محطة لاكتشاف ومساءلة السينما التي تصنعها النساء بالعالم
![](https://alhasad.co.uk/wp-content/uploads/2024/11/Untitled-11-206x300.jpg)
تعزز المشهد السينمائي العربي في السنوات الأخيرة بظهور مجموعة من صانعات الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، اللواتي حظين بتقديرات خاصة وتوجن بجوائز رفيعة في مجموعة من المهرجانات العربية والأجنبية عن أعمال إنسانية تلامس قضايا المرأة وتقدم قصصا مؤثرة فيما بات يعرف بـ “سينما من أجل الإنسانية”، وقد واكب هذه الصناعة الفتية بروز مجموعة من المهرجانات العربية المخصصة لأفلام المرأة، وعلى رأسها أول مهرجان يخصص لسينما المرأة في العالم العربي، وهو “المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا”، الذي نظمت دورته 17 من 23 إلى 28 أيلول/ سبتمبر 2024، بمشاركة مجموعة من الأفلام العربية والدولية، وتوجت بفوز الفيلم الفنلندي “جوفيدا” للمخرجة كاتيا غوريلوف بالجائزة الكبرى للمهرجان، وهو فيلم أبهر الجميع واعتبر بمثابة “درس سينمائي” للحاضرين، لأنه قدم موضوعا حساسا يتعلق بقضية إنسانية لأقلية لغوية في فنلندا بلغة سينمائية رفيعة.
ما المقصود بفيلم المرأة؟
ما زال مصطلح “فيلم المرأة” يثير الكثير من الجدل، فهناك من يؤيده ويشتغل على ضوئه، ويعتبر سينما المرأة هي تلك الأعمال التي تتناول قضايا النوع الاجتماعي والتحرر وقضايا المرأة بشكل عام، سواء أنتجها ذكور أم إناث، وهناك من يرى أن المقصود بها هو تلك السينما التي تصنعها المرأة برؤيتها وحساسياتها تجاه القضايا التي ترتبط بوضعها الاجتماعي، أو القضايا الكونية والإنسانية بشكل عام، كما أن هناك من يرفض كل هذه التصنيفات الإجرائية، ويعتبر السينما إبداعا كسائر الفنون، وما يهم فيها هو المنتج الفيلمي، سواء قدمه رجل أو امرأة.
وبعيدا عن هذا الجدل، الذي لم يستقر منظرو السينما على تعريف موحد له، فإن الملاحظ هو أن وجود المرأة في السينما العربية على سبيل الحصر، لم يعد مقتصرا كما كان من قبل على التمثيل، حيث اقتحمت اليوم المرأة مجال الإخراج والإنتاج والكتابة ومختلف تقنيات العمل السينمائي، ووصلت بأعمالها إلى مراتب متقدمة، حيث وصلت مخرجتين عربيتين ضمن القائمة القصيرة لأفضل فيلم أجنبي في سباق جوائز الأوسكار لعام 2024، وترشحت إحداهما في فئة أفضل فيلم وثائقي، وهما المخرجة المغربية أسماء المدير عن فيلمها “كذب أبيض”، والمخرجة التونسية كوثر بن هنية عن فيلمها “بنات ألفة”، وهو ما جعل ليان شواف، مديرة السينما في معهد العالم العربي بباريس، التي أشرفت على اختيار الأفلام التي ساهمت في نافذة على السينما النسائية العربية والإيرانية ضمن فعاليات الدورة الـ42 للمهرجان الدولي للفيلم الفني بموريال بكندا، تقول إن “السينما العربية مزدهرة. لا أستطيع أن أقول إن كل الأفلام ممتازة. ولكن أنا متفائلة بالنسبة للنساء وحتى الرجال أيضا. ولكن بالنسبة للنساء على وجه التحديد، فإن الأمور تسير بشكل جيد في الوقت الحالي”.
