تحديات اما عهد الرئيس عون لتحقيق استقرار نهائي
بدا من التطورات المتسارعة والضاغطة على لبنان من داخله ومن محيطه الاقليمي، ان العهد الجديد برئاسة الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام، مازال بحاجة الى الكثير من الخطوات الاجرائية والجهد والمساعي مع الدول العربية والغربية لتثبيت استقراره السياسي والامني ودفع مساره الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، لاسيما مع وجود قضايا كبرى بحاجة لمعالجة اهمها واكبرها كلفةً ماليةً وعبئاً سياسياً على الدولة بسبب الشروط الدولية إعادة إعمار ماهدمه العدوان الاسرائيلي في بيروت وضاحيتها الجنوبية والجنوب ومعظم مناطق البقاع وبعض قرى جبل لبنان، ومعالجة الازمة المالية – المصرفية التي تقدر خسائرها بعشرات مليارات الدولارات. عدا العبء الذي يمثله استمرار الاحتلال الاسرائيلي لمناطق في الجنوب ومواصلة الغارات التدميرية والاغتيالات ومنع سبل الحياة بالكامل في مناطق الحدود مع فلسطين المحتلة.
هذه التحديات الكبيرة، تواكبها تحديات داخلية سياسية وادارية وإجرائية معقدة، منها ما يتعلق بإعادة بناء مؤسسات الدولة والادارات العامة وتحقيق الاصلاحات الادارية فيها لوقف الفساد وهدر المال العام وملء الشواغر في الوظائف الرسمية التي تتجاوز 260 وظيفة، ومنها ما يتعلق ببسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل المساحة اللبنانية، ما يعني معالجة مسألة انتشار السلاح بأيدي الجهات الحزبية اللبنانية والفصائل الفلسطينية في المخيمات وخارجها. وهذان الملفان يعتبران حالياً من اولويات العهد الجديد ومن ابرز وأهم مطالب الدول المعنية بالوضع اللبناني، لا سيما الولايات المتحدة الاميركية، التي تطالب ليل نهار بسحب السلاح وبصورة خاصة من حزب الله، وهو بالخلاصة مطلب اسرائيلي. عدا ملف العلاقة المُعلّقة مع سوريا بين حدّي الوضع الداخلي السوري المتوتر والوضع اللبناني الغارق في مشكلات كبيرة منها مشكلة الحدود البرية مع سوريا.
مطلب مفخّخ
انتشرت مؤخراً في لبنان موجة كبيرة من المواقف الداخلية والخارجية التي تركز على موضوع تخلي حزب الله عن سلاحه مع غيره من سلاح قوى سياسية وفصائل فلسطينية، بإعتباره “مطلباً داخليا مُحقّاً بعد توقف الحرب لأن الشعب اللبناني شبع من الحروب ويريد العيش بسلام واستقرار” حسب السردية الرسمية، لكنه بنظر الكثيرين مطلبُ خارجي غربي “مفخّخ”، لا يتعلق بمصلحة لبنان وتوفير استقراره فحسب، بل يتعلق بمصلحة الاحتلال الاسرائيلي اولاً واخيراً في نزع كل عناصر القوة والقدرة على المواجهة لدى الدول العربية وحركاتها الشعبية الرافضة للإحتلال والتطبيع معه.
وهذا المطلب الخارجي بدأ ينطبق على سوريا عبر الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة، وعلى اليمن عبر الغارات الاميركية العنيفية الكثيفة قبل التوصل الى اتفاق اميركي- يمني على وقف استهداف السفن الاميركية في البحر الاحمر، وصولاً الى الضغوط والعقوبات المستمرة على ايران وكل دولة تتبنى منطق مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.
صحيح ان الشعب اللبناني، وايضا الشعب الفلسطيني، بات يرفض الحرب ويريد التخلص من كل التوترات التي تطيح بإستقراره ولقمة عيشه وجنى عمره، لكن ثمة شريحة واسعة من هذا الشعب تريد الضمانات الكافية الموثوقة بحقه في العيش بأمان وكرامة واستقلالية، وهي غير متوافرة حالياً نتيجة تمادي اسرائيل في حروبها على كل الجبهات ونتيجة الانحياز الاميركي لها بالمطلق، وعدم رغبتها في تحقيق السلام بالمنطقة وقد تنصّلت من كل الاتفاقات التي ابرمت منذ تسعينيات القرن الماضي والوقائع الميدانية شاهدة على تنصلها.
