سألقي قصيدة العودة حين نسترجع أرضنا

الشاعرة الفلسطينية نهى عودة ل “الحصاد”: سألقي قصيدة العودة حين نسترجع أرضنا

ما أمتع الحديث عن فلسطين، عن زهرها وبحرها، وجبلها ونباتها، وترابها وأرضها، وما أجمل أن يحكي فيها أهلها وناسها، الذين هم أدرى بشعابها وبريقها، يعرفون دهاليزها لو كانت تفصل ما بينهم المسافات، ويبعدهم عنها الشتات، إلا أنّهم يحملون تاريخها وموروثها في قلوبهم عن أجدادهم وآبائهم. ولهذا الحديث كان لنا لقاء مع الشاعرة والكاتبة الفلسطينية، ابنة قرية شعب قضاء عكا، نهى عودة، التي قاست ظلم الحرب والتهجير واللجوء، لكنها، وكما تبرز كتاباتها، ظلّت تحمل فلسطين في قلبها، لكنها لم تقفل عليها راضخة للواقع، بل استغلت كلّ فرصة للحديث عن جمالها، معاناتها ومآسي

لم تفصل يوماً عاطفتها الفلسطينية عن واقعها وذكرياتها وقلمها

العدوان عليها.

نهى، اكتسبت موهبة الشعر، كتابة وإلقاءً، فهي تعتبر أن الشعر يلد بالموهبة ويتغذّى بالمثابرة والتلقين، لا تبتعد عن واقعها بل تنثره في كتاباتها، فلديها القدرة على دغدغة أحاسيسك عند إلقائها الأبيات، في حديثها عن ألم الأم، ومآسي التهجير وقسوة القدر وصعوبة النجاة في زمن الحرب.

صدَرَت لها مجموعةُ أعمالٍ شعريَّةٍ: نثرات روح، ولقلبي رأي آخر وأنامل صوفية وغيرها من الدواوين ورواية.

من أبياتها التي علقت في ذهني تلك التي تقول فيها:

“للفلسطينية صلة معتّقة بالوجع

تزف ابنها على وقعِ زغاريد جيرانها

وتلدُ الطفل الآخر شهيداً

لا أعمار يُراهن عليها في وطني

ولا فرحة بحفيد يطول أمدها

للفلسطينية صلة مع الفقد

ومع الاضطراب

والهلع حين سماع أصوات عند آخر الشارع”.

  • “الحصاد”: تقولين في إحدى مقابلاتك، “لا أحد يختار أن يكون شاعراً، بل الشعر موهبة”. كيف اكتشفت موهبتك؟ أخبرينا عن البدايات.
  • البدايات تعود إلى سنين طويلة تحديداً في المرحلة الثانوية، حيث كنت أكتب بعض الخواطر عن الوطن واللهفة للقائه.

تجدين أن كل شيء في بداياتي ينبض بفلسطين، في أزقة المخيم الذي ترعرعت فيه تستفزك الأزقة ويخاطبك الأطفال ويوجعك الحنين، وتبكيك الشوارع والحارات التي لا تكاد أن تلتقط أنفاسك بها لشدّة ضيقها وكأن السماء تطبق عليك، فكنت أشعر بضرورة تفريغ هذا الكمّ من المشاعر الداخليّة فأنصفني الحرف وما زال ينصفني ورفيقي الذي لا يتبدل.

  • “الحصاد”: ما الذي يحرّك ساكنك لكتابة الشعر، أم أنها ومضة تلقائية وعفوية؟
  • الشعر موهبة لطالما عبّرت عن ذلك واقتنعت به، أضيف إلى ذلك بأننا كفلسطينيين عشنا ظروفاً قاسية ولجوءاً مراً أطبق الحياة أكثر وأكثر على صدورنا.. وعلى مر العصور اقترن الشعر بالألم والصراعات والحنين والخوف
    ديوان أنامل صوفية

    والأمان والأمل، فكنّا على ما نحن عليه اليوم وكان الحرف الوسيلة الأقرب إلى القلب لإيصال جميع رسائلنا الإنسانية.

  • “الحصاد”: للشاعر الفلسطيني، على مرّ السنين، حضور مميّز في المحافل الشعرية والأدبية. برأيك إلى ماذا يعود ذلك؟
  • قضية فلسطين هي قضية إنسانية عربية وعالمية. أوجعت جميع الشعوب العربية وشغلت عقولهم وبالهم وناضل الكثيرون منهم كما ناضلنا، إن بأموالهم وحروفهم وحضورهم ودعمهم، فلم تغب القضية يوماً عن الشارع العربي وتحديداً منذ نكبة عام 1948 وطالما الشتات والأرض المغتصبة على حالهما أنا على ثقة بأن الشعوب العربية ستظل تنبض بهذه القضية. وهذا ما يفسّر حضورها في جميع المحافل.

يتميز الشعر الفلسطيني بارتباط الوجدان الفردي في القصيدة بالوجدان الجماعي وارتباطه بالوجدان الشعبي بهدف تأصيل الوجود الفلسطيني تأصيلاً تاريخياَ، وكذلك بعده الاجتماعي الطبقي والتصاقه بحركة الفعل الكفاحي الفلسطيني، فاتخذ بذلك سمات تبتعد كلّ البعد عن التصورات المتكررة للشعر، فمن قلب النفق المعتم تابع الشعر الفلسطيني في عطائه وإنتاجه بوجه النزف والقهر والدم.

كما نجد لدى الشاعر أو الكاتب الفلسطيني إحساساً مرهفاً في التعبير، لارتباطه المباشر بالألم.

