كوابح التعاون/ التكامل/ العربي المشترك والقدرة العربية على التأثير الدولي

منذ نشوء الدولة القومية، جراء معاهدة وستفاليا عام 1648, والسياسة الدولية، ببعديها الإقليمي والعالمي، تقترن بظاهرة أساسية استمرت لصيقة بها، هي ظاهرة الصراع الدولي. وفي ضوء التجربة التاريخية تُعد هذه الظاهرة مخرجا لتناقض المصالح الإستراتيجية، وانتفاء الثقة المتبادلة، وسوء الإدراك، وردود الأفعال المعادية واحتمال تصاعدها إلى مستوى الحرب. إن ديمومة هذه الظاهرة لم يلغ تزامنها مع ظاهرة دولية أخرى ذات مستويات متعددة ومضامين متنوعة وخصائص مختلفة، هي ظاهرة التعاون وحتى بين الدول ذات المصالح المتناقضة. ولنتذكر مثلا الحرب الباردة. فالصراع الأمريكي- السوفيتي أنذاك لم يحل دون حرص طرفيه على التعاون إدراكا منهما لفوائده المتعددة. والشيء ذاته، أي تزامن الصراع والتعاون، ينسحب على المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي.

المرء، عندما يتناول موضوع التعاون الدولي، بمستوياته الإقليمية أو العالمية، فإنه يتناول لآنه سبيلا تؤكد اتجاهات حركة السياسة الدولية إنه أضحى أساسيا، ولمدخلين أساسين: أولهما، أن معطيات عالم أضحى صغيرا ومتغيرا بسرعة لم تعد تسمح للدول أن تتبنى خيار العزلة السياسية الخارجية، ومن ثم الانكفاء على الذات وعدم التفاعل مع سواها. فمثل هذا الخيار لا يعطل فقط القدرة على الاستفادة من الفرص، التي تتيحها المعطيات الدولية الراهنة، وإنما كذلك الحد من التهديدات الناجمة عنها ايضا. أما المدخل الثاني، فهو يكمن في مخرجات سياسة التعاون. فإضافة إلى أنها تعد رافدا مهما لعناصر القدرة، بمعنى القوة، الذاتية على الفعل، فهذه تضفي خصائص الفاعلية والتأثير على كيفية تعامل الدول المتعاونة مع الفرص والتحديات الدولية لصالحها المشترك.

على أن جدوى خيار التجمع الدولي سبيلا لتعاون تُساعد مخرجاته على ترتيب المعطيات الملائمة لصناعة المستقبل المنشود، يقتضي التأمل والتخطيط، ومن ثم الاستعداد المسبق، لكيفية التعامل مع معطيات الزمان الراهن والقادم. ومما يدعم هذه الضرورة أن صناعة المستقبل كانت على مر الزمان لصيقة بجوهر الإنسان باعتباره كائن مستقبلي. ومن هنا كانت هذه الصناعة صناعة بشرية. فالإنسان هو الذي يصنع المستقبل، على وفق رؤيته المحسوبة وعمله الجاد وإرادته الواعية، وليس المستقبل هو الذي يصنع الإنسان.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والانحياز إلى المستقبل يجتاح العالم، شمالا وجنوبا. وتؤكد الممارسات الرسمية والمجتمعية ذلك. فإضافة، مثلا، إلى تبني الحكومات، هنا وهناك، مشاريع مستقبلية تمتد على عقود من الزمان، من تاريخ الآخذ بها, للارتقاء بواقع بلدانها، عديدة هي ايضا الجمعيات, والمراكز, والدوريات, العلمية المتخصصة بدراسات المستقبلات, هذا فضلا عن قيام جامعات ذات شهرة عالمية وإقليمية بإدخال هذه الدراسات ضمن برامجها التدريسية ومنح درجات علمية عليا: ماستر ودكتوراه فيها, ناهيك عن تكرار عقد المؤتمرات العالمية والإقليمية…الخ

