العهد متضرر من فشل المسعى الدبلوماسي فما البديل؟
يبدو ان السلطات اللبنانية الرسمية استسلمت للأمر الواقع الاسرائيلي والاميركي بعدم انسحاب قوات الاحتلال من التلال الخمس وبعض المواقع في عدد من قرى الحدود الجنوبية، برغم مضي نحو شهرعلى انتهاء مهلة تنفيذ الانسحاب الممدّدة اصلاً، وبقيت تعوّل على المساعي الدبلوماسية والاتصالات واللقاءات مع اعضاء لجنة الاشراف الخماسية على تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، لا سيما الجانب الاميركي منها، برغم انحيازه السافر لجانب الاحتلال وتغطية كل ارتكاباته، ومنحه مزيداً من الوقت والحرية في تدمير ما تبقى من حياة ومقومات عيش واحتمالات عودة الاهالي الى قراهم.

وتلقى رئيسا الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام كثيراً من الوعود الاميركية والكلام المعسول، ومؤخرا بإتصال مستشار الامن القومي الاميركي مايكل والتز بالرئيس عون ولم يحصل منه سوى على مزيد من الوعود بمساعٍ جديدة لتحقيق الانسحاب واشادة بإنتشار الجيش اللبناني، الذي اعاق الاحتلال ولا زال يعيق انتشاره في باقي مناطق الجنوب، لكن مصادر رسمية افادت “الحصاد” ان الكلام الذي نسمعه من الاميركي جميل، لكن المهم ان نلمس شيئاًعلى الارض، ولذلك ننتظر تحقيق الوعود الاميركية ولانملك خياراً آخر.
لكن موقع “أكسيوس” الاميركي نقل عن مسؤولين اميركيين لم يحددهم قولهم كلاماً خطيراً مفاده: “ان هناك تفاهماً بين تل أبيب وواشنطن وبيروت على استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي لأسابيع أو أشهر.وأنّ الوجود الإسرائيلي هدفه تمكين الجيش اللبناني من تأمين استقرار الوضع في جنوب لبنان، وضمان أنّ حزب الله لم يعدّ يُشكّل تهديداً” . وهذا يعني مزيدا من استباحة الاراضي والسيادة اللبنانية وقتل وخطف الجنوبيين وتدميرالمزيد من منازلهم ومنشآت قراهم.لكن جهات وزارية لبنانية نفت لـ “الحصاد” وجود مثل هذا الاتفاق.
عجز فرنسي
وبسبب التفرد الاميركي والاسرائيلي بالواقع الميداني تقف فرنسا العضوالاساسي الثاني في لجنة الاشراف على آلية تنفيذ القرار 1701 ووقف اطلاق النار وانسحاب الاحتلال عاجزة عن تحقيق اي خطوة تفيد في الإنسحاب، برغم كل المساعي التي بذلتها ومنها مساعي رئيس الجمهورية ايمانويل ماكرون ووزيرخارجيته وسفيره في بيروت، وبرغم الاتصالات المباشرة التي تجريها فرنسا وماكرون شخصياً مع الكيان الاسرائيلي وبخاصة مع رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، لكن عبثاً، اذا تؤكد مصادر دبلوماسية مطلعة على موقف فرنسا لـ “الحصاد”، ان الاتفاقات الجانبية بين اميركا واسرائيل اقوى وافعل من اي اتفاقات او التزامات اخرى ولو رعتها الامم المتحدة، والاتفاق الجانبي واضح في تبني الادارة الاميركية لسياسات اسرائيل ليس في لبنان فقط بل وفي سوريا ايضاً، حيث تقوم قوات الاحتلال بتثبيت نقاط لها داخل الاراضي السورية، برغم الحديث الاميركي عن ضرورة حفظ استقرار وامن سوريا وسيادتها كما استقرار لبنان وامنه وسيادته. لكن حتى الان كل المسعى الدبلوماسي فشل فشلاً ذريعاً.
لكن ما يميزفرنسا عن اميركا في لبنان بحسب المصادرالدبلوماسية، انها “لاعب غير مباشر” ايضاً خارج اتفاق وقف

اطلاق النار، وهي بموازاة الانحياز الاميركي لإسرائيل، تحاول ان تحقق نوعاً من التوازن السياسي بإنحيازها غير المباشر للبنان وتبنيها لكل مطالبه وتوجهاته حتى لا يكون مستفرداً.
