خليجي 25.. حكايات وكرم بصراوي وعشق خليجي وكأس عراقي

العالم يطل على العراق عبر بوابة البصرة..

مطالبات بملاعب كبيرة واتحاد الكرة يخطط لبطولات عربية وقارية

السواد الأعظم من الشباب الذين حضروا مباريات خليجي 25 في البصرة، وحتى الذين تابعوها من المقاهي وشاشات الشوارع، لم تكن تمثل هذه البطولة في ذاكرتهم سوى بضعة صور غابرة، جاد عليهم بها موقع (يوتيوب) عن سنوات بعيدة.

هؤلاء، وعددهم بالملايين بلا مبالغة، ربما يتذكرون المباراة التي وصل فيها المنتخب العراقي للنهائيات ليخسر أمام الإمارات، في بطولة خليجي 21 في البحرين قبل 10 سنوات. أمّا آخر مرّة حمل فيها اللاعبون العراقيون كأس الخليج، فقد كانت عام 1988 في السعودية. أي قبل ولادة معظم الملايين الذين تابعوا خليجي البصرة 25، وحضروا مبارياتها.

استضافة العراق لبطولة الخليج كانت تمثل لدى العراقيين حلما بعيدا، ولد في وقت كانت بغداد والمحافظات تحترق يوميا بعشرات العجلات المفخخة والاحزمة الناسفة، وكانت السماء تستقبل يوميا المئات من الأرواح البريئة التي تغادر أجسادها ظلما.. لذلك شكل تقديم العراق لملف استضافة بطولة الخليج عام 2008 دهشة لاعضاء الاتحادات الخليجية، وللاعلام العربي والدولي الذي كان العراق يتصدر مانشيتات صحفه، وعواجله ونشراته الاخبارية.

يقول الصحفي الرياضي محمد حمدي أن طرح فكرة استضافة العراق لحدث كروي انذاك، اثار لدينا التساؤلات، كيف يمكن أن نستضيف بطولة عربية، ونحن ادرى بما يحدث، فنحن في قلب الحدث، ونشهد يوميا انفجارات، واغتيالات، لكن هذا لا يلغي إننا كنا فعلا تواقين لان تحتضن البصرة البطولة، ونشاهد منتخبنا يخوض مبارياته داخل ارضه وبين جمهوره، وهما ميزتان حُرمنا منها بسبب السياسات العدوانية للنظام السابق تجاه جيرانه، وبسبب الانفلات الأمني بعد عام 2003. وفي النهاية اصبح الملف على طاولة اجتماعات الاتحادات الخليجية، وطالب العراق باستضافة بطولة خليجي21 عام 2012، في محافظة البصرة، التي كانت تشهد حينها وضعا أمنيا افضل من العاصمة بغداد، وبعد أن تعهد الوفد العراقي بتشييد مدينة رياضية متكاملة وفنادق وبنى تحتية.

خط الشروع

عند عودة الوفد شرعت الوزارة بخطوات الاستعداد، ودعت الشركات العالمية لتقديم عروض التصميم لتشييد مدينة رياضية تضم ملعبا كبيرا سعة 65 الف متفرح، وملعبا ثانويا، 10 الاف متفرج، واربعة ملاعب للتدريب سعة 500 متفرج، وفندقين لسكن الوفود، ومتنزهات ومحال واكشاك وبحيرات، بالإضافة الى بناء ملعب الميناء سعة 30 الف متفرج بعد تهديم الملعب القديم. في أواخر 2008 تقدمت عشرة من كبريات الشركات العالمية المتخصصة ببناء الملاعب، ووقع الاختيار على شركة الراحل عبد الله عويز الجبوري، وشرع عام 2009  بتشييد ملعب جذع النخلة سعة 65 ألف متفرّج.

اكتمال جذع النخلة

وكان كلما يتقدم العمل في الملعب، يشهد ملف الاستضافة تفاعلا إعلاميا وجماهيريا اكبر، وبين مد وجزر ومشاكل مالية وامنية وتجاذبات سياسية، رافقت إنجاز الملعب والمدينة الرياضية، كان الضغط اكبر على وزارة الشباب والرياضة، وعلى الحكومة التي اغدقت الأموال في سبيل الانتهاء من تشييد الملعب قبيل انتخابات 2014، وتحقق ذلك. ففي شهر تشرين الأول عام 2013، تم افتتاح ملعب جذع النخلة، وسط حضور جماهيري كبير غصت به مدرجات الملعب. وذهب العراق هذه المرة بقوة لاستضافة النسخة 22، غير أن ملف الاستضافة كان يخضع لاجتهادات خليجية ومبررات اغلبها يتعلق بالوضع الأمني في البصرة، وفي العراق عموما.

