المقاومة أبدية ما بقي الاحتلال ..وسبب وحيد يجبر ترامب على إيقاف الحرب..فهل يفعلها؟!
“تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من اهتراء وإفلاس أخلاقي ولا تعتبر للحياة الفلسطينية قيمة وبإمكانها تسهيل عمليات الإبادة ضد الفلسطينيين دون أن تكون هناك مساءلة…وتمارس الجشع المنظم والكراهية المنهجية في الشرق الاوسط.. ولكن المقاومة أبدية ما بقي الظلم والاحتلال.. ولن يكون هناك إمكانية لسحق الروح الفلسطينية”..تصريحات مهمة ومعبرة عن واقع مرير في عالم تقوده أمريكا جاءت على لسان المفكر الأمريكي دكتور كورنيل ويست الذي كان ضمن قائمة المرشحين الرئاسيين في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، التي فاز فيها دونالد ترامب.
ومع دخول الرئيس الأمريكي الأسبق البيت الأبيض من جديد بعد سباق انتخابي رئاسي محموم مع مرشحة الحزب الديمقراطي، تتوجه الأنظار إلى الملفات الساخنة التي تنتظر على مكتب الرئيس الجديد وتثور التساؤلات حول مصير القضايا العربية الملحة والأزمات الإقليمية المزمنة في ظل عودة حكم الجمهوريين وما سوف تؤول إليه الموضوعات العالقة مثل حرب غزة ولبنان ومستقبل أجنحة المقاومة داخلها والعلاقة مع إيران والدول العربية.
لاشك أن هناك تخوفات عالمية من أسلوب ترامب المتهور إلى درجة الجنون في بعض الأحيان في اتخاذ قرارات خطيرة قد تشعل العالم، فقد كان يدعو إسرائيل لضرب المنشآت الإيرانية النووية. واعترف بسيادة إسرائيل على منطقة الجولان السورية المحتلة، كما كان أول رئيس في تاريخ أمريكا يجرؤ على الإعلان بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس تأكيدا على اعترافه بأحقية اليهود فيها دون العرب. وهو معروف بقربه الشديد من نتنياهو الذي كافأه على دعمه لإسرائيل بوضع اسمه على إحدى المستوطنات في منطقة الجولان والمعروفة باسم “مرتفعات ترامب”.
أمريكا أولا
أمام هذه السوابق التي شهدتها فترة رئاسته السابقة تثور المخاوف من أن يؤدي استمرار ترامب في نفس النهج إلى ضياع الحقوق العربية وتصفية المقاومة وفرض واقع جديد لا يخدم إلا مصالح دولة الاحتلال الصهيوني فقط.
خلال حملته الانتخابية وتحت شعار “أمريكا أولا” قدم ترامب تعهدات سياسية واسعة بدون تفاصيل محددة تقوم على مبادئ عدم التدخل والحماية التجارية. كما صرح أنه صانع السلام وأنه قادر على تحقيقه في المنطقة بشكل سريع ووعد بتوسيع اتفاقيات ابراهام لعام 2020 التي نتج عنها عمليات تطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
وحتى على المستوى الدولي والأوروبي تحدث ترامب خلال حملته عن رغبته في إنهاء الحرب في أوكرانيا وتقليل الدعم العسكري لها وهو ما ينسجم مع توجهه الانعزالي ورغبته في عدم تورط بلاده في حروب خارجية والتركيز على الشأن الداخلي الأمريكي خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي يتناغم مع عقليته كرجل اقتصاد صاحب مشروعات استثمارية وليس كرجل دولة ويعكس أيضا شعار حملته.
في إطار هذا التوجه ال”ترامبي” تخشى أوروبا عودته للساحة السياسية وتعتبره “كابوس” على حد وصف روز غوتيمويلر نائبة الأمين العام السابقة لحلف شمال الأطلسي، حيث تخشى الدول الغربية من تهديدات ترامب بالانسحاب من حلف الناتو. وتأتي المخاوف كون أمريكا تنفق ثلثي الميزانيات العسكرية لمجموع دول أعضاء الناتو البالغ عددهم 31 عضوا. كما تزداد المخاوف الغربية من إحجام المشرعين الأمريكيين عن تمرير حزم مساعدات ضخمة لأوكرانيا بما يشكل ضغطا كبيرا على كييف لوقف حربها مع روسيا، خاصة في ظل سيطرة حزب ترامب الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ، بما يعني سهولة تمرير القوانين والتشريعات التي يطالب بها.
