عفيف صافيه : الشعب هو دائما الرهان الأول في قضايا الحريه والاستقلال

لقـاء الشهـر الملحمه الفلسطينيه على مائدة الحوار

بعدّ كل هذه العقود من المعاناه اّن الأوان لكي يعتذر العالم للشعب الفلسطيني

 كانت هي وحدها الجديرة بأن تكون فاتحة هذا الحوار في هذا اللقاء الشهري الممتد ، وكان هو ايضا الجدير بأن يتصدر قائمة المتحاور معهم في هذه القضيه التي لا تموت مهما أوغل الظلم، أوتعددت العقود .انها قضية فلسطين ملحمة العصر ،وأنشودة نضاله ،وقبلة كل المؤمنين بحق الشعوب في الحياة الحرة الآمنه.وهو عفيف صافيه السفير الفلسطيني الأسبق في المملكة المتحده . كانت مهنته هي الدبلوماسيه بمواقفها الصحيحه التي تستند الى وقائعها الصادقه،وكان سلاحه ثقافته الواسعه واستيعابه لتفاصيل تاريخ قضيته بأبعادها ،وكانت علاقاته العريضه التي تمتد على ارضية رحبه و واسعه مع المسؤولين في الحكم ،ومع رجال السياسة وعالم الدبلوماسية ،وفرسان الأعلام ،وكذلك مع ابناء الجالية العربيه مع تكاثر تشكيلاتها وتنظيماتها، كانت المعالم الشخصية لهذا المواطن الفلسطيني العربي الحالم بعالم تسوده الحرية والديموقراطيه،هي التي شكلت شخصيته ،وأثرت ثقافته.  لقد توفر  لعفيف صافيه  بسخاء هذا القبول الجماهيري الطبيعي،وعماده البساطة الشديدة في اللقاء أو في الحوار دون تكلف أو ادعاء.انه باختصار شخصية تفرض ذاتها على ذاكرتك بارتياح وقناعة وترحيب.

قضية الحوار وفرسانه

ذهب وفد مجلة ( الحصاد) الى لقائه تتقدمهم السيدة ابتسام اّوجي رئيسة التحرير والدكتور مازن الرمضاني والسيده مرام الاقطع والسيد حسين حمود وكاتب هذه السطورحيث استقبلنا في منزله العامر في العاصمة البريطانيه (لندن).وفي جلسه هادئه في حديقة المنزل حيث جمال الطبيعه وسكونها دار هذا الحوار .بدأته السيده ابتسام ،بعملية تعارف بين المجتمعين ،ثم طرحت رؤيتها للواقع المعاصر.

ابتسام اّوجي

 لقد مرت المنطقة بظروف صعبه للغاية ،اضيرت منها الكثير من الشعوب ،وكان الشعب الفلسطيني عبر عقود طويله في طليعة من قاسوا وتألموا وتجرعوا الكثير من المرارات،ولكنه بالطبع كان نموذجا حيا لمعنى الصمود في مواجهة العديد من الأخطار وقد واجهها  بثبات ملحوظ،استلفت انظار العالم،مما يحفزني لسؤالك كيف ترى عالمنا العربي اليوم ؟

عفيف صافيه

بالتأكيد مررنا بالكثير من المحن ،سواء في العراق أو في سوريا أو في لبنان، وغيرهم بحيث اعتقدت أن  العرب قد خرجوا من التاريخ ،وبقوا فقط في الجغرافيا ،ويأتي هذا الوصف من انسان انضم للثورة الفلسطينيه منذ الستينات،وتشاؤم الأفراد يلغي بطبيعته دورنا في التأثير. هناك قوى انشغلت وانقسمت بين الأصالة والمعاصره ،وأعني بذلك تيارات تمسكت بالأصالة ،وتيارات أخرى سارت مع موجة الحضارة ،وانسلخت من الأصاله. واعتقد انه من الواجب ضرورة التوازن مع العصرنه والعقلنه.وكفي ماعانيناه من الديموجاجية والكلامولوجيا،وان نتوجه دائما الى المستقبل ودراسة الاحتمالات. ان هناك مقوله ترددت فحواها ( ان العرب اتفقوا على أن لا يتفقوا) ،والخلاف كقاعده صحي فالديموقراطيه هي ان نختلف،ولكن ايضا لابد ان نتفاعل ونتحاور،وندرك انه من الضروري تبني النهج الديموقراطي وان نحترم حقوق الأقلية ،وكذلك نحترم فكرة الأنتخابات ومن الضروري أن نقوي العمل العربي المشترك، واستطرد فقال . لقد برز أمامنا ثلاثة (لعيبه ) هم ايران وتركيا واسرائيل،وبالتأكيد لكل منهم مصالح وأهداف وهو ما ينبغي ان نكون على يقظة منه .بالنسبة للسعوديه هناك مؤشرات بشأن عودة تقييم علاقاتها مع امريكا ،والمصالحة السعودية مع ايران،وهناك لاعبين مهمين في المجتمع الدولي غير امريكا مثل الصين ،التي نأخذ معها قمة عربيه خليجيه صينيه . اذن هناك عدة مؤشرات  ،وبالنسبة لمصر لابد من استعادة دورها وعلى العالم العربي مساعدتها لكي تقف على قدميها من جديد ،فدورها هام .

