حوار مع الدكتور سابا زريق


مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية

تُعدّ المؤسسات الثقافية والأدبية ركيزة أساسية في دعم الأدب والثقافة، إذ تسهم بشكل فاعل في تشجيع الأدباء والمبدعين على مواصلة مسيرتهم الإبداعية. وتولي هذه المؤسسات اهتمامًا كبيرًا بثقافة الوطن، عبر الحفاظ على لغته وتراثه وهويته، إلى جانب رعاية الطاقات الشابة ومساعدتها على الانطلاق في ميادين الأدب والثقافة. كما تعمل هذه المؤسسات على تنظيم الحوارات والندوات الثقافية والأدبية التي تهدف إلى نشر الوعي في المجتمع، وتعزيز دور الثقافة في دعم التعليم والتنمية الفكرية.
ضيفنا لهذا العدد في مجلة الحصاد، رئيس “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية” الدكتور سابا قيصر زريق، وهو دكتور في الحقوق، متخرّج في جامعة باريس 2، ومستشار قانوني دولي؛ باحث وكاتب باللغات العربية والفرنسية والانكليزية، حول موضوعات قانونية وادبية وسياسية واجتماعية. رئيس “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية”. عضو في مجالس أمناء هيئات غير حكومية ومجالس إدارة شركات لبنانية واجنبية وهو حائز على دروع تقدير وتنويه من مؤسسات أهلية وتربوية وخيرية.
هنا الحوار الكامل:

  1. كيف وُلدت المؤسسة وما هي أهدافها الاستراتيجية؟
    كنت قد عزمت على إنشاء مؤسسة ثقافية يكون لها أنشطة متنوعة وتنظم برامج باللغة العربية، إكراماً لذكرى من عشقها، ملهمي الأكبر، جدي، شاعر الفيحاء سابا زريق، رحمه الله. وكأني بذلك وددت الإبقاء على نفسي في جوٍ ثقافي كان عزيزاً على قلبه. أعددت المستندات الرسمية المطلوبة للحصول على العلم والخبر للجمعية، الذي تصدره وزارة الداخلية والبلديات. وقبل أن أخطو هذه الخطوة، تلقيت دعوة من ثلاث هيئات طرابلسية قررت إقامة ندوة حول “الآثار الكاملة لشاعر الفيحاء سابا زريق” في مركز ثقافي، في ميناء طرابلس، يتكلم فيها عن الشاعر وعن آثاره أرباب فكر وأدب وتربية. وعلى ما قرأت من أصداء الندوة المذكورة في وسائل الإعلام المكتوب والالكتروني وعلى ما أفدت به من مهتمين بالشؤون الثقافية في طرابلس، لاقت الندوة نجاحاً باهراً منقطع النظير. وكان أحد المتكلمين فيها قد أوصى بإنشاء مؤسسة باسم شاعر الفيحاء. وهذا ما حفزني على الإسراع في تقديم طلبي إلى الوزارة المعنية.
    ولدت المؤسسة عام 2013، ونالت العلم والخبر رقم 1033 بتاريخ 7/6/2013، كجمعية ثقافية لا تتوخى الربح.
    بعد أن حررت أهداف المؤسسة لإدراجها في المستندات الرسمية، الهادفة الى تخليد ذكرى شاعر الفيحاء والى تعزيز مقام معشوقته، أي اللغة العربية، ونشر ثقافتها والمساهمة مع مؤسسات وجمعيات تشاطرها أهدافها، وجدتها طموح، لا بل طموح جداً. غير أن ذلك لم ينل من عنادي وعزمي على تحقيق هذه الأهداف مهما كلف الامر. ولله الحمد، قطعت المؤسسة شوطاً لا بأس به في سبيل تحقيق هذه الهدف.
  2. صف لنا “الآثار الكاملة” لجدك شاعر الفيحاء سابا زريق و التي تحمل اسمه.
