أميركا وأوروبا فتحتا جبهة على “فائض الطاقة الإنتاجية” في بكين
*باتت الصين في قائمة مصدّري السيارات في العالم في عام 2023
* تشهد الصين نمواً هائلاً بنسبة 28 في المائة على أساس سنوي في مبيعات المركبات الكهربائية
* الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا فرضت تعريفات جمركية على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين
كلنا كان يقرأ في الآونة الأخيرة أخبار المركبات الكهربائية الصينية و”الحرب” الدائرة بين بكين من جهة وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى.
في الصين، يطلق على هذا النوع من المركبات، مصطلح “مركبات الطاقة الجديدة” كونه يشمل تلك الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والهجينة التي تعمل بالكهرباء بالإضافة إلى المركبات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود.
وفقًا لبيانات الجمارك الصينية وجمعيات الصناعة، فإن الغالبية العظمى من مركبات الطاقة الجديدة الصينية التي يتم إنتاجها وبيعها وتصديرها هي مركبات كهربائية تعمل بالبطاريات ومركبات هجينة تعمل بالكهرباء. وهذان النوعان يطبق عليهما تسمية المركبات الكهربائية.
في الحقيقة، يشهد قطاع المركبات الكهربائية في الصين ازدهاراً كبيراً، لدرجة أنه ساعد في دفع البلاد إلى قمة قائمة مصدّري السيارات في العالم في عام 2023، لتحل محل اليابان، القائد السابق. وباتت أكثر من نصف المركبات الكهربائية على طرق العالم تصنّع الصين.
ومن عام 2009 إلى عام 2023 – بالإضافة إلى الدعم السياسي القوي – ضخت الحكومة الصينية ما يقدر بنحو 230 مليار دولار في الصناعة، مع تسارع هذا المعدل بنحو ثلاثة أضعاف على مدى السنوات الخمس الماضية، حتى مع انتهاء بعض الإعانات.
ومع ذلك، تجاوز الإنتاج الطلب. تقول صحيفة “ذي بابير” التابعة للدولة الصينية، أنه باستثناء عدد قليل من العلامات التجارية الرائدة، مثل “بي واي دي”، أنتجت معظم شركات تصنيع المركبات الكهربائية الصينية سيارات أكثر بكثير مما يمكنها بيعه في العام الماضي.
وفي الوقت نفسه، زادت صادرات المركبات الكهربائية من الصين – بما في ذلك العلامات التجارية الأجنبية- بمقدار 160 ضعفاً من عام 2019 إلى عام 2023، مما أثار مخاوف من “الطاقة الزائدة”.
وتشير البيانات الأخيرة إلى أن الصين تشهد نمواً هائلاً بنسبة 28 في المائة على أساس سنوي في مبيعات المركبات الكهربائية، متجاوزة بسهولة
جميع الدول الأخرى، وأن ستة من كل عشر مركبات كهربائية تباع في جميع أنحاء العالم يتم تصنيعها في الصين.
بالنسبة للكثيرين، هذه إنجازات استثنائية، ليس فقط من حيث الأعداد الهائلة من المركبات الكهربائية التي تصدّرها الصين ولكن أيضاً للتأثيرات الإيجابية التي ستخلّفها العديد من المركبات الكهربائية على الطرق في جميع أنحاء العالم على إضفاء اللون الأخضر على الكوكب.
الولايات المتحدة تتأهب للمواجهة
ومع ذلك، لم يتقبل الجميع هيمنة الصين على سوق المركبات الكهربائية العالمية بحجة “فائض الطاقة الإنتاجية”. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا فرض تعريفات جمركية على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين، فيما عارض المسؤولون الصينيون بشدة هذه الحواجز التجارية، وهو الأمر الذي وصفته بعض الصحف بأنه “حرب تجارية”.
ففي الرابع عشر من مايو (أيار)، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستفرض تعريفات جمركية بنسبة 100 في المائة على واردات المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين. وجاء في إحاطة رسمية للبيت الأبيض في حينه: “سوف يرتفع معدل التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية بموجب المادة 301 من 25 في المائة إلى 100 في المائة في عام 2024″، مبرراً هذه الخطوة بالإشارة إلى “الإعانات الشاملة والممارسات غير السوقية التي تؤدي إلى مخاطر كبيرة من فائض الطاقة” التي دفعت صادرات الصين من المركبات الكهربائية بنسبة 70 في المائة من عام 2022 إلى عام 2023، وبالتالي فإنها “تعرض الاستثمارات الإنتاجية في أماكن أخرى للخطر”. وفي الوقت نفسه، سيرتفع معدل التعريفات الجمركية على بطاريات “الليثيوم أيون” للسيارات الكهربائية وأجزاء البطاريات من 7.5 في المائة إلى 25 في المائة هذا العام، في حين سيرتفع معدل التعريفات الجمركية على بطاريات “الليثيوم أيون غير” للسيارات الكهربائية من 7.5 في المائة إلى 25 في المائة في عام 2026، وفق موقع “ذي إنترناشونال بانكر”.
وتصر إدارة بايدن على أن الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية مصممة لحماية مصنعي المركبات الكهربائية الأميركيين من الواردات الصينية الأرخص.
في المقابل، يقدم المرشح الرئاسي الرئيس السابق دونالد ترامب وحلفاؤه في الحزب الجمهوري رسائل متضاربة حول ما إذا كانوا يريدون للولايات المتحدة أن تتنافس فعلياً مع الصين في سوق السيارات العالمية.
