هل نحن أمام أزمة غذاء عالمية؟
إن انعدام الأمن الغذائي ، يتجلى من خلال عدم قدرة الإنسان على توفير قوته اليوميّ، ليعيش حياة صحية وخالية من الأمراض . وقد ارتبطت المجاعات غالباً ، بالأماكن التي تدور فيها الحروب ، التي تُهجر سكان هذه البلدان ، إلى مناطق أخرى أكثر أماناً ، بعد احتراق ممتلكاتهم ، وتلف المناطق الزراعية.
لذلك فإن هؤلاء النازحين يُصبحون أكثر عُرضةً للجوع والأمراض والأوبئة ، بسبب سوء الظروف التي يعيشون
تحت وطأتها.
من ناحية أخرى ، فإن التغيّر المناخيّ ، و ما يحصل من تبدل في الفصول ، وكذلك شح المياه في كثير من دول العالم وانتشار الجفاف ، ونقص المناطق الخضراء ، عدا عن الفيضانات وتأثيرها السلبيّ على الأرض ، وموجات الجليد والأعاصير المتكررة، فإن كل هذه العوامل مجتمعة ، تؤدي إلى نقص المحاصيل الزراعية ، إضافة الى احتراق الغابات ، وقطع الأشجار ، من أجل توفير مبان سكنية لسكان الأرض المتزايدين.
وبالتالي فإن غياب الاهتمام بمعالجة المشاكل البيئية يؤدي حتماً إلى انعدام الأمن الغذائي في المستقبل القريب ،
كذلك فإن الدول المتورطة في الحروب ، كاليمن وسوريا وغيرها ، تفتقر الى التنمية المستدامة ، وإلى إنشاء مشاريع زراعية وصناعية.
كما إن الأرياف في هذه المناطق ، تفتقر إلى التنمية ، لبعدها عن المركز ، حيث تتواجد السلطات والإدارات السياسية للدول ، حيث المزارعون متروكون إلى مصيرهم . ممّا يتسبب بأزمة غذاء ، وخاصة في ظل الضائقة الاقتصادية التي تطال مثل هذه الدول المُحاطة بدول كبرى ، تُحاول الهيمنة عليها.
بحيث تُضطر إلى صرف ميزانية عالية على التسلح ، وهو ما يجعلها عاجزة عن توفير الغذاء لمواطنيها . فتصبح مناطق النزاعات في العالم ، بؤراً للجوع والتشرد . ولا تنجو الدول الكبرى التي ترزح تحت ديون خارجية عالية من هذه الآفة ، لأن اضطرارها إلى تسديد ديونها يجعلها غير قادرة على توفير الحياة اللائقة لمواطنيها.
، إن أبلغ مثال على ما تقدم ، الغزو الروسي لأوكرانيا وما سببه من تداعيات جد خطيرة ، على الغذاء العالمي ّ ، كون كلا الدولتين الغازية و المغزوة ، تُشكلان الأهراءات الكبرى التي توفر للعالم معظم ما يحتاجه من الحبوب . لذلك فإن استمرار الحرب عدا أنه يؤثر من كمية الإنتاج ، يؤثر في الوقت ذاته على كمية المواد المصدرة ، لأن ممرات التصدير تُصبح غير آمنة بفعل الحرب .
ولكي نتعمق أكثر في موضوع نقص الغذاء وسلامته ، كان للباحث بأمور البيئة والمناخ حبيب معلوف هذا الرأي لقراء مجلة الحصاد.
يعتبر معلوف بأن عدم توفر الغذاء الكافي ، وعدم تحمل كلفته العالية ، وعدم سلامته ، ونقص وجود الفيتامينات
والمعادن الكافية ، إلى جانب تلوث التربة والمياه ، عوامل تؤثر سلباً على الأمن الغذائي ، وعلى صحة الشعوب الفقيرة.
ويُضيف معلوف ، بأن تلوث التربة وتملحها وانجرافها ، هي مشكلات مسكوت عنها ، في الخطاب الغذائيّ.
فالمظاهر المناخية المتطرفة، بسبب تغيّر المناخ ساهمت في انجراف التربة ، التي تحتاج إلى ألف سنة ، كي تستعيد خصوبتها.
ويعتبر الأخير بأن أزمة الغذاء ، تشتد مع الحروب ، ومع ارتفاع أسعار النفط والأسمدة التي تحتاج إليها الزراعة التصنيعية المكثفة.
بالإضافة إلى عوامل الطقس ، وتحويل بعض أنواع النباتات الغذائية ، كالذرة إلى وقود حيويّ ( الايثانول) . والتوسع في تربية المواشي ، واستهلاك اللحوم التي تحتاج بدورها إلى الكثير من الحبوب والمياه . هذا عدا عن الهدر الحاصل في الطعام في الدول الغنية .
