الممثل والمخرج اللبناني رودني الحداد لـ”الحصاد”: لبنان أولاً عنوان هذه المرحلة وعلينا التكاتف لمصلحته وحمايته والحفاظ عليه
يتخطّى الممثل والمخرج اللبنانيّ رودني الحداد دوره كممثل على الشاشة فقط ويتّخذ من صفحاته وسائل لنشر مواقفه ورسائله في دعم اللبنانيين في الحرب الأخيرة، فهو فضّل أن يكون مشاركاً بالموقف الصارم تجاه الاعتداء والتعدّي
والعدوان على لبنان، لم يقف متفرّجاً، بل وجّه ودعم اللبنانيين برسائل عديدة، وصدح صوته دفاعاً عن لبنان وأرضه.
هذا الواجب، باعتبار رودني تجاه لبنان وشعبه يفوق ذلك، وعليه، ردّد على الدوام في الفترة الأخيرة، أهمية تكاتف اللبنانيين يداً بيد لمواجهة العدو الإسرائيلي.
أدواره الناجحة حفرت خصال موهبته في ذاكرتنا، من مسلسل السجينة، إلى البوسطة، سكر بنات إلى هلأ لوين وصولاً إلى أولاد آدم وعهد الدم، جسّد في كلّ منها حالة وشخصيّة مختلفة تكشّفت خلالها تقنياته في الأداء، ومعرفته العميقة في تكوين علاقة مع الدور، إذ يُعتبر أن اللغة بين الممثل والمخرج تظهر بقوة من خلال التوازن في التقديم والانسجام والتجانس خلال التصوير.
في لقاء خاص له مع “الحصاد” حدّثنا عن ماهيّة رسالة التمثيل في ظلّ الظروف الصعبة وأرشدنا على إمكانيّات عيش الفيلم بذاكرة الجمهور، خصيصاً تلك التي تنبثق من واقعٍ أليم ومرير، وكان لنا مرور على نمط كتابة السيناريو لديه والدور الذي يقع على الممثل خلال الفترات الصعبة كالحروب والأزمات. المقابلة كاملة يمكن الاطلاع عليها في ما يلي.
- “الحصاد”: أدوارك حُفرت في أذهان المشاهدين، من “السجينة” إلى “آخر نفس” و”البوسطة” و”بيروت أوتيل”. ما هي أعمالك التمثيلية الجديدة؟
- عندما تحظى الأدوار بمحبة الجمهور فإنها فعلياً تزيد من العلاقة القوية بين الجمهور والممثل، لذلك أحرص على
انتقاء الأدوار التي تقنعني أولاً وتزيد الجمهور تعلّقاً بأعمالي ثانياً.
الحرب أثرت على الإنتاجات الفنية التمثيلية لكن الحمدالله أننا شعب قوي الإرادة ونحب الحياة، لذلك أعمل على مسلسلين جديدين، الأول سيعرض مع بداية عام 2025 بعنوان “المحطّة” على منصة الجزيرة 360، ومسلسل آخر بعنوان حنين جرّاح سيعرض قريباً.
- “الحصاد”: هل ثمّة دور تنتظره، وما هو؟
- لكلّ ممثل دور يحلم به أو يسعى لتأديته، خصيصاً حين تتلاقى روح الشخصية مع رسالتها وتقنيات الممثل في الأداء، لكن الدور الذي أحبّ أن أؤديه هو دور سيرانو دي برجراك للشاعر الفرنسي الشهير إدموند روستان. هذه الشخصية رائعة، تعيش تناقضات بين الواقع والحب والمبارزة والصراع. هذه المسرحيّة رائعة.
عندما أقوم بالإخراج لا أحبذ بالمشاركة في التمثيل، فهما أمران مختلفان ولا أدمجهما.
- “الحصاد”: شخصيتك الجديّة برزت حيناً والمرحة أحياناً. أين تجد نفسك أكثر في الأدوار الكوميدية أم الجادة؟
- من خصال الممثل أن يتقنّ أنواع الأدوار أو على الأقل أن يكون ملمّاً بها، لا أن يحصر نفسه في قوقعة واحدة قد يكون الخروج منها صعباً، ما بين الدراما، الكوميديا والكوميديا الهزلية، الأكشن والجريمة. ولا يعرف الممثل إمكانياته قبل أن يجرّب أدواراً عديدة مختلفة.
قد تكون الكوميديا السوداء، هي المفضلة لديّ والتي أستخدمها في كتابة السيناريو. هذا النوع من الكوميديا يحمل
رسائل مبطنة حول مواضيع مختلفة من الواقع، يتم تقديمها بطريقة ساخرة، ما بين الواقع المضحك المبكي، وهي من أنجح طرق التمثيل لإيصال الأفكار نحو قضايا معينة كالانتحار، الحرب، المخدرات والجريمة.
مسلسل المحطة الذي سيُعرض قريباً هو عمل من نوع الكوميديا السوداء، بانتظار حكم الجمهور، وأتوقّع أن يحظى بإعجابه.
- “الحصاد”: يعمّ الساحة الفنيّة هدوءاً، لا إنتاجات جديدة لا أعمال. برأيك هل سنشهد طفرة مع اقتراب شهر رمضان؟ وما رأيك بالإنتاجات الأخيرة؟
- انتهاء الحرب على لبنان سيمكّن العاملين في قطاع التمثيل من تصوير مسلسلاتهم لشهر رمضان، فما زال هناك بعض الوقت، لذلك أتوقّع أن تكون هناك أعمال جديدة وكثيرة.
