قبل الموت ما بعد الحياة

مدونة غابي جمال بين لبنان واليابان

لا تنظف الحياة بورق الصحف عند غابي الجمال . لا يعتبرها نفاية بلاستيكية. لذا ، لن يذوب في جدران المدن . مدن كثيرة سعى بنشاط من أجل وحدتها ، بعد أن فهم الطبيعة الحقة للحياة . حياة لا يحيا خارجها ، بعد أن رفع غطاءها كما لو أنها صندوق مصنوع من كثير من الرذاذ لا من إنهمار المطر . تتسع بوصات من دون ازعاج إلا لمن ضمن لنفسه أن يزعج نفسه بإدارة الظهر للكليشيهات. لا حسن حظ. برقٌ ورعد . ذلك أن لا مأوى لأن المآوي مأوي عند الجمال . مآوي لا تدوم وهي تغرق الآوي في الملاذات الطاغية . هكذا ، لاحت المساحات مقفرة تقريباً . أو أنها بدت شديدة النحول ، ما دفع غابي الجمال إلى الإستعانة بالإحتياطي من الحياة ، حتى يدفعها قدماً إلى نوع من الإمتلاء . لا ألعاب . الإنطلاق قدماً بكلام صاروخي ، بهدف دفع الكرة إلى منتصف الملعب .البداية من منتصف الملعب . أية مفارقة . ثم ، من النصف إلى الأرجاء بدون خوف من التعرض للإصابات . الأخيرة مخرج من مخارج من الأزمات إلى الإنفراجات . هكذا وهكذا ، وصولاً إلى نهاية يستعجلها المؤلف في فصل من فصول المؤلف الأخير ، حيث يسمى وهو مفتح العينين على آخر الفتحات ، على آخر البرد والمرض . إنها نهاية سوف تتحلل ، لأنها من صنع الخيال . إغلاق العينين ، فتح العينين . وتعا تعا تفرج يا سلام . الفرجة أحلى من الكلام . فرجة في كلام . هذه واحدة من ميزات ” قبل الموت ، ما بعد الحياة “( دار الفارابي ). فرجة حتى الموت . فرجة غارقة ما بوسع المؤلف . فرجة حتى النهاية . نهاية افتراض . أو افتراض نهاية . الراوي رجل ، يرى في الحياة شطائر هشة . سماء تتشح بالألوان القاتمة ، ما دام الرجل يعرف أن المهجر يسقط في الغربة والإغتراب من دون أن يعرف كيف يمسك نفسه بعد أن منح نفسه للحياة . الراوي يرى في الحياة فنجان قهوة إكسبريسو ، مجلة مفتوحة بفعل الريح، سحب ترسم عقدها وهي تحلق من مجال إلى مجال . ثمة بياض مفاجئ تتقاذفه الريح . كلام شديد . لا شديد السوء . كلام شديد، يتقدم بلا تراجع . كلام الراوي كلام الأب في نهاية الكلام . كلام يدور تحت أقمار ما قبل الموت ، ما بعد الحياة . لا احاديث ، لا ذكريات ، لا تحادث مع الأم ولا الزوجة . الكلام على العمات ، لأنهنّ أخوات الوالد . ذكورية تمضي على ارتفاع عال للغاية . خلق التخلي عن هذه الهواية رابطة من روابط العلاقة بالأب . علاقة كاسحة . غياب الأب في بلاد بعيدة وجود مضاعف في تركيبات المؤلف . المؤلف ذو تركيبات لا تركيبة واحدة . تركيبات على مقاعد الحياة الدوارة . العلاقة موائد عديدة بين غابي وعيسى . ابو العيس في المؤلف . المؤلف لا الرواية . هجرة الأب طبعة جديدة من طبعات الإغتراب . الإغتراب عن فلسطين ، حيفا. الإغتراب عن بيروت . الإغتراب عن النفس . ليمت أوديب في غيظه . ليمت فرويد في غيظه . ليمت الإثنان . لأن غابي لم يسع إلى قتل الأب . لن يسع إلى فقأ عينيه لأنه، لا يزال يرى . لأنه لم يفقأ عينيه . كلام قليل على الوالدة . كلام قليل على الزوجة اليابانية . إنها فتاة حزيران . لن تقبع الأم في سلبية . لن تقبع الزوجة في سلبية . ولكن الواحدة منقوشة كالوشم في مملكة خاصة . مؤلف لا رواية . مؤلف ، رواية أعوام طويلة . الهجرة أولاً . ثم ، التهجير . سوف يسد الأخير العجز في حياة من هجروا من أرضهم ، ليهجروا من أرض هجروها بعد أن هُجِّروا اليها . لا رواية . ثمة راو . ثمة