  • “الحصاد”: كشاعرة وكاتبة، لم تنفصل كتاباتك يوماً عن وجدانك الفلسطيني، فقد سارت معك بالتساوي مهما اختلفت هذه الكتابات من ناحية النوع. أليس على الشاعر أن يخرج من الصورة النمطيّة في تقديم أعماله؟
  • لقد كتبت وطني بالطريقة التي أحبّ وأشتاق وآمل، ولربما أخذت القصائد الطابع الوطني الفلسطيني حتى الوجداني منها لم أستطع أن أنحّي الوطن خارج الوجدان. فعندما كتبت الحبيب أيضاً امتزج بالوجع الفلسطيني والحواجز العسكرية.

لديّ أيضاً قصائد كثيرة كانت خارج هذا النمط وأعترف بأنها الأقل، لكن هذا الطبيعيّ نظراً لأنني أحمل هذه القضية في قلبي وواجبي بكل محبة وانتماء تجاه وطني.

  • “الحصاد”: تحدثت سابقاً، عن اللجوء ومعاناة الشعب الفلسطيني في المهجر، ونظمت الشعر بمآسي اللجوء. كيف تعبّرين عن ذلك الآن؟
  • اللجوء أوجعني بطريقته، أن القصائد تختلف عند كل طرح، ففي كل قصيدة عن سابقاتها، نحن لم ننصف ولم
    رواية على قارعة الحنين … سارة

    نرجع إلى ديارنا وديار أجدادنا حتى الآن. فالغد وريث الأمس، لن أرثي هذا الوطن ولو كنت آخر لاجئة على هذه الأرض، سأناجي الله وأرتجيه وسأكتبه حتى يُحدث الله بعد ذلك أمراً.

  • “الحصاد”: هل تتبعين حدسك عند الكتابة؟
  • أتبع شعوري بما يدور حولي، تثير قريحة حرفي الأحداث التي لا تتوقف في بلداننا العربية، الإنسانية التي تجعلنا مقبلين على الحياة تحتّم علينا أن نكتب عن آلامنا ونعبّر عنها بالصفحات ونثر الوجع والحاجة على الورق، كما ننشر الحب فهو الوسيلة الوحيدة لتكملة الحياة بطريقة صحيّة وسليمة، وهي الطريقة الأمثل بالنسبة لأعبّر عن ذاتي.

  • “الحصاد”: لك أيضاً بالكتابة الروائيّة. حدّثينا عن روايتك “على قارعة الحنين – سارة”.
  • “سارة” روايتي اليتيمة حتى الآن، تحدّثت عن اختلاف المذاهب في المجتمع وصعوبة الارتباط والحب الذي لا يشفع للعادات والتقاليد والقيود، فقد كانت تحتوي على عدة محاور ما بين التربية المبنية على الحبّ والثقة والرجل الشرقيّ بصفاته الجيدة والسيئة، التعايش بين المذاهب وطريقة التعاطي مع أحداث ومجريات وتغييرات الحياة الزوجية التي تطرأ على الشاب أو الفتاة.

هذه الرواية مزيج من الواقع، مزيج من العواطف والمشاعر، والتساؤلات.

  • “الحصاد”: أين تجدين ملاذك في الكتابة الشعرية أم النثرية، ولماذا؟
  • في كلتيهما، فلكلّ منهما أسلوبها وعمقها وطريقتها في إيصال ما نريده أن يصل للناس.

  • “الحصاد”: ما الذي تعنيه عكا للشاعرة نهى عودة؟
  • عكا مدينتي التي أحبّ والتي سأعود إليها وتحديداً إلى قريتي شعب. لا يمكن تجزئة فلسطين عندي، فكلّ شبر فيها لي من بحرها حتى نهرها، أنتمي لها بكل فخر واعتزاز بهذه الهوية. وعكا مثل حيفا ويافا والقدس والضفة وغزة.

  • “الحصاد”: كيف تجدين الدور الذي يلعبه الكتّاب والشعراء في الحرب الأخيرة على فلسطين؟ وهل ترين أن الكلمة كافية للوقوف بوجه كلّ هذا الظلم والعدوان؟
  • الكلمة ليست كافية طبعاً، لكن لكل إنسان أو فئة أو مجتمع دوره الذي يقوم به لنصرة فكرة أو قضية أو إيصال
    الشاعرة والكاتبة نهى عودة

    رسائل. فالشعوب تخاطب بالسمع ويستميلها القول فتستطيع الكلمة أن تكون مؤثرة إلى حدّ كبير، إنصاف هذه القضية من قبل الأدباء والشعراء والمفكرين والإعلاميين يتجلّى بدورهم ومكانتهم التي هم فيها. وهذا كافٍ ضمن نطاق عملهم وفكرهم.. فسوف يتولّى غيرهم مهام أخرى!

  • “الحصاد”: إذا انتهت الحرب وعادت الأرض إلى شعبها واتخذ الحق مكانه، ما أول ما تقومين به؟
  • سأكتب قصيدة “العودة”.

  • “الحصاد”: لما تستخدمين اللغة العربية الفصحى في قصائدك؟
  • لأنها لغتنا الجميلة التي تعبّر عن كل شيء بطريقة أنيقة، أحبّ العربية وأسعى دوماً إلى تطوير نفسي.. وإتقان لغتي وفهمها والغوص في بحورها فما أعذبها من لغة تفي بغرض الحب والحزن وما أُهِلّ به لجميع أحداث الحياة.

عدا عن ذلك فإن الإنتاجات الفكرية باللغة العربية تتخذ منحى أكثر خصوصيّة من حثّ المفردات والصياغة والقواعد، حيث  تثبت خطاها بالمعنى ومن الممتع إلقاء الشعر بالفصحى لجمال إيقاع الحركات فيه وتعدّدها.

لها في العودة أمل على حافة الحياة