وتثير المقارنة بين مجمل تلك الدول، والعديد منها ينتمي أيضا إلى عالم الجنوب، التي حسمت موقفها من صناعة المستقبل عبر تبنيها للأصالة والحداثة وما بعد الحداثة وبمخرجات رفدت أما ديمومة ارتقائها الحضاري أو دعمت نهوضها السريع بمقوم مهم مضاف، وبين طغيان الانحياز العربي، في العموم، أما إلى الماضي أو إلى الحاضر في أحسن الأحوال، تثير تساؤلا في غاية الأهمية، هو: ما الذي دفع بأمة الحضارة، أمتنا العربية، إلى أن تبق خارج صناعة التاريخ؟ إن مقالنا المختصر هذا لا يستطيع الإجابة عن مثل هذا السؤال المهم. لذا سنعمد، ولو باختصار، إلى البرهنة على فرضية تتناول أحد المعطيات، التي نرى أن مخرجاته قد ساهمت مع سواه في جعل التأثير الدولي لآمة العرب، محدودا في الحاضر. والفرضية، هي: إن مخرجات محدودية الحرص العربي على الارتقاء بالتعاون، أو العمل، العربي المشترك إلى أفاق أرحب أفضت حاليا إلى محدودية القدرة العربية على التأثير في التفاعلات الإقليمية والدولية للصالح العربي. ومن أجل البرهنة على هذه الفرضية لابد أولا من ضبط مفهوم التعاون، ومن ثم تحديد دور المدخلات الداخلية العربية وكذلك المدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية، في الحد من التعاون، أو العمل، العربي المشترك.

1.في مفهوم التعاون

يُعبر هذا المفهوم عن عملية تراكمية تدرجية مبعثها إرادة سياسية مشتركة تعمد إلى توظيف المصالح المشتركة بين أطرافها سبيلا لخدمة أهداف مشتركة ومجدية. وعادة ينجم التعاون بين دولتين أو أكثر، عندما تلتقي المصالح على صعد محددة. وفي العموم يبدأ هذا التعاون على وفق صيغة الحد الأدنى، ومن ثم أما يتطور أو يتراجع جراء تأثير ثمة مدخلات نابعة من البيئة الداخلية والخارجية للدول المتعاونة. لذا يتحدد مستقبله في ضوء مدى فشله أو نجاحه. فعلى العكس من الفشل، يشجع نجاحه على نشره إلى مستويات متقدمة أخرى وصولا به إلى مستوى التكامل المحدود أو شبه الشامل. وتؤكد أمثلة دولية ما تقدم.  وفي مقابل تجارب التعاون بين دول منظمة الدول الأمريكية، وكذلك دول منظمة الاتحاد الأفريقي، التي نُقدم أمثلة على التكامل المحدود، تقدم تجربة تطور التعاون بين الدول الأوربية، الذي استقر حاليا ضمن أطار الاتحاد الأوربي مثال على التكامل شبه الشامل.

 وبالمقابل، تقدم جامعة الدول العربية أنموذجا للإخفاق على جل الصعد المهمة. فعلى الرغم من أنها تُعد من أقدم المنظمات الإقليمية الدولية (تأسست عام 1945)، وأنها تجمع بين دول تربطها مقومات ثابتة وممتدة في الزمان، ومن ثم مصالح مشتركة وطيدة، إلا أنها، في العموم، لم تستطع الارتقاء بالتعاون العربي المشترك حتى إلى مستوى التكامل المحدود مثلما حدث مع تلك الدول، التي تفترق أكثر مما تجتمع.

وقد شهد الوطن العربي، بعد الحرب العالمية الثانية، عددا من التجارب ذات البعد التكاملي/ الوحدوي. بيد أن فشلها جميعا، باستثناء تجربة الوحدة الإندماجية بين شطري اليمن، الشمالي والجنوبي، في 22 أيلول 1990, يفيد بتباين المدخلات/الأسباب/ التي أدت إلى هذا الفشل. وعلى الرغم من أن مدخلات الفشل تتباين من تجربة عربية إلى أخرى، الآمر الذي قد يحول دون إمكانية التعميم وبناء الفرضيات العلمية، إلا ان فشل مستويات التعاون العربي، وبضمنه محاولات التكامل السياسي، لم تكن بمعزلٍ عن تأثير ثمة مدخلات عربية وأخرى خارجية وتفاعلاتها.