    قمت بإعداد “الآثار الكاملة”، إيفاءً لوعدٍ كنت قد قطعته لشاعر الفيحاء قبيل رحيله عام 1974. وقد اعتمدت في تبويبي للآثار الترتيب الآتي: المجلد الاول، تضمن سيرة ومسيرة الشاعر وبعضاً من آثاره النثرية؛ المجلدات الثاني الى الخامس، تضمنت آثاره الشعرية، وهي تشمل ديوانه المطبوع عام 1955، الذي صدر عن دار الانشاء في طرابلس، وكافة ما نظمه من قصائد بين ذلك التاريخ وتاريخ رحيله. وقد واجهتني صعوبات في رصدها إذ كان جلّها منشوراً على صفحات صحف أو مخطوطاً على قصاصات صغيرة من الورق. أما البعض الآخر، ولحسن طالعي، فقد وجدته مكتوباً بخط يد الشاعر في دفاتر لم تضطرني الى الاستعانة بخبير لفك احجيتها. اما المجلد السادس والاخير، فارتأيت إدراج فيه “منزلته الادبية” بأقلام نقاد وأدباء وباحثين أكبّوا على دراسة نتاجه الذي بلغ عشرين ألف بيت. وأنا الآن بصدد جمع وترتيب دراسات وأبحاث ورسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه سوف تضمّن في مجلدين أو ثلاثة إضافيين، تكملة للآثار الكاملة التي صدرت عام 2013، آملاً أن تعود بالفائدة على من يريد التعرف بصورة أشمل على أدب سابا زريق.
    قمت في سنة 2014 بإعداد كتيّب عنوانه “شاعر الفيحاء سابا زريق في صفحات … (1886 – 1974)”، تلبيةً لطلب من وزارة التربية والتعليم العالي لتوزيعه على الجامعات والثانويات والمكتبات العامة في لبنان. وقد ضمّنت الكتيّب سيرة ومسيرة شاعر الفيحاء ومختارات من أعماله، مبوّبةً وفق الموضوعات التي تطرّق إليها والبالغ عددها التسعة عشر. وكون شاعر الفيحاء كتب كذلك نثراً، أدرجت في الكتيّب مقالات له هو الذي عمل لعقود عديدة في الصحافة وكلمات له في مناسبات عديدة كما تقاريظه لمؤلفات. وختمت الكتيّب بنماذج عن كلمات لشعراء وعلماء وصحافيين وأدباء وأكاديميين ومربّين ولغويين تشهد على المستوى الرفيع لشعره وآدبه.
  3. ما أبرز المبادرات التي أطلقتها المؤسسة لدعم الثقافة والفكر؟
    تقوم المؤسسة بتحقيق أهدافها عن طريق تنفيذها لبرامج هادفة عديدة، يمكن اختصارها بالآتي: دعم نشر مؤلفات باللغة العربية؛ استحداث وتأثيث وتجهيز مكتبات جديدة، وإعادة تأهيل مكتبات جامعية ومدرسية قائمة، ورفدها بالكتب والمراجع؛ استحداث قاعات محاضرات وتنظيم مباريات أدبية، أبرزها “جائزة شاعر الفيحاء سابا زريق للإبداع الأدبي” السنوية، التي تنظم بالتعاون مع الجامعة اليسوعية؛ والإشتراك كذلك مع مؤسسات تربوية وثقافية أخرى في تنظيم مثل هذه المباريات في الثانويات والجامعات وتوزيع جوائز على الفائزين؛ إستضافة باحثين في مكتبتها الفريدة، الكائنة في مقرها في طرابلس، المتخصصة باللغة العربية وآدابها والمجهزة بأحدث الوسائل السمعية والبصرية. وهي تحتوي على مراجع في الأدب القديم والأدب الحديث واللغة والبلاغة والإنشاء والعروض والنحو والقواعد وتراجم العلماء والأعلام وأطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير ودراسات أدبية مختلفة، بالاضافة الى المعاجم والمراجع في الفقه الاسلامي؛ وتنظيم الندوات والمحاضرات وحفلات توقيع الكتب.
  4. كيف تصف اهتمامك بالثقافة، خصوصاً أنّ اختصاصك الأساسيّ هو القانون؟
    إن الثقافة مفهوم شامل، متعدد الأبعاد، يستوعب عدة نشاطات واهتمامات. لا أعتبر أن هنالك في العالم أجمع من يستحق أن يوصف بـ “المثقف”، لأن هذه الصفة توحي بأن مسيرة التثقف قد توقفت عنده. لذا، أفضل استعمال كلمة “المتثقف”، لأنها توحي بأنه ما زال يسعى الى المزيد من التثقف في مسيرة مستمرة لا نهاية لها. فالعمر يفنى، اما المعرفة فهي تراكمية ذات طبيعة أزلية.
