كانبيرا ـ جاد الحاج
تحدث حرائق الغابات في استراليا بصورة متكررة خلال الأشهر الأكثر حرارة من كل سنة. يعود ذلك إلى المناخ الحار والجاف والمعرض لرياح ساخنة في بعض المناطق. وتؤثر هذه الحرائق على مساحات واسعة من الغابات والاراضي الزراعية، فتسبب أضراراً فادحة في الممتلكات والأرواح. وقد باتت جزءاً متشابكاً واساسياً من علم البيئة في هذه القارة.
قديماً استخدم السكان الاصليون وسيلة الحرق المقصود لاسباب عدة ابرزها خلق مسارات بين الشجر الكثيف وصولا الى مناطق الصيد، خصوصاً تلك القريبة من موائلهم. واللافت هنا ان المستعمرين الانكليز لم يحسنوا استعمال الوسائل التقليدية لما بات معروفا باسم »الحرق الوقائي« فلم يلجأوا اليه الا بعد ان ذاقوا الامرّين من حرائق الصيف الرهيبة.
بخلاف البشر، طورت بعض النباتات البرية استراتيجيات متنوعة لتنجو من تلك الحرائق، بل لعلها استخدمت النار تجاوباً مع غريزة البقاء، وباتت اغصان الـ »ايبيكورمك« تبسق من براعم متطورة تحت لحاء الجذوع، كما ظهر انتفاخ خشبي في بعض النباتات العنيدة، مما شكل عنصر حماية لسويقة النبته ضد الزوال. ويتبرعم جذر »لكنوتيوبر« بعد الحريق ليشكل حماية لاوراق اشجار الكينا التي تحتوي على زيوت سريعة الاشتعال.
بعض الحيوانات المحلية استطاعت ايضا تطوير قدراتها للنجاة من الحرائق. الا ان حجم النيران الكاسحة هذه السنة اعاد الى الاذهان مأساة عام 2009 عندما هبت موجة حرارة عالية جداً في جنوب استراليا عجلت في حدوث حرائق ’السبت الاسود‘ حين وصل عدد القتلى الى 173 شخصاً. وتدمرت مصانع عدة و20000 منزل والتهِمَت النيران دساكر ومجمعات سكنية بالكامل مثل بلدة مارسفل. حرائق الغابات الهائلة الاخرى تشمل ’ أربعاء الرماد‘ عام 1983 واحراج جبال الالب الفيكتورية الشرقية عام 2003 اضافةً إلى حرائق الغابات في كانون الأول عام 2006.
عام 2009 تم اعتماد توقعات خطر الحريق (FDR) من قبل جميع الولايات الأسترالية وهي صفة من صفات التوقعات الجوية التي تعتمد تنبيه المجتمع اثناء مواسم الحر إلى الاجراءات التي ينبغي ان تؤخذ من اجل الاستعداد للحرائق. ويتم الاعلان عن هذا التنبيه من خلال الصحف
والاذاعات والتلفاز والشبكة العنكبوتية. ومما لا شك فيه ان ظاهرة الاحتباس الحراري تزيد من احتمال حرائق الغابات وترفع عدد ايام الخطر بصورة مستمرة.
الجديد في حرائق السنة المخضرمة 19/20 انها أحرجت رئيس الحكومة سكوت موريسون الذي اضطر الى قطع اجازته في هاواي والعودة الى كانبيرا لمتابعة جهود
الإنقاذ والمكافحة في ظل مقتل متطوعين وانقطاع مصطافين عن التواصل في احد الشواطئ الشمالية من ولاي نيو ساوث ويلز. وقد سارع بعض الاعلاميين الى استعادة واقعة الرئيس الاميركي جورج بوش حيال اعصار كاترينا الذي ضرب نيو اورلينز سنة 2005 فيما كان فخامته في عطلة ولم يلبي نداء الواجب بالسرعة المتوقعة، ما عرّضه الى سيل جارف من النقد استمر اكثر من سنتين وتفاعل قضائياً محدثاً فضيحة تاريخية… صحيح ان موريسون لم ينتشل الزير من البئر، لكن الظروف المتدهورة اجبرته على الرضوخ للمطالب الصادحة عبر وسائل الاعلام فقرر اخيراً استنفار فرق الازمة في الجيش والبحرية للتدخل في عمليات الإجلاء الواسعة. وقد نقلت البحرية الف مواطن كانوا عالقين في حزام ناري ضمن بلدة مالاكوتا الفيكتورية في طليعة عمليات الاخلاء.