وبالتالي أصبح الخوف من عودة ترامب في البيت الأبيض حالة عامة تسود العالم كله غربا وشرقا استنادا إلى تصريحاته وتجربته السابقة..فماذا عن ولايته الجديدة؟!
تتوقع مجموعة الأزمات الدولية أن يواجه ترامب ما أهو أعظم مما واجهه سابقوه خلال فترة الحرب الباردة، وتقول كومفورت إرو الرئيسة والمديرة التنفيذية فيها أن الولايات المتحدة سوف تظل الفاعل الدولي الأكثر أهمية في قضايا السلام والأمن ولكن قدرتها على المساعدة في حل النزاعات تقلصت، مشيرة إلى افتقادها لمكانتها الأخلاقية بسبب ازدواجية المعايير التي تنتهجها وتغاضيها عن جرئم الإبادة ضد الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي، وتعاملها مع الحرب الأهلية في السودان على أنها قضية من الدرجة الثانية رغم الفظائع التي تحدث هناك.
وترى كومفورت أن ترامب سوف يمنح إسرائيل حرية أكبر في غزة ومختلف المناطق الفلسطينية وقد يبرم صفقة مع روسيا على حساب أوكرانيا لوقف الحرب.
ماذا على العرب فعله!
المفكر السياسي الكبير الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لايرى فروقا جوهرية بين إدارة ترامب الجديدة وبين إدارة بايدن السابقة ويقول أن كلا منهما يدعم الإحتلال ولكن بطرق مختلفة فأحدهما يجاهر بالصهيونية والآخر يمارسها في أفدح صورها، بينما لم تؤد سياسة أي منهما إلى حدوث نقلة نوعية إيجابية للمصالح العربية. ولذلك يطالب يوسف العرب بالبحث عما يجب عليهم فعله ليكون لهم حضور وتأثير في القرارات الأمريكية المتعلقة بقضاياهم وفي آفاق الحركة وأدواتها خاصة في ظل حدوث تحولات في بعض دوائر الرأي العام الأمريكي تجاه السياسة الإسرائيلية في فلسطين. ويتوقع أن يمارس ترامب سياسة انعزالية مع ميله لعدم اللجوء للقوة العسكرية على نطاق واسع خارجيا لكنه يخشى في نفس الوقت من الإنحياز الزائد لإسرائيل وإطلاق يديها في حربها على غزة ولبنان.
واقع الأمر أن هناك توجها قويا لدى الإدارة الأمريكية عبر السنوات الأخيرة بدعم لا محدود لدولة الاحتلال ضد الشعوب العربية بشكل يشي بسعيها لتصفية المشروع الوطني التحرري وإعادة ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني والاسرائيلي بما يخدم تحالفاتها ومصالحها وتحقيق حالة استقرار على الطريقة الأمريكية لصالح حليفتها إسرائيل على كل الأصعدة، ما يعني حصر الدولة الفلسطينية دون حق تقرير للمصير ودون سيادة لها على ما تبقى من أراضيها بخلاف التي التهمها الاحتلال، ومحاولة القضاء على المقاومة بجانب مخطط تفتيت الضفة الغربية تحقيقا للخرائط الصهيونية وإخراج القدس من عملية التفاوض. وفي ذات الوقت تسعى الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب للعودة إلى مشروع صفقة القرن السابق في إطار رؤيته للسلام في المنطقة.
وعلى الرغم من رفض العرب هذا المشروع سابقا، لكن ما يخشى هو أن تفرض معطيات الواقع الجديد، المرتبط بالحرب ومفاوضات وقف العدوان على غزة ولبنان وتبادل الأسرى، حالة من الضغط على العرب لتغيير موقفهم من المشروع وإجبارهم على قبوله. ولكن إذا إضطرت الدول العربية بما فيها الحكومة الفلسطينية بقيادة أبو مازن لقبول الأمر فهل سيكون هناك وجود للمقاومة؟ وهل ستقبل الأمر بعد كل هذه التضحيات؟!
لاشك أن معركة النضال الوطني والاستقلال تعد من الثوابت الطبيعية لدى كل الشعوب، ومن الطبيعي أن تستمر المقاومة لأنها فكرة إنسانية حية دائما في الضمير طالما هناك ظلم وعدوان واحتلال.