    أما مادة القانون فلا تقتصر دراستها على المواد القانونية الصرفة، بل تشمل دراسات في التاريخ واللغات والحضارة. وهي على غرار مواد الآداب والفلسفة والفنون التشكيلية، ركن من اركان الثقافة.
    ولبنان ميدان رحب للمتثقفين، فكثر منهم أجادوا وأبدعوا. ولولا الثقافة، لكانت حالنا اليوم أكثر سوءًا. ومؤسستي على تماسٍ مع مؤسسات مشابهة، نحاول جاهدين إعلاء شأن الثقافة في بلدنا. ولا بد هنا أن أنوه بالنشاطات الثقافية التي تقام بكثافة ملحوظة في الفيحاء، إذ لا يكاد ينطوي أسبوع من دون أن نشهد فيه مناسبة ادبية او فنية، وفي بعض الحالات عدة مناسبات في آنٍ معاً، يحول تضارب مواعيدها من حضورها كلها.
    أما اهتمامي الشخصي بالثقافة والآداب فطبيعي لأني ترعرعت في كنفٍ يعبق بالآداب واللغة والقريض. تشربت من جدي، شاعر الفيحاء، رحمات الله عليه، حب المطالعة والتمتع بالنصوص المحررة بلغتنا الجميلة، نثرية كانت أم شعرية. وما زالت نبرة صوته الجهوري تطنّ في أذني وهو يلقي على مسامعي أبياتاً ليس فقط من نظمه وإنما كذلك لعمالقة الشعر، العباسيين منهم بخاصة، هو الذي تأثر جداً بهم.
  5. لفتنا اهتمام مؤسستكم بالأكاديميين والباحثين لاستكمال دراساتهم العليا، ما الدافع وراء ذلك وما هي آلية الدعم لتحقيق أهدافها؟
    لا يقتصر اهتمام مؤسستي بالأكاديميين والباحثين، فأبوابها ومنشوراتها ومكتبتها مشرعة لكل من يرغب. إن المؤسسة أصدرت فعلاً مؤلفات عديدة لأكاديميين ولباحثين، ممن أنجزوا دراسات عليا في الآداب والفلسفة والتاريخ، لكنها نشرت كذلك لعشرات آخرين. كما والتزمت المؤسسة بإصدار “حوليات” لعدد من الكليات الجامعية. وقد بلغت منشوراتها لغاية تاريخه 135 كتاباً. كما وأن برامج إصداراتها المقبلة لسنوات لاحقة حافلة جداً.
    أما آلية الدعم التي تعتمدها المؤسسة لتحقيق أهدافها فهي تتمثل في قيامها بتحمل كامل تكلفة البرامج التي تنفذها، من أموالها الخاصة، من دون تحميل المستفيدين أي مبالغ على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، تتحمل المؤسسة كامل تكلفة طباعة الكتب، تاركةً كافة حقوق الملكية الفكرية لمؤلفيها، ليتصرفوا بكتبهم على النحو الذي يرونه مناسباً. وهي تحتفظ بعدد من كل إصدار لتقوم بتوزيعه، مجاناً بالطبع، على جامعات ومنتديات ثقافية ومكتبات عامة، الخ… كما وتضع المؤسسة قاعة محاضراتها الخاصة بتصرف جمعيات ثقافية وأهلية أخرى لعقد اجتماعاتها أو إقامة نشاطاتها فيها، من دون تقاضي أي بدل لقاء ذلك. وهي تدعم الجوائز العينية والنقدية التي ينالها فائزون في المباريات الأدبية التي تنظمها أو تشارك في تنظيمها.
  6. ما المعايير التي تعتمدونها في اختيار الأعمال أو الكتّاب؟
    إن المؤسسة تستلم بصورة متواصلة طلبات من مؤلفين لدعم طباعة مؤلفاتهم، تقوم بدراستها؛ وهي تقبل معظمها. أما المعايير المحددة لقبول طباعة كتابٍ ما، فهي أن يكون الكتاب محرراً باللغة العربية، وأن يكون موضوعه يتعلق بصورة مباشرة او غير مباشرة بطرابلس او بجوارها أو بشمال لبنان أو أن يكون مؤلفه نفسه طرابلسياً أو شمالياً. وفي بضعة حالات استثنائية، تتغاضى المؤسسة عن تلك المعايير، في حال كان موضوع الكتاب يحظى باهتمام العامة.