المجلس العلمي قبل 16 تعديلا ورفض 3 من ضمن 20 مقترحا في الشق الديني
مازالت التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة بالمغرب تثير الكثير من الجدل بسبب العديد من المغالطات التي تم الترويج لها من طرف مجموعة من الجهات، التي ترغب في استغلال الجانب الديني وتسييسه لصالحها وليس لصالح الأسرة المغربية، التي عرفت الكثير من التطورات وتحتاج إلى قوانين جديدة تتماشى مع روح العصر وتنصف كل الأطراف المكونة للأسرة.
وعلى الرغم من أن اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة لم تكشف إلا عن 20 مقترح تعديل من ضمن ما يفوق 100 مقترحا التي تم رفعها إلى الديوان الملكي، وهي تعديلات تتعلق بالشق الديني، تم قبول 16 منها ورفض ثلاثة منها من طرف المجلس العلمي الأعلى، فإن النقاش العام الذي طالب العاهل المغربي بفتحه بهذا الخصوص لم يكن بالشكل المطلوب، فسادت الكثير من المغالطات وتم الترويج لأشياء لا علاقة لها بالتعديلات الجديدة، وذلك من باب تخويف المغاربة من هذا الإجراء الحتمي، الذي سيعمل على حماية وتقوية بنية الأسرة المغربية وليس هدمها أو تدميرها.
وتتعلق التعديلات المقترحة من طرف الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والتي وافق المجلس العلمي الأعلى شرعيا على مجموعة كبيرة منها، كما تم الكشف عن ذلك عقب جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالدارالبيضاء في نهاية شهر ديسمبر الماضي، إخراج بيت الزوجية من التركة، وبقاء حضانة المطلقة على أطفالها حتى وإن تزوجت مجددا، وعقد الزواج للمغاربة المقيمين بالخارج دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك، كما تم منح الأم الحاضنة الحق في النيابة “القانونية” عن أطفالها، فضلا عن الاعتراف بمساهمة الزوجة في تنمية الأموال المكتسبة أثناء الزواج، بما في ذلك عملها المنزلي. كما أكد المجلس على وجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، فضلا عن جعل ديون الزوجين الناشئة عن وحدة الذمة على بعضهما، ديونا مقدمة على غيرها بمقتضى الاشتراك الذي بينهما. وإضافة إلى ذلك تم تحيد أهلية الزواج بالنسبة إلى الفتى والفتاة في 18 سنة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة يحدد فيها سن القاصر في 17 سنة مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه عند لتطبيق في دائرة “الاستثناء”. وبخصوص تعدد الزوجات تنص المدونة الجديد على إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توقيع عقد الزواج حول اشتراطها عدم التزوج عليها، وهوما يمنع على الزوج التعدد، وفي حالة غياب هذا الشرط فإن مبرر التعدد سيكون محصورا في إصابة الزوجة الأولى بالعقم أو بمرض مانع للمعاشرة الزوجية أو حالات أخرى يقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة. وفي حالة الطلاق سيتم جعل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق. كما تضمنت التعديلات تقليص مدة البت في قضايا الطلاق إلى 6 أشهر كحد أقصى، واعتماد وسائل إلكترونية لتوثيق العقود وتبليغ القرارات القضائية، إضافة إلى إنشاء هيئات للوساطة والصلح، لمعالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء.
وفي المقابل، رفض المجلس العلمي الأعلى بعض المقترحات المتعلقة بنصوص قطعية لا يجوز الاجتهاد معها، كما كشف عن ذلك أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، وهي ثلاثة: رفض استخدام الخبرة الجينية ADN لإثبات النسب، ورفض إلغاء العمل بقاعدة التعصيب في الميراث واقترح كبديل الهبة أو الوصية، كما تم رفض التوارث بين المسلم وغير المسلم، ومعنى ذلك أن يظل الميراث محصورا بين المسلمين فقط.