والسؤال المطروح لدى فصائل المقاومة اللبناية والفلسطينية: اذا كان تخليص لبنان من سلاح المليشيات والاحزاب امراً مطلوبا وواجباً لتحقيق اكبرقدرمن الاستقرارالداخلي، ما المصلحة في الوقت الراهن بأن يُثار موضوع سلاح حزب الله بشكل خاص وهو المقاوم للعدو الإسرائيلي، بينما لازال العدو الاسرائيلي يستبيح اراضي وسماء وبحر لبنان بلا وازع او محاسبة اوحتى مجرد سؤاله عن اسباب انتهاكاته لإتفاق وقف اطلاق النار ومنع الدولة اللبنانية من بسط سيطرتها على كامل اراضي الجنوب لا سيما في القرى الحدودية، التي اعلن حزب الله انسحابه العسكري الكامل منها، مع التذكير بأن الامين العام السابق للحزب الشهيد السيد حسن نصر الله، اعلن في احدى اطلالته خلال الحرب ان الحزب سحب معظم صواريخه الدقيقة والبعيدة المدى من المناطق الحدودية حتى لاتتضرر بفعل الغارات الاسرائيلية الكثيفة، وابقى على الصواريخ الخفيفة. وتبين لاحقاً انه بعد وقف اطلاق النار بقي الكثيرمن الصواريخ الخفيفة ومنصات اطلاقها وكميات من الاسلحة الخفيفة في منطقة الحدود، صادر قسماً منها جيش الاحتلال حسبما اعلن في اكثرمن مناسبة وبالصورة والصوت، ثم تولى الجيش اللبناني بعد انتشاره في مناطق الجنوب مصادرة ما تبقى منها وتفجيره واتلافه، لأنه ممنوع عليه الاحتفاظ بالسلاح المصادر الصالح للإستعمال.
التزم حزب الله بماعليه في تنفيذ اتفاق وقف اطلاق الناروتطبيق القرار 1701، بينما خرقه العدوالاسرائيلي فور توقيعه اكثر من 3 الاف مرة، وهووجّه مؤخراً رسالة دموية الى الرئيس الجديد للجنة الاشراف على تطبيق الاتفاق الجنرال الاميركي مايكل ليني خلال زيارته لبيروت، عبر شن غارات جوية ادت الى ارتقاء شهداء وجرحى وتدميرحتى المنازل الجاهزة للمواطنين الجنوبيين العائدين الى قراهم، بما يؤكد عدم التزامه بما يتقرر في لبنان من إجراءات، متمسكا بما اتفق عليه في اتفاق جانبي مع الادارة الاميركية السابقة والادارة الحالية بإطلاق يده في لبنان حتى تدميركل قدرات المقاومة تماماً كمايفعل في قطاع غزة المحتل.
في منطق حزب الله ومؤيديه الكثر، سحب السلاح من المقاومة يمثل عنصرضعف للبنان بمواجهة اطماع ومشاريع الاحتلال الاسرائيلي، وما لم يتم التوصل الى معالجات حقيقة لإنهاء الإحتلال وإنجاز التفاوض على تثبيت الحدود البرية، لا ضمانة بأن يكون سحب السلاح عنصر تهدئة، طالما ان الاحتلال مازال يسعى لفرض شروط على لبنان تنتهك سيادته وامن شعبه ولإبقاء يده هي العليا بعدم الالتزام بأي تعهد لوقف الاعتداءات والانتهاكات. وبعد إنهاء الاحتلال وتثبيت الحدود البرية مع فلسطين المحتلة يمكن للأطراف اللبنانية البحث بهدؤ ومن دون عوامل ضغط خارجي في مصيرالسلاح ليس من حزب الله بل من كل الاحزاب للتوصل الى حل بالتوافق يتيح تحقيق ما يطلبه الداخل والخارج من بسط سلطة الدولة وانتظام الأحزاب في العملية السياسية السلمية. وهوالتوجه القائمحاليا لدى رئيس الجمهورية.
ولعل بعض من في الحكم يدرك هذه المعادلة، ولذلك يؤكد رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي مطلع كل نهار، على ضرورة الضغط على الاحتلال لينفذ ماعليه من اتفاق وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 ووقف الاعتداءات، ومن ثم تحضير الارضية عبر الحوارللبحث في مصير سلاح المقاومة. ومالم يتحقق ذلك سيبقى طرح سحب السلاح من حزب الله بمثابة معزوفة سياسية غير قابلة للتنفيذ.
تلازم بين لبنان وسوريا
وما ينطبق على لبنان في موضوع “حصرية السلاح بيد الدولة” بات مؤخراً ينطبق على سوريا، لجهة طلب السلطات الجديدة سحب سلاح كل القوى غير الرسمية ومنها سلاح الفصائل الدرزية، وهو الامر الذي ادى الى توترات امنية خطيرة في مناطق الانتشار الدرزية، بعد التوترات التي شهدها الشمال والغرب السوريين بين قوى السلطات الجديدة وفصائل العلويين.