محاولات عراقية

كانت الوفود الخليجية تتوافد بشكل منتظم للاطلاع على الملاعب والفنادق، لكنهم كانوا في كل مرة يصوتون ضد الاستضافة، ومنطلق تبريرهم أن المرافق الرياضية مكتملة، لكنهم يشكلون على البصرة كمدينة تفتقر للخدمات ولشبكة طرق حديثة ولفنادق كافية، وايضا افتقارها لأماكن ترفيهية للمشجعين.. كل هذه العراقيل شكلت تحديات حقيقية امام الحكومات الاتحادية المتعاقبة وحكومات البصرة المتغيرة.

وعندما احتل داعش الارهابي مدينة الموصل ومدن اخرى، وانطلاق معارك التحرير، جمد ملف استضافة للبطولة، لكن العراق طالب باستحقاقه في النسخة 23 من البطولة، إلا انه اخفق ايضا وذهبت الاستضافة لدولة الكويت عام 2018، بسبب ملاحظات تتعلق بخطورة الوضع الأمني في العراق وهشاشة الخدمات في البصرة.

ثم عاود العراق مجددا يطالب بالنسخة 24، غير أن القرار الخليجي لم يكن في صالحه ايضا، فذهبت الى العاصمة القطرية الدوحة اواخر عام 2019. وخلال عامي 2020 و 2021 تم التريث بإقامة البطولة بسبب ظروف جائحة كورونا.

انتزاع القرار

وفي عام 2022 جدد العراق المطالبة باستحقاقه في استضافة النسخة 25، وبعد سلسلة اجتماعات وتعهدات عراقية وزيارات متكررة للجنة المنبثقة عن الاتحاد الخليجي للاطلاع على التحضيرات للبطولة، وبعد تحشيد اعلامي وجماهيري كبيرين، تمكن الوفد العراقي من انتزاع القرار لصالحه في الاجتماع الذي عقد في 30 حزيران، والإعلان عن استضافة العراق النسخة 25 في البصرة، بعد 43 عاما عن آخر نسخة للبطولة في بغداد عام 1979، وبعد رهان على النجاح والتميز استمر 13 عاما لكسب ود الاشقاء واقناعهم بأن خليجي البصرة سيكون هو الاكبر والاكثر تميزا، بجمهور هائل وتسهيلات لن يكتب لها ان تكون سوى في البصرة لاعادة الروح الى بطولات الخليج التي فقدت بعض بريقها.

دعم حكومي

اتجهت الانظار صوب البصرة الفيحاء ومتابعة حكومتها، وهي تعد العدة لاستضافة ناجحة تترك اثرا طيبا لدى ضيوفها الخليجيين. بدأ العمل بشكل حقيقي في شهر تشرين الثاني 2022 عندما خصص مجلس الوزراء مبلغ 34 مليون دولار لدعم البطولة، ومبالغ اخرى للاتحاد العراقي لكرة القدم لإعداد المنتخب الوطني.

 وخلال شهر ونصف كانت البصرة مستعدة للعرس الرياضي، هيأت البنى التحتية من فنادق ومطاعم، أهلت كورنيش البصرة كملتقى للجماهير أثناء البطولة، أنشأت طرقا جديدة، اهمها الطريق الحيوي الممتد من مطار البصرة الى المدينة الرياضية، تزينت شوارعها ومبانيها باعلام الدول الخليجية المشاركة، والإعداد لفعاليات ترفيهية وثقافية وفنية.

رهان خليجي

رئيس الاتحاد القطري والخليجي لكرة القدم، الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثاني، كان أول المراهنين على نجاح  بطولة خليجي 25 في البصرة وتحطيمها الارقام القياسية في الحضور الجماهيري والتغطيات الاعلامية، وعبر عن ذلك صراحة خلال حفل تتويج منتخبنا الوطني بكأس البطولة مشيدا بدور جماهير الكرة العراقية، في نجاح بطولة خليجي 25، بالقول “ان البصرة توجت بكل الالقاب من اول يوم لانطلاق البطولة وأسرت قلوب الجميع بكل الصفات الحميدة، وأولها كرم أهلها الذي يفوق التصور”.