ومن جهته، يقول الناقد السينمائي المغربي مولاي إدريس الجعايدي في تصريح لمجلة “الحصاد”، إنه ضد هذه التصنيفات “المغلوطة” التي تتحدث عن سينما نسائية وأخرى رجالية، لأن ما يهمه هو التصورات والرؤى التي تقدم بها تلك الأفلام، لأن هناك أفلام قدمها مخرجون عن قضايا المرأة كانت ذات حساسية عالية أكثر من تلك التي قدمتها نساء، واستدل على ذلك بأفلام لمخرجين مغاربة أمثال عبد القادر لقطع والجيلالي فرحاتي وسعد الشرايبي، كما أنه هناك أفلاما وقعتها مخرجات مغربيات كانت ذات جرأة وحساسية عالية في معالجة قضايا المرأة أمثل المخرجة المغربية نرجس النجار وليلى كيلاني وجيهان البحار. بينما هناك أفلام سقطت في تقديم مجموعة من الصور النمطية والرؤى المنغلقة عن الذات والعالم، والتي تروج لمواضيع متجاوزة ومبتذلة.
ويضيف الجعايدي، الذي اشتغل على تمثل المرأة المغربية في السينما التي ينتجها ذكور أو إناث، أن الأفلام 16 التي قدمت في “المهرجان الدولي لسينما المرأة بسلا” على قلتها، تقدم صورة عن الإنتاج الفيلمي الذي تقدمه المرأة عبر العالم، وهي أفلام ذات خصوصية قدمت بمقاربات مختلفة، منها من عالج قضايا كونية ومن عاد إلى الروافد الإفريقية، وإلى الآثار السلبية التي خلفها الاستعمار، ومن لامس قضايا التحول لدى المرأة في مراحل عمرية من الطفولة إلى المراهقة، وغيرها من المواضيع.
أول مهرجان عربي لفيلم المرأة
يعد “المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا” أول مهرجان سينمائي يخصص لفيلم المرأة في العالم العربي، تأسس عام 2004 بمبادرة من مجموعة من الفاعلين السينمائيين المغاربة بإدارة عبد اللطيف العصادي، واحتضان من “جمعية أبي رقراق” بسلا، ودعم من المركز السينمائي المغربي، قدم على مدى دوراته 17 مجموعة كبيرة من الأفلام العربية والدولية المنتقاة بعناية، والتي تتناول قضايا المرأة، ووقعتها مخرجات سينمائيات، أو مخرجون تناولوا قضايا المرأة في أفلامهم، وساهموا في تسليط الضوء على القضايا والإشكالات التي تعانيها المرأة في مختلف بقاع العالم.
وقد شكل المهرجان ومازال محطة مهمة لمساءلة السينما التي تصنعها المرأة وتقييمها، ومناسبة للسينمائيين من البلدان العربية والإفريقية والغربية للتداول في الشأن السينمائي، وخصوصا سينما المرأة، وتبادل الخبرات والتجارب، وطرح القضايا المتعلقة بالممارسة السينمائية وإكراهاتها، ومناقشة شؤون المرأة من خلال المنجزات الفيلمية، وتسليط الضوء على إشكاليات الإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو وغيرها من الأمور التقنية المتعلقة بالعمل السينمائي ككل وتلقيه من طرف الجمهور وتوزيعه وتسويقه، ناهيك عن تكريم مجموعة من الفاعلات في القطاع السينمائي، كما هو الشأن في هذه الدورة مع الممثلتين: السعدية لاديب من المغرب، وداليا البحيري من مصر، والتعريف بالكتابات التي تتناول السينما في المغرب والعالم العربي، والاحتفاء في كل دورة بسينما بلد معين، مثلما حدث في هذه الدورة الأخيرة مع السينما المجرية، التي اختيرت كضيف شرف، وتم تخصيص عرض خاص لثلاثة أفلام لمخرجات مجريات تناولن من خلال أعمالهن قضايا المرأة وأثرها على المجتمع بفضاء “سينما الملكي” بالمدينة العتيقة سلا، وهي: “سيدة القسطنطينية” للمخرجة جوديت ليك، و”عدن” للمخرجة آجميس كوشيس، و”بوبيتا” للمخرجة مارتا ميسزاروس، التي قدم عنها في افتتاح المهرجان بورتريه يعرف بها وبأعمالها، باعتبارها رائدة السينما المجرية.