د.مازن الرمضاني .

 اتفق معك في كل ما ذكرت،وأقول أن هناك متغيرات تدفع للخلف ومتغيرات تدفع للامام،وعالمنا العربي به تحديات كثيرة جدا،والأنسان الراقي هو الذي يستطيع ان يحدد المتغيرات. لكن بالنسبة للمستقبليات فنحن نعيش من اجل المستقبل،لأنه الزمن الذي سيأتي،أما الماضي فيمكن ان نستفيد منه فلا يمكن ان ننساه ،والمستقبلات  بالنسبة للجميع فهي ممكنه أومحتمله ،وعلى الفرد ان يختار.

عفيف صافيه

على المجتمع العربي ان يدرك ان هناك دوله لا بد لها من مقومات حتى تنجح وتتقدم ،ولابد لنا ان نساعد التاريخ حتى يأخذ الخيار السليم  .

ابتسام اّوجي

قرار قيام الدولتان كحل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ان حدث. هل هو قرار ممكن التنفيذ، خاصة وان منظمة التحرير الفلسطينيه كانت هي الممثل الوحيد للفلسطينيين،ولديها الصفة والخبرة ،لكن الآن نشأت تنظيمات أخري،وفصائل متعددة، واسرائيل من جانب اّخر اصبحت تعارض ،فهل كل ذلك يبشر بأي انطلاقة محتمله ؟وفي اطار حل الدولتان هل هي يمكن ان تكون دولة دينيه او علمانيه ؟ أم أن الحل يكمن في  احترام ( المواطنه ) وتلك كفيله بحل اي اشكاليه .

عفيف صافيه

نحن نحتاج الى وقفه وعملية مراجعه لما حدث في عام 1973،والحرب التي وقعت،والجبهه المختفيه  وهي دول الخليج . كانت تلك الحرب ( حرب تحريك) للجبهة الدبلوماسيه ،ونحن نعي ان امريكا لن تسمح بهزيمة اسرائيل، العبقريه الجهنميه لدي كيسنجر اشتغلت اّنذاك لتمزيق الصف العربي ،ثم جاءت اتفاقيات فك الأشتباك،وقد فشلنا في استثمار تلك الحرب بشكل أفضل. علينا الآن أن نفرق بين ثلاثة مفاهيم.بين 1 المرغوب 2 الممكن 3 المقبول.كذلك نحن نجد أن هناك في  الحركة الفلسطينية من يقول (ان هناك جزءا من الشبيبه قد كبر،وأصبح يفكر بالدولة الواحده ) وذلك يذكرنا بمفهوم لا ينبغي ان ننساه وهو تغيير موازين القوى،وندرك أن من قاموا بحرب التحريك قد بنوا فهمهم على أساس هذا التغيير،وو ضعوا في اعتبارهم أولا :القوى النووية،ثانيا :قوة الطيران الأسرائيلي وتفوقها عن أي دولة عربيه .ثالثا: التحالف غير المكتوب مع الولايات المتحدة الأمريكيه.، وأزاء ذلك كله ،فنتصور ان القيادة الفلسطينيه لابد ان تطرح على نفسها ذلك السؤال(هل يمكن ان يكون هناك خيار فلسطيني بعيدا عن الخيار العربي).ذلك يكشف لنا صعوبة خيار القياده.لكل ذلك أرى ان النضال الجماهيري العربي يمكن ان يستمر،ويتصاعد، حال أن الخيار العسكري لا زال مسدود ا.

اما عن عقيدة الدولة فلابد ان تكون دولة علمانيه تقوم على الحريات التقليدية التى تميز الدولة العصريه بالنسبة الى احترام التوجهات السياسية والعقائد الدينيه وعدم التفرقة أو التميز سواء في اطار اللون او العقيده اوالجنس

امين الغفاري

اعتقد انه لابد ان توجد الدوله اولا حتى يتحدد توجهها السياسي أو الأيدولوجي ،ولذلك لابد من توحد كل القوى الوطنيه من احل هدف واحد وهو الأستقلال ،ثم علينا ان ندرك مدى التطور الهام الذي حدث للقضية الفلسطينيه ،فقد انتقلت من قضية (لاجئين) الى كونها ابرز حركة تحرر في العالم ولها مكان وممثل ومتحدث باسمها في المنظمات الافليميه والدوليه،ثم التطور التكنولوجي ،اصبح له أثر في العمليات العسكريه ،وهو الصواريخ .

