صوره قلميه من احضان الحراك الشعبي
ما أجمل الأنسان حين يكون انسانا.. هذه الجموع الحاشده، المستنفره ،الغاضبه ،بل الثائره، وتعلو اصواتها بالهتافات ،عبر الميكريفونات ،وألأبواق زاعقة الصوت استنكارا واحتجاجا وتعاطفا مع شعب أعزل يتعرض لطوفان من القنابل والمتفجرات ،وزحفا من دبابات ومدافع ،وطائرات تقصف بلا رحمه وتدمر بلا خجل ،وتنتهك دون ضمير ،كل ماتعارف عليه البشر من قيم ونصت عليه الأديان من تعاليم ،واستنكرته أدبيات الفلاسفه والمفكرين والأدباء والشعراء من القسوة في التعامل ،والشراهة في سفك الدم ،بل وحتى في المساس بكرامة الانسان ،وهو الذي يحدث على مرأى ومسمع من العالم اجمع ويجري على ساحة أقليم صغير،لا يتعدى تعداده مليونان وبضعة اّلاف من البشر،واسمه (قطاع غزة) جزء من ارض
فلسطين المغتصبه ،وتجري عليه ماكينة القتل والتدمير ،في انتهاك صريح لحقوق الانسان التي طالما سمعنا ترديداتها من منظمات وجمعيات ،وكتاب ومنظرين، ومع كل ذلك التراث العظيم من التعاليم السماويه والفكر الأنساني يجرى تجاهله ،والتغاضي عنه ،وتخطى تفاصيله . لذلك يتم هذا الغضب ،وتلك الثورة من تلك القطاعات الواسعه من الرأي العام ، وتجد امامك تلك الحشود المتزاحمه ،التي تتسابق في اعلان رأيها أو بمعنى أكثر دقه احتجاجاتها ،مع ملاحظة أن معظمهم ليسوا عربا ،كما ان أكثرهم ليس مسلما ،والسؤال ماذا اذن يجمعهم، حول (غزة) وهو اقليم عربي ومسلم، والجواب شديد البساطه ،وتلقائيا ان ما يجمعهم هو (الأنسانيه) بكل ما يترتب عليها من رحمه وتعاطف ومشاعر تلقائيه تلف الكل وتربطهم بميثاق موحد،بصرف النظر عن حقوقهم المشروعه في الوطن السليب ،والرحمه جزء اساسي من كيان البشر ،تجاه الانسان بل والحيوان وحتى الطيور.الم يتطرق الى اسماعنا تشكيل جمعيات الرفق بالحيوان،ألم نقرأ عن طائرات اقلعت تحمل طيرا تخلف عن سربه ،لكي يلحق بأقرانه في سربهم الطائر.اليست تلك و قائع عايشناها وطربنا لها ،فما الذي حدث،واخترق عوالم الرأفة والرحمه،ناهيك عن العدل والحق وأسطورة حقوق الانسان.انها المصالح،ومفاهيم الأستحواذ،والرغبة المرة في السيطره والأستلاب .
السبت من كل اسبوع .. موعدا للأحتجاج
كانت المظاهرة الأخيرة موضع تلك السطور يوم السبت 25 نوفمبر ،وكانت نقطة الانطلاق في ماربل اّرش ،وفي الطريق الى هناك لمحت رجلا ،يبدو من ملامحه انه اوروبي ،ولكن كان يلف على رقبته ( الكوفيه الفلسطينيه) لحقت به لأقول له شكرا على تلك المشاركه الرمزيه ،ابتسم وقال لا تشكرني على مشاعري الخاصة. لم يكن هذا السبت ،هو اليوم الوحيد في تلك التعبئة ،وانما كان كل سبت موعدا على مدى عدة اسابيع منذ ان بدأ
القصف على غزة. كان هناك كل سبت ذلك الهدير من البشر يتجمع لأعلان رفضه لما يجرى على ارض غزة.أصبح ذلك القطاع الصغير (قطاع غزة) محل الأهتمام الكبير ،ومع عنف الضربات الاسرائيلية له كانت الصرخات المدويه تعلو من شوارع العاصمة البريطانيه ،اضافة بالطبع لما يجرى في الكثير من شوارع العالم من اصوات الادانة والاستنكار لتلك الوحشية الضارية التي تمارس على هذا الشعب الأعزل في (غزة) ان الشارع هو نبض الحقيقه،وهو الحس المرهف الذي يبقى حارسا على طهارة الضمير،بعيدا عن دواليب المصالح،وقاعات الحسابات ومفاهيم الربح والخسارة .الشارع يحمل كل الهموم والاوجاع لعالم البشر ،ولذلك صرخاته موجعه، وحركته بلا حسابات خاصه.التقي الكثيرون ،ولا يمكن ان تجتهد في تقدير عدد من تجمعوا ،فكل تقدير يطرأ عليه تعديل وبسرعة غريبه من اعداد جديده من المتظاهرين الغاضبين الثائرين على مايجرى في (غزة) . انهم اّلاف،وتتوافد عليهم اّلاف جديده،واعلام (فلسطين) ترتفع وبأحجام مختلفه ،فهناك من يطوق بها اكتافه ، وهناك ايضا من يحملها في يده ، وهناك من يرفعها على جانب من حقيبه يحملها على اكتافه . هناك لافتات للشعارات ( صباح الخير ياغزة) و( الحريه لغزة ) وهناك لافتات بالأنجليزيه،وهناك اعلام ارتفعت تحمل معها مشاعر لوفود من الجاليات المختلفة على الساحة البريطانيه،وقد حضرت لا لكي تسجل موقفا ،أو تبرز تضامنا،ولكن لتؤكد مطلبا،وهو ( الوقف الدائم لأطلاق النار) ،بعد ان ضاقت الصدور،بما تراه على شاشات التلفزيون،وصفحات الجرائد،ووسائل الاعلام المختلفة .مأ أقسى صور الضحايا،وصور الأطفال ،حين تخرج الجثث من تحت الركام .ما أفظع منظر الأسر وقد تهدمت منازلهم الى الحد الذي تروي فيه الأنباء أن 60% من منازل (غزة) قد هدمت وأصبحت اطلالا .
