تحذير “محورالمقاومة”: الغزوالبرّي لغزّة يفتح كل الجبهات
تحريك جبهتي جنوب لبنان والجولان: “وحدة الساحات” مضبوطة
طاف «طوفان الاقصى» على كل ما عَداه من اهتمامات داخلية في لبنان، فتراجع الى حد الجمود الكلام عن الاستحقاق الرئاسي واختفى الموفدون واخبارهم، ليحتل الوضع في فلسطين المحتلة المتابعة السياسية والامنية الميدانية والانسانية، اضافة الى الوضع على الجبهة الجنوبية، بعد قصف صاروخي من المقاومة اللبنانية والفلسطينية على مواقع اسرائيلية بارزة ومهمة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة ومحيط بعض المستوطنات الحدودية، وقصف اسرائيلي للمناطق الجنوبية المحيطة، ما أثار توقعات بتوسّع الحرب الدائرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة بين إسرائيل
وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وغلافها الى الجبهة الجنوبية اللبنانية.
كان من الطبيعي إزاء حدث استراتيجي كبير قد يقلب المعادلات في الشرق الاوسط، ان يطغى على ما عداه حيث انشغل به العالم البعيد فكيف بلبنان القريب من فلسطين المحتلة، بعد العمليات الضخمة التي بدأتها حركة “حماس” وانضمت اليها “حركة الجهاد الاسلامي” وفصائل اخرى وبخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
اتصالات دولية:لا لتوسيع الحرب
وذكرت مصادر متابعة مطّلعة عن قرب على مجريات الوضع الجنوبي والميداني لـ “الحصاد”: انه بعد قصف المقاومة اللبنانية لمواقع اسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، وبعد العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية من الجنوب، وقصف بعض المستعمرات وادت كلها الى سقوط قتلى وجرحى بينهم مقتل ضابطين كبيرين، جرت اتصالات دولية وعربية مع لبنان عبر رئيس المجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي،وعبر قطرودول اخرى، لمحاولة معرفة طبيعة تصرّف «حزب الله» حيال التطورات الميدانية والسياسية الجارية في غزة، وهل سيوسّع نطاق المعركة من غزة الى جنوب لبنان والتي قد تتوسع اكثر الى دول اخرى في الشرق الاوسط؟ لكن رَد الحزب كان انه من “المستحيل ابلاغ اي طرف محلي وخارجي عمّا يفكّر به الحزب وكيف سيتصرف في هذه المعركة المفتوحة مع الكيان الاسرائيلي. لكنّ الحزب ظل يتابع لحظة بلحظة سير المعركة في غزة ونتائجها ومسارها المستقبلي ليقرر الخطوات المقبلة”.واكدت مصادره لـ “الحصاد” ان مقاتليه فيحالى ترقب ساعة بساعة لسير الامور.
وذكرت المعلومات أن باريس أبلغت حزب الله رسائل في هذا الخصوص، فضلاً عن رسائل أميركية وصلت إلى الرئيسين بري وميقاتي تحمل تنبيهات شديدة من تورّط لبنان في هذه الحرب، الأمر الذي كان مندوب اسرائيل لدى مجلس الأمن جلعاد إيردان قد كشف عنه بالإعلان عن “طلب حكومته من دول عدّة إبلاغ حكومة لبنان بأنّنا سنحمّلها مسؤولية أي هجوم لحزب الله على إسرائيل”.
كما افادت المعلومات أنّ الرئيس نبيه بري عمل بصمت على عملية تقدير الموقف، وبقي على تنسيق عالٍ مع قيادة الحزب حتى تكون أي خطوة محسوبة. ونبّهت الرسائل “من مغبة الحسابات الخاطئة لجهة الانخراط في المواجهة القائمة في قطاع غزة عبر فتح جبهة الجنوب اللبناني”.
وكانت حصيلة الاتصالات بمختلف الاتجاهات وبدول القرار عدم وجود تصعيد واسع مع قرار بإبعاد التوتر عن الساحة الجنوبية، ما لم تقم اسرائيل بعمل كبير عسكري قد يقلب المعادلة التي ارساها “طوفان غزة” عبر اختراق برّي واسع او مجازر واسعة بحق المدنيين.
واسهم الموقف الاميركي بالطلب من اسرائيل “تأجيل” الاجتياح البرّي لغزة، والاتصالات لفتح ممرات انسانية آمنة لأهالي غزة، في حصر التوتر ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها منذ العام 2006 .
