روائيون عرب: الجوائز الأدبية تقتحم الساحة الثقافية

برغم تراجع سوق الكتب في عالم الإنترنت إلا إن الجوائز الأدبية كثرت الآن في عالمنا .  تأتي الجائزة  باعتبارها فعل اعتراف بإبداع الكاتب  كنوع من التحفيز على استمرار الإبداع؛ فتؤثر بالإيجاب على الكتّاب. فمنهم من يشارك للمردود المادي والبعض الآخر لتحقيق الشهرة.

جلال برجس

مع العلم بإن الجوائز ليست معيارًا كافيًا لجودة هذا العمل أو ذاك؛ لأنها نتاج لجنة تحكمها ذائقة محددة، لربما تقيدها شروط بعينها.

 وتجدر الإشارة إلى أن الجوائز الأدبية ليست مستحدثة عند العرب.  فمعظم الكتاب والشعراء منذ الجاهلية كانوا يتلقون جوائز. وفي العالم اليوم تمنح الجوائز بشكل مكثف. فضلًا عن ذلك فإنها  تساعد على انتشار صاحبها،  وتجعله منتصرًا على غيره،  وهذا الأمر لا يحدث دائمًا؛ لأن كثيرًا من الأدباء والروائيين والشعراء فازوا وأخذوا الشهرة وتم الاحتفاء  بهم وماتت أعمالهم بعد فترة من الزمن.

 ففي الآونة الأخيرة أصبح الأقبال على هذه الجوائز بشكل مبالغ فيه أشبه ما يكون بحرب، وأدى ذلك إلى أن الذين لا يمتلكون الموهبة يتصارعون على الكتابة؛ فكثرت الأعمال الفاقدة للأهلية الأمر الذي أصبح فيه القارئ هو الضحية لهذا الصخب الكتابي.

فقد أجريتُ استطلاعًا خاصًا لمجلة الحصاد مع نخبة من كبار الروائيين العرب عن جدوى الجوائز الأدبية، وعمّا يمكن للجائزة أن تضيف للكاتب؟

فضاءات جديدة

 يقول الروائي والكاتب الأردني جلال برجس الحاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية ( البوكر )لعام 2021، والمرشح لنيل جائزة الشيخ زايد للكتاب، والذي نال جائزة كتارا للرواية العربية، ووصل للقائمة الطويلة لجائزة بانيبال العالمية   :” إن الجوائز ليست مجرد حالة احتفائية، أو تقديرية، للكتّاب والكاتب، إنما تتجاوزها إلى ما هو أبعد من ذلك نحو الذهاب بالإبداع والمبدع العربيين نحو فضاءات جديدة، تخرج من النمطية إلى مستويات جديدة، أهمها ترسيخ فكرة القراءة، والذهاب بالكاتب إلى مكانته التي يستحق.

و في ذات السياق استكمل الحديث قائلًا : ” الكاتب العربي قد تجاوز تلك الحالة التي تصفه بأنه كائن عصابي، فائض عن الحاجة، نحو ما يمكن أن

زياد خداج

يسمى بنجومية الأدب، التي طالما حلم بها الكاتب العربي على غرار الكاتب الغربي.  وإن هذه المرحلة التي يشهدها الأدب العربي بخاصة جنس الرواية تسير إلى مستويات جديدة، برغم رؤية البعض لعدم جدوى الجوائز، وظهور أسماء جديدة في الكتابة.

ويرى برجس أن هذه النظرة السوداوية رغم طبيعة وجودها إلا إنها نظرة قاصرة،فيقول:” لا تستطيع أن ترى ولادة جيل أدبي جديد صاغته طبيعة المرحلة؛ فمن الأفضل استيعابه، ودراسة منجزه، لا خلق حالة عدائية معه، لأنه ابن مرحلة منفتحة بكل وسائلها، ورؤاها، وبالتالي يصنع الآن مكانته التي لا بد بأن تؤتي ثمارها الصحية”.

كتّاب يكتبون على مقاس الجوائز

 كما يرى القاص والروائي الفلسطيني زياد خداش قائلًا: “أصبحت المسابقات والجوائز مبعث على الريبة والتشكيك والحذر. أعرف كتّابًا وفنانين يكتبون على مقاس الجوائز المعلنة وينفذون شروطها و يخططون حين يكتبون أو حتى قبل الكتابة فيخططون للمشاركة لهذه الجوائز.

 وأكد خداش على إن العمل الذي يكتب حتى يقدم لجائزة هو عمل فاشل ؛ لأنه لا يعبر عن الشخص وفي حالة الاستعجال في كتابته للالتحاق بموعد الجائزة يعتبر ابتذالاً.