أفلام بقضايا إنسانية
قدمت في الدورة 17 من “المهرجان الدولي لفيلم المرأة”، التي اختار منظموها أن تكون مدينة سلا التاريخية التي يفصل بينها وبين العاصمة الرباط نهر أبي رقراق فضاء لهذا المهرجان وعرض الأفلام في قاعتين سينمائيتين شعبيتين بعد ترميمهما هما سينما “هوليوود” و”الملكي” وفضاء “السوق الكبير” بالمدينة العتيقة لتقريب السينما من الجماهير الشعبية، عشرة أفلام في مسابقة الأفلام الطويلة من عشرين بلدا، وهي أفلام ذات حمولة إنسانية، انشغلت فيها المخرجات بقضايا المتاجرة بالأعضاء البشرية وتقسيم الإرث كما في الفيلمين المغربيين “على الهامش” و”شيوع”، وقضية الجذور والذاكرة في فيلم “جوفيدا” الفنلندي الذي سلط الضوء على قصة جماعة لغوية وثقافية تواجه شبح الانقراض في شمال فنلندا بعد أن تعرضت لسياسات الدمج القسري الذي جعل لغة هامشية تدعى “سامي سكولت” تشارف على الاندثار بعد أن انحسر عدد الناطقين بها في 400 فرد فقط، وقضايا إنسانية أخرى لصيقة بهموم المرأة وانشغالها بالكون وذاتها والعالم المحيط بها.
والأفلام المشاركة في هذه المسابقة هي: “الصورة الدائمة” للورا فيريس (إسبانيا، فرنسا)، و”كود وان” لإنديا دونالدسون )أمريكا(، و”صحراء ناميبيا” ليوكو ياماكا )اليابان(، و”لغة أجنبية” لكلير برجر (فرنسا، ألمانيا وبلجيكا)، و”مي بيستيا” لكاميال بلتران (كولومبيا، فرنسا)، و”أنيمال” لصوفيا إكسارشو (اليونان، النمسا، رومانيا، قبرص وبلغاريا)، و”خطوط النمر” لأماندا نيل أيو (ماليزيا، تايوان، فرنسا، ألمنيا، هولندا، وسنغافورة، أندونيسيا وقطر)، و”جو فيدا” لكاتيا جوريلوف (فنلندا)، و”شيوع” لليلى كيلاني و”على الهامش” من المغرب.
وترأست لجنة تحكيمها المخرجة المغربية مريم التوزاني، التي ضمت كلا من الممثلة المصرية هنا شيحة، والمنتجة والمخرجة المجرية أجنيس كوشيس، والممثلة والمخرجة الإيفوارية أوديل سانكارا والمخرجة الفرنسية فلور ألبرت.
أما مسابقة الأفلام الوثائقية فقدمت فيها خمسة أفلام، هي: الوثائقي التونسي “لا شيء عن أمي” (2023) لسالم الطرابلسي ولطيفة الدغري الذي يوثق لرحلة تأهيل ومعالجة الطفلة “سوار” التي تعرضت للاغتصاب من طرف زوج الأم وأصدقائه ومحاكمتهم غير المنصفة للضحية، و”القبر الفارغ” لأجنيس ليزا ويجنروسيسي ملاي (ألمانيا، تنزانيا 2024) الذي يوثق لرحلة بحث عائلتين تنزانيتين عن أسلافهم المسروقين، و”بيرينها” لناتاشا كرافيرو من الرأس الأخضر (2024) ورحلة البحث عن الحرية، و”حكايات مدينة” لمالوري إلوي بايسلي (فرنسا،2024) وقصة جمود غوادلوب المستعمرة الفرنسية السابقة، والفيلم السينغالي “ليبو” لنداي سوكيناتو ديوب) 24 (20وقضية المعتقدات والتقاليد المتوارثة التي انخرطت فيها المخرجة أيضا. وتكونت لجنة تحكيمها من ثلاث عضوات برئاسة المخرجة اللبنانية دانييل دافي، التي لم تتمكن من الحضور بسبب الأحداث الأخيرة في لبنان واشتغلت عن بعد مع العضوتين: المنشطة الإذاعية والتلفزيونية المغربية أمينة فرحاتي والمخرجة الفرنسية صوفي باشلي.
