مشهد تتضاءل معه الأوصاف وتعجز مع جلاله الكلمات
هذا الشعب هو اسطورة ذلك الزمان. هوشعب لا يموت ،ولا ينكسر،مهما تساقط منه من عدد الشهداء، أو وقع من مواطنيه تحت سياط التعذيب، أومن قاتل منه ،ثم تم أسره أوسجنه لعشرات من السنين، سواء لأفراد من ذويه أومن اصدقائه ،أو من ابناء مدينته،أو قريته أو مخيمه .شعب ارادته قدت من فولاذ، وصبره أصبح مضرب الأمثال .شعب تهدمت بيوته ،وجفت الأرض من حوله فدمرت مزارعه أواقتلعت اشجاره،ومع ذلك لم يتراجع ،ولم يجزع، ولم ينهار ،والدليل على ما اقول شاهدناه بالعين على شاشة التلفزيون.شاهدنا امرأة تعود الى مسكنها عبر أميال سارتها على قدميها في شارع ( صلاح الدين في غزة) وتحمل امتعتها ،وبجوارها اطفالها ،وقد استشهد زوجها ،تقول ببساطة متناهيه وهي تعود الى منزلها الذي تم تدميره وتقول نصا (العمار حنعمره،والشهداء الله يرحمهم) .تقولها بلا دمعة عين ،ولارجفة شفاه،تقولها كقرار قد اتخذته وسكن عقلها وضميرها ،ليس لأنها لاتحزن أو لا تبال ولكن تقولها استنادا لتجارب

مريرة،عاصرتها وعايشتها ،اكتسبت منها الصلابة في مواجهة المحن،وعلمتها التجربه ان أرضها وحدها هي السكن، وهي الملاذ للحمايه،وللكرامة،وليس للنواح او البكاء على الأطلال، فكم من اهلها سبق وان قتل أو سجن أو تم تهجيره . انه درس التجارب ، التي تعددت منذ أن أطل أولاد صهيون على الأرض المقدسة ، والأرض تكتسب القداسة عن استحقاق حين تروي بالدماء. وكم ارتوت الأرض الفلسطينيه عبر أكثر من قرن من الزمان من دماء الفلسطينيين .انهار من الدم جرت ،وتلون ترابها باللون الأحمر القاني، ولم تتحرك ضمائر الغاصبين المحتلين أو من واّلوهم من تجار الشعوب .لذلك فان درس التجربه ماثل على الدوام في الذاكره ،سكن العقل، وامتزج بالوجدان . الأرض للفلسطيني تتساوى مع الحياة نفسها ،ولا مساومة ،ولا نقاش أو جدال. السكن هو المأوى، وان لم يتوفر السكن ،فالارض وافتراشها وحدها هي الملاذ ،بل هي الحياة ذاتها.
طوفان الأقصى ..
طوفان الأقصى واحد من ،ملحمتين تاريخيتين سطرهما هذا الشعب الأسطوري واسمه ..شعب فلسطين،في هذا الزمان الردئ ، وهما معا يمثلان زلزالين لمعنى الفداء ومعنى الأنتصار..في اّن واحد وأعتقد أنه لا يليق بأحد بعد ذلك،ان يطلق كلمة الهزيمة لنتائج تلك الوثبة التي تسمي (طوفان الأقصي) رغم حجم التضحيات المذهل الذي قدمه ذلك الشعب الأسطوري(شعب فلسطين)ثمنا لها،بل انني على قناعة، بأن الذين يرددون مثل هذا التعبير (الهزيمه) ،يريدون التقليل من شأن (حماس) بل ومطاردتها بذلك باعتباره جريمة نكراء ارتكبتها في حق فلسطين الأرض والشعب في سلة واحده وينسون ان مثل هذا الحكم لا ينبغي ان يصدر الا من جهة واحده فقط هي (شعب فلسطين) أما الساده الكتاب والأعلاميون ورجال السياسة الذين يرددون تلك النغمة،فهم لا يرون في (حماس) سوى انها فصيل سياسي يعارضون منهجه، ولا يتوقفون مطلقا امام تضحياته ،أما رجال السياسة الذين يصدرون مثل تلك الأحكام فان دوافعهم واضحه،وهي الخوف من أن تسرق (حماس)الأضواء من مناهجهم أو شعبيتهم ان حدث وكانت لهم شعبيه.ان المعارك على الأرض من اجل الحرية والاستقلال ليس لها علم أو منهج سوى التحرير،وفي ساحات الوغي،حيث تبذل التضحيات بأحجامها،وفي المواقف الفاصله توزن المناهج وحجم العطاءات بمعاييرها.والحروب كما يقول فقهاء السياسة، وأعلام التنوير،حين تشتعل، فلها دوافعها الحقيقيه،وليست هناك حرب في التاريخ قد اندلعت الا وكانت لها بواعثها الحقيقيه ،ومبرراتها الواقعيه مهما تلفعت بأسباب صورية أو شكليه،الا انها على الدوام لها اسبابها الموضوعية ،سواء اتفقت معها أو اختلفت، وفي فصول دراسة التاريخ وحيثياتها كان للحروب على الدوام عنوانين(الأسباب المعلنه،والأسباب الحقيقيه) ولم يكن السابع من اكتوبر بكل حيثياته من فراغ،وانما كان نتيجة حتمية لعمليات السطو والتهويد،واجراءات القمع والأستيطان. ومنذ