وردًا على ذلك، وصفت صحيفة “غلوبال تايمز”، وهي وسيلة إعلامية حكومية صينية، التعريفات الإضافية بأنها “تصعيد كبير آخر في حملة واشنطن التي استمرت لسنوات عديدة وغير مدروسة لقمع الصناعات الصينية الناشئة التي تكتسب شهرة عالمية” وأن “الخطوة ذات الدوافع السياسية لن توقف صعود الصناعات الصينية ذات الصلة”.
الاتحاد الأوروبي على الخطى
وسار الاتحاد الأوروبي على خطى الولايات المتحدة، مما يؤكد مدى ارتباط أوروبا بالسياسات الاقتصادية الأميركية. فبعد حوالي شهر من إعلان بايدن، نُشرت نتيجة تحقيق الاتحاد الأوروبي الذي كان بدأ في أكتوبر (تشرين الأول)، حيث خلصت المفوضية الأوروبية إلى أن “سلسلة قيمة المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات في الصين تستفيد من الدعم غير العادل، مما يتسبب في تهديد الضرر الاقتصادي لمنتجي المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات في الاتحاد الأوروبي”.
وشرع الاتحاد الأوروبي في فرض تعريفات جمركية على واردات المركبات الكهربائية الصينية والتي دخلت حيز التنفيذ في 4 يوليو (تموز)، تتراوح على الشركات المصنّعة الفردية من 17.4 في المائة إلى 37.6 في المائة، بالإضافة إلى رسوم جمركية قائمة بالفعل بنسبة 10 في المائة على جميع المركبات الكهربائية المستوردة من الصين. وأكدت المفوضية الأوروبية أيضاً أنه “سيتم فرض تدابير نهائية في غضون 4 أشهر بعد فرض الرسوم المؤقتة”.
… وكندا أيضاً
وعلى غرار الولايات المتحدة، أعلنت كندا أنها ستفرض تعريفات جمركية بنسبة 100 في المائة على واردات السيارات الكهربائية الصينية، كما أعلنت عن تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على واردات الصلب والألمنيوم من الصين.
وتعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لكندا رغم أنها تتخلف كثيراً عن الولايات المتحدة. وتظهر البيانات من أكبر ميناء في كندا في فانكوفر أن واردات السيارات من الصين قفزت بنسبة 460 في المائة سنوياً في عام 2023 عندما بدأت “تسلا” في شحن السيارات الكهربائية المصنّعة في شنغهاي إلى كندا.
الصين… و”المنافسة العادلة”
وفي حين يصر الغرب على أن سياسات الصين التجارية للسيارات الكهربائية غير عادلة، مع اتهامات الإفراط في الإنتاج و”فائض الطاقة الإنتاجية”، تزعم بكين أن صادراتها المتنامية هي نتيجة للمنافسة العادلة، وأن الطلب على منتجاتها عالية الجودة يتزايد بشكل كبير وأن منتجاتها الخضراء ضرورية لمكافحة تغير المناخ العالمي.
وظهرت تقارير تفيد بأن الرئيس الصيني شي جينبينغ أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارته لفرنسا في أوائل مايو (أيار) أنه لا توجد مشكلة فائض في الصين وأن المشكلة “غير موجودة سواء من منظور الميزة النسبية أو في ضوء الطلب العالمي”. وسلّط الرئيس الصيني الضوء على أن هيمنة صناعة الطاقة النظيفة في الصين – والتي تمثلها إلى حد كبير المركبات الكهربائية والطاقة الشمسية وتكنولوجيا الرياح – لن تؤدي فقط إلى زيادة العرض العالمي وتخفيف ضغوط التضخم العالمي، بل ستفعل الكثير أيضًا لدعم التحول الأخضر للكوكب، وفقًا لوسائل الإعلام الصينية.
وبحسب “غولدمان ساكس”، ستصنع الصين 27 مليون سيارة ركّاب عام 2024. ومن المتوقع أيضاَ أن ترتفع الصادرات هذا العام بنسبة 25 في المائة إلى أكثر من 5.3 ملايين سيارة.
ومع توقع مثل هذا النمو الهائل لصناعة السيارات الكهربائية في الصين، يتساءل كثيرون عن المنطق وراء التعريفات الجمركية، بحجة أنها نقيض لمنطق التجارة الحرة التي اعتاد الغرب على الدفاع عنها، وستحرم الأميركيين من فرص شراء المنتجات الخضراء بأسعار معقولة.
في الوقت نفسه، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يتعين على الغرب أن يبذل المزيد من الجهود لتعزيز صناعته المحلية للسيارات الكهربائية بدلاً من التركيز على محاولة إبطاء الآخرين.
وأشار مركز الأبحاث الأميركي في تحليل نُشر في 28 يونيو (حزيران) إلى أنه “حتى لو كان الشعور بالظلم بشأن السياسة الصناعية الصينية ومخاوف الأمن القومي مبرراً، فإن الدول الغربية بحاجة إلى تحديد ما إذا كان الهدف هو إبعاد المنتجين الصينيين عن الأسواق الغربية تماماً أو الحفاظ على نوع من الصناعة العالمية، مع تمكين المنتجين الصينيين والغربيين من الوصول إلى أسواق بعضهم البعض طالما أنهم يستوفون معايير معينة فيما يتعلق بالمنافسة العادلة والأمن القومي”. وقال “إذا لم تكن الإجابة هي الفصل الصريح، فلن تحتاج الدول الغربية إلى وضع معايير مشتركة فحسب، بل ستحتاج في مرحلة ما إلى التفاوض على إطار مستدام مع الصين”.
السؤال الذي الذي يتردد في أذهان كثيرين الآن هو ماذا سيحدث بعد ذلك. فهل ستكون سياسة الحمائية التجارية محور الاهتمام في السنوات المقبلة؟