النظام العربي …الى اين؟

هل انكمش في حالة كمون ..ام انه يزحف باطراد الى عالم الغروب

قبلت حماس صفقة وقف اطلاق النار مع اسرائيل، وكشفت للعالم انها ليست الطرف المتعنت، كما انها ايضا وفي نفس الوقت لم تنس موقفها الأمين على التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وتقف الولايات المتحده في الموقف الصعب الأن ،ماذا ستصنع امام التعنت الأسرائيلي . على كل حال ليس ذلك بيت القصيد من هذا المقال ،فقبول حماس وقف اطلاق  النار سيربك حسابات نتنياهو ،فهو ان اصر على موقفه باجتياح رفح ،لا يعرف ماذا ينتظره هناك من مفاجاّت المقاومه،بالأضافة الى العزله الدوليه ، وانتفاضات عائلات الأسري والمحتجزين لدي حماس  ،وان تماشي مع ماجد من تطور من موافقة على الصفقه، فسيجد نفسه ايضا موضع التساؤل من رفاقة من معسكر اليمين الاسرائيليين، وتهديدهم باسقاط حكومته ،وبالتالي مواجهته للمحاكمه في تهم انحراف سبق وان شابته. بمعنى اشد وضوحا لن يسلم

اسرائيل تفقد الدعم الدولي

نتنياهو بسهولة بتلك النتيجه ،وسوف يحاول بأكثر من وسيله وضع العراقيل امام تلك الصفقه ،والطريق قبل كل ذلك وبعده يصبح مفتوحا أمام أكثر من تلك الجوله من الصدام التي راح ضحيتها الألأف من الضحايا والشهداء الفلسطينيين . بالتأكيد ادي هذا الصدام الى اوضاع جديده على الساحة الفلسطينيه ،وكذلك العربيه ،وايضا وضع القضية الفلسطينيه على ساحة الرأي العام العالمي بصورة اشد جلاء ووضوحا ،وقدر الشعب الفلسطيني انه يدفع دائما الثمن من دمه لكي يري العالم حقيقة مشكلته ،وابعاد أزمته ،وكم الغبن الذي يتحمل تبعاته بكل ابعاده بشجاعة واستبسال لاحد له .

اننا في اطار هذه المحنة البالغه التي مازال يمر بها الشعب الفلسطيني، والممارسات اللاانسانية التي ترتكبها اسرائيل في قطاع غزة، نشاهد هذا العدوان العسكري المهول وضحاياه من المدنيين ،قد حرك بدوره الضمير العالمي بأسره عبرشعوبه في دوله المختلفه ،وخصوصا تلك الشعله الملتهبه على الدوام ،وقت العدوان على مفاهيم الحريه في اي مكان وتحت السقف ألأزلي وهو حقوق وكرامة الانسان ،ونعني  بتلك الشعله المتوهجه تحديدا  الحركة الطلابية في الجامعات تحت اي علم ،ونشاهد في كل ساعة ،كيف ارتج العالم بأسره أزاء تلك الممارسات. في اطار ذلك كله وعبره ،ما نتابعه في جلسات المؤسسات الدوليه من هيئة الامم المتحده الى مجلس الامن ثم نتابع جلسات المؤسسات الدولية الاخرى من حقوق الانسان الى المحاكم الدوليه الى المؤسسات الصحيه، الى الأونروا. نراقب كل ذلك ونتساءل حول النظام الدولي الراهن ،وماكشفت عنه الأحداث من أوجه القصور في معايير العدالة وازدواجيتها ،وحقوق الانسان ومدى مصداقيتها ،ثم يعن لنا ان نتساءل عن مستقبل النظام الدولي في اطار ذلك التباين في المواقف منذ ان تفردت قوى عظمى واحده بالتربع على قمة النظام الدولي الراهن . قد يخفف من سوداوية هذا النظام ،ان نلاحظ على جانب اّخر،ان ملامح قويه على التغيير بدأت تدق اجراسها ،وتنبئ ان العالم يخطو من جديد – حتى وان كان في بطء لكن في ثبات – الى عالم اّخر متعدد الأقطاب ،ونشاهد احد مظاهره في انشاء ( مجموعة البريكس) التي تدعو الى صوت وتمثيل اكبر للأقتصادات الناشئه، ومساعدتها بعيدا عن التسلط باملاء الشروط السياسيه قبل الماليه التي عانت منها كل الدول التي وقعت فريسة لما يسمى (البنك الدولي) واحكامه .ناهيك عن صعود اّخر لنجم بازغ للمزاحمه على مركز الصدارة الدولي وهو الصين،وقد اصبحت تغزو افريقيا وغيرها اقتصاديا ، والتعافي المطرد لروسيا بعد كبوة الأتحاد السوفييتي وانهياره ، وقد دخلت قواتها العسكرية مؤخرا لثلاثة دول افريقيه بناء على طلبها،وهي مالي والنيجر وساحل العاج .النظام الدولي يتحرك ليتسع لأكثر من قطب ،ويبشر  لصعود أكثر من قوة.  لكن السؤال الذي يشغلنا ماذا عن النظام الأقليمي الذي يعيش تحت ظلاله العالم العربي؟عن هذا النظام العربي وما اصابه يجدر بنا ان نتحاور .