تعديلات مخيبة لآمال الجمعيات النسائية
وقد أثارت هذه التعديلات التي تم رفضها من قبل المجلس العلمي الأعلى حفيظة العديد من الجمعيات النسائية والهيئات الحقوقية، التي كانت تأمل على الأقل في قبول البصمة الجينية لإثبات نسب الأطفال وحفظ حقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، ورفض التعصيب والاستثناء في تزويج القاصرات، فاتحاد العمل النسائي مثلا أصدر بيانا تقييميا لكل هذه التعديلات المعلن عنها، وعبر عن خيبة أمله، حيث جاء فيه أن التعديلات المقترحة لم تستجب لمطالب اتحاد العمل النسائي والحركة النسائية والحقوقية، المتمثلة في “تغيير شامل وعميق لمدونة الأسرة ينبني على مقاربة حقوقية ويقطع مع التمييز والحيف والظلم في حق النساء، ومع تكريس علاقات التراتبية والتبعية باسم قوامة ذكورية تجاوزها الواقع بفضل كد النساء وكدحهن، حيث لن تمكن التعديلات الجزئية رغم إيجابيات بعضها من تحقيق العدل والمساواة والكرامة الإنسانية للنساء”.
وأضاف البيان أن المقترحات المقدمة لم تعتمد مبادئ المساواة وعدم التمييز والمصلحة الفضلى للطفل، كمرتكز موجه وناظم لها، فرفض الخبرة الجينية كأساس لإثبات البنوة ولحوق النسب بالنسبة للأطفال المولودين خارج الزواج، لا يتماشى مع مقتضيات الدستور الذي ينص في الفصل 32 على ضمان الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لكل الأطفال بصرف النظر عن وضعياتهم العائلية، “فإذا كان القدامى يلجؤون إلى اعتماد الأساليب المتاحة كي لا يترك الطفل دون هوية ونسب، كالقيافة مثلا، فكيف يعقل اليوم رفض اعتماد التحليل الجيني الذي يعد وسيلة علمية دقيقة لضمان هذا الحق لأطفالنا اليوم؟”.
استجابة نسبية لمطالب النساء
ومن جهتها قالت الدكتورة أسماء بنعدادة الباحثة المتخصصة في الدراسات النسائية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في تصريح لمجلة “الحصاد”، إن هذه التعديلات قد استجابت بشكل نسبي لمطالب الحركات النسائية مما جعلها تعبر عن استيائها بل وخيبة أملها في مضامين المقترحات الجديدة، خاصة ما يتعلق بتعدد الزوجات وزواج القاصرات والتعصيب والبصمة الجينية، التي كانت مطلبا ملحا من طرف المجتمع المدني بمختلف مكوناته من أجل إثبات النسب في حالة حدوث حمل ناتج عن الاغتصاب أو خارج مؤسسة الزواج، حماية لحقوق الأطفال الذين يولدون في مثل هذه الوضعيات، والذين يعانون طيلة حياتهم من الوصم الاجتماعي والإقصاء والتهميش، لكن المجلس العلمي الأعلى رفض هذا الإجراء بحجة أن الزواج الشرعي وحده يمنح حق إعطاء النسب.
وأوضحت بنعدادة أن المغرب “يسمح بتطبيق الفحص الجيني في القضايا الجنائية، لكن في مسألة إثبات النسب تم رفضه رغم أنه يوفر نتائج دقيقة من شأنها أن تحد بشكل كبير من ظاهرتي الأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم، وما ينتج عنهما من مآسي اجتماعية كبيرة. فهذا الرفض من طرف الجهات التقليدية يحرم هذه الفئات من الحماية القانونية والاجتماعية وبالتالي من تحقيق العدالة المجتمعية”.