  فكان رأيه بشكل واضح بعدم رفض الجوائز ولكنه يرفض طريقة العمل معها . فيسترسل شارحا:” ولا أرفض الجوائز على الإطلاق، ولكن طريقة التعامل الكتاب والفنانين مع هذه الجوائز والمسابقات هي طريقة ابتذالية وانتهازية وعملية ربحية. الكاتب المحترم يكتب روايته بعيدًا عن هذه الشروط وهذه الأجواء ويحق له أن يقدمها لاحقًا إلى الجائزة بعيدًا عن التفكير في تطابق ذلك الرواية مع شروط الجائزة.”.

منح جائزة شرفية

أما الروائية هالة البدوي من مصر تنظر إلى الجوائز باعتبارها تخضع إلى سياسات معينة قائلًة: ” نحن جميعًا نعرف أن السياسة تلعب دورًا أساسيًا في اختيارات الجوائز الأدبية في العالم العربي بمعنى أنه لو تفاوتت الآراء حول عمل  محدد  على أن يكون ذلك العمل  لصالح بلد معينة، وأن هذه البلد لم تفز بجائزة من قبل فستمنح الجائزة لهذه البلد بالتحديد. علاوة على ذلك تدخل عوامل كثيرة في الجوائز الأدبية مثل النفي أو أن يكون كاتب

هالة البدوي

مضطهد في بلده سياسيًا فتقوم اللجنة باختيار عمله للفوز بالجائزة كمساعدة  ماديًا له لكي تساعده للعيش.”  مضيفًا أن:” من أهم أسباب اختيار الجوائز أشياء تأخذ في الاعتبار مثل بلد فيها احتلال أو معرضة للغزو فتعطى الجائزة لها ” وبهذا المستوى تنظر الروائية هالة البدوي إلى أنه:” يجب على لجنة التحكيم أن تمنح جائزة شرفية بعنوان” المنحة” وتكون هذه الجائزة بجانب الجوائز الفنية والأدبية ولا تظلم الكاتب الذي كتب عمل أفضل فنيًا.

وترى البدوي:” عندما تذهب الجائزة إلى عمل لكاتب ليس الأفضل، ولكن بسبب أن بلاده في محنة نحن هنا نظلم الكاتب ونقهره وهذا ليس تحكيم نزيه هذا تحكيم عاطفي وقومي.” من هنا فإن الروائية هالة البدوي تطالب بأن تكون للجوائز معايير صارمة ثابتة ولا تدخل ضمنها اسم الكاتب أو بلده ولا بوضعه الاجتماعي أو السياسي ومن هذا المنطلق نستطيع أن نبرز الأعمال الحقيقية التي تستحق.

 أعمال تخترق الثوابت

في حين ذهبت الدكتورة انتصار عبد المنعم روائية وقاصة وكاتبة أدب أطفال من مصر قائلة:” مما لا شك فيه أن أي جائزة في الأساس بمثابة تكريم لعمل فيه من المميزات ما ليس في غيره، وهنا تكون الجائزة مكافأة يستحقها الكاتب صاحب العمل.”  وتستكمل د. إنتصار :” مع تكرار الأصوات المعترضة على جائزة ما، يعرف الكاتب خبايا أو كواليس الجائزة، ومن يجيد حياكة عمل بمقاسات معينة فيستغل معرفته تلك في كتابة عمل يتواءم مع متطلبات الجائزة .” وتؤكد الدكتورة انتصار أن:” لا يعني هذا أن العمل ضعيف بالضرورة. هناك جوائز تركز على فوز أعمال تخترق الثوابت المتعارف عليها.

وترى الدكتورة إنتصار إن الأمر لم يصل إلى حد التقاتل بين الروائيين، قد تعلو الأصوات المعترضة على لجنة التحكيم في جائزة ما، لكنها ليست الأساس وتعتقد أنها حالات محدودة.

  وتضيف :”وفي النهاية، القارئ يستطيع فرز العمل الأجدر بالجائزة، والفوز بقارئ أثمن من كل جائزة مالية”..