النظام العربي .. الى اين ؟

قبل أكثر من نصف قرن من الزمان كنا نتغنى بطموحات النظام العربي ،بعد ان سجل انتصارات في قضايا التحرر ،والخروج من قبضة الأحتلال بجلاء القوات الاجنبيه ،واسترداد معالم الثروة الوطنيه وكانت البدايه تأميم قناة السويس ،وكانت هناك محطة اذاعيه تسمى ( صوت العرب) تفتتح ارسالها بنشيد ( امجاد ياعرب امجاد في بلادنا كرام اسياد )، وحملت تلك الاذاعه رسالة التحرر في عالمنا العربي ،والى حد انها كانت هدفا عسكريا اثناء العدوان الثلاثي عام 1956 .والأدهي والأمر اننا بعد ان كنا نتغنى بتلك الأمجاد ،اصبحنا نجد المجال او المناخ الذي نتندرمن خلاله على تعريفاته مثل مفهوم القوميه ،وننعت معتنقيها ب( القومجيه) سخرية من المفهوم وتندرا على قضية ( الوحده) ، بل  وحتى الجامعه العربيه، وهي الخيط الأخير الذي مازال يرمز الى النظام العربي سياسيا ،وله نشاطاته المختلفة، تحظى بالكثير من الوان السخريه والاستهجان ،ويطالب البعض بانهائها حيث لا طائل ولا رجاء من وجودها. والأكثر من ذلك نعتها بأنها ( صناعة بريطانيه !!) .

كنا ذلك اليوم .. واصبحنا هذا اليوم

دون الدخول في اضابير التاريخ ،رغم انه الجدير بكل الاعتبار،ودراسته حصن حصين ،من السقوط في مستنقعات الاعلام المزيف وبهرجته ،وطلاء الصياغات وبريقها ،ورنين الشعارات وكذبها نذكر ونتذكر يوم ان كانت العروبه وبالتالي (القومية العربيه) ذات يوم وهجا اخاذا ،تؤلف له الاناشيد ،وتصدح به الأصوات ،وتتغنى به الألسنه ونطرب بها ولها ( الأرض بتتكلم عربي ..الأرض الأرض) و ( لبيك علم العروبة كلنا نفدي الحمى ،لبيك واجعل من جمامنا لمجدك سلما) ، و( صوت القومية العربيه بيهز الارض ..بالطول والعرض ) .يقول ( ابن خلدون ) حين تتراجع النهضة فان اول ما يتأثر بها هو فن الغناء) ،ولقد تراجعنا بالفعل ،الى حد ان الأغاني والأناشيد التي كنا نطرب لها ونرددها بسعادة وافتخار ،أصبحنا نسخر منها ،بل ونبتسم في حسرة ونتألم في صمت ،وتراجعنا الى حد اننا عدنا الى عصر الأحتلال المباشر ،بوجود اعلام اجنبيه ترفرف في سماواتنا ،تتحدى ارادتنا ،بعد ان كنا عبرنا ذلك الزمن ،بل وجعلنا الاستعمار يتراجع عن مخططاته ،ويستجيب لدعاوي الحرية ويغير من الوان سيطرته وابتزازه فعمد الى ما يعرف بعد ذلك بالأستعمار الاقتصادي ،وكان علينا بالتالي التصدي لذلك ، لكن الزمن قد تغير،وهانت المبادئ تحت سطوة المصالح ،وتراجعت السياسات في سبيل الحفاظ على مقاعد الحكم ,وسلامة السلطات ،وخضعت الأرادة الوطنيه ،تحت شعارات 99% من حل قضايانا رهينة بالرضاء الأمريكي،فهي حقيقة هذا العالم الذي نحياه،وهكذا سلمنا اقدارنا، ومصائر حياتنا،وعرفنا معنى الأستسلام،والتخلى عن ارادتنا بالكامل للراعي الأمريكي ،فهو الذي يملك الحماية والرعاية ،ومصائر الاوطان.في اواخر الثمانينات تقريبا كتب نزار