من جهتها أعلنت رئيسة وزراء ولاية نيو ساوث ويلز، غلاديس بيريجيكليان، أن حالة الطوارئ دخلت حيز التنفيذ وستستمر لسبعة أيام متوالية، يعاد النظر بتمديدها بناء على المتغيرات المتسارعة، واملاً بهطول امطار كافية لتخفيف سرعة اندلاع الحرائق. وقالت إن حالة الطوارئ ستسمح للسلطات المحلية بتنفيذ عمليات الإجلاء القسري وإغلاق الطرق، »وأي شيء آخر نحتاج إلى القيام به كدولة، للحفاظ على سلامة سكاننا وممتلكاتنا«. وأضافت بيريجيكليان: »نحن لا نتخذ هذه القرارات باستخفاف، لكننا نريد أيضا التأكد من أننا نتخذ كل الاحتياطات اللازمة، استعدادا لما قد يكون روعا في المستقبل المنظور«.
وفي وقت سابق، طلب مسؤولو الإطفاء من المصطافين أن يغادروا بسرعة، مساحة تمتد بطول 260 كيلومترا من ساحل نيو ساوث ويلز وأدت الطوابير الطويلة من السيارات إلى انسداد الطرق السريعة، المؤدية إلى سيدني وكانبيرا.ونقلت وسائل الإعلام المحلية مشاهد طوابير طويلة للتزود بالوقود في بلدة بيتمانز باي، بينما كان يتم نقل الوقود في الشاحنات إلى المنطقة مع تناقص تدريجي وسريع في حجم الإمدادات. وأحضرت الشرطة الماء والغذاء والإمدادات الطبية إلى محاصرين في مدينة مالاكوتا على متن قوارب سريعة. وفي هذه الأثناء قام العمال بتنظيف الطرق وإعادة الكهرباء، وإجراء عمليات قطع للأشجار في الأراضي القريبة من جبهات النار.
دمرت الحرائق خلال الأسبوع الاول من 2020 ما لا يقل عن 381 منزلا في ولاية نيو ساوث ويلز، و43 في ولاية فيكتوريا، لكن المسؤولين اقروا إن هذا العدد سيزداد بلا شك.
وذكرخبراء الأرصاد الجوية إن نظام المناخ في المحيط الهندي، المعروف باسم »ثنائي القطب«، هو السبب الرئيسي وراء الحرارة الشديدة في أستراليا. لكن أجزاء كثيرة من أستراليا عانت من ظروف الجفاف بفعل المتغيرات المناخية الستمرة منذ سنوات، ما فاقم من انتشار الحرائق.
وقدّر االخبراء البيئيون نفوق نحو 500 مليون حيوان بسبب حرائق الغابات منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، مما يثير مخاوف من انقراض أنواع محلية كالكوالا بأكملها.
ونقلت صحيفة التايمز البريطانية، عن خبراء البيئة في جامعة سيدني الأسترالية، تقديرات بأن حوالي 480 مليون من الثدييات والطيور والزواحف قد نفقت بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الحرائق المدمرة. ويشمل ذلك ما يقرب من 8000 من حيوانات الكوالا التي يُعتقد أنها احترقت حتى الموت على الساحل الشمالي لأستراليا. وقد أدت الحرئق إلى مقتل 18 شخصا، وتدمير أكثر من 1200 منزل في ولايتي نيو ساوث ويلز وفيكتوريا، منذ سبتمبر/ أيلول الماضي. ولا يزال 17 شخصا على الأقل في عداد المفقودين، بعد حرائق الأسبوع الاول من السنة الجديدة.
العدد 101 –شباط 2020