الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بغزة ويفتح جرحا جديدا في لبنان ..إلى متى يستمر النزيف العربي والعربدة الصهيونية؟
“الوضع الأمني الذي يعيشه اللبنانيون بسبب الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة يجعل البلد على خط النار، فلبنان كله مستهدف وجميع اللبنانيين تحت القصف، والسيادة اللبنانية تنتهك”..تصريح لجورج كلاس وزير الشباب والرياضة اللبناني يعكس حجم المعاناة التي يعيشها اللبنانيون بسبب الهجمات الصهيونية الوحشية على بلادهم والتي طالت كل البقاع حتى أن “كل البلد باتت تحت الحصار الاسرائيلي” وفقا لما ورد على لسان وزير الاقتصاد اللبناني.
وقد أثارت التوابع الكارثية للحرب الإسرائيلية على الشعب اللبناني ردود أفعال دولية رافضة لهذا الإجرام الصهيوني. منهم سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الذي أكد أن الأمن لا يتجزأ وأعرب عن رفضه لأساليب الاغتيالات المجرمة التي ينتهجها جيش الاحتلال الإسرائيلي وانتقد الموقف الأمريكي الفاتر من هذه الجرائم والذي يبدو راضيا عما يحدث على حد قوله.
“إن لبنان في أمس الحاجة للدعم..أناشد بوقف الحرب وما يصيب لبنان غير مقبول”.. هكذا عبر تيدروس أدهانوم جيبريسوس مدير منظمة الصحةالعالمية عن موقفه من الجرائم الإسرائيلية على بلد الأرز.
إن وصف الوضع في لبنان بالخطورة لا يعبر عن حقيقته المأساوية بسبب بشاعة جرائم الاحتلال الصهيوني التي يرتكبها في حق اللبنانيين وعلى أرض بلادهم. لقد صدرت بيانات لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تؤكد أن الوضع الإنساني في لبنان مستمر في التدهور بسرعة نتيجة التصعيد المتزايد للأعمال القتالية عبر الخط الأزرق وندد باستهداف جيش الاحتلال للنظام الصحي حيث قام بضرب 36 منشأة رعاية صحية منذ أحداث غزة وحتى بداية الحرب في لبنان مما أجبر 96 مركزا للرعاية الصحية الأولية و3 مستشفيات على الإغلاق. كما طالت الهجمات الإسرائيلية البربرية العاملين في المجال الصحي ودمرت 25 منشاة مائية مما تسبب في الإضرار ب 300 ألف شخص.
ووصف مدير منظمة الصحة العالمية ما يحدث بأنه عمليات إبادة للشعب اللبناني بعد سقوط أكثر من ألفي شهيد و10 آلاف جريح ما جعله يرى الوضع صعبا ودقيقا في ظل التزايد المتواتر لهذه الأعداد مع استمرار عمليات القصف الإسرائيلي وامتدادها لفترات طويلة بشكل متواصل واستهدافها للمدنيين والمناطق السكنية.
لبنان وسيناريو غزة
بالأمس القريب كنا ولازلنا ننعي شهداء حرب غزة عقب طوفان الأقصى الذين تجاوزوا 41 ألفا بخلاف الجرحى والمفقودين. وفي الوقت الذي كنا ندعو فيه للتهدئة ووقف الحرب في غزة، ومع الذكرى السنوية الأولى لها تعمدت إسرائيل فتح جرح جديد في الجسد العربي بتصعيد الوضع وتوسيع دائرة الموت لتشمل الحرب على لبنان بعد غزة، ليستمر نزيف الدم العربي وتتسع الجراح ويزداد الألم ولا ندري على من يكون الدور بعد ذلك؟!
لقد صارت نفس مشاهد الدمار وروائح البارود وأدخنة المتفجرات الموجودة في غزة هي نفسها في سماء لبنان .. نفس مشهد الحرب والقتل والدمار ونفس استهداف العدو الصهيوني للمشافي والمساكن ودور العبادة والمعابر واستهداف المدنيين العزل والأطفال والنساء، حتى أنه ليختلط على من يتابع الخبر على الشاشات المتلفزة إن كانت هذه فلسطين أم لبنان!
دمار واسع غير مسبوق يشبه دمار غزة ..والخوف من نفس ضبابية المصير وتشابه الملامح والظروف بما فيها عجز المسعفين عن الدخول لإنقاذ الضحايا داخل المنشأت المضروبة بالصواريخ وكذلك منع جيش الاحتلال للسكان من العودة لمنازلهم بشكل يعكس نوايا خطيرة للمحتل الإسرائيلي في ابتلاع مزيد من الأراضي العربية استغلالا لسيطرة طائراته الحربية على السموات اللبنانية وحصارها الكامل للضاحية الجنوبية. وتزداد خطورة الوضع مع وجود تصريحات من البنتاجون بأن الإسرائيليين باقون لفترة في لبنان!
