احكام التاريخ لا تقبل نقضا ولا مراجعه
تحت اجواء ملبدة بالغيوم ،تملأ السماء وتنشر قدرا من العتمه ، تحاصر البصر وتحد من اّفاق الرؤية والأنطلاق ونحن على ابواب فصل الشتاء،برياحه واعاصيره وأمطاره ،نعيش أيضا تحت أجواء أخرى أكثر قتامة،وأشد وقعا ،وأكثر مرارة تقبض بأذرعها السوداء على أنفاسنا ،الى حد يهددنا بالأختناق من هول ذكريات ماجرى في السابق وهول اّخر مازال يجرى حتى الآن،تسمعه اّذاننا،وتشاهده عيوننا،عبر شاشات التلفزيون ،في صور لاترحم مشاعرنا، ولا تترفق بانتماءاتنا على رقعة عزيزة من الأرض،هي فلسطين تعرضت عبر تاريخ طويل من الزمن الى محن
وكوارث واّلام ،وهي حتى الأن تهدد بالكثير من العنف والأحتقان ،ان لم يكن بالتطرف والمزيد من الأقتتال .انها من فرط اندفاعاتها تنبئ بالأنتشار بل و الأتساع حيث ينهمر الدم انهارا ان لم يكن شلالات،ويقع ضحية له الكثير من والأبرياء.انطلقت الصواريخ ،وتحركت الطائرات،واعلن اندلاع الحرب،ومن ثم انطلق السباق المحموم بين القوات المتصارعه سواء من قوات المقاومة الفلسطينيه ،أو من قوات الجيش الاسرائيلي ،واحتدمت المعارك في النهاية من خلال صواريخ المقاومة ،أو من الطائرات الاسرائيلية على ارض قطاع غزة،مع الأخذ في الاعتبارجبروت الطيران ،وبدائية الصواريخ.من جانب اّحر اعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية،وبريطانيا،وفرنسا والمانيا وايطاليا مساندتهم لأسرائيل أزاء الهجوم الذي اضطلعت به قوات المقاومة الفلسطينيه حماس والجهاد ،وعبورهم المفاجئ للأستحكامات الحصينه و أبرزها الجدار الشهير الذي اقامته اسرائيل حماية للمستوطانات التي شيدتها فيما سمي(غلاف غزه). في هذا السياق تجدر الوقفة هنا لبعض الملاحظات،ونتساءل امام عالم يطرح مفاهيم الحريه والليبراليه،ويتشدق على الدوام بحقوق الانسان. انهم الفلسطينيون شهداء هذا العصر،انها فلسطين ارض النكبه وشعبها هم فيضان الدم على الدوام .
ملاحظات واجبه
الأولى: عن البيان الثلاثي عام 1950
ان الدول الكبري الولايات المتحدة الأمريكيه والمملكة المتحده وفرنسا قد أصدرت بيانها الشهيرعام 1950 والمعروف بالبيان الثلاثي لضمان (الوضع الأقليمي الراهن) الذي تم تحديده بموجب اتفاقيات الهدنه العربيه الاسرائيليه لعام 1949، وقد أوضح الأعلان الذي تم تطويره من خلال المناقشات المتعلقة بالهدنة، التزام الأطراف بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط ومعارضتهم لاستخدام القوة أو التهديد باستخدامها. وتعهدوا باتخاذ إجراءات داخل وخارج الأمم المتحدة لمنع انتهاك الهدنة أو الحدود، كما كرروا معارضتهم لتطوير سباق التسلح. هنا يجدر السؤال ،مذا صنعت الدول صاحبة هذا الاعلان أمام النهش المستمر الذي قامت وتقوم به اسرائيل للأراضي الفلسطينيه منذ عام 1949 وحتى الآن ،والأنتشار السرطاني لعمليات الأستيطان المستمرة حتى الآن . ،وأين تحقيق عبارة ( ضمان الوضع الأقليمي الراهن ) التي توجت هذا الاعلان من حيث التطبيق (العادل )؟
الثانيه : اخترق الرئيس السادات الموقف العربي ،وذهب الى الكنيست وألقي خطابا جامعا هناك فصل فيها القضية ،ودعا الى كلمة سلام ، ورغم ان الخطوه كانت مرفوضه ابتداء لأنه لم يستشر فيها احد ،وبالتالي لم يقنع احدا،ناهيك انه لم يعد لها اعدادا جماعيا ،الا انه ذهب ،وتصور البعض ان