وتوضح المصادر ان فرنسا ساهمت من خلال وجودها في لجنة الاشراف ومن خلال آلية المراقبة الموضوعة في معالجة 250 حالة تخالف اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب منذ بدء تنفيذه في كانون الاول من العام الماضي، كما ساهمت بشكل غير مباشر عبر تبنيها لمطالب لبنان في تصليب موقفه ليكون صارماً وحازماً في مواجهة الانتهاكات الاسرائيلية للإتفاق والدعم الاميركي له. لكن بما ان القرار الفعلي بيد اميركية عبر دعمها المفتوح للكيان الاسرائيلي ما زال لبنان يركن الى الوعود الاميركية لتحقيق الانسحاب.
وتشير المصادر ايضاً الى دورفرنسا عبر اللجنة الخماسية العربية – الدولية في دعم مواقف لبنان، ومتابعتها للمراحل اللاحقة المرتقبة بعد جهدها في انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة والمساهمة في تنفيذ برنامج العهد والحكومة، وتقول: ان الفرق بين الفرنسي والاميركي ان فرنسا تعلم جيداً تفاصيل النسيج اللبناني منذعهد الاستقلال وتراعي خصوصياته الدقيقة، خلافاً للاميركي المهتم فقط بمصالحه ومصالح الكيان الاسرائيلي والبعيد جداً عن مراعاة اوضاع لبنان وخصوصياته وطبيعة تركيبته.
اقتراحان
وثمة من طرح مؤخراً، كنوع من الضغط اللبناني على لجنة الاشراف على الاتفاق وعلى الاميركي بشكل خاص اقتراحين: الاول، مقاطعة لبنان لإجتماعات لجنة الاشراف طالما انها لا تقوم بواجبها الكامل في إلزام الاحتلال بتنفيذ الاتفاق وتكتفي بمعالجة بعض الامور السطحية، بدل صب الجهد على وقف الارتكابات الاحتلال من تدمير للحياة في قرى الجنوب والتي استمرت شهرين و20 يوماً حقق فيها الاحتلال ما لم يحققه في الحرب.
والاقتراح الثاني لجؤ الحكومة اللبنانية الى طلب تعديل الاتفاق بحيث يتضمن بنوداً الزامية اكثر تشدداً وتغيير آلية

المراقبة المتبعة وغير المجدية، وتكليف اليونيفيل بمهام اكثر تشدداً في وقف الخروقات والانتهاكات الاسرائيلية، على الاقل من قبيل الاحتجاج السلبي العملي لا اللفظي فقط.
وحسب مصادر رسمية، فإن رئيس الجمهورية يحذّر من ان بقاء الجيش الإسرائيلي في النقاط الخمس، لأنه سيقدّم لحزب الله او لسواه، الذريعة التي يحتاج مِن أجل رفض تطبيق القرار 1701 ورفض تنفيذ اتفاق وقف النار ورفض تسليم السلاح، لا جنوب نهر الليطاني ولا شماله. والاحتلال الاسرائيلي، تضيف المصادر، سيُضعف حجة الدولة اللبنانية في اصرارها على التقيد بالقرارات الدولية وسيضعف موقفها امام مَن يريدون التحرير بقوة السلاح، اذ كيف لها ان تطالب المقاومة مثلا بعدم الاقدام على اي رد فعل عسكري لقتل المدنيين والغارات شبه اليومية على قرى الجنوب والبقاع طالما ثمة احتلال لأرض لبنانية؟ وكيف لها أيضا أن تقنعه بتنفيذ الـ1701 بينما تخرقه اسرائيل في صورة فاضحة، بوجود جيشها في اكثرمن 5 مواقع لبنانية مستحدثة؟
تتابع المصادر، يلفت الرئيس عون انتباهَ رعاةِ اتفاق وقف النار، خاصة واشنطن، الى هذه الامور وينبهها من تداعيات بقاء الاحتلال على رغبة لبنان الرسمي في الوقوف تحت كنف الشرعية الاممية والدولية وعلى التعاون في تنفيذ القرارات الدولية، وقد وصلت هذه الرسالة الى البيت الابيض فوعد مجدداً بأنه سيضغط لاخراج اسرائيل في اقرب وقت من الاراضي اللبنانية، وإلا فإن الاوراق ستُخلط مجددا في لبنان وتعرقل المسار الذي كان مرسوماً للعهد والذي رعى ولادتَه الاميركيون واللجنة الخماسية الدولية.