ان تعارفنا على تعبير الصراع العربي الأسرائيلي، و كان عنوانا صادقا ودائما لحقيقة الصراع بين الطموحات الأستعماريه والصهيونية وتحالفهما للأستيلاء على الأرض العربيه ،ابتداءا من مؤتمر(كامبل بانرمان) 1907 واتفاقية سايكس بيكو 1916 ووعد بلفور1917،الى ان خرجت مصر من حركة الصراع باتفاقية (كامب ديفيد) 1979 ،التي وقعها ( أنور السادات) ،ثم دخول دول عربية اخرى في اتفاقيات سلام، ومن ثم تحول اسم الصراع نتيجة لذلك من شكله القديم باعتباره صراعا عربيا،ألى صورة اخرى تقدمه باعتباره صراعا فلسطينيا – اسرائيليا،وان كان الكل يعلم ان كانت الأرض الفلسطينيه هي المستهدفة من حيث الشكل،فانه مازال ،وسيظل صراعا عربيا – اسرائيليا من حيث الموضوع ،ومازال الصراع يتفاعل نتيجة لذلك داخل المنظومة العربيه، وتتلامس معه الى حد الأندماج في تطور الأحداث ،والرغبه في ابتلاع الأرض العربيه عن طريق القضم والهضم ،ثم معاودة القضم والهضم من جديد،ولقد كان ترامب في ولايته الأولى هو من أعلن اعترافه(وحده) بضم (الجولان السوريه) الى اسرائيل،مما يكشف طبيعة النوايا،والتحالف بينهما،مهما كانت احكام القانون الدولي ،ومؤسساته، فالسيد ترامب خصوصا والولايات المتحده عموما ،لا تعني بتلك الأحكام،ولا تعطي للقوانين احترامها ،والدليل على ذلك يكمن في اكثر من تصرف ،بينهم حق الفيتو ،ان كان القرار لا يتجاوب والمصالح الأمريكيه ،أو لا يرضى التطلعات الصهيونيه ،وحتى المحكمة الدوليه لم تنجو من طموحات امريكا ،لذلك كان علينا ان لا نندهش من التصريحات ألأمريكيه بشأن محكمة العدل الدوليه،بعد الحكم على اسرائيل، اذ قالت صراحة،بأنها نشأت في الأساس لمحاكمة دول بعينها،وليست الدول الغربيه،وأصدقائها. الحقائق على الارض واضحه، ولكن المشكله هي مدى الأستيعاب.!
الآن عاد الصراع الى حقيقته
الأن يكشف الصراع عن حقيقته،بعودة الرئيس ترامب الى الحكم ،وطلبه من مصر والأردن ان تقبل مهجرين من غزة الى اراضيها لفترة تقصرأوتطول ،ولأن مصر والأردن تعرفان حقيقة تلك العروض ،وهي تتلخص في الطلب من الأمة العربيه عموما – كما سبق وان طلب منها في اعقاب حرب 1948 -ان تستوعب الفلسطينيين على ارضها، وتنتهي المشكله ،وبعبارة أخرى استوعبوا الفلسطينيين في ربوعكم كأمة عربيه على امتداد أرضكم،بدلا من الحروب معهم ومعكم وهو الحل العملي .لكن الأمة كما الفلسطينيون استوعبوا الدرس،ومن ثم يرفضون التهجير،كما يرفضون أن تصفى قضية فلسطين، حتى وان ظل الفلسطينيون تحت رعاية(UNRWA)وهي وكالة الأمم المتحده لأغاثة وتشغيل اللآجئين الفلسطينيين واختصارًا يرمز لها ( أونروا) وقد أُسِّست بقرار من الجمعية العامه للأمم المتحده 1949. وتعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لقرابة 5.6 مليون فلسطيني مسجَّلين لديها،إلى أن تنتهيَ معاناتهم. وتعتمد (الأونروا) في تمويلها على التبرُّعات الطوعية التي تقدِّمها الدول الأعضاء في الأمم المتحده، وتأتي اسرائيل ،تقوم بتعطيلها ،بدعاوى انها شاركت في العدوان من خلال بعض اعضائها ،رغم النفي ،الا انها وسيلة من وسائل الحصاروالضغط ، ،و ما سمي بالحل العملي أو الحل المؤقت قد انكشف ايضا أمره،وظهرت خلفه الحقيقة المرعبه،وهي محاولة تصفية القضية ،ونهاية اسطورة فلسطين .ولم تكن عملية ( طوفان الأقصي) سوى انفجار غضب ومعاناة من عدوانات اسرائيل ككيان ،والمستوطنين كأفراد وكتجمعات، والغضب دائما يتصاعد ،ولن تكفي الوعود لكي تنطفئ نيران الغضب.