جبهة الجنوب: سباق بين توسيع الحرب ومساعي الحل
لم يشهد لبنان حركة دبلوماسية ناشطة عربية وغربية، كما شهد الشهران الماضيان، بهدف منع التصعيد على جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة، بعد اعلان حليفي حزب الله واسرائيل، ايران والولايات المتحدة الاميركية، ان كلاً منهما سيدعم حليفه في حال اندلاع حرب واسعة. فيما بقي موضوع انتخاب رئيس للجمهورية معلّقاً على حبال الخلافات الداخلية اللبنانية وغياب اي مبادرة لبنانية او خارجية قابلة للتنفيذ. وثمة من قال ان لا انتخابات رئاسية قبل نهاية العام 2025 او بداية 2026!
بحسب ما شهدته الفترة الماضية بعد التصعيد الاسرائيلي الواسع في غزة وفي جنوب لبنان والذي ردت عليه فصائل المقاومة بتصعيد مماثل، تحركت الادارة الاميركية بشكل كثيف وضاغط وهي على ابواب الانتخابات الرئاسية، لوقف
الاندفاعة الاسرائيلية لكن من دون نتيجة إيجابية تذكربإنتظار التوصل الى “صفقة” مقبولة من الطرفين، فيما تركز جهد الموفدين العرب والغربيين الاخرين ايضاً على الدفع بموضوع انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب فرصة، لكن لاحياة لمن تنادي. مع ان قوى المعارضة النيابية تقدمت بإقتراحين جديدين اوائل تموز الماضي، لم يخرجا عن سياق موقفها المعروف من جلسات التشاور لذلك سقطت المبادرة قبل ان يتم طرحهاعلى الكتل النيابية.
وذكر ديبلوماسيون غربيون في بيروت، انه في سياق تصميمها على انهاء الحرب وتغليب الحل السياسي، “كثفت واشنطن ضغوطها في هذا الاتجاه، في موازاة التهديدات الاسرائيلية بالحرب وما يقابلها من استعدادات لهذه الحرب من جانب حزب الله، ونجحت في إبقاء المواجهات على الحدود الجنوبية للبنان، ضمن سياقها من دون توسع اكبر، وفرضت ما بَدا انه التزام غير معلن من قبل الاطراف بذلك، عكسته التسريبات من مسؤولين اميركيين وكبريات الصحف والوكالات الاميركية بأنّ واشنطن تلقّت عبر قنوات مختلفة، إشارات صريحة من قبل إسرائيل والحزب الله بأنّهما لا يريدان توسيع نطاق الحرب”.
ورجّح الدبلوماسيون “فرضية الحل الديبلوماسي، فتجنّب الحرب الذي تصمم واشنطن على فَرضِه، كمقدمةٍ لحل سياسي، تؤكد عليه ايران ايضا، التي اعلنت عبر رسائل مباشرة او غير مباشرة انها لا تريد هذه الحرب. والجديّة الايرانية في هذا التوجه، عكسها وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن بقوله: ان لا اسرائيل ولا ايران ولا حزب الله يريدون الحرب، وكلام وزير الخارجية الاميركية هذا ليس نابعاً من فراغ.
وأفادت مصادر معنية أن الرهانات على الضغوط والجهود الديبلوماسية المؤثرة، وفي مقدمها الجهود الأميركية والفرنسية – الاوروبية والفاتيكانية، تضاعفت في ظل ما شهدته الساحة الديبلوماسية من تطورات وتحركات ومواقف خلال زيارات كبيرمستشاري الطاقة للرئيس الاميركي آموس هوكشتاين ووزيرة خارجية المانيا انالينا بيربوك وامين سر بابا الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين الى بيروت، واتصالات وزير خارجية بريطانيا والنمسا واسبانيا ورئيس قبرص ووزيرخارجيته برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبدا أن ثمة تقاطعاً قوياً بين الفاتيكان وفرنسا ودول اوربية اخرى والولايات المتحدة الأميركية حول منع تمدد الحرب إلى لبنان.