أما بالنسبة للإنتاجات الأخيرة ففيها من كلّ شيء، فيها الجيد والأفضل والسيئ، وهذا يُعدّ واقعاً طبيعياً، لا يمكن الحديث بشموليّة أو تحديد عناصر نجاح الأعمال بالتوازي على جميع المسلسلات، لأن العوامل المحيطة بالعمل تؤثر، مشاركة الأسماء بالعمل تلعب دوراً أساسياً، بهاء المخرج وقربه من الممثلين ينتج لغة تواصل قوية تؤثر على الأداء، الحضور والتقنية. لذلك، هذه العوامل ليست مشتركة بين جميع الأعمال المقدّمة، وعلى أن تكون جيدة ومتميّزة هذا العام.
- “الحصاد”: كيف ترى المسلسلات المختلطة؟
- أي مسلسل مختلط لا مشكلة فيه على أن يكون الاختلاط مبرّراً ليس فقط لدواعٍ إنتاجية تسويقية، أو لطلب من المنتج.
عندما يكون العمل يتضمّن ممثلين من جنسيات مختلفة إما أن يقدّموا أدوارهم بلغة موحّدة أو عدة لغات مع التبرير للمشاهد سبب وجود الشخصيّات.
- “الحصاد”: تقول في إحدى مقابلاتك إن الفيلم يعيش ويستمر. كيف يتحقّق ذلك برأيك؟
- صحيح، الفيلم يعيش أكثر من أصحابه وأثره يبقى عبر الزمن، لذلك يندرج ضمن صناعة الذاكرة الجماعيّة لأن الفيلم يبقى كفنّ العمارة. فالبناء يبقى ما لم يتم تدميره. لذلك، يجب على الفنان الحقيقي أن يعي ذلك، أن كلّ ثانية أمام الكاميرا ستعيش من بعده، وإن كان واعياً لذلك فإن دوره سيكون متقناً، على مستوى أعلى فنياً.
هذه المسؤولية تجعل الفنان، في أي مجال كان لا التمثيل فقط، أن يقارب ما بين احترامه لذاته واحترام الجمهور، وهذه هي أهميّة بقاء الفنون في الذاكرة الجماعيّة، التي تشارك في صناعة مستقبل الأجيال والبلدان. فمن ليس له ذاكرة ثقافيّة ليس له تاريخ أو حضارة ولا مستقبل.
- “الحصاد”: في كتابة السيناريو لك تجارب رائعة، مثل صار لازم نحكي، وفيلم “Rio I love you” وكراميل وسكر بنات. إن طلبت منك كتابة سيناريو جديد عما يكون؟
- ثمة الكثير من الأفكار، فقد كنتُ بمرحلة الاختزان خصوصاً فترة الحرب لكنني أفضل أن أصرّح عنها في الوقت المناسب.
- “الحصاد”: في الأحداث الأخيرة على لبنان، برأيك هل أدّى الفنانون والممثلون دورهم كمشاهير؟
- عادة لا أحكم على الفنانين والمشاهير ففعلياً خلال الحرب ثمّة أشخاص لم ينشروا مواقف، بل كانوا موجودين على الأرض لمساعدة الناس، فليس الموقف هو المهم فقط، الأهم من ذلك المسؤولية التي تقع على عاتق الفنان الذي يلتزم بموقف مع وإلى جانب بلاده ومجتمعه وناسه لا عكسه، لكن المشكلة بمن اتخذ موقفاً مذلاً وفيه القليل من الخنوع نأسف من ذلك، لن أقول أكثر ولن أسميهم لكن الناس تعرفهم.
- “الحصاد”: بعد الحرب، ما الرسالة التي توجّهها للبنان واللبنانيين؟
- للبنانيين أقول، أهل الكرامة وشعب لبنان العظيم، الذي مرّ عليه الكثير والكثير. الشعب الذي يتعلّم مع كلّ محنة،
أناسي الذين مع كلّ محنة ينهضون أقوى. لا بدّ أن نركّز الآن على ما تعلّمناه من الحرب الأخيرة وإلى ما نصبو في لبنان.
لا بد أن نكون مجتمعاً واحداً بهوية واحدة، هويّة لبنان واحدة، لا للامتدادات الخارجيّة، علينا أن نعمل لهذه الهوية اللبنانية ثقافياً وتاريخياً واجتماعياً لبناء مستقبل وحماية لبنان وحماية مصالحه لبناء الدولة. كما علينا أن ننتبه للفتن المقبلة في المنطقة ونتكاتف منعاً لوصولها إلى مجتمعنا اللبناني.
- “الحصاد”: الغموض يلفّ مستقبل اللبنانيين، ما هو تصوّرك للغد مع دخولنا العام الجديد؟
- أتصوّر أن مستقبل لبنان يقع على عاتقنا كلبنانيين، لإرادتنا في ازدهار مستقبل لبنان وأعني بذلك ما سنفعله اليوم سنقبض ثمنه لاحقاً، من خلال حماية لبنان والحفاظ على مصادر قوته، ومصادره الغنية من الطاقة والمياه والثقافة، فما تتطلّبه هذه المرحلة هو الوعي لبعضنا البعض وقدرتنا على التقدّم، وأظن أننا إذا حققنا ذلك فمستقبل لبنان سيكون زاهراً.
وسأقولها بالفم الملآن من سيستمر في عمالته للخارج فإن لبنان سيقع في دائرة الخطر، لذا يجب تدارك ذلك، وإلا الثمن سيكون باهظاً جداً.