مظاهرات لندن ترفع اعلام فلسطين

قباني قصيدة يقول مطلعها (أحاول منذ الطفولة رسم بلاد تسمى مجازا بلاد العرب)،وعنوان القصيده (متى يعلنون وفاة العرب ؟!) ومذيع الجزيره(فيصل القاسم) يروق له على الدوام السخرية من القومية العربيه بوصفه لدعاتها (  ب القومجيه) وليس القوميون .الأدهي من ذلك والأمر تصريح الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو)  في احتفاليه بتوزيع جوائز في جهاز الأمن الداخلي الأسرائيلي (الشاباك) 21 يناير عام 2020  بقوله (ان اسرائيل سوف تنتصر في صراعها مع ايران كما انتصرت في القضاء على القومية العربيه )!.الحقيقه اننا نجد تلك الظاهره وهي الأستنكار الذي يحمل شكل الأستخفاف بالمفهوم العام للعروبه أو بالمعنى الأكثر دقه بمفهوم قضية (القوميه العربيه)حين تصادف الأمة العربيه ازمة حادة، فانها لا تبحث عن الخلاص بتفعيل عناصر قوتها ،واستنهاض العزيمه،بالبحث عن اول اسباب القوة،وهو التضامن ،والتكاتف ،من اجل تحديد معالم الأزمة،ثم  البحث عن انجع الحلول بقدر من توزيع المسؤوليات بدلا من طرح الشعار (هذا الوطن اولا) أو (ذاك الوطن اولا) فالخلاص الفردي،لا يعني سوي قدر من قصر النظر والتسكين للمشكلة، وليس العلاج الجذري( من خلال الحل القطري) تكفل الخلاص من اي أزمة أواستحقاقات أم (نحن أولا) بمعنى (الحل القومي) وهو الذي يحقق لنا الطمأنينه والأمن الأمن والسلام ..؟

ثم ماذا عن يوم غد

فلسطين على امتداد لتاريخها الطويل في المقاومة ،مازالت تواجه عمليات اغتصاب الأرض ،وتجري دماء ابنائها شلالات وانهارا في الدفاع عن منازلهم التي استحلت بالأستيطان ،ومزارعهم التي دمرت بالجرافات ،ولا تهدأ في ذلك ولا تتعب ولا تستسلم رغم انقضاء العقود من السنين ، تعطينا الدرس ،والالهام معا . ان استرداد الأرض والكرامه مرهون بالصلابة حتى الاستشهاد  ،والاستعداد لدفع الضريبه لكل جهاد ، مقابل استرداد الأرض وحرية الارادة وكرامة الانسان .وقد كان الشعار في عصر الأزدهار القومي حول مواجهة الاستيطان الاسرائيلي ( الصراع العربي – الأسرائيلي ) ،واستمر ذلك التعريف لهذا الصراع ،الى ان اخترقه الرئيس الراحل انور السادات) بالصلح المنفرد مع اسرائيل عام 1979 ،وبخروج مصر من المعركه على هذا النحو ،ثم الفشل في تكوين الجبهة الشرقيه ضعف الموقف العربي ،وانتهج العرب تحت راية الجامعه العربيه مبدأ طرح مبادرات السلام مع اسرائيل ،تحت معادلة(الأرض مقابل السلام).لكن اسرائيل كشفت عن مطامعها وحلمها الكبير في التوسع وانهمرت عمليات الأستيطان في الارض المغتصبة ،ورفضت المرة تلو المره تلك اليد الممتده بالسلام ،وطرحت معادلة جديده فحواها (السلام مقابل السلام).بمعنى اّخر ان اسرائيل ليست في حاجة للسلام مع العرب لأنه لا يخدم مصالحها في التوسع ،فهي دوله بلا حدود معروفه . ثم بدأت مرحلة جديده في الوطن العربي ،وكانت منطقة الخليج موقعها في الحرب العراقيه – الايرانيه ،ثم الكويت ومضاعافاتها وزحفت الجيوش الأجنبيه رافعة اعلامها بارادة عربيه هذه المره على الأرض العربيه ، بعد ان تم تدمير العراق تدميرا كاملا، ثم جاءت عاصفة (الربيع العربي) لكي تعصف بكل القوى الكامنه العربيه

او بما تبقى منها، تحت دعوى كونداليزا رايس (الفوضي الخلاقه). ترتيبا على كل ذلك توالت عمليات

الاعتراف العربي بالدولة الصهيونية ،واصبح الصراع العربي – الأسرائيلي في قالبه الجديد الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ،وضعف مفهوم ( الأمن القومي العربي)ونظريات (الدفاع العربي المشترك).