  1. المدخلات العربية للفشل

تفيد التجربة أن الأفعال التاريخية الكبرى، على تنوعها، لا تتبلور وتساعد على صناعة المستقبل، إلا بعد أن تكون ثمة شروط ومستلزمات أساسية داعمة لها، وسابقة عليها من حيث الزمان، قد تحققت أولا. ومن بينها توافر الوعي بجدوى تغيير الواقع نحو الأفضل خدمة لأهداف حيوية ينعقد الأجماع، أو شبه الأجماع في الآقل, على ضرورة إنجازها  في الحاضر تمهيدا لصناعة المستقبل المنشود, هذا فضلا عن توظيف الأدوات المؤثرة المتاحة ,سبيلا لنقل هذا الأجماع من حالته النظرية الى حالته الواقعية.

وتفيد التجربة الأوربية بمثال على كيفية الارتقاء بالتعاون إلى مستوى متقدم منه. فعلى الرغم من أن أوربا تُعد في حقيقتها الموضوعية تجمعا متناقضا لتنوع قومي وثقافي واجتماعي وتباين اقتصادي وسياسي وتطور حضاري …إلخ. بيد أن مخرجات هذه التناقضات وغيرها، لم تحل دون الارتقاء التدريجي والعمودي بالعملية التكاملية الأوربية. ولنتذكر أن هذه لعملية بدأت بالمجموعة الأوربية للصلب والحديد في عام 1952 مرورا بالمجموعة الاقتصادية الأوربية، المعروفة باسم السوق الأوربية المشتركة، في عام 1975, وصولا، بعد انتهاء الحرب الباردة، إلى الاتحاد الأوربي في عام 1993.

         ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي، مر التعاون/التكامل الأوربي بإنجازات وإخفاقات لا مجال للدخول في تفاصيلها. وقد أفضت حصيلة التعاون الأوربي إلى أن تتباين الآراء، التي تناولت مستقبلاته. فمقابل تلك التي اكدت تماسك الاتحاد الأوربي وتطوره الوظيفي، ذهبت أخرى إلى رؤيته متراجعا ومتفككا. وبينهما قال رأي ثالث بامتداد معطيات الحاضر، بشقيها الإيجابي والسلبي، إلى المستقبل. ومع اننا نتفق، في العموم، مع هذا الراي، إلا أننا نرى أن توافر أوربا على تلك المقومات التي تحول دون فقدانها للرؤية بعيدة المدى لكيفية صناعة المستقبل، التي تميزت بها عملية تعاونها/تكاملها خلال سنواتها الطويلة، هي التي ستجعل من الاتحاد الأوربي قادرا على احتواء إشكالياته الراهنة، وبحصيلة ستجعل الارتقاء بواقعه الراهن ممكننا، ومن ثم الانتقال به إلى أن يكون إحدى القوى التي ستشكل النظام الدولي الجديد قيد التشكل.

إن التنوع، الذي لم يمنع أوربا من الارتقاء بتعاونها/تكاملها إلى مستوى متقدم بالمقارنة مع ماضيه يتقابل موضوعيا مع تنوع عربي أدت مخرجاته إلى تعاون عربي كان جل ماضيه أفضل من جل حاضره. ولم يكن هذا الواقع بمعزل عن تأثير عموم الإشكاليات الهيكلية العربية الممتدة منذ تأسيس جامعه الدول العربية في عام 1945. فاتجاه هذه الإشكاليات، وهي عديدة، جعلت من التراجع والتردي لصيقا بالواقع العربي ومنذ عقود. وهنا لنتذكر، مثلا، إنها لم تؤد فقط إلى تجذر التفكير والسلوك القطري، وإنما أيضا إلى استمرار ارتفاع اسوار العزلة النسبية بين الدول العربية والحيلولة دون الارتقاء بتعاونها المشترك، هذا فضلا عن إنها عطلت إمكانية اقتران الواقع العربي باتجاه يعاكس الاتجاه القطري، الذي أفضى علية ميثاق جامعة الدول العربية، ومن ثم النظام الرسمي العربي, سمة الشرعية الرسمية.