والأن يهدد ترامب بالقول (ان مصر والأردن) سيعملان على اجابة طلبه رغم اعلانهما برفض مبدأ التهجير. وطلب ترامب يعد مؤشرا كاشفا وصريحا ويعود بحقيقة الصراع الى مفهومه القاطع،والتي ينبغي ان يفهمها ،وأن يعيها تماما العرب،انه بالتأكيد و بالتجربه (صراع عربي – اسرائيلي) وليس ايضا كما ذكر الرئيس السادات ان هذا الصراع ليس سوى عقد نفسيه !!! .ان (طوفان الأقصي) لم يكن سوى اعصار عنيف اهتز له الرأي العام العالمي على امتداده ،واعتصره الى حد بعيد ،وظهر بتأثيره الحاد في صفوف الشباب،الى حد تعددت فيه الأضرابات والأعتصمات في عواصم كثير من العالم ،وجرت اعتقالات ومطاردات وتمت اقالة قيادات في بعض الجامعات والمؤسسات لأنها لم تقم بواجبها في السيطرة والتوجيه لجموع الشباب، وانكشف الغطاء تماما عن الممارسات الاسرائيليه،وحقيقتها كمجتمع عدواني مغتصب،ولذلك، ظهر(محمد الضيف) في الساعات التي تلت عملية (طوفان الأقصى)، في رسالة فيديو مسجلة، يعلن فيها بدء العملية، قائلًا إن هجوم 7 أكتوبر جاء ردًا على الحصار المفروض على غزة لمدة 16 عامًا، و المداهمات الإسرائيلية داخل مدن الضفة الغربية، واحتلال الأقصى، إضافة إلى تصاعد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين ونمو المستوطنات. والآن وقد جرى ما جري، وضربت اسرائيل، بكل اشكال والوان البطش والتنكيل ،من قصف وتدمير، وحصد للبشر والشجر والحجر، وحولت (غزة ) الى ركام من الأحجار،وتلال من الأتربه، كدرس للشعب أن ينحنى وأن يركع وان يرفع الراية البيضاء مسلما أمام جبروت القوة ،وسطوة السلاح،ولكنه على الدوام يرفض الأذعان .ثم تم في نهاية الأمر الوصول الى وقف اطلاق النار،وتبادلا للأسرى مازال يجري حتى كتابة تلك السطور وعودة المواطنين الناز.حين الى بيوتهم حيث كانوا يقطنون .
طوفان العوده
وهنا يتجلي المشهد التاريخي في اروع صوره على امتداد الشوارع رغم بعد المسافات ،وطول الأميال ،كأنه بحر من الدم يجري في العروق العطشى للرواء .مشهد عودة الفلسطينيون الى الشمال، عبر وسائل متعددة منها السيارة والدواب ،ولكن اكثرها عمقا وتأثيرا السير على الأقدام .هنا تتجلى بامعان كم تبلغ قيمة الأرض، وكم يرتكز في الوجدان قيمة المنزل ،حتى وان كان قد اصبح ركاما وترابا . هنا فقط تبرز الصور في وضوح وجلاء . ان الوطن وحده قيمة،وان التراب ثروة، وان الذكري سلاح لايقهر فى أي مواجهة،وأن الحنين الفلسطيني يرتبط بالأرض ارتباط الانسان بالحياة ،فهنا ولد وهنا تربي وهنا احتضن تاريخه. كما ان الأرض امتزجت بشلالات الدم الفلسطيني وارتوت به ،ولذلك اصبح الارتباط بين الفلسطيني والارض يوازي ارتباط الانسان بالحياة . كان مشهد العوده والكثير من علامات الفرح والابتسام على الوجوه ،واشارات الاطفال باصابعهم اشارات بالنصر،وتتسم بالأصرار . انها لوحه تنطق بكل اّيات الروعة والجمال .انه الشعب المعلم بامتياز، القائد باقتدار ،الصابرفي ايمان ،،القادر في اراده ،والمثابر في اصرار .انه الشعب الذي كان عبر تاريخه ،وموقفه في محنته، كان كريما في البذل ومضحيا بلا حدود في العطاء ،وبدرجة عالية في سعة وسخاء .ان الفلسطيني باختصارهو رمز القوة والمقاومة والعنفوان في زمن الأنهيار،والغطرسة والغرور،بل والهوان .وان كان البعض يعتبرون ان الفلسطينيين هم المعذبون في الأرض في هذا الزمان ،فعليهم ان يدركوا ان الفلسطينيين بالأحرى هم رسل السماء الى الأرض من اجل هداية البشر، وان عليهم ان يتعلموا أن الحرية والكرامة لا توهب بالمجان ،ولابد ان تدفع لها ألأثمان،وبأغلى الأسعار، انها توهب بالدم .
2
الفرحة على وجوه الأطفال .. انهم ابطال فلسطين القادمون
3
يعودون سيرا على الاقدام لبيوت تم هدمها
4
ينتصر على الألم كما ينتصر للوطن