لبنان البطّة المُقعدة بانتظار دونالد ترامب

               من الطبيعي المُباشرة اوّلاً، وفي ضوء ما حصل ويحصل في لبنان الجريح أن مسافاتٍ شاسعة قائمة وكانت تقوم في أذهاننا حكماً بين مفهومي التسويات والسلام عبر تاريخ العرب المعاصر. لنتذكّر بواقعية كيف تحمّس الرئيس المصري أنورالسادات للإنخراط في مبادرة سلمية نحو كامب دايفيد فكانت النتيجة اغتياله وأُربك يومها العرب والعالم. أكتب هذا الكلام في ضوء ما حصل ويحصل في جحيمين كبيرين: طوفان غزة ومقاومة لبنان المساند والمسنود من إيران بالطبع. سبق أن قامت مبادرات وإتفاقات جزئية في أوسلو وأريحا وغيرهما، لكنها بقيت مسائل مؤقّتة ومحكومة بالفشل والتشظيات في المواقف المرتجلة غالباً بصفاتها وجهات النظر حافلة بالأسئلة وعلامات الإستفهام الكثيرة. صحيح أن تلك الهوامش حملت صفة التسويات التي أورثت الكثير من التداعيات السلبية والتشقّقات والإتّهامات بين زعماء العرب ومسؤوليهم وشعوبهم، وهي، كما إتّضح بالتجربة، لم تؤشّر حتى بغبار السلام الشامل والناجز أوبالإستقرار النسبي، لكنّ المعضلة كانت وما تزال مرتبطة بطبيعة هذا الكيان الإسرائيلي وجذوره المتجذّرة في شرايين الدول الكثيرة التي لا حيّز في استراتيجياتها لمصطلح السلام ولا حتّى للتسويات في عقول مسؤوليها وقواميسهم التاريخية الحافلة  بالمخاطر ونهب ثروات الدول النفطية والغازية وغيرها.

ويمكنني الجزم بأن نتيجة تلك التسويات دفعت وستدفع الكثير من الأنظمة الى المخاطرة بين غضب شعوبها ومراوغات “إسرائيل” المسنودة إلى عداوتها التاريخية وطمعها بمن حولها وبين الضغوطات الهائلة التي أدمنت الدول الكبرى في ممارستها على العرب الى درجة تشتّت السياسات الأمنية العربية والحفاظ على تشظياتها الهائلة.

وهنا أورد الرواية المفيدة التالية:

دار حوار أثناء الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982 للبنان في مركز ضبية الذي إختاره الإسرائيليون آنذاك مقرّاً لقيادتهم شمالي العاصمة بيروت، بين ضابطين لبناني و”إسرائيلي” يتكلّم العربيّة بطلاقة وباللهجة الفلسطينية، وإعترف خلاله الإسرائيلي بأنّ دولته قد أخطأت خطأً شنيعاً عندما اعتمدت إستراتيجية السلام مع بعض أنظمة الدول العربيّة فوقّعت معها إتفاقيات منفردة منيت كلّها بالفشل. وأفصح أنّ دولته مشغولة بوضع إستراتيجية أخرى هي محاولة تحقيق السلام مع الشعوب العربيّة وفقاً لخطّين متلازمين: التطبيع بهدف التخضيع من ناحية والحروب الداخلية بهدف التجزئة والتقسيم لتلك الشعوب من ناحية أخرى.

جاء هذا الكلام على لسان وزير داخلية لبناني طامح لكرسي بعبدا، في سياق لقاء معتبراً بأنّ تلك الدول لا تستطع أن تحمي ما فعلته من تنازلات”لإسرائيل”، إذا ما  بقيت تلك المحاولات في خرق الأنظمة مشلولة وشبه معزولة عن الوجدان الشعبي العربي. ولنعترف عرباً ومسلمين بأنّنا شارفنا حدود الإعياء بحثاً عن كيفية تحقيق الإستقرارلأوطاننا وأجيالنا المقبلة. وسيتضاعف هذا الطموح المشروع في الإستقرار متلازماً مع أهوال الحروب والتفجيرات الهائلة والمجانية والمتنقلة بين بلد عربي وآخرها فتحت عين العالم ناسج ثوب خطايا الخلط بين الإرهاب والإسلام ومؤمراته  وبالتنسيق مع “إسرائيل” التي تدسّ أصابعها المخابراتية تطبيعاً وتحريضاً وحروباً في العبّ الأوسطي، إذ تجوب القطعان التكفيرية في سوريا والعراق وكأنّ تاريخنا المعاصر وبلادنا وأجيالنا وشعوبنا لم تشبع بعد من صور الذبح والتدمير والعبث والتشويه الذي يجتاح شاشات العالم.