 لذا، لا غرابة، مثلا، في استمرار بقاء التجارة العربية البينية متواضعة وبنسبة لم تتجاوز 10% من اجمالي التجارة العربية الدولية. والشيء ذاته ينسحب على حجم الاستثمار المالي العربي داخل الوطن العربي، فهذا لم يتجاوز 13 مليار دولار في بداية القرن الحالي، مقابل أكثر من 1000 مليار دولار كاستثمارات خارجية، مباشرة وغير مباشرة، رسمية وخاصة. وفضلا عما تقدم، يقدم مؤتمر القمة الاقتصادية العربية في عمان عام 1988 مثلا واضحا على التناقض بين التعهدات وبين الأفعال الرسمية العربية مع بعض. فعلى الرغم من أن قرارات هذا المؤتمر أفادت بإدراك صناع القرار العرب لأهمية وجدوى الارتقاء بالاستجابة العربية إلى مستوى التحديات القومية، الآمر الذي أفضى إلى التوقيع على ثلاث وثائق تُعد من بين أهم إنجازات التعاون الاقتصادي العربي، هي: إستراتيجية العمل العربي المشترك، وميثاق العمل الاقتصادي العربي، فضلا عن عقد التنمية. بيد أن هذه الوثائق المهمة لم تدخل حيز التنفيذ منذ آنذاك. إذ تم تجميدها في الآقل. والشيء ذاته ينسحب، قبل تاريخ انعقاد هذا المؤتمر، على اتفاقيه الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي لعام 1950, وكذلك على ميثاق الوحدة الثقافية العربية لعام 1964.

إن مخرجات التنوع العربي، متعدد المضامين والاشكال، جعلت التجزئة العربية بمثابة البديل ليس فقط لمشروع الوحدة العربية، وإنما أيضا لأشكال التعاون والتكامل الجماعي بين الدول العربية, سيما إنها, أي التجزئة, استمرت تؤدي دورا خصبا في تحويل التنوع العربي إلى قوة دفع باتجاه تكريس تباين المصالح, وسوء الإدراك, وعدم التنسيق السياسي الخارجي ,مثلا. وعلية لا مغالاة في القول إن الواقع العربي صار مدخلا للتجزئة ومخرجا لها في إن. ونرى أن التغيب المتعمد لهذا الواقع ينطوي على خطورة مهمة تتمثل في تكريس ثقافة التجزئة في الوعي التاريخي والإستراتيجي الجمعي العربي، ومن ثم تسهيل توظيف مخرجاتها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من أجل تحويل الدول العربية إلى مجرد دول لا يجمعها سوى النطق باللغة العربية، وعلى غرار تلك الدول الناطقة باللغة الإنكليزية أو الفرنسية في أفريقيا مثلا، ومن ثم الإبقاء على الوطن العربي مفككا وضعيفا ومحطا لنهب إقليمي وعالمي ممتد.

  1. المدخلات الخارجية للفشل

في عالم يتميز بمثل ما يتميز به زمان الحاضر، ما عادت الدول، ومهما كان مستواها في التقسيم الدولي للقدرة على الفعل، تستطيع أن تكون بمنأى عن أفعال سواها حيالها. بيد أن نوعية الفاعلية الخارجية لهذه الدولة أو تلك هي التي تحدد حصيلة الأفعال الموجهة إليها. ولنتذكر أن الدولة ذات الفاعلية هي غير تلك التي تفتقر لمثل هذه الفاعلية.  والشيء ذاته ينسحب على وطننا العربي. فعلى الرغم من أنه يتوافر على العديد من مقومات القدرة الذاتية والموضوعية على الفعل الدولي الهادف والمؤثر، وهي معروفة، بيد أن التوظيف العربي لها كان نادرا. ولا يلغي هذا الواقع تلك الاستثناءات المحدودة، التي عبرت في وقته عن حالة مغايرة، تجسدت في التوظيف الفاعل لبعض عناصر القدرة العربية (النفط) , ، لنتذكر، كمثال، أن المخرجات الإيجابية لسياسة الحظر النفطي العربي عام 1974, هي التي دفعت بالصحف الألمانية في وقته ألي القول:” … إن العرب صاروا قوة كبرى.”