ترتيب حركة السير ..وصولا الى البرلمان
تقدمت المظاهره الى الامام من ماربل اّرش،وبمعنى اكثر دقه من حديقة (الهايد بارك)وهي العاصمة العالميه لحرية الرأي والتعبير، تسبقها شهرتها المدويه حيث تتعدد فيها اللقاءات والخطب والحوارات على اختلاف توجهاتها ومنطلقاتها. تحركت المظاهرة في الطريق الى منطقة ( بارك لين) تتصدرها اليفط الكبيره أو العريضه والميكرفونات الصائحه بالهتافات للحريه ،وتنديدا باستخدام السلاح المجنون في مواجهة المدنيين من سكان القطاع ،وشلالات الدم النازف ،على مرأي من العالم المتحضر.، وتلاحظ في تلك المسيرة بعض الظواهر التي نادرا ماتراها في مثل هذه الحالات المتشابهه ،تجد بين المتظاهرين من صحب كلبه ،ولم ينس ان يلفه بعلم فلسطين ،وكأن الحيوانات ايضا تعبر عن احتجاحها لظلم بني الانسان للأنسان .لم تكن تلك حالة وحيده ،ولكن يمكن ملاحظتها في اكثر من موقع في اطار تلك المسيرة الطويله.في نهاية منطقة (بارك لين ) عرجت المسيرة الى شارع (البيكاديللي) وقد ازدادت زخما فقد التحقت بها اعداد جديده تقطر حماسا ،وتهدر بهتافات حول نفس المعنى ( حقوق شعب فلسطين ،والحرية لغزه وتنديد بالعدوان على المدنيين ،وسقوط الأحتلال ) . بالطبع في اطار مسيرة او مظاهره بذلك الحجم تجري في شوارع العاصمة ،لابد وان يكون هناك دور للشرطه،من حيث الحراسة والتأمين ،والتدخل ان استدعي الأمر،لتدارك النتائج قبل ان تتطور على اي شكل من الأشكال ،ولذلك لا
تندهش ان لاحظت ان الشرطه قد قامت بتوزيع منشورات على المحتجين حذرت فيها من انتهاك القانون،كما علمت انها قد ألقت القبض على رجل للاشتباه في أنه يحرض على الكراهية العرقية ،وذلك قبل بدء مسيرة الاحتجاج. استمرت المظاهره في خطوات وئيده ،ولكنها جياشة المشاعر ،دافئة الاحساس بأزمة البشر حين تتصادم المصالح ،أو بمعنى اّخر حين يصطدم الاستبداد ،بكل مافيه من قبح ،بالمعاني التي نسجها ايضا الانسان ،حول الحريه والتاّخي،والعدل السياسي والاجتماعي ،وقد تجلت تلك المعاني الكريمه في صور نشاهدها بالعين ،منها تلك السيده العجوز التي تسير على عكازين ،ومع ذلك تصر ان تسير بين المتظاهرين ،لكي تنادي ب (الحرية لغزة) . لقد حرصت ان التقط لها صورة ،لأنها تكشف معدن الانسان ،وما أجمله حين يكون انسانا. صورة أخرى تتجلي فيها تلك المعاني . جماعات يهوديه في ملبسها ،وفي مظهرها تحمل لافتات تحمل معنى التضامن مع غزة ،ومع الشعب الفلسطيني بشكل عام ،وهم يحملون لافتات كتب عليها ( ليس باسمنا ما يرتكب في غزة ) وايضا عن حقوق شعب فلسطين . صور حقيقيه لمشاعر حقيقيه ،ولموقف حقيقي ،تتجلي فيه الأنسانية بعمقها وحسها الراقي الذي يعلو فوق الحسابات الضيقه،والمصالح لقوى اخرى تبني قوتها ومكانتها عبر سلخ الاوطان وتزييف التاريخ ، وتستمر المظاهره،وفي مسيرتها تكتسب على الدوام اعدادا جديده ،من جنسيات مختلفة ،ولكن قضيتهم واحده ، وهي الحرية للأنسان والكرامه للبشر .