هناك أكبر حالة نزوح داخلي في تاريخ لبنان بحسب المسؤولين، حيث بلغ عدد النازحين في الأسبوع الثاني من الحرب مليون و 200 ألف لبناني من الجنوب للمناطق الأخرى وهي طبقا للأرقام المسجلة بخلاف أعداد أخرى لنازحين غير مسجلين. وتزداد صعوبة الحصر مع تواصل القصف الإسرائيلي الوحشي وحصاره للأراضي اللبنانية بالطيران الحربي في انتهاك صارخ للسيادة اللبنانية.
يقول هشام فواز رئيس دائرة المستشفيات في لبنان وعضو غرفة العمليات بوزارة الصحة اللبنانية أن الوضح الطبي خطير مع نقص الإمدادات والاحتياجات الأساسية وخروج عدد من المستشفيات من الخدمة نتيجة تعرضها للضربات الوحشية إلى جانب أزمات في علاج المصابين بالأمراض المزمنة مثل الغسيل الكلوي والسرطان. وأشار أن المشكلة تزداد مأساة باستهداف العدوان الإسرائيلي للأطقم والمراكز الطبية والمسعفين حتى أسقطت منهم عشرات الضحايا ما بين جرحى وشهداء وخلال ثلاثة أيام فقط في بداية الحرب سقط منهم 50 شهيدا. وخلال الأسبوع الأول من الحرب سقط 97 مسعفا، وبعدها بساعات قليلة ارتفع العدد إلى 113 شهيدا شاملا الأطقم الطبية. كما تستهدف قوات الاحتلال أيضا رجال الإطفاء الذين يقومون بدورهم في الحماية المدنية للبنانيين.
ويصف كلاس وزير الشباب اللبناني الوضع الأمني بالتدهور في ظل تدمير القرى وتهجير السكان وسقوط مئات الضحايا بين شهيد وجريح يوميا بشكل ينسحب على كافة أوجه الحياة والأوضاع العامة في الدولة في كل المجالات كما يمتد تأثير الحرب إلى المجتمع بكل تكويناته ووضعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لاشك أن كل هذه المعطيات تثير المخاوف من أن يصبح لبنان نسخة جديدة من غزة ويتكرر فيها نفس السيناريو الدموي، وهو ما حذر منه وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري.
حزب الله رمز المقاومة والصمود
رغم الكم الضخم من الأسلحة والعتاد المتطور والدعم غير المحدود لإسرائيل من حلفائها في الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة إلا أنها فشلت في استباب سيطرتها على الأراضي اللبنانية ووجدت مقاومة شرسة من قوات حزب الله المتمركزين في الجنوب والمنتشرين في مختلف الأرجاء دفاعا عن الأرض والقضية في استبسال كبير رغم الخسائر الضخمة التي مني بها والضربات الموجعة التي تلقاها بعمليات الاغتيالات التي نفذها العدو الصهيوني ضد زعمائه وقادته وعلى رأسهم سيد المقاومة الشيخ حسن نصر الله.
لاشك أن هناك جدلا واسعا حول مصير الحزب ودوره المنوط به كمحور صلب للمقاومة، ويرى البعض أنه صار مفككا وفي وضع لا يحسد عليه. ويصل الأمر لحد الهجوم عليه من قبل الخصوم السياسيين في لبنان رافضين وجوده ومنهم أنطوان أندراوس الوزير السابق والنائب اللبناني، ويقول أن من يحب لبنان يرفع يد إيران عنه، مشيرا إلى أن 80% من اللبنانيين يرفضون وجود حزب الله.