ماذا طرح هوكشتاين؟
تضاربت المعلومات حول ماطرحه هوكشتاين في بيروت مع الرئيس نبيه بري بشكل خاص ومع الرئيس ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، بعد زيارة الى اسرائيل، حيث تردد انه اقترح إجراءات مؤقتة لتخفيف حدة المواجهات ومنع توسعها، مثل تعهد بأن تتوقف الخروقات الاسرائيلية للقرار 1701، ولكن “مع إستمرار التحليق الاسرائيلي في الاجواء اللبنانية على علو مرتفع جدا ومحدد بحيث لا يمكن مشاهدته بالعين المجردة، وبما يحفظ لإسرائيل حرية مراقبة الوضع، مقابل تراجع قوات حزب الله مسافة ولو قليلة عن الحدود ووقف القصف الثقيل للمستوطنات والمواقع والقواعد والثكنات الاسرائيلية”. لكن الاقتراح الاميركي جوبه بالرفض، وتمسك لبنان بموقفه الرافض لأي خرق اسرائيلي للاجواء اللبنانية، كما طرح لبنان شرطا جديدا يتعلق برفض استخدام الاجواء اللبنانية لقصف الاراضي السورية.
وثمة من قال ان هوكشتاين طلب ان يُنقل الى حزب الله عبر الرئيس نبيه بري مقترحاته، والفكرة الاساسية فيها العودة الى ما كان عليه الوضع قبل دخول حزب الله في معركة إسناد ودعم غزة في 8 تشرين الاول الماضي، وخلق نوع من المنطقة الآمنة على الحدود. واضافت المعلومات: ان هوكشتاين طلب اقناع حزب الله عبر برّي بالتأثيرعلى حركة حماس لتتجاوب اكثرمع مشروع الحل الذي طرحه الرئيس الاميركي بايدن لغزة لوقف اطلاق النار ولومؤقتا بما ينعكس تهدئة في جبهة الجنوب.
وقالت مصادر رسمية تابعت عن قرب زيارة الموفد الاميركي الى بيروت لـ “الحصاد”: ان جوهر سبب زيارته الى المنطقة هو يقين الادارة الاميركية ان الكيان الاسرائيلي هومن يقوم بتصعيد الاوضاع سواء في غزة او في جنوب لبنان ويجر المنطقة الى حرب اوسع، مادفع الرئيس بايدن الى ايفاده الى تل ابيب ثم بيروت ثم تل ابيب. لأن هناك مستجدات سياسية سلبية بين اميركا واسرائيل.
واوضحت المصادر، المهم في الزيارة ان هوكشتاين قال ” اذا حصل وقف لإطلاق النار في غزة فلدينا خطة فورية لتنفيذ القرار 1701، امافي حال فشل مشروع بايدن فإننا سنبحث عن آلية اخرى لتنفيذه وتهدئة جبهة الجنوب”.واستغربت المصادر ما اشيع عن نقل هوكشتاين تهديدات اسرائيلية الى لبنان، وقالت: لونقل التهديدات لكان صدرموقف مختلف من لبنان، وبخاصة من الرئيس بري.
بالمقابل، حذّر هوكشتاين خلال وجوده في فلسطين المحتلة، المسؤولين الإسرائيليين من “احتمال أن تؤدي الحرب مع حزب الله إلى هجوم إيراني واسع يصعب على إسرائيل التصدي له”، بحسب ما نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية.
الفاتيكان والمانيا على الخط
الى جانب موفدي الدول الاوروبية، برزت زيارة موفد البابا لكادرينال بارولين الى بيروت، الذي عمل على خطي تهدئة جبهة الجنوب وتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية. وحسب معلومات “الحصاد”،فقد نقل رسالة غير مباشرة من البابا مفادها “ان الشرق الاوسط يعيش فترة صعبة جدا والكرسي الرسولي، الذي يقيم علاقات ديبلوماسية منتظمة مع دولة فلسطين وايضا مع اسرائيل ، يأمل بأن تقبلا اقتراحات السلام، الكفيلة بوضع حد للغة السلاح من الجانبين وأن ترفع القيود عن المساعدات للشعب الفلسطيني، وان يحترم من جديد القانون الانساني الدولي من قبل كل الاطراف من دون استثناء”.
اما حول زيارة وزيرة خارجية المانيا، فعلمت “الحصاد”من مصادر رسمية تابعت زيارة الوزيرة، انها لم تحمل معها اي اقتراح او مشروع الماني او اوروبي او اي موقف جديد، بل كررت ما سبق واعلنته سابقا وما يقوله جميع الموفدين والمسؤولين الدوليين في الخارج،عن ضرورة تلافي الحرب بين لبنان وإسرائيل وخفض مستوى التوتر.وابدت رغبة بلادها في تقديم اي مساعدة ممكنة في هذا الصدد.واوضحت المصادر ان الوزيرة بيربوك إستجمعت في جولتها بدول المنطقة كل المعطيات الممكنة للتوصل إلى حلول للتوتر .