وإلى جانب هاتين المسابقتين، هناك لجنة تحكيم خاصة بالجمهور الشبابي التي تترأسها المخرجة والمنتجة المغربية نرجس الطاهري، وعضويتي المخرجتين المغربيتين أيضا إسراء طبيش وضحى بنويس، والتي ستتوج فيلما من خمسة أفلام مغربية قصيرة وأخرى طويلة.
تتويج “جوفيدا” الفنلندي
لم يكن تتويج الفيلم الفنلندي الطويل “جوفيدا” لمخرجته كاتيا غوريلوف بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا في دورته الـ 17 مفاجئا، بل توقعه جل مشاهدي أفلام المهرجان، لأنه تحفة سينمائية على مستوى التصوير والمعالجة، فهو يثير على مدى 99 دقيقة، قضية كونية كبرى تتمثل في حماية التعددية الثقافية واللغوية من خلال الدراما الشخصية للسيدة “جوفيدا” والجماعة التي تنتسب إليها، والتي تواجه شبح الانقراض في شمال فنلندا بعد أن تعرضت لسياسات الدمج القسري الذي جعل لغتها المعروفة بـ “سامي سكولت” تشارف على الاندثار بعد أن انحسر عدد الناطقين بها، حيث أخذت المخرجة على عاتقها إثارة هذه القضية التي تعنيها شخصيا في هذا الفيلم الذي يجمع بين ما هو تخييلي ووثائقي، وعملت على عرضه بشاعرية لا متناهية عبر اعتماد التصوير بالأبيض والأسود، واختيار قرية “لابلاند” فضاء لأحداثه الذي تستعيد فيه الخالة “جوفيدا” الكثير من التعسفات والآلام التي تعرضت لها، والتي طالت حتى اسمها الذي أصبح غصبا “ليدا”، واعتبر الاسم الأنسب للحياة العصرية بفنلندا.
“جوفيدا” فيلم شخصي، كما أكدت المخرجة في تقديمها له، استعادت من خلاله ذكرى أمها التي حملت ثقافة جماعة هامشية قاومت الإدماج القسري، وحاولت الحفاظ على عاداتها وطقوسها ونمط عيشها المعتمد على صيد الأسماك والنسيج، وأثارت من خلاله بلغة سينمائية سؤال الهوية والتعايش وصون الذاكرة.
وإلى جانب هذا الفيلم، حصل فيلم “أنيمال” للمخرجة اليونانية صوفيا إكسارشو على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وهو الفيلم الذي حصل أيضا على جائزة أفضل دور نسائي للممثلة ديميترا فلاكوبولو، فيما توج فيلك “لغة أجنبية” للمخرجة الفرنسية كلير بيرجر بتنويه خاص، وعادت جائزة أول عمل لفيلم “غود وان” للمخرجة الأمريكية إنديا دونالدسون.
أما المشاركة المغربية في مسابقة الفيلم الطويل فكان من نصيبها التتويج بجائزة أفضل دور رجالي للممثل خليل أوباعقى عن دوره في فيلم “على الهامش” للمخرجة جيهان البحار، الذي توج أيضا بجائزة الضفة الأخرى المستحدثة للمناصفة في السينما.
وفي فئة الأفلام الوثائقية، ذهبت الجائزة الكبرى إلى الفيلم الفرنسي “حكايات مدينة” للمخرجة مالوري إيلوا بايسلي، مع تنويه خاص بفيلم “القبر الفارغ” لأنييس ليزا فيغنر وسيسي ملاي (ألمانيا، تانزانيا).
من جهة أخرى عادت جائزة الجمهور الشبابي للفيلم الطويل للمخرج المغربي مولاي الطيب بوحنانة عن فيلمه “صحاري سلم وسعى”، فيما آلت جائزة الجمهور الشبابي للفيلم القصير لفيلم “ما الذي ينمو في راحة يدك” للمخرجة المغربية ضياء بيا.