الصناعة الأدبية

كما يرى الروائي والعالم المصري الدكتور محمد لبيب سالم  تهافت الكتاب على الجوائز الأدبية موضحًا:” أصبح الكتاب يكتبون أعمال سريعة وغير متقَنة، والصنعة الأدبية فيها تقل   علاوة على أن الفكر الأدبية نفسها ركيكة والهدف الأساسي هو الجائزة وليس العمل نفسه.  عمالقة الأدب كانوا يكتبون و ليست الهدف الرئيسي لديهم الجائزة لكن الهدف الرئيسي هو العمل نفسه. الكتاب الكبار لم يحصلوا على جوائز وكانوا يستحقون الجوائز على مستوى العقاد، طه حسين وعبد الرحمن الشرقاوي. يوجد كتّاب كُثُر  كانوا بمثابة إضافة للحالة الثقافية والأدبية والفكرية والمعرفية بإنتاجاتهم  وماكانوا ينتظرون جوائز.”

الجوائز في وطننا العربي زائلة

وعلى أساس ذلك يعتبر الروائي مولود بن زادي الجزائري البريطاني : ” إن الجوائز الأدبية ليست مفتاحًا للعالمية ولا بابًا للخلود والتاريخ.   فيقول:” لا أحد ينكر فوائد الجوائز ومنها تحقيق الشهرة وتعزيزها، وزيادة الاهتمام بالأعمال الأدبية، وكسب ثقة دور النشر. فقد فاز بنوبل في وطننا العربي نجيب محفوظ وهو اليوم مجهول ولا يقرأ في البلاد الغربية. ومن منا اليوم يذكر من فاز بنوبل في العقود الماضية؟! ما بالك بجوائز إقليمية

إنتصار عبد المنعم

أو محلية؟ الجوائز الأدبية التي يتهافت عليها الكتاب في وطننا العربي زائلة لنسبية أحكامها. فلو عرضنا الروايات المشاركة في جائزة عربية ما على لجان تحكيم مختلفة في وقت واحد لاختلفت النتائج واختلفت أسماء الفائزين بها. وفي ظل غياب روايات كثيرة عن المسابقات لأسباب متعددة.” ويتسأل قائلًا:”كيف يمكن لحكام أن يحددوا أفضل رواية في السنة وهم لم يقرأوا كل الروايات الصادرة في تلك السنة؟! هذا ما يجعلني أتوقع موت الجائزة الأدبية في الأجيال القادمة. لقد كنت أول كاتب يصف الأدب العربي بأدب الجوائز الأدبية. ويشير إلى عصرنا باسم “عصر الجوائز الأدبية” قائلاً: “وقد ذهبت إلى حد تحديد الإطار الزمني لهذه الحقبة. يبدأ عصر الجوائز في عام 1988 الذي شهد وفاة ميخائيل نعيمة وفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل وينتهي في زمن ما في المستقبل ينصرف فيه اهتمام الكاتب العربي عن الجائزة. لقد اختار الكاتب العربي الكتابة لأجل الجائزة بدلاً من الإنسانية، واختار إرضاء حكام بدلاً من الجماهير الواسعة في عالمنا الشاسع.  وكانت النتيجة؟ فاز بالجائزة ونال رضا لجان التحكيم، لكنه فقد الجماهير وعجز عن تحقيق العالمية.”

الأدب المتمايز

وتؤكد الباحثة والناقدة والأكاديمية الدكتورة منى رسلان من لبنان بأن:  عناية الكاتب بنصّه صُنعة أدبية ، وحِرفة تصويرية، بجمالية تعبيرية. فالنص الأدبي الجيد يقف وراءه أديب مُتمرّس باللغة وعلم النحو والصرف، بالمفردات وعلم البديع والبيان، وبالعلوم المعرفية الأخرى من فلسفة وفن وموسيقى ونقد  أدبي ، وعلم سيمياء وعلوم طبيعية، وسواها الكثير من العلوم والمعارف الأخرى. من هنا يكون الأدب مفتاحاً لأسر  المتلقين، ولفت وشدّ انتباههم. الأدب الجيد إنما يكون أدباً هادفاً لرِفعة الإنسان ولرفاهيته؛ والأدب المتمايز يكون مُحفّزاً .ومن المعروف أنّ العالم يتّجه سنوياً لتقديم جوائز أدبية أو شهادة تقدير، لنتاج معرفي وأدبي ومسرحي وسواها الكثير، ومنها تقديم جوائز للروائيين.

ومن هذه الجوائز  الجيد، ومنها التجاري، ومنها من يفتح الطريق أمام المُتكسبين لنيل جائزة.

بينما يفترض أن تكون الجوائز للروائيين الذين يولون عناية قصوى  بالنص الروائي وبالحكايا والحوار والزمان والمكان وبالعقدة والحل والعِبر.