السلام سيرفرف على المنطقه بأكملها ،الا ان أقصى ما وصل اليه سلاما منفردا ،رغم الدور البطولي للجيش المصري ،وأن شعار عبدالناصركان ( الضفه قبل سيناء ،والجولان قبل سيناء، وان القدس قبل سيناء عاد بسلام منفرد ،ثم بعدها بأكثر من عشر سنوات ، تقدم العرب بمبادرات عربيه من المملكه العربيه السعوديه عامي 1981 ،وعام 2002 ، قوامها الأرض مقابل السلام ،لكن اسرائيل اغلقت اذنيها تماما في الاستماع اليها أوحتى مناقشتها،ولذلك نطرح السؤال من هم دعاة الحرب ،ومن هم دعاة السلام؟
الثانية : عن اوسلو
لقد حدث تطور نتذكره بتفاصيله انه قد وقعت في اشنطن اتفاقية (اريحا اولا ) بتاريخ 13 سبتمبر 1993، ومهدت لقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وتتضمن عدة بنود تتعلق بحل الدولتين وترسيم
الحدود ،وقضية المستوطنات في الضفة الغربيه والقدس الشرقيه وعودة اللاجئين الفلسطينيين واعداد الترتيبات الامنيه ، ولكننا نري أنه بعد مرور ثلاثين عاما على توقيع اتفاقيات أوسلو، قد أدار الجميع ا
الجميع ظهورهم لها،بل والأدهي جرى تصفية أبو عمار بعد أن حاصرته اسرائيل في مقره لعدة شهور ،ثم الاغرب انه ويعد توقيع تلك الاتفاقية جرت عملية التوسع الاستيطاني الاسرائيلي على نحو متزايد فقد كان عدد المستوطنين في نهاية عام 1993 أكثر من 116 ألفا في الضفة الغربيه وقطاع غزه
وذلك وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، ثم الأكثر مرارة ،انه رغم انسحاب اسرائيل من جميع
مستوطناتها في غزة 2005 وان كان قد استجد ما يطلق عليه (غلاف غزة)،إلا أنه يوجد نحو 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة،والقدس الشرقية،ولا تفوتنا الاشاره الى ان المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية غير قانونية بموجب القانون الدولي ، وينظر اليها باعتبارها
عقبة رئيسية أمام أي اتفاق سلام في المستقبل. من ثم اصبح واضحا ان اتفاقية اوسلو حول انتهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينيه 1967 قد ذهبت ادراج الرياح.ونعيد السؤال من هم دعاة الحرب ،ومن هم دعاة السلام ؟
تطور الأمر على الساحه الفلسطينيه
رحل البطل التاريخي لفلسطين ياسر عرفات في 11 نوفمبر 2004 ، وخلفه ابو مازن رئيس السلطه التنفيذيه ،ثم حدث خلاف بين التنظيمات الفلسطينيه ،استولت على اثره منظمة ( حماس) مقاليد الحكم في غزة ،وكان من شأن هذا الأنقسام داخل حركة التحرر الوطني الفلسطيني ،ولها وزنها في اطار حركة التحرر العالميه أن الجانب الاسرائيلي قد طار غبطة وسعاده وسرورا ، فمن شأن هذا الخلاف أن يكون له تأثيره على حركة المقاومة للأحتلال الاسرائيلي ،ولكن كانت في النهاية المفاجأة الصاعقه وهو اضطلاع منظمة(حماس) بالقيام بعملية(طوفان الأقصى) على هذا النحو
المذهل من حيث التخطيط والتنفيذ بهذا التكامل المحكم ،وفي مواجهة الجيش الذي لا يقهر، وجهاز الموساد العالمي ،وأجهزة التصنت والأبصار عن بعد الدقيقه ،والاستخدام الأمثل لكل ما يتعلق بعمليات المراقبه الشامله . اين كل هذا امام الأقتحام الضخم الذي قامت به ( حماس) وهو جهاز مقاوم نشأته حديثه ،وخبراته مهما كانت متواضعه وأعضاؤه مهما كبر حجمهم فهم في النهاية ليسوا جيشا ،ولا يملكون طائرات حديثه أو مجهزه ولادبابات ضد الاختراق ! ؟. المهم حدثت الواقعه وسجلت حماسا انتصارا في مواجهة نظام حكم تفرغ لفرض قوانين جديده تعزز من سلطته ،ويمكنها ان تنقذه من محاكمة تتعلق بالفساد ،كما خضع لسيطرة قيادات في وزارته أمعنت في تسلطها الى حد ان طالب وزير الماليه في حكومته