كما يرى معارضو الحزب أنه تعرض لضربة قوية استهدفت مخازن السلاح وخطوط الإمدادات بشكل يسبب مشاكل لقدراته خاصة مع اتساع المواجهات وما تتطلبه من انتشار لقوات وعناصر الحزب في الخطوط الأمامية ومناطق المواجهة وما يستلزمه من سلاح لا يغطيه المخزون الحالي. كما يشير خبراء لنقطة أخرى تتعلق بالإجهاد الذي يهدد عناصر حزب الله التي تعمل بشكل دائم في مواجهة القوات الإسرائيلية التي يتم تبديلها بالتتابع ومن ثم يرجحون تفوق التكنولوجيا على الأيديولوجيا. فهل تتوقف مسيرة حزب الله البطولية؟
إن حزب الله يستمد قوته مما يمتلكه من أسلحه وأفراد مدربين وكفاءات قتالية وذخائر. ويقول الخبير الاستراتيجي اللواء محمد الصمادي أن حزب الله يمتلك ما بين 100 الى 150 الف مقاتل وهو التنظيم دون الدولة الأعلى والأكثر تسريعا على مستوى العالم. كما يمتلك ترسانة سلاح قوامها من 150 ألف إلى 200 ألف من القذائف والصواريخ وفقا لبيانات مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، لذلك يعد حزب الله أقوى قوة غير حكومية في العالم. ويصفه العميد حسن جوني الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني بأنه: حزب ذو خبرة وقوة وعقيدة بفريضة القتال وهو يستطيع تحديد الوسائل المناسبة في الوقت المناسب بشكل يعرقل العدو . كما أن في اختياره لأماكن الألغام والقدرة على وضعها دليل على ديناميكيته في الحركة وأكد أن مقتل قادته أو غيابهم لن يؤثر وأنه يدير الأمور بخطة بديلة مكنته من استعادة توازنه بسرعة وهو ما بدا في عمليات نوعية يقوم بها ضد العدو.
لذلك فإن عمليات التوغل الاسرائيلي والرهان على تراجع الحزب وضعفه في ظل إحباطات مقتل قياداته وعلى رأسهم حسن نصر الله، تبوء بالفشل رغم التفوق النوعي للسلاح الإسرائيلي. ويرجع الخبراء ذلك إلى أن رجال الحزب أدرى بالأرض ميدانيا بحكم الحروب التي خاضوها من قبل بدليل نجاحهم في إسقاط مئات الجرحى والقتلى في صفوف الإسرائيليين. وتزداد الخسائر مع محاولات الاحتلال الصهيوني التوغل في الأراضي اللبنانية، إضافة إلى تعدد الجبهات التي يحاربها العدو.
وقد خاض الحزب العديد من الحروب كان أبرزها حرب 2006 التي أجبر فيها الاحتلال الإسرائيلي على الإنسحاب. لكن معارضين يرون أن تلك الحرب والتي استمرت34 يوما كانت في ظل ظروف مختلفة حيث لم تكن هناك حرب في غزة وكذلك كانت أوضاع سوريا والعراق وإيران واليمن مختلفة عما هي حاليا. ومع ذلك فإن خبراء عسكريين يعارضون هذا الرأي ومنهم اللواء أركان حرب الدكتور وائل ربيع مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية بالأكاديمية العسكرية حيث يقول أن الوضع الذي يشهده لبنان حاليا هو ذات المشهد في 2006 حيث كانت ضربات نيرانية وجوية وعندما بدأ العدو في الدخول بالقوات البرية للجنوب اللبناني، تعثر وتكبد خسائر فادحة. ويتوقع أنه كما صمد الحزب وقتها، فهو يستطيع الصمود الآن خاصة مع الأخذ في الاعتبار امتلاكه لأسلحة أكثر تطورا وجاهزية بما يمكنه الدخول في معركة برية طويلة الأمد تكون حربا لاستنزاف العدو الاسرائيلي وتجعل الأمر بالنسبة له ليس سهلا ولا نزهة كما يعتقدون.
الجيش اللبناني.. وملف الرئاسة
بطبيعة الحال تلقي هذه الحرب بظلالها على الأوضاع الداخلية اللبنانية وتعمق من أوجاع اللبنانيين الذين يعانون أزمات خانقة منذ سنوات ولم يكونوا بحاجة إلى المزيد من الأزمات. في خضم الأحداث عاد الحديث عن الاستحقاق الرئاسي في لبنان ومطالبة الكثيرين بسرعة إنجازه وبرز اسم جوزيف عون قائد الجيش اللبناني كمرشح وهو يحظى بدعم غربي كبير خاصة من أمريكا وفرنسا. ويرى نواب لبنانيون ضرورة إجراء انتخابات للرئاسة في الفترة الحالية باعتبارها خطوة مهمة في طريق استقرار الأوضاع الداخلية في لبنان. وفي المقابل يرفض أطراف آخرون هذا الطرح ومنهم زياد بارود وزير الداخلية اللبناني السابق الذي يقول أنه لا يمكن إنتاج رئيس دولة صنع قبل وقف الحرب في لبنان متسائلا هل هو رئيس لإدارة أزمة بالحد الأدنى أم رئيس لمعالجة ومواجهة المشكلات الكبرى والمزمنة التي يعاني منها البلد الذي أنهكته الحرب وهو منهكا من الأساس. وطالب السياسيين اللبنانيين بكل فئاتهم وطوائفهم أن يقوموا بدورهم في إطار إدراكهم للخطر المحدق بهم جميعا وببلادهم معترفا بأن الاختلافات موجودة دائما لكن المطلوب هو تخطي الخلافات لتحصين وحماية الجبهة الداخلية في لبنان.