تعرج المظاهره من خلال حركتها الى شارع اّخر يقودها الى ميدان ( ترافلجر سكوير) وهناك كانت جماهير أخرى في الانتظار ،ترفع نفس الشعارات عن الحريه وعن شعب غزة وعن شعب فلسطين . جنسيات عديده ،تتحدث بلغات مختلفة ،وان كانت اللغة الانجليزية هي الجامعه الأكبر حين تبدأ عمليات التعارف ،او التفاهم ،أو التأييد ،أو الحديث عن الحروب الظالمه ،والشعب المظلوم في فلسطين . ان تلك المظاهرات هي الأحتفاليه بالأنسانيه بصرف النظر عن اللغات او الجنسيات او الايولوجيات . ثم تتهادي المسيرة أو المظاهره بحكم تضخم اعدادها فتتقدم الى الأمام متجهة الى البرلمان البريطاني ،لتعلن لنواب الشعب اّرائها أو تصوراتها أو بمعنى أكثر عمقا ارادتها ،متوخية بذلك وضع نواب الأمه أمام مسؤولياتهم في القرار الذي يتخذونه . تمر المسيرة أمام شارع دواننج ستريت حيث مقر مجلس الوزراء البريطاني ،فتعلو الهتافات بشعاراتها المدويه نحو مايجري على ارض ( غزة) القطاع الصغير الذي يتعرض لهجمة شرسة وكبيره تقشعر لها الأبدان . هنا كانت منصه عليها شاشة تمتد على عرض الشارع ،ويظهر على تلك الشاشه سعادة السفير الفلسطيني ( حسام زملط) ،وهي تنقل عن الشاشة الأصليه امام البرلمان ،ويقوم سعادة السفير بتوجيه كلمة لتلك الجموع المحتشده ونهاية مطافها امام البرلمان ،ولكنها تمتد عبر شوارع متعددة كانت بداياتها في ( الهايد بارك ) . يخاطب السفير تلك الجموع المتراصه بتعبير ( ايها الأصدقاء ) وبالتأكيد هم اصدقاء وأعزاء ،وتحت قاعدة المثل العربي الشائع ( الصديق وقت الضيق ) ،ولذلك هم بالفعل اصدقاء بحكم التجربة المره ،وموقفهم النبيل . ويؤكد السفير على عمق الروابط التي تربط بين البشر وعمادها ( الحريه) وتتوالي كلمات بعض
النواب ومنهم نائبه تسمى ( ديانا ) والمتحدثين الآخرين ،وتطالب بالأستمرار والصمود امام تلك الهجمة ،وان الحرية دائما لها انصار ومريدين
المظاهره وتوقيتها وابعادها
اندلعت تلك المظاهره أو المسيرة، خلال الهدنة الأولى وكانت مدتها أربعة أيام، بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وهي الأولى منذ اندلاع الحرب، لكن المحتجين وهم جمهور المظاهرة يرون إنها ليست كافية. لذلك يرفعون خلال مسيرتهم السلمية نحو مقر البرلمان البريطاني لافتات كتبوا عليها عبارات منها (وقف إطلاق النار الآن) و(أوقفوا الحرب على غزة) ،وتذكر احدى المحتجات وهي كيت هدسون (64 عاما) لوكالة رويترز خلال الاحتجاج (نحتاج إلى الدعم الكامل لوقف دائم لإطلاق النار في غزة). وأضافت كيت،وهي ناشطة مناهضة للحرب، (نرحب كثيرا بالهدنة.. لكن هذه المشكلة تحتاج إلى حل (نهائي) حتى يحصل الفلسطينيون في نهاية المطاف على تسوية سياسية نصت عليها من قبل قرارات لا حصر لها في الأمم المتحدة،على مر عقود من الزمن ،ولكنها وجدت دائما من يعرقلها ،ويشير بعض المتحدثين الى الجانب الآخر من الذين يؤيدون العدوان ،بقولهم الى متى تريدون العدوان ،هل من اجل المزيد من القتلى والضحايا ،ومزيد من هدم البيوت وخراب الديار .الى متى ..الى متى ؟. الآن وقت كتابة هذا الموضوع ،يجري استئناف القتال ،وتتزايد الأرقام حول الشهداء الفلسطينيين ،وخصوصا الأطفال والنساء وكبار السن ،بألأضافة الى مزيد من هدم البيوت ،ونسف المباني ، وضرب المستشفيات وعربات الاسعاف بصور ،لم تعرفها الشعوب حتى في اعتى الحروب ودمويتها . لذلك من المتوقع ان تنفجر المظاهرات في الشوارع من جديد ،فأصدقاء الحرية سيهبون ايضا للدفاع عن الحياة ضد اعداء الحرية وأعداء الحياة . وما أجمل الأنسان حين يكون ? فقط ? انسانا .