نقد سينمائي نسائي
خلال الدورة 17 من “المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا” تم الاهتمام بالنقد السينمائي الذي توقعه المرأة عبر العالم، وتم التساؤل من طرف مؤطر الندوة الدكتور محمد البوعيادي الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص في المجال السينمائي، عن هذا النقد وعن راهنيته خصوصياته؟ وعن أوجه اختلافه عن النقد الذي يقدمه النقاد الرجال؟
النقد السينمائي هو عمل بعدي يختص بتحليل وتقييم وتذوق العمل الفني الدرامي والسينمائي من جميع جوانبه من حيث القصة والإخراج والموسيقى التصويرية والتمثيل والإضاءة والمونتاج وغيره من مكونات العمل السينمائي. مارسته الأقلام الذكورية وهيمنت عليه بشكل كبير، ولم تظهر بعض الأقلام النقدية النسائية إلا في سبعينيات القرن الماضي بأمريكا مع موجة النسوية، حيث دافعت نظرية الفيلم النسوي على ضرورة اعتماد آليات لتحليل هذا الفيلم ذو الخصوصية المعينة، وإعطاء الفرص للنساء والاعتراف بخبراتهن، ومع ذلك ظل تمثيل الناقدات السينمائيات، كما يرى البوعيادي، “ناقصا” عبر التاريخ سواء في وسائل الإعلام أو ضمن مناقشة الأفلام، ولم يظهر هذا النقد بشكل مؤسس إلا في السنوات الأخيرة مع جمعيات مهنية للنقد السينمائي ورابطة النساء المخرجات بأمريكا، ومع ذلك فإن الناقدات السينمائيات مازلن يواجهن عقبات مهنية كبيرة، منها التمييز بين الجنسين، ونقص الفرص الوظيفية، والتهميش في الدوائر النقدية، وهو ما يتطلب منهن مكافحة كافة أشكال التمييز، وخلق بيئة مواتية وعادلة تضمن للناقدات السينمائيات التعبير عن أصواتهن بحرية.
وهو ما أكدته الناقدة السينمائية الكونغولية دجيا مامبو التي عزت النقص الحاصل في الإسهامات النقدية السينمائية في صفوف النساء مقارنة بالرجال في القارة الإفريقية إلى “عوامل ثقافية واقتصادية بحتة” في العديد من بلدان القارة. وتحدثت عن خصوصيات الكتابة النقدية النسائية، قائلة: “إنه من الطبيعي أن تهتم المرأة بالكتابة عما يلامس وجدانها ويعالج قضاياها أكثر من أي شيء آخر”، داعية صناع السينما إلى العمل على معالجة قضية المرأة في أعمالهم وتعزيز إشراكها في جميع مراحل الإنتاج.
أما في العالم العربي فإن النقد السينمائي النسائي قليل جدا وشبه منعدم في العديد من البلدان، ومن ضمنها المغرب، الذي يعرف هيمنة ذكورية في هذا المجال، ورغم أن مصر تشهد صناعة سينمائية فإن النقد السينمائي النسائي بها ليس متطورا، ويحتاج كما تقول الباحثة المصرية انتصار دردير، إلى الاهتمام والدعم لأن الناقد السينمائي سواء كان رجلا أو امرأة، فهو حلقة وصل بين صانعي الفيلم والمتلقي، يساهم بشكل فعال في زيادة الوعي الفني لدى الجمهور ويوسع مداركه لفهم أوسع للمنتوج السينمائي.
وإلى جانب هذه الندوة، فقد تميز المهرجان بالمناقشة القوية والمهمة للأفلام المشاركة في المسابقات الرسمية، والتي حضرها طلبة السينما والكثير من الفاعلين في مجال الفن السابع، حيث كانت بالفعل فرصة للاستفادة وتبادل الخبرات والكشف عن المشاكل والإكراهات التي تعانيها صانعات الأفلام على مستوى الكتابة والإخراج والإنتاج، وطول مدة التصوير بالنسبة للمشتغلات على الأفلام الوثائقية. كما خصص لقاءات حوارية مع مخرجات ومخرجين وورشات عمل تناقش المناصفة في السينما تحت اسم “الضفة الأخرى”، ولقاءات لتقديم أحدث الإصدارات السينمائية المغربية.