كما توجد علامة استفهام حول دور الجيش اللبناني وسبب غيابه عن مشهد الحرب في البلاد.
يتبنى الموقف الرسمي للدولة التركيز على محاولة منع توسيع نطاق الحرب في لبنان ويعتبرها تستهدف القضاء على حزب الله وليس الجيش اللبناني ومن ثم لا يتدخل. للأسف الشديد عمدت الولايات المتحدة على مدار فترات ماضية إلى الضغط على الحكومات السابقة لمنع الدولة اللبنانية من الحصول على أي أسلحة متطورة حتى لا تشكل تهديدا لإسرائيل وذلك من واقع شهادات لضباط سابقين، وفي المقابل تفتح أبواب ترسانتها على مصراعيها لإمداد إسرائيل بأحدث الأسلحة التي تضرب بها الشعوب العربية. ويقول الجنرال منير شحادة منسق الحكومة اللبنانية السابق لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” لايمتلك الجيش اللبناني مايمكنه من قدرات لمواجهة العدو الصهيوني. ويقتصر دوره على حماية استقرار الجبهة الداخلية وهو ما أكده أيضا اللواء متقاعد خليل الحلو .
يذكر أنه بعد استشهاد السيد حسن نصر الله انتشر الجيش اللبناني في المناطق الحساسة التي تشهد نزوحا من أنصار حزب الله إلى مناطق أخرى وذلك حفظا على الوحدة الوطنية. ومع ذلك ألمح رئيس الوزراء اللبناني ترجيح انتشار أكبر من الجيش اللبناني في الجنوب مع أي وقف لإطلاق النار.
وهنا تواجه الجيش اللبناني مشكلة نقص الأموال والعناصر الأمنية في ظل الأزمة الاقتصادية اللبنانية الكبيرة والمزمنة، ما يجعله بحاجة شديدة للدعم والمساعدة.
الدور العربي والدولي!
وهو ما ينقلنا للحديث عن الدور العربي المطلوب في هذه اللحظة الحرجة لدعم لبنان والوقوف بجواره في محنته الصعبة.
على الرغم من المعونات التي أرسلتها بعض الدول العربية إلا أن الواقع اللبناني يؤكد عدم كفايتها في ظل التدهور الخطير في الأوضاع الإنسانية بل وعلى كافة الأصعدة الحياتية بسبب الجرائم الصهيونية وإصرار مجرمي الاحتلال على توسيع دائرة الحرب في لبنان. ويطالب الوزير بارود بمزيد من الجهود الإضافية ليس في مجال تقديم المساعدات فقط وإنما في ضرورة الضغط لوقف الحرب والوصول إلى المفاوضات. وفي ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي وإصراره على استمرار الحرب، يطالب بارود المجتمع الدولي أن يتجاوز الفشل في منع الحرب فلا يعقل أن يكون ذلك لعجز دولي وأمريكي وإنما هو ناتج عن عدم “رغبة” لدى الولايات المتحدة!
واقع الأمر أن الحديث عن الدور العربي ذو شجون لأنهم في أحيان كثيرة كانوا يتركون الساحة لأطراف غير عربية وسلموا الملفات الهامة للولايات المتحدة واعتمدوا عليها في إدارة كثير من الأمور وهو ما أدى إلى نتائج سلبية خطيرة، فلابد من استعادة العرب لزمام أمورهم لقطع الطريق على أية أطراف خارجية لاستغلال الموقف.
كما أن الامر في لبنان يختلف عن غزة وقابل للتحول لحرب شاملة خاصة مع دخول إيران طرفا بجانب جماعات المقاومة في كل من سوريا والعراق واليمن.
كما أن اعتبارات المصلحة تفرض نفسها على الدور العربي لأن هناك موانئ ومدن في كل دول الإمارات والبحرين والسعودية ومنطقة بحر العرب وغيرها يتأثر سلبيا بالحرب وستصبح المنطقةكلها معرضة للخطر.
ولا يكفي أن يتوقف العرب عند محاولات الضغط الديبلوماسي والتواصل مع الأطراف الدولية المعنية في أمريكا وأوروبا لوقف الحرب وإنقاذ لبنان، ولكن لابد من التحركات الأكثر فاعلية حتى لا تتعرض مشروعاتهم الكبرى وخططهم التنموية للدمار والانهيار.