تقديرات الحزب
وأوضحت المصادر المتابعة لـ “الحصاد”، “انّ تقديرات حزب الله (حتى كتابة هذه السطور) تشير الى انّ المعركة في فلسطين ستطول قليلاً، والى ان اسرائيل عاجزة عن أي فعل جوهري لتغيير المعادلة الجديدة التي حصلت بعد عملية “طوفان غزة”، لا في غزة ولا في لبنان، وما هي قادرة عليه فقط هو مزيد من الغارات والتدمير والقتل في غزة والضفة الغربية من اجل رد الاعتبار لهيبتها التي انكسرت بالإجتياح الفلسطيني العسكري لقواعدها العسكرية ومستوطناتها، وتعزيز الثقة والمعنويات في كل انحاء الكيان لدى الاسرائيليين التي انهارت كلياً كما انهارت الجبهات العسكرية الجنوبية، وتجلّى ذلك في طوابير عشرات الاف المستوطنين في مطار تل ابيب ومرفأ حيفا لمغادرة الكيان”.
واشارت المصادر الى ان قصف حزب الله للمواقع الاسرائيلية في تلال شبعا وكفرشوبا، جاء يؤكد مقولة “وحدة ساحات محور المقاومة”، كما ان قصف المقاومة للمواقع الإسرائيلية أربكَ الاسرائيليين ومَنعهم من الرد على اهداف محددة في المناطق اللبنانية المشمولة بالقرار 425 على طول خط الحدود من الناقورة وصولاً الى المزارع الخاضعة لخط قوات «الاندوف» العاملة في الجولان السوري المحتل والخارجية عن نطاق القرارات الدولية المتعلقة بالوضع في جنوب لبنان.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن “الجيش الإسرائيلي أرسل تعزيزات عسكرية كبيرة وآليات إلى المنطقة الشمالية، وانه نشر دبابات عند السياج الحدودي مع لبنان، فيما أمر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في ختام تقييم أمنيّ بوضع خطط لإخلاء البلدات الحدودية مع لبنان. وفي وقت لاحق، بدأ الجيش الاسرائيلي بمراقبة حركة حزب الله في المنطقة الحدودية، إثر معلومات عن استنفار كبير في صفوف قواته.
ومن سوريا، افيد عن اطلاق صواريخ بإتجاه مواقع وقواعد عسكرية اسرائيلية في الجولان المحتل. وبقيت الجبهة في حالة ترقب وحذر لماهو آتٍ. اما في بغداد، فقد اعلن “حزب الله العراق”، انه نصب صواريخه وصوّبها نحو القواعد العسكرية الاميركية.
وفي السياق، نُقِلَ من بيروت عن قيادي في “حماس”، تقديره “انّ مجرد بدء محاولة الاقتحام البري سيؤدي إلى تدحرج الأمور، لأنّ قوى محور
المقاومة لن تقبل باستفراد غزة، وانّ معادلة وحدة الساحات سيكون لها التأثير الكبير والنوعي في الميدان”.
وكشف القيادي في «حماس» انّ إيران، وبالتزامن مع تحرّك حاملة الطائرات الأميركية الى شوطىء فلسطين لدعم جيش الاحتلال، عمدت إلى نقل صواريخ بعيدة المدى الى أمكنة معدّة للاستخدام في قصف الكيان الاسرائيلي إن استدعت الحاجة.كما كشف ان “قوات الرضوان” (وحدة النخبة في حزب الله) جاهزة للدخول إلى المستوطنات في شمال فلسطين فور ان تتلقّى الاوامر من السيد حسن نصرالله.
وحدة الساحات
كان واضحاً من بيان المقاومة الاسلامية حول قصف مواقع مهمة وحيوية للإحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا، ان الهدف منه التضامن مع قطاع غزة ، وإن كان القصف مدروسا جدا لناحية المكان والتوقيت والاستهداف، بحيث انه شمل اراضٍ لبنانية محتلة لا تدخل ضمن اتفاق فك الاشتباك الذي تلا حرب العام 2006. وبعد سقوط شهداء مدنيين من صحافيين وسكان في لبنان وسعت المقاومة عملياتها لكن بقيت بالإجمال ضمن الاهداف العسكرية لا المدينة.