استطلاع عربي
ومن الجانب العربي، عقد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي في زيارة لبيروت لقاءات رسمية وسياسية مع الأحزاب، لإستشراف الوضع في ظل الحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان “مستشعرين حجم الوضع الإقليمي المتوتر وما يمكن أن يؤدي اليه من تداعيات سلبية على لبنان نتيجة الحرب الدائرة وكيفية الوصول الى نهاية
لهذا الوضع” كما قال. واكد زكي ايضاً “التضامن مع أشقائنا اللبنانيين ومع الدولة اللبنانية في ما تواجهه من مخاطر بخصوص الوضع في الجنوب والحرب مع اسرائيل ، وبغض النظر عن أية امور ، الجامعة العربية تقف مع لبنان بشكل كامل “.
حصيلة الزيارتين
مع مغادرة السفير حسام زكي بيروت بعدما غادرها أمين سر الفاتيكان الكاردينال بارولين، بدأ الغوص في تحليل أبعاد الزيارتين وما تخللهما من مواقف ورسائل تستحق القراءة. ذلك ان دخولهما على خط الوضع اللبناني بقوة في هذا التوقيت بالذات يستحق العناية والتنبه. الفاتيكان من خلال تأكيد الطابع السياسي للزيارة والحرص على ابراز دور المسيحيين في لبنان والشرق، والجامعة العربية التي ابتعدت لفترة عن لبنان ثم عادت مع محطة زكي فيه ولقائه مع حزب الله.
عن الزيارة الفاتيكانية، تؤكد مصادر اطلعت على تفاصيلها انها اكدت وجوب تجذر المسيحيين في لبنان وترسيخ العيش والوحدة الوطنية.فالمنطقة مقبلة على تحولات كبرى وتغيير جذري وتطورات غير واضحة المعالم بعد ما يجعلها مفتوحة على احتمالات جديدة جوهرية لا يجوز ان يغيب العنصرالمسيحي عنها، مع غياب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق اثناء اعادة ترتيب اوضاعها وولادة شرق اوساط جديد، فلهذا الغياب خطورة فادحة وتداعيات قد لا يمكن تجاوزها.
وتضيف ان عدم انتخاب رئيس يستهدف العنصرالمسيحي في المنطقة ودوره الريادي، وقد حرص بارولين على التأكيد ان زيارته الى لبنان لها طابع سياسي، اي انه في مهمة وليس في زيارة “رعوية لمنظمة فرسان مالطا”، والا لكان اوفد احد معاونيه لتمثيله في هذه المناسبة. هو اراد اغتنام المناسبة الرعوية ليوجه رسالة من الكرسي الرسولي الى القوى السياسية في الداخل اللبناني “لانقاذ لبنان النموذج وصيغة العيش المشترك، لبنان الرسالة كما اطلق عليه البابا القديس يوحنا بولس الثاني”.
وتؤكد المصادر ان بارولين اجرى اتصالات علنية وبعضها بعيدة عن الاضواء لاخراج الاستحقاق من عنق الزجاجة وانتخاب رئيس تجنبا لانهيار لبنان. و كانت رسالته واضحة من “ان المسيحيين ليسوا وحدهم المسؤولين عن عرقلة الانتخاب بل هنالك مسؤولية على الاخرين . فللمسيحيين دور ليس وفق عددهم بل وفق اهمية حضورهم في الشرق”. واكد الموفد الفاتيكاني لجميع من التقاهم “وجوب التمسك بالطائف كوثيقة وحدة وطنية وافق عليها اللبنانيون ووقعوها والتمسك باتفاقية الهدنة وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة وانتخاب رئيس ووقف الحروب والمواجهة الاخوية بين اللبنانيين”.
ماذا بعد تموز؟
برغم كل هذا الحراك الخارجي، بقيت المخاوف قائمة وبخاصة لدى الادارة الاميركية من شن إسرائيل هجوماً برياً ولو محدوداً على لبنان لإنشاء منطقة عازلة داخل الحدود اللبنانية، بدليل نقل وزارة الدفاع (البنتاغون) “بعض الأصول العسكرية في المنطقة لتكون جاهزة لإجلاء الأميركيين ليس من لبنان فقط انما من فلسطين المحتلة ايضاً”.واعطت بعض المصادر اللبنانية والاميركية مهلة حتى نهاية تموز لتقرير ما اذا كان سيحصل الهجوم ام لا، ربطا بزيارة رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي نننياهو الى واشنطن وإدلائه بشهادة امام الكونغرس. وفي ضؤ الزيارة تتضح حقيقة النوايا الاسرائيلية والاميركية ايضاً. وثمة من قال ايضاً ان شهر تموزسيكون شهر الحسم في الملف الرئاسي المعلّق.