وعلى الرغم من عدم التكافؤ بين قوة الاحتلال المدعومة بأقوى قوة في العالم، وأجنحة المقاومة في مختلف المناطق العربية وخاصة فلسطين، إلا أن المقاومة نجحت في زيادة التكلفة والأعباء التي يتكبدها الاحتلال وكان من الممكن أن تؤتي ثمارها بشكل أفضل وتحقق التوازن المطلوب بما يخدم الموقف العربي على طاولة المفاوضات، لو كان للعرب رد فعل قوي موحد وموقف فعال وصارم على المستوى الرسمي لكسر الصلف الصهيوني وردعه.
المفكر الأمريكي دكتور كورنيل ويست قال آمل أن تقول أمريكا كفى! لأنه لا يمكن لإسرائيل أن تتابع إبادتها الوحشية للفلسطينيين دون دعم أمريكي مشيرا إلى أن مشاركة اليهود ضمن اللوبيات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية ضخمة وقوية نتيجة قوة تأثيرهم بالفساد والمال والرشاوى التي يدفعونها بمئات الملايين من الدولارات لمن يترشح في الانتخابات. ويؤكد ويست أن هناك تواطؤا أمريكيا في جرائم الحرب الانسانية بالمشاركة مع نتنياهو، وعلينا أن تكون لدينا شجاعة لحب الشعب الفلسطيني ومواجهة حالة الإفلاس والانحدار الأخلاقي في أمريكا.
لقد كان من الرائع أن نرى التعبير عن المقاومة في الشارع الامريكي من كل الأطياف للضغط على حكومة بايدن ولكن علينا أن نبني تحالفات أكبر وكذلك ينبغي على الدول العربية أن تتحدث بصوت أعلى وأن تكون هناك ضغوطات من الجميع لوضع حد لهذه الإبادة على حد وصفه.
حماس وحزب الله وأجنحة المقاومة
قد يرى بعض أصحاب النظرة القاصرة أن المقاومة تسبب تعثر المفاوضات وتطيل أمد الحرب بلا فائدة، ولكن واقع الأمر أن قوى المقاومة العربية من حماس فلسطين لحزب الله في لبنان وغيرهما في سوريا واليمن والعراق تعد ورقة ضغط مهمة ومطلوبة لزيادة وزن الكفة العربية وترجيحها خلال المفاوضات. ولنا أن نتصور المشهد بلا مقاومة ستصبح القضية كلها لقمة سائغة ولن يكون هناك أوراق رادعة للضغط على الخصم. فلا يمكن للمقاومة أن تلقي أسلحتها وتشارك عدوها المحتل بانتصاره عليها وتمد له يد السلام ثم تنتظر المكافأة من الغرب الداعم لإسرائيل! ومن يتصور اختفاء المقاومة فإنه واهم.
ولذلك يؤكد دكتور ويست أن المقاومة الفلسطينية أبدية ولن يكون هناك إمكانية لسحق روح فلسطين، ولكن هذا لا يعني توقع زوال الاحتلال قريبا، ومن ثم تبقى المقاومة الفلسطينية ما بقي الاحتلال الإسرائيلي.
كذلك في لبنان ستبقى المقاومة صامدة ومستمرة مهما كانت الخسائر. صحيح أن حزب الله زعيم محور المقاومة في المنطقة، يواجه أوضاعا صعبة ويمر بمنعطف خطير لكنه يبقى رمزا للمقاومة ضد النفوذ الإسرائيلي. فعلى الرغم من الضربات المتتابعة الموجعة التي تلقاها الحزب وخسارته لعدد كبير من القادة والزعماء على رأسهم شيخ المقاومة حسن نصر الله، إلا أنه لا يمكن لإسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية مهما كان رئيسها أن تقضي عليه فهو يمتلك عددا كبيرا من العناصر المدربة والعتاد المتطور والدعم الكبير من قوى دولية مثل إيران وروسيا ولا يمكن تصور دخول إدارة ترامب، ذات الميل الانعزالي، في صدام مع روسيا أو حتى حرب مع إيران لإجبارهما على وقف دعمهما للحزب ومنع الإمدادات عنه، وسيظل الحزب موجودا وما يقوم به من عمليات نوعية حساسة تستهدف الداخل الإسرائيلي تؤكد ذلك. وهي لم تكن أول أزمة تواجه الحزب فقد تعرض لضربة قوية من قبل عام 1992 باغتيال أمينه العام الأول عباس الموسوي وتحولت الأمور بعدها بظهور نصر الله كقائد جديد وقوي للحزب صار بعدها تنظيما أشد قوة ورمزا كبيرا لمحور المقاومة.