عشق

محبوب العراقيين الشخصية الاعلامية الرياضية والمعلق الشهير خليل البلوشي، كان بحق علامة فارقة واضافة كبيرة لمقومات النجاح بحسه المرهف وعشقه للعراق، قال لنا خلال جولة في البصرة وسط ترحيب هائل من الجمهور اينما حل، انه استجاب لعشرين عزومة من اصل الف طالبته بالحضور، ولم يجد سوى نسخة واحدة من كرم لايوصف وخلق رفيع يشعرك بالخجل والقصور لفترات طويلة خلت لم تزر فيها البصرة او تتشرف باهلها، وتقاطعه مجموعة من الشباب البصريين لانريدك ان ترحل استاذ خليل فيجيبهم بالقول “عشقت البصرة واهل البصرة والعراق عموما وستروني فيها اسبوعيا”.

اما مقدم برنامج المجلس في قناة الكأس القطرية الإعلامي خالد جاسم، فقد اصبح الاشهر والأقرب للجمهور العراقي للدعم الإعلامي الكبير الذي قدمه للبطولة، وتركيزه على الظواهر والحالات الإيجابية، وهو أمر لم يألفه العراقيون كما يؤكد معظم متابعيه. سألته عن الود الذي يحمله تجاه العراق وأهله، ومساهمته في جعل الجمهور الخليجي يغير بوصلته صوب العراق، فقال” ما قدمته يعكس حبي للعراق، وايماني بقدرته على الاستضافة، ومهما فعلت وقدمت يبقى العراقي خير من يسهم في عكس الصورة الطيبة عن بلده”.

اسرار التميز

بطولة خليجي 25 في البصرة لم تكن فقط بطولة كروية وحدثا رياضيا، بل تحول فيها كورنيش العشار الى ساحة فنية كبيرة للفنون التشكيلية والمسرح والشعر والخطابة والغناء والموسيقى، واضحى ميدانا زاهيا حتى الصباح بالاف الزوار الذين عبروا عن اعجابهم بفن العراق وحيوية شعبه، ومنهم الفنانة العمانية فطنة الرواس، غلبتها دموعها في الحديث وقالت: “لا استطيع بأي كلمات ان أعبر عن اعجابي بل انبهاري بطيبة الاهل ورقيهم فكل شيء في البصرة متميز حتى في حبهم لنا، الفنان متميز والرياضي متميز ، ليت بطولة الخليج تطول لشهرين بعد موعد الختام”.

دبلوماسية البطولة

يقول مراقبون أن بطولة الخليج تمكنت من عكس الصورة الحقيقية عن العراق، بدلا من الصورة الضبابية المترسخة لدى شعوب دول الخليج، حيث لم يتمكن لا الاعلام الوطني ولا الدبلوماسية العراقية من استحضار الواقع الحقيقي للعراق وهو يشهد انتقالة جديدة تتمثل بطي صفحة الإرهاب نحو أجواء آمنة ومستقرة، الى جانب مساهمتها في تعزيز علاقات العراق بمحيطه العربي عموما، والخليجي على وجه الخصوص.

مخرجات الفوز

على الجانب الآخر، يقف اتحاد الكرة العراقية منتشيا بالفوز الذي حققه المنتخب الوطني ونيل كأس البطولة، بعد 35 عاما عن آخر فوز بها. هذا النصر دفع الاتحاد الى تحديد خطواته اللاحقة. يقول مسؤول اللجنة الاعلامية في الاتحاد العراقي لكرة القدم يوسف فعل: من ينجح بتنظيم بطولة استثنائية بحجم خليجي 25 في البصرة، وبصورة فاقت التوقعات، فإن باستطاعته استضافة أي بطولة عربية أو قارية أو التصفيات، لأن العراق يمتلك ملاعب رائعة وملاعب تدريب مميزة وفنادق جيدة، فضلاً عن طاقات بشرية اكتسبت خبرةً مضاعفة من الناحية التنظيمية.

تميز وتلاحم

 لقد حققت البطولة اهدافها المرسومة، فحفل الافتتاح قد أبهر العالم، فيما عكس الكرم البصري حالة من التفرد الاجتماعي في العراق، اما الحشود الجماهيرية الزاحفة للبصرة من كردستان ومن الغربية والوسط والجنوب، عكست حالة الواقع الأمني ومنسوب التعافي العالي لدى العراقيين، الذين التحموا مع اشقائهم تحت سماء البصرة في أجواء من المحبة والفرح.

مرافق رياضية

وعلى الرغم من ان النجاح كان العنوان الابرز لبطولة خليجي 25، إلا انها أكدت وبشكل واضح حاجة العراق الى ملاعب اكبر، وفنادق وبنى تحتية ومرافق رياضية اخرى تؤهله لاستضافات رياضية اكبر، لا تقتصر على كرة القدم فقط.