التوازن المفقود
لكن ثمة من يؤكد أن التوازن السياسي والدبلوماسي بين لبنان من جهة والادارة الاميركية والكيان الاسرائيلي من جهة ثانية مفقود، وكل مساعي لبنان وفرنسا لوقف الانتهاكات المعادية وتطبيق الية تنفيذ القرار 1701 فشلت. عدا استحالة تقوية الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد الحديث الكافي الذي يمكن ان يؤهّلهُ للرد على الاعتداءات الاسرائيلية ولو بالحد الادنى، لكن حتى الرد برصاصة ممنوع على الجيش مقابل الباب الاميركي المفتوح امام اسرائيل بالتسليح وللقيام

بماتريده من توسيع احتلالها التدريجي لمناطق جديدة في قرى الجنوب الحدودية وقطع الطرقات بين القرى ومنع استكمال انتشار الجيش اللبناني وفق خطة الانسحاب الاسرائيلي المنصوص عنها في اتفاق وقف اطلاق النار، بل واستهداف الجيش بشكل متواصل بالقصف والنيران.
خطرعلى العهد الجديد
هذا التوسع الاحتلالي يعقد اكثر لاحقاً مهمة لبنان بالتفاوض مع الكيان الاسرائيلي حول تثبيت الحدود الجنوبية، وبعد ان كان الحديث قبل سنتين يدورحول 13 نقطة قديمة محتلة تحفظ عليها لبنان في العام 2006، اصبح التفاوض اصعب مع الاحتلال مع اضافة التلال الخمس المحتلة والتوغل اليومي لقوات الاحتلال في اراضٍ جنوبية حدودية يقيم فيها نقاطاً ثابتة تضاف الى المناطق والنقاط الاخرى المحتلة. ولعل الكيان الاسرائيلي يقوم بتوسيع احتلاله ليس لأسباب امنية فقط، بل من اجل تحسين شروط تفاوضه لاحقاً وفرض شروط جديدة على لبنان سيكون مضطراً ربما لقبولها كلها او معظمها تحت وطأة العجز والضغط السياسي والانحياز الاميركي.
في الخلاصة، تقول جهات سياسية لبنانية: بات الحديث عن مطالب اميركية جديدة من الحكم والحكومة في لبنان لا يقتصر فقط على ماتريده الادارة الاميركية الجديدة لإدارة لبنان واختيار من يناسب سياساتها في الوظائف الادارية من رتبة وزير ونزولاً الى الاجهزة العسكرية والامنية، بل تعداه الى إملاءات اوسع واعمق واخطر بكثير من الامورالاجرائية الداخلية، تتعلق بترتيب وضع المنطقة ككل ودور لبنان المستقبلي فيها وفق ما تريده الادارة الاميركية لا وفق ما يراعي مصلحة لبنان وتوازناته الدقيقة والحساسة والتي لا يعيرها الاميركي اي اهتمام، وصولاً الى ضم لبنان الى “الاتفاقيات الابراهيمة” لتطبيع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، بعد الرهان الاميركي – الاسرائيلي على انضمام السعودية ومن ثم سوريا وغيرهما.
وتراهن الادارة الاميركية الجديدة للرئيس ترامب والضغوط الكبيرة والتهديدات الخطيرة التي يطلقها، على انها ستفرض متغيرات اقليمية تدفع نحو قبول التسويات السلمية مع كيان الاحتلال، لكن ثمة من يرى في لبنان انها قد تؤدي الى احد امرين: اما إستجابة دول عربية للضغوط والمطالب الاميركية وهذا أمر صعب ومستبعد ان يشمل كل الدول العربية، وإما تفجير وضع المنطقة نتيجة رفض الاملاءات الاميركية ما لم تراعِ السياسة الاميركية مصالح الشعب الفلسطيني ومصالح لبنان وسوريا اللذين تحتل اسرائيل اراضٍ فيهما.
يبقى السؤال: هل يستطيع الحكم والحكومة في لبنان اقناع الادارة الاميركية ان مثل هذه الحلول لا يمكن ان تفرض فرضاً على لبنان المتنوع الاتجاهات، وان اي املاءات اميركية ستفجر بوجه الحكم غضب قوى سياسية وطائفية اساسية، لا سيما في ظل الامتعاض من التدخل الاميركي في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية والذي عبّرت عنه اكثرمن جهة سياسية، ما قد يعرقل انطلاقة العهد الجديد والحكومة الجديدة في حال تشكلت جبهة معارضة قوية وواسعة ضد التوجهات الاقليمية الجديدة؟
لذلك صار لزاماً، حسب مصادر سياسية، على الحكم والحكومة البحث عن خيارات اخرى سياسية، اذ يُمكن للبنان يمكن ان يستعمل حقه المنصوص عنه بالاتفاق لطرد الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، وان سلاح المقاومة ضرورة قصوى ولو من باب التلويح به على الاقل ووضعه على طاولة المفاوضات.