أيمكننا الإجتهاد بأن العرب يظهرون عربين: قسم مرمي في قلب ركام الأوطان وقسم آخر مرمي في قلب الخوف. يتوحدان في الكوارث والخرائب القديمة والمتجددة في غزة ولبنان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها وكأنّ أحداً في العالم لن يكون بمنأى مما يحصل.

عن أيّ عالمٍ أكتب؟

إنّنا، وفي ضوء تعقيدات الوئام بين الأنظمة العربية ، وإستحالته مع”إسرائيل” في صراعها المزمن مع العرب والعالم بشأن فلسطين التي تتوزّع مشاهدها الدموية التاريخية وتتضاعف نحو قمم زعماء العالم ، نبدو وكأنّنا بلغنا حافة تقسيمنا الى عربين: وادة لتقسيم النفوذ فيها وأخرى لتقسيم الجغرافيا.

تتظهّر ملامح إستراتيجية ضمان الإستقرار”لإسرائيل” عندما يصبح لكلّ طائفة أو أقليّة أو مذهب فينا طموحات بالأمن الذاتي المشكول بخواصر دول العالم الكبرى. نحن مجدداً في لبنان ولربّما غيره حيال  التقسيمات الفدرالية والكونفدرالية والخرائط المسحوبة من الأدراج والغرق في رسم الدويلات الفوضوية لكأنّ بلاد العرب قطعة من الجبن تحت السكين الإسرائيلية يمسك الغرب بناصيتها لتسيطر القوى التي ما زالت تعتبر نفسها عظمى وهي في ازديادٍ وتكاثر تنسلّ من جروح البشرية لتسيطر على بقعٍ من العالم يحكمهما تنافس وتوازن على البقع الأخرى.

ماذا نفعل إذن؟

أننتظر الخارج ونتطلّع الى السودان أو الى لبنان أو سوريا والعراق؟

تصرخ تجربتنا اللبنانية كمثال، بأننا ألفنا بتشظياتنا المشاريع الكثيرة الخطيرة ورفع الأصوات نحو الحلول الفدرالية، لكنّني أكتب مهجّراً من بيروت في لبنان البلد الوحيد الذي هو أصغر من أن يقسّم وأكبر من أن يبلع  أننا نعاني تجليّات النموذج الصارخ لما أسميه تقسيم النفوذ بين الطوائف والمذاهب. وما تداول الكثير من اللبنانيين المستجد بسمات الإستقرار النسبي الذي نقاربه ربّما بعد ما حصل ويحصل من كوارث تتجدد حولنا في سوريا والعراق وكلنا بلهاء بانتظار “البطة العرجاء” التي ستخرج من البيت الأبيض منتوفة الريش ليدخل إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثاني إلى مكتبه البيضاوي حيث يصبح كلّ يوم انتظار سنة كاملة في أحاديث الناس حتى العشرين من هذا الشهر يناير 2025 حيث لن نُدرك ملامح الحصاد الآتي بعد إذ يتّكيء كبار السياسيين في شؤون الشرق الأوسط وخصوصاً وتحديداً اللبنانيين بحثاً عن المستقبل مترقّبين الرئيس ترامب خلف المكتب البيضاوي بعدما كان لبنان الجريح والمهجر والنازح متلهفا بانتظار كلمة واحدة من الملياردير الأميركي مسعد بولس رجل الأعمال اللبناني الأصل والأرتوذكسي المستقيم الرأي كما يصفونه في لبنان بعدما عيّنه الرئيس ترامب مستشاراً للشؤون العربية والشرق أوسطية، والمعروف بأنه والد الشاب مايكل الذي تزوج تيفاني إبنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي سيمكث ولايته الجديدة بين الصهرين بانتظار ما سيكون.