وبالنسبة لمحاور المقاومة الأخرى في المنطقة فهي تستمر ولكن ربما بقوة أقل خاصة لو اضطرت إيران لتقليص دعمها لها إذا ما تعرضت لعقوبات دولية مشددة من قبل إدارة ترامب الجديدة ولكن لا يتوقع أن تقوم بعمل عسكري مباشر ضد إيران لميلها إلى عدم الدخول في حروب خارجية وتقديرها لحجم الكوارث التي يمكن أن تحدث لو وقع أي تحرك عسكري ضد إيران.
كما أن الإدارة الأمريكية تظل دائما بحاجة إلى الوجود الإيراني بالمنطقة لاستخدامه كفزاعة لمنطقة الخليج بشكل يمكن ترامب ذا العقلية التجارية في استغلال الأمر لصالح حصوله على مزيد من الأموال الخليجية تحت مظلة حمايتهم.
إيران والعرب!
في ولايته الأولى كان ترامب شديد التحيز لإسرائيل باتخاذه قرارات صادمة بحق الفلسطينيين، فهل يستمر على هذا النهج؟
من المعروف أن هذه الولاية هي آخر ولاية لترامب ما يمنحه مزيدا من التحرر من قيود الطمع السابق في ولاية جديدة تستلزم استرضاء اللوبي الصهيوني، وهو ما قد يجعله أكثر توازنا هذه المرة بعد أن قدم لإسرائيل كل شئ في الولاية السابقة. وهذا التوازن لا يأتي بدافع من ضمير إنساني استيقظ بعد سبات عميق، إنما يأتي تلبية لرغبته في تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة مع الجانب العربي خاصة الخليجي إلى جانب تحقيق مخططه لاستكمال اتفاقيات السلام الابراهيمي التي بدأها عام 2020 بدفع عدد من الدول العربية لركوب قطار التطبيع مع إسرائيل واستكمال مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إليه كل من أمريكا وإسرائيل. ولذلك يسعى ترامب لإيقاف الحرب في المنطقة لوقف نزيف الخسائر الاقتصادية التي تهمه بالأساس وقد تستعين إدارته في هذا الخصوص بالإمارات العربية والمملكة العربية السعودية كشركاء إقليميين ومقربين إليه منذ ولايته الأولى لبذل دوريهما لاستقرار الأوضاع في الأراضي العربية.
ولكن على الجانب الآخر فإن الفترة الماضية شهدت تغيرا مهما في أوضاع دول الخليج بمحاولتهم كسر القيود الأمريكية والتحول شرقا بتوسيع علاقتهم مع الصين والهند وروسيا ودخولهم في مجموعة البريكس مما جعل الوضع مختلفا عما كان في ولاية ترامب الأولى، مما يعطي حرية أكبر للمفاوض العربي في مسألة حل الدولتين. كما شهدت الفترة الماضية أيضا تحسنا في العلاقات الخليجية الإيرانية بعد المصالحة التي تمت في مارس 2023 برعاية صينية.
وفي ظل هذه المصالحة، بالتزامن مع تحول دول الخليج شرقا، ومع إمكانية استمرار الدور الإيراني في دعم محور المقاومة وتقوية آثاره في المفاوضات في مواجهة الصلف الصهيوني تكون هناك فرصة كبيرة لوجود أوراق تفاوضية جيدة يجب على الأطراف العربية استغلالها حتى يكون لهم صوت أعلى وأكثر فاعلية وإلا سيكون البديل هو بقاء قضية فلسطين الأرض والشعب في دائرة مغلقة تزداد ضيقا يوما بعد يوم، في ظل تعمد نتنياهو التصعيد لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وتجنيب نفسه المساءلة القانونية والمحاكمات التي تلاحقه على خلفية قضايا فساد.
وعليه هل من الممكن أن يتعاون العرب وإيران للضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة؟!