عفيف صافيه

اوافق على النقله السياسيه، وان كانت ( الصواريخ) لازال حجمها شديد التواضع

د.مازن الرمضاني

اذا ركزنا في مخاطبة المستقبل ،ووضع توجهاتنا في تشكيل خطوطه يمكن ان يقودنا الى التقدم الذي ننشده ،ولكن نظرتنا الى المستقبل لا تجعلنا نبعد عن الواقع ،فعلينا ان نكون واقعيين .

أمين الغفاري

الواقعيه نادى بها الرئيس الراحل بورقيبه ،وطالب بالصلح مع اسرائيل ،واتذكر ان الراحل الكبير احمد بهاء الدين قام بالرد عليه قائلا ( لو كانت اسرائيل تؤمن بتلك الواقعيه لما قامت بعد اّلاف السنين ،فالمعيار ليس الواقعيه ،ولكن المعيار هو الارادة ومدى صدقها ،ثم هناك شخصيات تاريخيه تبرز من خلال الأزمة الوطنيه

عفيف صافيه

المشكله الآن في ان الحرب لم تعد كما كانت ،والشعب العربي لم يعد له نفس الدور كما كان ،فالعمل كله الآن يقع على كاهل الشعب الفلسطيني ، والشعوب تمر بأزمات تحتاج فيها الى القائد .

امين الغفاري

(ويل لأمة في حاجة الى الزعيم) . لكني اريد ان اطرح سؤالا يشغلني كثيرا ،وهو عن ( مروان البرغوثي) فهناك أشبه بستار من الصمت الكامل سواء من منظمة فتح أو المنظمات الأخرى للمقاومة،عن مروان البرغوتي ، ومروان البرغوتي قائد كان له دور وتاريخ، في الحركة الوطنيه الفلسطينيه لا سيما في اطار المقاومه  ،فهل الصراع السياسي داخل منظمة ( فتح) وراء ذلك الصمت ،ومن جانب اّخر هل تخشى المنظمات الأخرى من وجود قيادة لها مثل ذلك الوزن لمروان البرغوتي ،يمكن ان يؤثر في حركتها ،والمفروض ان كل المنظمات ينبغي ان تسعى للتكامل من اجل دعم الحركة الوطنيه ،أننا لم نعد نسمع أي اخبار في المطالبه بالأفراج عنه ،كما جرت مناشدات له بعدم الترشح في الانتخابات ،استنادا الى دعوات غي مفهومة .فهل هناك طرح يساعدنا على الفهم ؟

عفيف صافيه

ما تقوله احتمالات لا استطيع ان أؤكدها ،ولكن ( مروان البرغوتي ) له الكثيرون من يقدرون دوره ،وقد كانت هناك ندوة قريبه تناولت دوره ومسيرته ، وان كانت اسرائيل تعوق له الكثير من الزيارات او اي شيئ يتعلق بشخصه.

ابتسام اّوجي

هل في تقديرك هناك اشياء يمكن البناء عليها سواء في اطار العمل السياسي أو في حركة المقاومة

يمكن ان يكون له التأثير الفارق؟

عفيف صافيه

هناك دائما في حركة الحوار شيئ اسمه ( حوار السلاح ) أو ( سلاح الحوار) ،ولكل منهما مفهوم وظرف، وأثر كل موقف يوظف فيه (حوارالسلاح) ،ونصل فيه الى نتائج ايجابيه يمكن البناء عليها من خلال المفهوم الآخر وهو ( سلاح الحوار) ،وظروف كثيره تتعلق بالموقف الوطني وكفاءة التعبير عنه بما يتناسب مع الظرف المناسب ،والموقف العربي ومن ثم الموقف الأقليمي والموقف الدولى وكلها تملك من التداعيات ما يوفر البناء عليه في كل قضايانا العربيه .لابد لنا من الوحده الأستراتيجيه

في اطار قضايانا المتعددة ،بما يستدعي وضع الأولويات التي يتم البناء عليها .انني اقدر تماما الرئيس الفرنسي ديجول ،وقد اقترح بالنسبة للقضية الفلسطينيه فكرة ( التنسيق الرباعي) اميركا وفرنسا وبريطانيا والأتحاد السوفييتي ،ولم تكن الصين لها وجود مماثل لما هي عليه الآن ،ويطلبون من المتحاربين قبول حلا غير مقبول من الطرفين ،وحل الدولتين كان مرفوضا من الجانبين ،والآن لا ارى حلا مقبولا قريبا .من جانب اّخر أتمنى ان يعطي العرب المقتدرون ماليا ،وأيضا القادرون سياسيا العمل على بناء جامعه عربيه في الأرض المحتله ،فالعرب هناك يقدرون بمليونين نسمة ،وهناك اساتذه فلسطينيون كبارا في علمهم وثقافتهم يمكنهم التدريس في تلك الجامعه .