ويضيف معلوف أنّه لا يمكن نسيان مسؤولية النموذج التنموي الغربيّ المُدمّر، الذي يتبناه العالم بشكل أو بآخر .
وهكذا كلما ازدادت بلداناً مثل الصين والهند في تبني هذا النموذج ، من حيث استهلاك اللحوم والاكل السريع ، وحب قيادة السيارات الخاصة ، كلما زاد الحديث عن أزمة غذاء ومناخ .
وكلما زادت حرارة الأرض ، وزادت المظاهر المناخية المُتطرفة ، زادت الفيضانات والجفاف ، وزادت الهجرة واللجوء والفقر وأزمة الغذاء.
وعندما يتزامن كل ذلك ، مع زيادة السكان واللجوء والصراعات ، وانهيار دول لصالح الشركات الكبرى ، التي لا تبغي غير الربح السريع ، فهذا يعني الدخول في نفق مظلم جداً ، لا أحد يعرف نهايته .
كما يمكن إضافة التبغ والحشيشة ، إلى العوامل المؤثرة سلباً على الأمن الغذائي ، إذ تأخذ هذه الزراعات مكان الزراعات الغذائية ، وتتسبب بتلوث أو تدهور خصوبة التربة بشكل كبير وفي الدول الفقيرة و المتأزمة إقتصادياً ، تبرز مشكلة عدم قدرة المزارعين على دفع ثمن البذور .
ويُتابع حبيب معلوف بأن شركات الأغذية العالمية الكبرى ، تدعم الكثير من الأبحاث التي تتحدث عن السعرات الحرارية وكيفية قياسها . وهو ما جعلها تُركز على أهمية البروتينات في عملية التغذية، لكن الأبحاث البعيدة عن مصالح هذه الشركات ، أكدّت أن كل الوجبات التقليدية ، توفّر للسكان البروتين الكافي.
أمّا تمارا خالد ، المُتخصصة في علم البيولوجيا ، ففقد اعتبرت من جهتها ، بأن المواد الغذائية تُصنف بحسب الكمية الأكبر التي تحتويها ، سواء من البروتين أو النشويات والدهون .بالإضافة إلى الماء والأملاح والمعادن .إذ لا يكتمل عمل الخلايا في الجسد ، دون حصول الإنسان على هذه العناصر مجتمعة ، بغض النظر عن الكمية .
وبالنسبة لمشكلة الجوع في العالم ، وتعتبر تمارا بأنها تتأتى من النقص الكميّ والنوعي في الغذاء ، وهو ما يجعل جسم الإنسان غير قادر على العمل ولا يقوم بوظائفه بالشكل المطلوب .
فنحن عندما نخفف الطعام ، تُضيف تمارا ، يبحث الجسم عن مصادر طاقة بديلة . فيُحرق المخزون الموجود في داخله ، من نشويات في الكبد والعضل ، ثم الدهنيات، ومن بعدها البروتينات ، ممّا يؤدي إلى ضمور في العضلات . ومن هنا يضعف جهاز المناعة ، وتحصل اشتراكات في الجسم ، إضافة إلى حالات الخمول والضياع والكوما ، ممّا يتسبب بارتفاع نسب الوفيات في الدول التي طالتها المجاعة .
وتعتبر تمارا بأن الغذاء الأساسي التي تدعم به الأمم المتحدة والجمعيات الإنسانية والدول الكبرى ، مناطق المجاعات ، هو الأرز والقمح والذرة . وهي مواد غذائية تؤمن الطاقة ، لكنها غير كافية للغذاء مُتكامل .
وقد تخضع هذه المواد للتصنيع ، على شكل معكرونة وطحين ابيض ، إضافة إلى أن استخدام المواد الكيميائية كالمبيدات الحشرية ، تؤثر سلباً على نوعية الغذاء ، تؤثر سلباً على نمو الجسد.
وترى تمارا بأن قارة أفريقيا التي تتفشى المجاعة في أرجائها ، لا تتلقى ما يكفي من الدعم ، رغم اهتمام المنظمات الانسانية بتقديم المساعدة لشعوبها الأكثر فقراً ، مع العلم أنها بلاد واسعة وغنيّة ، وهذا ما يعكس استغلال خيرات هذه البلاد وثرواتها من قبل الدول الكبرى. لذلك فلا حل للجوع وفقدان الأمن الغذائي ، إلّا من خلال وعي الشعوب والأنظمة لضرورة إنقاذ العالم من التلوث والسلاح ، وتخفيف الغازات والدخان المنبعث من الآلات ، والابتعاد عن الحروب ، والّا ستختنق الأرض وتتقلص ثرواتها عاماً بعد عام .