بتسلئيل سموتريتش الذي واجه عاصفة من الانتقادات بعد قوله إن “قرية حوارة بحاجة إلى أن تمحى” وذلك قبل أقل من يومين من قيام حشد من المستوطنين بإضرام النار في عشرات المنازل والسيارات الفلسطينية في نفس البلدة، مما أسفر عن استشهاد شخص وإصابة المئات. سجلت (منظمة حماس) نصرا سواء أتفق معها أو اختلف من يشاء ،فالتنظيم كان دقيقا والسريه كانت شامله لهذا الحجم من التحرك . القضية في النهاية أن منظمة التحرير الفلسطينيه كانت تفاوض ،ولكن الجديد ان من قامت بذلك العمل منظمة لا تعترف ،ولا تفاوض ،ولكنها قدمت عملا ،كان بمثابة المفاجأة الصاعقه.وفي هذا الصراع من يملك غصن الزيتون،ومن على الدوام كان يضغط على الزناد؟
تطور الأمر على الساحة الأسرائيلية
ربما كان فشل التجارب المتعددة التي تمت ممارستها مع اسرائيل يعد سببا جوهريا في وجود مدارس اخرى مختلفة على الساحة الفلسطينيه ،لقد كان هناك من يدعم الحوار والتفاهم مع الجانب الاسرائيلي عبر التفاوض وايجاد قنوات للحوار من اجل ان يتجنب الجميع معارك الأشتباك ،وما يمكن ان يسفر عنها من ضحايا ،وقد قام ياسر عرفات بهذا الأمر، وهو قائد له الكثير من الوزن والاعتبار في الحركة الوطنيه الفلسطينيه، وعلى الرغم ايضا من وجود من يدرك أن أسرائيل لها من الطموحات ما يعرقل اي اسلوب أو حركه للتفاوض فاحلامها في التوسع تفوق كثيرا رغبتها في التفاهم،ومع ذلك اقدم ابو عمار وخاض التجربه مع القائد الأسرائيلي (اسحاق رابين،)وهو أمر لم يرق للمتطرفين في اسرائيل ولم ينل اعجابهم او تقديرهم ،فقاموا أولا باغتيال اسحاق رابين (مهندس السلام في اسرائيل ) 4 نوفمبر 1995،وأرادوا بذلك وقف اي عملية تخلي اسرائيل عن اي اراض في الضفة الغربيه المحتله للفلسطينيين ،فلديهم من يعتقد ان هذه الأرض منحة الرب للشعب اليهودي ،وعلى ذلك لايجوز ابدا مبادلتها أو
يمينية ويمينية متطرفة. حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو الذي حصل على 32 مقعدا في الكنيست الكنيست، وحزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، إلى جانب عوتسماه يهوديت بقيادة ايتمار بن غفير وحزب نوعم بقيادة آفي ماعوز، وهي ثلاثة أحزاب خاضت الانتخابات في تحالف تقني وانفصلت بعد ذلك، وتوصف تلك الأحزاب الثلاثة بالمتطرفة بمواقفها تجاه العرب والتيارات الأخرى، وهي تعكس التيار الديني الصهيوني المتطرف الذي يشدد على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، بالإضافة إلى تعزيز دخول جماعات يهودية الى باحات المسجد الأقصى. وكان ايتمار بن غفير قد بدأ مسيرته السياسية تابعا لحركة كاخ المحظورة والتي أسسها الحاخام، مائير كاهانا، ويعرف بمواقفه العدائية والمتطرفة تجاه الفلسطينيين، إذ وجهت ضده العشرات من التهم بالضلوع في أحداث شغب وتخريب ممتلكات وحتى التحريض على العنصرية وتأييد منظمات إرهابية.