مدونة . إذن ، ثمة مدون . مدون يترهل إذا لم يغضب . لن ينسيه الغضب أنه غاضب . وأن ثمة أسباباً للغضب . شراء كراسة جديدة من أجل التدوين من مقصيات الحال . تدوين ملاحظات وخواطر واسئلة في نوع من كلام دافع لا يقاوم . كلام كجري النهر . لا يتوقف النهر لأنه لا يسمع لأحد ، لا يسمع سوى لمائه . هذه حال غابي الجمال . ينزع مونولوغه من أسفل الرأس إلى أعلاه . مونولوغ غاضب . الغضب سمة المدونة والمدون . شعر لأسباب واضحة أن عليه أن ينتزعها من موضعها . أن يعقدها على يديه لكي لا يظهر لاعباً ضائعاً كلاعب كرة القدم ، من دربهم والده في بيروت . مدونة أولاً. كتلة نصوص وراء كتلة . كتل على محتوى . المحتوى موجود. الإغتراب والغربة . كتلة نصوص تعبر مراحل زمنية متعاقبة على لغة عربية تتعلق بوضع الأشخاص والأشياء في الأماكن الصحيحة . نصوص من ارتباطات ومرفقات . وسيلة تنشأ لمشاركة المعلومات . المدونة من اللسانيات . لسان من اللسانيات . لذا ، إن الكلام على مدونة لا رواية ، لا ينقص من قواها ، قوى الشحن ، قوى الإرسال ، قوى الطبع ، قوى من يستهل ومن يختم . مدونة . بالمدونة صرف ، صوت، معجم ، دلالة ، تداول ، تحليل خطب . كلها تلعب أدواراً رئيسية في مدونة غابي الجمال . المدونة تطبيق . تعمل من خلال إدارة نظام المحتوى . صفحة ويب على شبكة الإنترنت . أو على الورق . مدخلات مرتبة ترتيباً زمنياً تصاعدياً يتحكم فيها ناشر المدونة . التحكم سمة من سمات المدون . نظام من أنظمة الأرشفة في مسار دائم لا يتغير منذ لحظة النشر على ثبات الروابط . ثبات من الخوف من التحلل . مدونة المدون كراسة من النوع القياسي في مواجهة التحلل . الخوف من التحلل دفع الجمال إلى التدوين . ثمة أسباب واضحة للتدوين . الغضب، الغضب ، الغضب. لن يتكلم المدون على الغضب إلا في صفحات الثمانين من المدونة . لن تخرج الأمور على سيطرة المدون . هذا هدف من أهداف . ولكنها مدونة غضب لا ينتهي في المخطوط النهائي . لم يعفِ الأمر الغضب من الوجود في المخطوط الأولي . غضب من الحياة ، الهجرة القسرية ، التهجير ، الهجرة الطوعية ، الوقوع في ما فهمه المدون من محولات انسياب أفراد العائلة في بلاد الله ، الأصدقاء ، الضيق ، الخوف ، المرض ، تسطير الحياة من الآخرين لا من أصحابها . حشد من كل الأشياء للخروج على ما حدث من تسطير . تسطير التهجير من فلسطين إلى اليابان . بين البلدين ، بيروت والنمسا وإيطاليا وكل بلاد اتضحت معالمها أمام هذا الجوال . بريد إلكتروني على ورق . بريد طويل ميال إلى التندي بالدمع ، مع موت العمات لا الخالات . موت الأب . موت المدون . ثم ، خروجه من الموت ، خروج التأمل من الذهن . من المؤكد أن وجه المدون وجه عاقل لا وجه مجنون . عاقل لا يحتاج إلى إيضاحات قانونية وهو يشد أعصابه على الإيحاء الدائم بالخطر . مات غابي في اليابان ، من تقبلته بشعره . شعر على صلع الإقامة والإنتماء . مدون الغضب على مسرح لا علاقة له بأرسطو الغاضب . غضب اوزبورن ، لأنه أحدث . لكنه غضب لا يمضي بعيداً من الجمالات . الجمال حديثٌ حداثة لا علاقة لها سوى بالسعي وراء الغاية . يجيء الغضب عنده من عدم القدرة على التأقلم مع تفاقم ظروف الحياة ، الغضب على النفس ، الغضب على الشعور بالذنب . غضب عدم تطابق المدون مع خصمه . الخصوم كثر . ولكن الموت على دراجة في اليابان ليس خصماً . الخصم هو التيه الفلسطيني ، تيه بلا حدود يدفع الغضب على نحو يحاكي ولا يحاكي . ثمة ما يسمى بغضب القش . غضب تشتد قوته بشكل مفاجئ . ولكنه يزول بسرعة . لا علاقة لغضب غابي بغضب القش ، لأنه غضب مخمر ، لا مهكر . لأنه غضب الولادة في عالم لم يسمح للمدون بأن يتمتع بلمسة من لمسات الرقة . شيء غير محتمل ، ما دام المدون فلسطيني . لا بشرة بيضاء ، لا عين زرقاء ، لا شعر أشقر . غضب من أول سطر الحياة . ولكن ، يبقى فيها ما يجذب ، ما يجتذب . كل هذا التيه بدون غضب ، تيه بعيد من مواضع الإعتبار . ثمة ما هو مألوف في المدونة . ثمة ما ليس مألوفاً . المألوف عدم التعثر بالكلام . اللامألوف عدم التعثر بالكلام . لأن ما يدونه المدون اختصاره لحياته . شيء من الزن ، ما دام ملماً بحياة اليابان واليابانيين . تأمل كثير . بعدها ، ضربة واحدة تخرج بالمهمة من التفكير المحدود إلى السعي وراء الغاية . تدوين الأعمال . لا زيادة ، لا نقصان . سماع الموسيقى ، شرب النبيذ ، تربية هر ، العلاقات بالذكور والإناث ، الإقامة ، الإنتماء ، اللانتماء ، الترحال ، الإنجاز . ولأن الأمر لم يمض على ما يرام ، لن يجيء الأمر بسيطاً . قوة المدونة من عدم مضي الأمور على ما يرام . دلقة واحدة، انجزت المدونة في مؤلف جدير بتأمل الحقائق ، حيث أن صاحبها لا ينحيها من قوة الدفع إلى التسطير . ثمة ما يدهش، حين يقوم الإيحاء بالخاطر الدرامي بالشد إلى المتعة بعيداً من التعثر . متعة من دراما حقيقية . شيء من ما يحدث في الدنيا . لا حيرة في الأمر . لأن أحداً لا يفهم السعادة في القبلة ، حين لا يفهم السعادة من تراجيديا المدون . ذلك أنها من نوع يوثق به . أي توافقه الكامل مع احداثه في لغة سيالة ، لا تهمها نوايا اللغة الحسنة في الرواية . ذلك أن الرواية تقوم على تعدد الشخصيات ، تعدد الأحداث ، تعقيدها . تعدد الأحداث موجود في المدونة . لا شخصيات . لأن الشخصيات ذكرها لا وجودها على نواحي الوضوح . ثمة كذب في الرواية . لا كذب في مدونة الجمال . التسربل بجسدها مدعاة ضلوع أولاً . ثم ، التوافق الكامل معها . التوافق من عدم ميلانها إلى اللعب والألعاب . بالرواية لعب وألعاب . بالمدونة سرد لا نثري ينثر كلامه بعيداً من القواميس . لا لغة ، لأن اللغة لغة المدون . شيء أقرب إلى الشفاهة . لغة الأدب في سراديب النسيان . غير أن ثمة حياة كاملة أخرجها الجمال من نافذته ، حتى ظهر أنه بحاجة إلى حياة أخرى ، لكي يؤلف مدونة أخرى أو جزءاً آخر من المدونة . هكذا ، لا يظهر التوحش في تبعيد الأم والخالات والزوجة وحكايات الإعتقال في بيروت ، في دفعها إلى غير المعجل في ” قبل الموت ، بعد الحياة “. لعلها مادة الجزء الآخر . الجمال في مدونته ، اكثر صراحة من أن يخدع نفسه ، حتى حين يقول لنفسه أن هناك ما يتعلق بالخيال، في الجزء المتعلق بالإفاقة من الصدمة ، بقراءة ما بالوسع من منطق لا يتناغم ومنطق ما حدث في المدونة من أولها إلى فصليها الأخيرين. أو تصفح الحياة على ما هي عليه ، بدون إدارة صارمة . ثم ، ما يحدث عندما لا تجد من تحادثه بعد المانيفست الأول ، طوال الصفحات المئتين الأول. انتشار لا يخفي الأمور . بعدها الإبتعاد من حقائق الصفحات حيث ما يسرد يسرد في روح تقرير ، يستخدم الوصف في ما رآه المدون في أدق الحدود بحيث تضحي رواية موته خارج اعتامات الداخل في تلائم الوصف الأعلى مع جمالات لا علاقة لها بالنحافة . ذلك أن رواية قصة الموت على الدراجة الهوائية ، بزخارفها الواقعية ، هي الأجمل في ازدحامها بالأحداث من دون إفراط . نوع رفيع الطراز ، لا يكترث للإنعطافات كما حدث في واحد من الفصلين الأخيرين ، حين وجد الراوي أنه يتعين عليه أن يدفع بمؤشراته المؤجلة في تراجعه عن سلوكه الأول بصالح مواصلة التحرك ، بهدف الوصول إلى حذو تخيلي في مشهد افتراضي للموت . موت مصطنع بعد الموت / الموت . الموت الواقعي . موت الراوي في الواقع.