ضرورة فتح النقاش حول التعديلات
وأشارت الباحثة الاجتماعية إل أن هذه التعديلات خلقت جدلا واسعا بين العديد من الجهات الدينية والحقوقية إلى جانب النقاش الذي رافقها على منصات التواصل الاجتماعي، والذي خلق الكثير من المغالطات القائمة على غياب الفهم

الكامل لمضمون التعديلات المقترحة، وهو ما يستدعي القيام بحملات واسعة للتحسيس والتوعية من أجل فهم هذه التعديلات بنواقصها وإيجابياتها فهما جيدا ودقيقا، خاصة أن المجتمع المغربي يتكون من فئات وشرائح اجتماعية متنوعة ومختلفة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وسجلت أن “من بين التحديات الموضوعة أمام قانون الأسرة بالمغرب هي أن يكون قانونا منصفا يحقق العدالة لكل أفراد المجتمع من كل الفئات الاجتماعية والحساسيات الفكرية والثقافية والدينية وهي مهمة ليست بالسهلة ولا باليسيرة”.
ومن هنا أكدت الدكتورة أسماء بنعدادة أن التعديلات القانونية المتعلقة بمدونة الأسرة ينبغي أن تكون جزءا من رؤية مجتمعية شاملة واستراتيجية تجيب على كل التحديات الراهنة وتحمي الأسر بل كل أنواع الأسر في المجال القروي كما في المجال الحضري، من كل أشكال التمييز والظلم، مشيرة إلى أننا “لا زلنا في حاجة إلى فتح باب التشاور والنقاش حول مضامين التعديلات المقترحة وإشراك جميع الفاعلين بما في ذلك المتخصصين في سوسيولوجيا الأسرة والاستفادة من الأبحاث التي أجريت حول الأسرة على محدوديتها، وتوظيف النتائج التي توصلت إليها في فهم حاجيات جميع الفئات والشرائح الاجتماعية. وهذا المطلب يعكسه التصريح الذي وجهه الملك إلى المجلس الأعلى من أجل القيام بالمزيد من البحث وضرورة التواصل مع جميع أفراد وفئات المجتمع”.
نقاش ضيق ومحدود
أما محمد عبد الوهاب رفيقي الباحث المغربي في الفكر الإسلامي فأكد في تصريح لمجلة “الحصاد”، أنه من السابق لأوانه الحديث عن تقييم شامل لتعديلات مدونة الأسرة، لأنه لم يتم الكشف عنها بالكامل، فمن ضمن 190 اقتراح تعديل لم يتم الحديث إلا عن 20 اقتراحا ما بين مقبول ومرفوض، وهي الاقتراحات التي أحيلت على المجلس العلمي الأعلى بسبب ارتباطها بما هو ديني، فأجاب بقبول 16 منها ورفض 3 مطالب.
وأضاف رفيقي أن “النقاش العمومي اليوم حول هذه التعديلات ضيق ومحدود بسقف لا يمكن تجاوزه، وهو السقف الديني”، ومع ذلك فهو متفائل لأن التوجهات العامة لهذه التعديلات تتماشى مع الرغبة الواضحة من جميع الأطراف

المساهمة في تعديل هذه المدونة في إصلاح الكثير من الخلل الذي اعترى تطبيق مدونة الأسرة الحالية وتعديل الكثير من المقتضيات القانونية، التي أثبتت التجربة أنها لم تؤدي الدور المطلوب منها، أو أنها ساهمت في عدم تحقيق العدالة داخل الأسرة بشكل كبير.
