كُن وطني، أنا المولودة بلا أرضٍ، بلا غصنٍ ، بلا يدٍ تكفكف حزن البلاد.
كن وطني، فلا يُسائلني جنديُّ الحدود، عن معصمي المدمّى، عن القيود.
ولا يعبرُ الرّعاةُ فوق صوتي، وأنا أغنّي لتنامَ زهرةٌ وحيدة.
كن وطني، أنا المولودة بلا تراب، بلا هضبة ترتاح عند سفحها خيبتي.
أنا المولودة بلا وجهة، بلا طريق، بلا آهاتٍ مكتومة،
أنا الضّجرة كانتظارات المنسيّين.
كن وطني، فلا يكشف الغزاةُ مخبأي، ولا يتوارى في الغياب ركامي
وأنا أطولُ كوقتِ مخادع، وأنا أطول كموت مراوغ.
كن وطني، حين تباغتني صباحات الوطن، وأنا أتحلّق حول شتاتي، أتكوّر كقبضةٍ، أنشطر كالسادسة وستّ دقائق، كغيمة الألوان القاتلة.
كن وطني، حين للأوطان سيولٌ دامعة، وغربةُ الأقحوان، حين تراودني عن مناماتي، فجائعُ السّيرة وتهويماتُ المسرّة، حين تتقلّبُ البلادُ على خاصرتَي الجرح، وأهوي كرُمحٍ مسنون.
كن وطني، كن طيفَه المطليَّ بالأسى، وانتظرني، ربما أبلغُ شرودَ ظلّه، ودُوارَ الطَّوافِ. ربّما ألتئم في جذعه، وهو يتقاسمُ مع الغابة مزايا الرّيح.
كنْ وطني، كن صوتيَ المنفيّ، في أقاصي الغصّة، حين تتشفّى العزلةُ من الأبواب
ويتسلّق الصّراخ شرفاتِ الكآبة. وانتظرني، انتظرني على مفارقَ دامعة، وفي أحداقٍ لامعة وفي فجر يؤبّد الحسرة.
كن وطني، أنا المولودة بلا حبل سرّةٍ يصِل البكاءَ بحزن القافلة، وتُربَطُ بطرفه المدلّى وحشة البئر.
لا ماء في حلم النّهر، ما لم تبلغ الأوطانُ سرَّ الكأسِ المقفّى، واختمارَ العنبر وأرقَ الوهاد.
كن وطني، لأستقيمَ كالقوس المشدود، وأحبِس الهواء في ارتحال القوارير
أنا المولودة بِرئةٍ من مسك الغزال، وأنفاسِ المحارة.
كن وطني، فأعبرْ إلى الضّفة المنتظِرة الأحلام المبللة
فأَنمْ على ذراعِك الممتدّة كوشائج التراب.
كن وطني، وانتظرني، انتظرني، أنا المولودة بلا أرضٍ
بلا غصنٍ، بلا يدٍ تكفكف حزن البلاد.