الآن ونتنياهو يترنح كالطير الجريح
ان نتنياهو في حشده الضخم لمحاصرة غزه ،واجتياحها ،يحاول البحث عن الثأر في شوارعها ،وينسي انه سيواجه بعمليات مقاومة تتمتع بنفس الكفاءة التي اقتحمت بها تحصينات اسرائيل ،وستكلفه الكثير ،بالأضافة الى ما يمكن ان يترتب على ذلك من احتمالات قويه ،أن الضفه يمكن ان تهب لنجدة مواطنيها في غزة ،ويتوحد الفلسطينيون تحت راية المقاومة ،لحماية شعبهم ، والذود عن ارضهم ،ويمكن ان يشتعل العالم العربي في غضبة عارمه ،تحصد الكثير من العوامل التي تؤثر على عمليات التطبيع التي تمت ،أو التي كانت في سبيلها ان تتم ، يضاف الى ذلك احتمالات مشاركات اخرى من دول الجوار فتتورط اسرائيل في مواجهة مع حزب الله وينالها قسط من صواريخ الحوثيين ،كما ان هناك صواريخ اندلعت من سوريا ،ثم الهم الأكبر لو تحركت صفوف الفلسطينيين في الارض المحتله داخل اسرائيل ،وقامت حرب اهلية داخل الدوله ،لا سيما وقد كشفت الأحداث عن مدى الهشاشة التي اصبحت عليها اسرائيل . لا بد من الاقرار بالكثير من السلبيات التي اصبحت عليها اسرائيل بشهادة كتابها ومنهم ( جدعون ليفي) وقد كتب في جريد (هارتس) .(ان عملية طوفان الأقصي قد مزقت غطرسة اسرائيل).
ان نتنياهو قد سطر ويسطر نهاية حكمه ، ويسعي دون ان يدري الى زوايا النسيان.
قبل الختام
ان احكام التاريخ قاطعه ولا تقبل نقضا ولا مراجعه ،فالتاريخ هو الأستاذ ،بل هوالحكمة والرشاد ،والتاريخ يقول أن حركات التحرير والمقاومة لابد لها ان تنتصر في نهاية المطاف ،وترتفع رايات الحرية والأستقلال ،مهما كانت الطرق وعرة ،والمهام صعبة وخطره ،وضريبة الدم تدفع بعطاء وسخاء
ليست هناك قوة على الأرض يمكنها ان تتصدي لقناعة العقل ،وايمان القلب ،وصفاء الوجدان بعدالة القضيه وكمال الاستحقاق . ليس هناك سلاح على وجه الأرض يمكنه ان يقهر ارادة شعب وصلابته في مواجهة الطغيان .ان عبرة التاريخ تقول لكل المتجبرين أنكم أضعف من ريشة في مهب الريح ان تصديتم لغضبة الشعوب ،وأوهي من خيوط العنكبوت ،ان تصديتم لأرادة الأمه وخيارها ،فاياكم التصدي للعواصف الكاسحه التي تتجسد في انتفاضات الجماهير ،وارادة الحرية والأستقلال.