روح إصلاح الاختلالات
وقال رفيقي إن “روح هذه التعديلات هو حل مشاكل كل الأطراف التي تتكون منها الأسرة، سواء تعلق الأمر بالرجل أو المرأة أو الطفل. فليس هناك نوع من الانحياز لطرف دون الآخر كما يشاع، قد يظهر أن هناك امتيازات كثيرة لصالح المرأة، ولكن هذا أمر طبيعي جدا في كل المجتمعات الإسلامية وفي كل العالم، لأن إصلاح القوانين ينحاز في كثير من الأحيان إلى المرأة بسبب أنها قد تعرضت في السابق لظلم كبير، وأن القوانين السابقة كانت تغلب عليها النزعة الذكورية، مما يجعل الإصلاحات القانونية تكون في صالح المرأة أكثر من غيرها، وهذا لا يعني أن هناك إجحافا في حق الرجل، بل هو محاولة للوصول إلى تحقيق التوازن داخل الأسرة، كما أن هناك عناية بالطفل حين نتحدث عن عدم سقوط حصانة المرأة بسبب زواجها، فليس المقصود هو تلك المرأة المطلقة التي تريد الزواج وترغب في الحفاظ على أبنائها، وإن كان هذا مقصد نبيل، ولكن مراعاة حالة هؤلاء الأطفال الذين مازالوا في حاجة إلى رعاية أمهاتهم رغم زواجها. كما أن إخراج بيت الزوجية من التركة عند وفاة الزوج فيه مراعاة لحق الزوجة والأبناء في البقاء بالبيت الذي تركه والدهم، وعدم التعرض للتشريد والخروج من البيت. فهذه هي الروح التي طغت على هذه التعديلات، وكان القصد منها طبعا هو إصلاح الاختلالات وتغيير المقتضيات التي ظهر مع الوقت أنها غير مناسبة للأسرة المغربية أو أنها لا تحقق العدالة بالشكل الكافي، ولهذا كان من المهم جدا أن تكون السلطة القضائية وسلطة النيابة العامة حاضرة في ورش تعديل مدونة الأسرة، لأنها هي التي تصطدم يوميا بآلاف المشاكل الأسرية، ما جعلها هي أيضا من المطالبين بهذا الإصلاح ومن المتحمسين له، لأن الواقع العملي أفرز الكثير من المشاكل التي لا بد من حلها”.
مغالطات وخوف من التغيير
وحول المغالطات الرائجة اليوم بالمغرب بخصوص قانون الأسرة، والتي جعلت الكثير من الأسئلة القديمة والجديدة تبرز وتهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي، أوضح عبد الوهاب رفيقي، أنه لا علاقة لها بهذه التعديلات ولا بالواقع، فقد جرى الحديث عنها حتى قبل انطلاق عمل اللجنة المكلفة بالتعديل، وسببها هو “التخوف الحاصل لدى الكثير من الشرائح المجتمعية من أن تمس هذه التعديلات الهوية الدينية للمغاربة، كما أن هناك جهات تركب على هذا التخوف، وتمرر عن قصد العديد من المغالطات لترويجها بين العموم، وإشغال الرأي العام بها لتكوين مزاج مضاد وسيء لهذه التعديلات. فلا يمكن أن ننفي أن تعديلات قانون الأسرة عموما كانت وما تزال ساحة للتجاذب والاستقطاب بين تيار محافظ وتيار تقدمي حداثي، وبالتالي فإن تحقيق أي مكتسبات لصالح هذا الطرف أو ذاك، يدفع الطرف الآخر إلى شيطنة هذه المكتسبات ومحاولة تصويرها بأنها خطر قادم، وأنها يمكن أن تهدم الأسرة المغربية وتؤدي إلى تشتيتها”.
وأكد رفيقي أنه بغض النظر عن مضامين هذه التعديلات، سواء كانت مصيبة أو مخطئة، فهي جهد بشري الهدف الأساس منه هو حل مشاكل الأسرة المغربية، وتطويرها لتساهم في التنمية والرفع من الإنتاج الاقتصادي والاجتماعي للمغاربة، وهذا ما قد يغفل عنه الكثير من المتناولين لهذا الموضوع بالسطحية، فكل التعديلات التي هي قيد الدراسة والإعداد اليوم، ليست تعديلات نهائية، لكن القصد منها هو تحقيق العدالة والتوازن داخل الأسرة المغربية، وإنصاف كل الأطراف داخل هذه الأسرة، سواء تعلق الأمر بالرجل أو المرأة أو الطفل، مطالبا بأن يكون موضوع الأسرة بعيدا عن المناكفات السياسية أو الاستغلال الأيديولوجي سواء من هذا الطرف أو ذاك.