امين الغفاري

اريد ان اطرح امامك قضيه يتناولها الكثيرون باعتبارها من سلبيات الماضي في عهد الراحل ياسر عرفات ،وأنا واحد من مريديه ،وهي قضية ( أوسلو). بينما اري فيها رغم كل سلبيه يمكن ان تقرن بها الا انها في ظرفها كانت ( فن الممكن) .لقد نشأت منظمة ( فتح ) وجناحها العسكري عام 1965 ،وباشرت حركة الكفاح من هناك ،ثم تعدد وجود قواعدها في أكثر من قطر في لبنان ،وكان لديها مشاكل هناك تدخل من اجلها عبدالناصر عام 1969،ثم بعد النكسة تعددت المشاكل في الاردن وتدخل عبدالناصر مرة أخرى ،وفاضت روحه الى بارئها بعد اعلان الاتفاق بين الملك حسين وابوعمار،ثم كان حصار المقاومة في لبنان وخرجت على اثره الى تونس ،وهناك تعددت الاغتيالات الاسرائيليه لقادة المقاومة . كانت الأزمة الحقيقيه لحركة المقاومه هي فقدان العامل الجغرافي التي تجعلها في احتكاك مباشر مع الاراضي الفلسطينيه ،وما يترتب على ذلك من فقدان القدرة على ممارسة المقاومة لدورها الرئيسي والمركزي . اذن لماذا لا يتم اللجوء الى ( فن الممكن ) والدخول الى الأرض الفلسطينيه ذاتها ،بين الحاضنة الشعبيه ،وعلى تراب الأرض أمارس دوري بصرف النظر عما كتب ويكتب ،فتلك كلها مكتوبه كما يقال ( ان اتفاقيات السياسة تكتب بالقلم الرصاص لسهولة تغييرها ،حسب قوتك على الأرض) . ان كل من يقاتلون الآن هم اهل فلسطين ،والذين عادوا مع الأغتراب كانوا بفضل (أوسلو) باعتبارها كانت في ظروفها (فن الممكن).وهو التعريف الأزلي للعمل السياسي .

أنني اراها بكل صراحة رغم كل سلبياتها من سمات فكرالقائد التاريخي للشعب الفلسطيني الراحل العظيم ياسر عرفات ( أبو عمار)

عفيف صافيه

وانا اوافقك تماما فيما ذهبت اليه .

حسين حمود

الى متى يظل هذا التنافر الذي نراه بأعيننا في الموقف العربي؟

عفيف صافيه

سوف يظل هذا التنافر في الموقف العربي، طالما ينظر البعض الى قضاياه الداخليه فقط بمعزل عن القضايا العربيه ،وكما ذكرنا من قبل لا بد من وجود استراتيجيه عربيه، يتم الاتفاق عليها ،ويتكاتف الجميع من خلفها .

مرام الاقطع

ماهي النصيحة التي يمكن ان توجهها الى الجيل الجديد ،ونحن نتابع دفاعهم عن القدس والمسجد الأقصى،وكيف نزرع في اولادنا هذا القدر من الولاء للأوطان في ضوء ما يحيط بنا من أهداف .

عفيف صافيه

الجيل الجديد في الأرض المحتله ،يؤدى دورا في منتهي البطولة والتضحيه ،وقدر الشعب الفلسطيني ان يجاهد لأسترداد أرضه ،فالحرية حق لكل الشعوب / وعلى الشعب الفلسطيني ان لا يجعل اسرائيل في راحة ،وعليه ان يكون يقظا لكل مخططاتها .وعلى العرب ان يساندوا الشعب الفلسطيني ،فقضية الأرض والحريه قضايا مشتركه بين كل شعوب المنطقه .واذا كنا في المهجر فعلينا ايضا ان نعالج مشكلتين اساسيتين ( الهوية والأندماج ) و( الأصاله والمعاصره).

استمر الحوار والجدل لأكثر من ساعتين من الزمان أفاض فيها ضيفنا العزيز عفيف صافيه في الكثير من الأجتهادات الفكريه والسياسية والثقافيه ،مما أضفي على الحوار قدرا كبيرا من الشموليه ،وكانت تطلعاته في النهاية تتحدد في ثلاثة مناشدات للمؤسسات العربيه الرسميه والشعبيه وهي الدعم الأقتصادي والسياسي للقضية الفلسطينيه ،ووقف التطبيع مع الكيان الصهيوني في اطاراته المختلفة .