إن ندرة توظيف العرب لقدراتهم على الفعل الدولي الفاعل لا يعود إلى تأثير معطيات الواقع العربي في أنماط حركتهم السياسية الخارجية فحسب، وإنما أيضأ إلى السياسات الخارجية لدول إقليمية وعالمية التأثير والتفاعل العربي مع أهدافها. وتفيد التجربة الطويلة للتعامل الدولي مع العرب أن ثمة دول كبرى وأخرى إقليمية لم تتردد عن الوقوف، أما منفردة أو مجتمعة، بالضد من أي مشروع حضاري نهضوي عربي من أجل إفشاله. ولنتذكر، مثلا، المناهضة الأمريكية وسواها للمشاريع القومية لكل من مصر المرحوم عبد الناصر وعراق المرحوم صدام حسين. فمشاريعهما الوحدوية كانت قد شكلت تهديدا جادا للمصالح الأمريكية وسواها ليس فقط في الوطن العربي، بل أيضا في المناطق الإستراتيجية الآخرى في العالم. فمن أجل ديمومة الدور الأمريكي العالمي، قبل انتهاء الحرب الباردة وبعدها، عُد تأمين الانسياق الدولي وراء سياستها ضروريا. ومن أجل ذلك تم توظيف أدوات القدرة الأمريكية لأسقاط تلك القوى ذات المشاريع الحضارية والمناهضة لها في المناطق الجغرافية المهمة بالنسبة للآمن القومي الآمريكي سبيلا لاستعمار مستقبلات هذه المناطق. ومن بينها بالضرورة الوطن العربي.

إن المناهضة الدولية لمشاريع النهوض العربي لم تعمد إلى مجرد إفشالها فحسب، وإنما أيضا إلى إعادة ترتيب أوضاع الوطن العربي وعلى نحوِ يؤمن تعميق تجزئة الواقع العربي المجزأ أصلا وتكريس معطيات المشهد الناجم عنها، أي مشهد التردي المستمر منذ عقود. فالقوى الدولية المناهضة للنهوض والتغيير العربي تدرك أن التجزئة العربية الأولى لم تحل، على الرغم من نتائجها السلبية المعروفة، دون تكرار محاولات التكامل والنهوض. لذا، ومن أجل إلغاء أية محاولة عربية جديدة تعيد بناء الواقع العربي تمهيدا لبداية التغيير والارتقاء الحضاري العربي، يضحى استعمار مشاهد المستقبل العربي، ولا سيما مشهد التغيير، هو الهدف النهائي للقوى المؤثرة إقليميا وعالميا.

إن تلك الآراء التي تقلل من قدرتنا، نحن العرب، على النهوض الحضاري تتناسى أن المستقبل يقترن بما يختاره كل مجتمع لذاته. لذا، أن حصيلة الصراع الدائر، ضمنا و/أو صراحة، داخل الوطن العربي بين المتغيرات الداعمة للتفكك والتشرذم والخروج من التاريخ وبين تلك التي تحفز على التعاون والتكامل والارتقاء والعودة إلى صناعة التاريخ, ستتحدد على وفق ما تبشر به مخرجات معطيات, مادية ومعنوية داعمة لجدوى بناء شبكة واسعة وعميقة من المصالح بين العرب تمهيدا لعلاقة اعتماد متبادل وتضامن وطيد بينهم, معطيات أخذت تنتشر, ومنذ زمان, على صعيد الوطن العربي ببطيء ولكن بثبات. لذا من المرجح أن يقترن المستقبل العربي خلال زمان المستقبل المتوسط، أي من الآن إلى عقدين من الزمان، بمشهد سيجمع بين استمرار معطيات التردي ومعطيات التغيير تمهيدا لمشهد أخر، هو التغيير العربي.

  • إستاذ العلوم السياسية/السياسة الدولية ودراسات المستقبلات