الجودة الفنية

أما الروائي الفلسطيني محمود شقير يتحدث حول الجوائز قائلًا :” أعتقد أن وجود جوائز للرواية كفيل بأن يحفّز على مزيد من الإبداع، وعلى خلق حالة من التنافس قد يكون شريفًا في حالة وغير شريف في حالة أخرى. ولست أعرف حالة عن تنافس غير شريف، لكنني لا أستبعد أن هناك كتابًا يضعون الجوائز في اعتبارهم وهم يؤلفون رواياتهم، ولا يشكل هذا الأمر مقياسًا للحكم على مدى الجودة الفنية في تلك الروايات. قد تكون إحدى هذه الروايات مقنعة للقراء وللنقاد، وقد تكون رواية أخرى غير مقنعة.”

مضيفًا :”أعتقد كذلك أن النقد الذي يشتدّ مع كلّ إعلان عن جائزة ما، هو نقد متوقّع ومشروع، لأنّه من المستحيل إرضاء كل الأذواق وكل القناعات الفكرية والفنية مرّة واحدة، ومن حقّ كل ناقد أو قارئ أو متابع أن يبدي رأيه في نتائج أيّة جائزة، وكذلك من حقّ كل روائي عربي أن يتقدّم لأي جائزة، ما دامت لا تنطوي على مخالفة للمنطق السويّ، ولما نتمنّاه للثقافة العربية من رفعة وازدهار.”

وأضاف : “لست أستبعد نزعة التسيس التي تظهر هنا وهناك في بعض الأحيان؛ وحين تكون هذه النزعة على حساب الإبداع فتلك مشكلة.”

الكتابة عمل فردي

وفي هذا السياق يؤكد الباحث والناقد الإعلامي الفلسطيني الدكتور محمد البوجي  مؤكدًا إن من حق الكاتب استلام جائزة محققا حسن الأداء الأدبي . الاهتمام بالصنعة الأدبيّة هو الاساس،  ليس هناك كاتب ًيكتب ويضع بين عينيه أية جائزة، الجوائز تأتي بعد الانتهاء من صناعة العمل الأدبي، ولم

محمد لبيب

أعرف كاتبا يكتب أدبًا من أجل جائزة؛ لأن الكتابة عمل فردي ذاتي للتفريغ عن نفسيات كامنة في دواخل الكاتب الذي يحاول التفريغ للشوائب النفسية عن طريق الكتابة ليريح النفس من عبء هذه الشوائب. وإذا تأخر الكاتب عن تفريغ  ما يعكر نفسيته قد يصاب بالجنون أو العقد النفسية والكبت النفسي .  ويرى عن الجوائز الأدبية ًأن:”من حق الأديب أن يرى نتاج قلمه وفكره ويستلم جائزة. ومن حقه أن يفرح ويسعد مؤكدًا حسن أدائه الأدبي وقدراته العالية. لأن القائمين على الجوائز هم أدباء أو نقاد أو عاملين بالمجال..أنا شخصيًا كنت عضوًا في كثير من لجان الجوائز.   كنا نعمل بأمانة وشرف ونختلف حول أيهما أفضل وأحق بالجائزة؛ لأنها ليست لجنة جوائز فقط.. إنها لجنة قرار يؤتمن عليه ويتحمل مسؤوليته أمام الله ونفسه.”

  حالة الاستسهال والجراءة

ويذهب الروائي الفلسطيني جمعة شنب قائلاً:كانت الجوائز الأدبيّة أكثر رصانة ودسمًا وموضوعيّة في الماضي، قبل هذا الخراب الذي راح يطمّ كلّ نواحي حياتنا، والكتّاب؛ لا سيّما كتّاب الرواية، كانوا أكثر اتّزانًا وصبرًا على منتجهم، وهم اليوم في صنفين: صنف يكتب غير آبه بجائزة، لكن عينه مسلّطة على الإبداع وجودة المنتج، وآخر يكتب وعينه على الجائزة، يلتزم بما يعتقد أنه يرضي مانحها، وقد لا يكون هذا مطلوبًا من حيث المبدأ، لكنّه تاجر يكتب بما يرضي المشتري، وربّما يبالغ في الانصياع ويقّدم أكثر من المطلوب، وبين هذين الصنفين، يقع صنف ثالث يكتب ويهتمّ بمنجزه ولا يمانع التقدّم لجائزة ما، يومًا ما.الكارثة الماحقة هو هذا الكمّ الهائل من الروايات التي تتقدم للجوائز كلّ سنة،ما يعطي انطباعًا لدى المراقب، بحالة الاستسهال والجرأة التي تصل حدّ الوقاحة على الرواية والأدب بشكل عام، وهي من مؤشّرات حالة الخراب التي تعمّ كافة جوانب حياتنا كما أسلفت سابقًا.