إذاك ، يقوم الخيال مقام النظرات المختلسة للإبداع . لن تتاح الفرصة للإفلات من المقارنة بين الموتين . سلاسة خلابة في تدوين ما يدون من موت المدون . مشهد عريض ، يسبقه ما يسبقه ويتلوه ما يتلوه ، إلى درجة أن إبقاء الراوي نفسه منتبها لأدق التفاصيل المساحية ، يقود إلى الظن بأن ثمة روح سياحية تقود إلى قراءة المواضع في مقر الإقامة ، وصولاً إلى الجسور والأنهار والأشجار والمقاهي والمطاعم ومقاطع السكك الحديد ومحال بيع الملابس التقليدية في الطريق من وإلى البيت. تفكيك أوربانيسمي يشق طريقه على مهل في نوع من تغير الحالات برفق بالغ . وصف لا علاقة له بالمطويات ولا بالملصقات السياحية ، حين أن الجلوس في مقعد الموت تخيلاً، وقع في نوع من الإستعراض الثقافي ، بدون قوة على تبرير هذا الإستعراض الموسيقي ، السينمائي ، الغنائي . كلام بطول قطار يضع فيه المدون مرفقيه على طاولات الهواء متطلعاً إلى البعيد من دون أن يحسن في التكثيف والإختزال . كلام على العزاء والمعزين، بدون شعور بما يكسو وجه المدون . مواد التجميل كثيرة في مشهد العزاء الإفتراضي والمعزين الإفتراضيين. نهاية الرواية عند نهاية الوالد . هذا اقتراح . الباقي للجزء الآخر . جزء قد يشتهي استيعاب فانتازيا مشهد الموت الإفتراضي . الكلام على تحضير الرزنامة والمواد الأخرى ، كل ما يجيء بعده كلام لحاق لا يلحق .دخول متردد ، قراءة مترددة . ثم ، قراءة ميسرة محفزة . كأنه نوع من تجميع الشجاعة . لا وقوع بعدها في قنوط الصفحات الأول . ذلك أن لا شعور بالأسف بعد الصفحات العشرين . دخول، من المستحيل معرفته . غير أن الفصل الأخير ، فصل الخروج ، واجهة لا فصل سفريات . الخروج هو معرفة متى يخرج المدون من المدونة بشعور ضرورة عدم التفوه بأي حرف. نهاية المدونة لا في نهايتها ، نهايتها قبل النهاية . اذ وقعت في تكرار الأحداث ، مذ راح المدون يقول ما قاله الآخرون من دون تسميتهم . مدن الملح ، حروب صغيرة . عبد الرحمن منيف . ومارون بغدادي . سوف يأتي ذكر الأول في الفصول الأخيرة . فصلان يخرجان على حركة المرور في قلب المدونة وهي تؤكد أنها ما هي عليه حين تخاطب القراء مباشرة . أو حين تشافه اتحاد كرة القدم الفلسطيني . مدونة ناجحة في فصول المؤلف . رواية لا تقدر على قيام بدل ما فعل في قلة إفلاحه بالتوفيق بين المدون والراوي . نحو المدون إلى الروي في الفصلين الأخيرين نحو يقيم الحواجز لا رفعها بصالح العبور من خاص إلى آخر . تجفيف المدون للتدوين في الفصلين هذين لم يتح له أن يكسو الفصلين بما أراد . ما يؤكد أن الرواية خد والمدونة خد . كل خد في وجه . لا في وجه واحد . الكلام على الفاصلة والنقطة كلام ضرورة من وقوع الإثنين على بعضهما من دون توفيق . الفاصلة تقود المقاطع إلى التداخل ، بحيث ينحشر المعنى في المعنى حتى يفقد المعنى معناه . ضبط النقاط لا استرسال الفواصل . أما تحرير المؤلف من دار النشر ، معضلة تحدث منذ أضحى المؤلف متيسراً لكل من من أراد عدم حجب مؤلف بالقوى المادية . تحرير الدار إشراق لا يقع . هكذا ، تقع المؤلفات في حالاتها المتطرفة.