقدمها او تخلفها،والفن ترجمة للحالة النفسية للمرحلة التي يمر بها المجتمع سواء في النهضة حيث يعم الفرح او الانكسار حين تتراجع البهجة والفن اداة للتعبير ،والتعبير مرهون بحجم الثقافة والمعرفة ،و كيف تخاطب المجتمع ،ومفردات هذا التخاطب ،ان كان باللغة الرفيعه ،أو بالكلمات الرخيصة المبتذله . وهنا تأتي مسؤولية المؤسسات بكل فروعها وايضا يمستوياتها ،ولقد مرت مصر منذ عهد الانفتاح الاقتصادي وكامب ديفيد بالكثير من المحن،وتحاول الآن الصعود واسترداد مكانتها ودورها السياسي والاجتماعي . لذلك لابد من تحية النقابة ،وتحية البرلمان الذي شرع بمؤازرة النقابة بتحركهااحدى مسؤوليات النقابة الرئيسية (النهوض بالحركة الفنية وحماية الذوق العام ).

                                                                            أمين الغفاري

العدد 125 / شباط 2022