وبدا ان الاهداف مشتركة من الانفتاح العربي وبشكل خاص الخليجي على لبنان وسوريا، فالبلدان معبر الغرب الى الشرق وبالعكس، واستقرارهما حاجة اقليمية ودولية يسهم بوقف الحروب القائمة في المنطقة، واستقرار الوضع السوري يساهم في استقرار الضع اللبناني، لذلك كان الاسهام الخليجي في معالجة الكثيرمن المشكلات العالقة بين البلدين لا سيما لجهة ترتيب وضع الحدود لضمان عدم تجدد المشكلات، لكن تبقى السرعة في إنجاز ما تم التفاهم عليه في السعودية بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري وتشكيل اللجان الوازرية لمتابعة معالجة المواضيع والملفات العالقة، عاملاً مهماً في تثبيت الاستقرار وعودة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها عبر مؤسساتهما الرسمية.
الأهم من ذلك بنظر جهات سياسية متابعة، ان الانفتاح الخليجي على لبنان وسوريا ماكان ليتم لولا استشعار دول الخليج بوجود قرار دولي بوقف الحروب والتوترات في البلدين، اللذينن عانيا كثيرا من الاعتداءات الاسرائيلية والانقسامات الداخلية، وبالتوجه نحو تسويات ولولم تكن شاملة حالياً، مايستتبع حكماً وقف الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة، ووقفها يستلزم بالضرورة ديناميكة اميركية اكبر للضغط على كيان الاحتلال، كما تعهد الجنرال مايكل ليني الرئيس الاميركي الجديد للجنة الاشراف على تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار والعمليات العسكرية وتنفيذ القرار 1701، خلال زيارته الرسمية الى لبنان، واعلان السفارة الاميركية في بيروت انه سيكون ضابطاً مقيما في لبنان لمتابعة الوضع ووقف الاعتداءات الاسرائيلية بعدما التزم لبنان وحزب الله بما عليهما بتنفيذ موجبات الاتفاق.
ويُفترض ان يتم استكمال الانفتاح العربي والدولي بخطوات اخرى لاحقاً ومنها تنفيذ القرار السعودي برفع الحظر عن سفر الرعايا الى لبنان، والمؤتمر الدولي المنوي عقده في باريس في تموزالمقبل لبحث دعم لبنان. ومبادرة الادارة الاميركية الى رفع عقوبات “قانون قيصر” وغيرها من عقوبات عن لبنان وسوريا، بحيث يتمكن لبنان من استجرار الغازمن مصر والكهرباء من سوريا، وتتمكن سوريا من إطلاق عجلة الاقتصاد لديها، وبما يساهم في تسريع عودة النازحين السوريين من لبنان وغيره من دول الجوار ليساهموا في نهضة وعمران بلدهم، ويرتاح لبنان من العبء الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي الذي يسببه النزوح السوري.
وحسب مصادر حكومية لبنانية، فإن التواصل قائم بين سوريا ولبنان عبر وزيري الدفاع اللبناني ميشال منسى و السوري مرهف ابو قصرة، بعد الاتفاق الذي تم بينهما برعاية سعودية في جدة قبل نحو 3 اشهر، والذي تم بموجبه وقف الاشتباكات على الحدود بين البلدين وضبط عمليات التهريب، وهو الامر الذي قام به لبنان بشكل حازم عبر اجراءات الجيش اللبناني بإقفال كل المعابر غير الشرعية، بينما لم تعرف الاجراءات السورية.
وذكرت المصادر الحكومية لـ “الحصاد” ان اللجنة العسكرية اللبنانية – السورية ستبدأ عملها التنسيقي المباشر بحصول تواصل او لقاء بين الوزيرين منسى وابو قصرة لتفعيل آلية الاتفاق التنفيذية، لا سيما بعد تسليم فرنسا مؤخراً الى لبنان وسوريا الخرائط والوثائق التاريخية للحدود اللبنانية – السورية الموجودة في ارشيفها الوطني بمدينة نانت، منذ عهد الانتداب ومن العام 1920 حتى تاريخ استقلال لبنان عام 1943 ومابينهما من سنوات في ثلاثينيات القرن الماضي، وبما يساهم في تسهيل الاتفاق على ترسيم الحدود البرية ولاحقا البحرية.
والى ذلك، فإن اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء اللبناني برئاسة نائب رئيس الحكومة طارق متري لوضع خطة متكاملة لعودة النازحين السوريين، تقوم بعملها بعيدا عن الاعلام، ووضعت مسودة مشروع متكامل، بينما تقوم عضو اللجنة وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد بالتواصل مع نظيرتها السورية هند قبوات للبحث في بعض الامور التفصيلية المتعلقة بعودة النازحين، ويبدو أن ترجمتها بدأت عبر اعادة تسيير رحلات عودة طوعية آخرها الشهر الماضي بعودة 200عائلة من بلدة عرسال اللبنانية الى القلمون السورية.