حوار
المخرج هشام فلاح:
هناك تطور في موضوعات وأشكال تقديم أفلام المرأة
=”الحصاد”: كمدير فني لـلمهرجان وإشرافك على اختيار الأفلام المشاركة، ما رأيك فيما تنتجه صانعات الأفلام في العالم العربي بشكل عام، وفي المغرب بشكل خاص؟
+ هشام فلاح: إن ظروف اشتغال صانعات الأفلام في العالم العربي وإفريقيا تختلف نسبيا عن زميلاتهن في أماكن أخرى من العالم. لكن اليوم، تشكل النساء الأغلبية بين طلاب مدارس السينما وصانعي الأفلام القصيرة والعديد من صانعي الأفلام الوثائقية، لكن الانتقال إلى الأفلام الروائية الطويلة لا يزال صعبا للغاية. فصانعات الأفلام تواجهن الإشكالات نفسها مثل نظرائهن الذكور، ولكن هذا يتطلب منهن في كثير من الأحيان مضاعفة الجهد والتحلي بقوة الإرادة. إن المخرجات اللواتي ينجحن في إنتاج العديد من الأفلام الطويلة نادرات جدا ويتمتعن بشخصية قوية.
وبشكل عام، يمكن الحديث عن تطور في موضوعات وأشكال تقديم أفلام المخرجات من مثل فترة المراهقة، والالتفات بحساسية كبيرة إلى الشخصيات الأكثر هشاشة في المجتمع، حيث يمكن تسجيل تحول النساء المخرجات إلى أفلام معينة كأفلام النوع الاجتماعي، والأفلام العجائبية التخييلية، والأفلام البوليسية أو الكوميدية. والكثير منهن يعملن بالتناوب على أفلام تخييلية ووثائقية كالمخرجات: التونسية كوثر بن هنية والمغربية ليلى كيلاني أو العراقية تالا حديد، أو يطورن أفلاما هجينة مثل المخرجة المغربية أسماء المدير أو المخرجة التونسية إريج السحيري، حيث يعتمدن على وسائط أخرى داخل السينما كالفنون التشكيلية أو الدمى وغيرها.
= “الحصاد”: بلغ “المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا” دورته 17، فهل هناك آفاق مستقبلية لأول مهرجان مخصص لفيلم المرأة بالعالم العربي، وما رؤيتكم الفنية لتطويره؟
+ هشام فلاح: إضافة إلى الرؤية التي توفرها برمجة المهرجان للإبداع السينمائي للمرأة، فإنه يرغب في دعم جميع المبادرات التي يمكن أن تساهم في تطويره، ولكن أيضا في تحقيق قدر أكبر من المساواة بين الجنسين على الشاشة ولكن أيضا خلف الكاميرا، ولهذا السبب فنحن شركاء في “جائزة إبداع الضفة الأخرى” المستحدثة من طرف المخرجة والناشطة الحقوقية المغربية خولة أسباب بنعمر لمكافأة الإنتاج المغربي لهذا العام، وقد عمل إلى جانبها في ورش حول المناصفة ومدونة الأسرة أكبر عدد من النساء في مناصب مختلفة. وكانت بالفعل فرصة لتسليط الضوء على شركات الإنتاج المغربية التي تعمل بشكل ملموس على تكافؤ الفرص وتشجيع الآخرين على بذل المزيد من الجهود.
وفي الدورة السابقة من المهرجان تطرقنا لقضية التحرش الجنسي في مواقع تصوير الأفلام وبشكل أعم في القطاع السمعي البصري، وبإمكاننا الذهاب أبعد من ذلك عن طريق الجمع بين مبادرات التكوين للمهنيين في المجال السينمائي بالتعاون مع مجموعة من البلدان الإفريقية. وفي هذه الدورة اشتغلنا على النقد السينمائي النسائي، ويمكن لنا العمل على تشجيع الأقلام النسائية من باحثات وإعلاميات على الكتابة عن السينما.