تاريخ يكشف حركة التراجع في الموقف العربي ،وتعزيز مفهوم ( الأنا) بالمصالح القطريه البحته ،ولذلك كله كان من المنطق في مجرى تلك الأحداث ان تتم السخرية من مفهوم ( القوميه) وتصبح قضية (الوحده) حتى في اطار التضامن والتكامل من اجل مصلحة الكل ،نوعا من الكوميديا السوداء.

ماذا يعني كل ذلك ..؟

هل خرج العرب من حركة التاريخ ،وتجاوزتهم ..؟ هل اصبحنا نردد شعر (نزار قباني) في قصيدته ( متى يعلنون وفاة العرب ؟) .بالتأكيد لا. ثم لا .ثم لا . وحركة التاريخ التي نستخلص منها الدروس والعبر ،تنطق بالنفي ،فلقد مرت علينا في تاريخنا حقب اصعب واصعب ،ولكننا ملكنا القدره ان نخرج من الوان كثيره من الحقب الاستعماريه والاستبداديه ،ومن ربقة امبراطوريات تكونت،والحقتنا بكل انواع التبعية ضمن حدودها ،فالقوة مهما استفحلت وتغطرست ،لاتقوى على الصمود امام ارادة الشعوب، وقضايا الشعوب لابد ان تأخذ وقتها في التفاعل ،وعلى الأخص حين تواجه عدوا متغطرسا ،أو استبدادا يتعافي بمؤازرة قوى عظمى ،ساهمت في تشكيله كقاعده عسكريه تسهر على حراسة مصالحه ،والمثل امامنا واضح وهو فلسطين، وستكون فلسطين لا محاله ،وما يجري على ارضها الشعله التي ستفتح الطريق امام العرب نورا واشعاعا سيغمر العالم العربي بأضوائه .  النظام العربي ليس في حالة (أفول )،ولكنه في مرحلة ( كمون ) بعد احداث صادمه ،وتجارب مره . وكان عليه ان يتعلم الدرس جيدا ، والتاريخ يتحرك ،وكل يوم يروى تجربة ،ويتكلم عن حدث ،

مظاهرات من اجل فلسطين في امريكا

وما حركة الشعوب ،الا دروس متصله ،ولنتذكر صمود شعب فلسطين وقدرته الفذه على مناطحة اقوى ظاهرة استعماريه استيطانيه ،وهو الشعب الأعزل الا من ايمانه بوطنه ،وبأرضه ،وحقه في الحياة . الامة العربيه لديها كل مقومات القوة، وأولها الرصيد البشري الذي يتضاعف ،والنوذج الحي هو مانمر به من ازمات. لقد مر الشعب المصري بأزمة حاده في نكسة عام 1967 ،واستقال عبدالناصر ،لكن الشعب البسيط ،وليست النخبه ،هي التي خرجت رغم الظلام والغارات ،لكي تصحح المسار ،وتحفظ الثورة ،في لحظه كانت الخيوط فيها متشابكه ، واعود فأقول ان الشعب ،وقواه العامله الحيه وليست  ( النخبه) هي التي اصدرت قرارها بعودة عبدالناصر . ان المطامع الاسرائيلية ،والطموحات الايرانيه ،والهيمنه الغربيه تتزاحم في المنطقه ،بالأضافة الى الكوارث التي حدثت ،واعلاها تأثيرا شعار 99% من الحل لدي امريكا . ان استرداد الاراده هو المحك وهو الفاعل ،وكما تسترد فلسطين قرارها ولم تيأس ،فسنكون المثل الأكبر. ان المحنه العربيه شديده ،ولكن ستبقى فلسطين في كفاحها ،هي العقده التي يجري حلها ،وهي الراية الجامعه لتصحيح المسار،و سنعود – بعد ان ننجز الأستحقاقات المطلوبه –  في اهمية الكلمه الجامعه، والأنتباه الى قواعد الأمن القومي، وليس الهم القطري. ذلك الدرس الذي علينا ان نتذكره ولا نغفل عنه . وهي بالتأكيد حاله من ( الكمون ) وليست بأي صوره حاله من ( الأفول ) .