كما ان اهداف القصف السياسية البعيدة المدى تصب في اطار توجيه رسائل الى الاحتلال، بأن غزة ليست متروكة، وان القصف ولو المحدود للمواقع الاسرائيلية، هو تأكيد لمقولة “وحدة ساحات المقاومة” ضد الاحتلال. فبالعودة الى زيارة وزير الخارجية الايرانية امير حسين عبد اللهيان الى بيروت في شهر آب- اغسطس الماضي، وبعد لقائه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقادة الفصائل الفلسطينية وبخاصة حركتى “حماس والجهاد”، صدرت بيانات تؤكد بصريح العبارة على وحدة ساحات المقاومة من فلسطين الى لبنان وسوريا ودول اخرى ضمن محور المقاومة. وبعد مغادرة الوزير الايراني بأربع وعشرين ساعة، استقبل نصر الله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري. ما يؤكد المسعى لتوحيد ساحات الجهاد ضد الاحتلال والهيمنة الاميركية على المنطقة.
وعلى هذا، فإن “وحدة الساحات” اذا تمت على مستوى اوسع، يعني إشغال العدو الاسرائيلي على اكثر من جبهة عسكرية وسياسية، وقد يعني لاحقاً تسريعاً لمساعي وقف اطلاق النار سواء في فلسطين المحتلة او في جنوب لبنان. وعلى المدى الابعد، قد تُحرّك المساعي الدولية لإيجاد حل للوضع في غزة لجهة فك الحصار عنها وتخفيف الضغوط على شعبها، والأهم انها قد تحرك وتُسرّع المساعي لإيجاد حل لمسألة مزارع شبعا او على الاقل تثبيت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحلتة في النقاط التي يتحفظ لبنان عليها، حيث طرحت الفكرة خلال زيارة الموفد الاميركي المسؤول عن الطاقة أموس هوكشتاين في اواخر شهر آب الماضي ايضاً وفي نفس توقيت زيارة عبد اللهيان، برغم اختلاف الاهداف بين زيارتي الرجلين.
عبد اللهيان: يهمنا الهدؤ
ولكن وفي خضم معركة غزة عاد عبد اللهيان الى بيروت منتصف تشرين اول /اكتوبر، والتقى السيد حسن نصر الله والرئيسين بري وميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، وحذّرمن بيروت “من امتداد الاحداث الجارية في غزة الى مناطق أخرى في المنطقة، اذا لم يوقف نتنياهو حربه المدمّرة ضد القطاع”. وقال عند وصوله: إن استمرار جرائم الحرب ضد فلسطين وغزة سيلقى ردا من قبل باقي المحاور وبطبيعة الحال فإن الكيان الصهيوني وداعميه سيكونون مسؤولين عن عواقب ذلك.
أضاف:بعض المسؤولين الغربيين سألوا هل هناك إمكان لفتح جبهات جديدة ضد الكيان الصهيوني المزيف .بالتأكيد… فإنه في ظل استمرار جرائم الحرب والحصار الإنساني ضد اهالي غزة وفلسطين، هناك احتمال او اتخاذ أي قرار من قبل باقي التيارات في المنطقة.
لكن الوزير الايراني اكد من الخارجية اللبنانية بعد اللقاءات وفي رسالة دبلوماسية للداخل والخارج: المهم بالنسبة الينا هو أمن لبنان والحفاظ على الهدوء فيه، وهذا هو هدف زيارتي، واقترح عقد اجتماع لقادة المنطقة للبحث في الاوضاع.
وبدا من تطور الاوضاع والرسائل السياسية والعسكرية التي وردت الى مختلف الاطراف ان “وحدة الساحات مضبوطة على ايقاع” التطور العسكري، تصعيد محدود من هنا وتصعيد محدود مقابل… وهكذا.
ثمة ايام عصيبة ودقيقة ستمر بها المنطقة قد تُنتج تغييرات دراماتيكية عسكرية وسياسية بعد عملية “طوفان الاقصى”، وستكون النتائج وفق التقديرات في جزء كبير منها لمصلحة ووفق شروط محور المقاومة، مع حفظ ماء وجه الكيان الاسرائيلي، فلا الاميركي يرغب بتفجير الوضع الجنوبي في لبنان، حرصا على “إنجازه” بتحديد الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين وبدء التنقيب عن النفط والغاز، والاستعداد للتدخل لتثبيت الحدود البرية نهائياً لنزع فتيل التوتر المشتعل دوماً، ولا الكيان الاسرائيلي قادرعلى توسيع التصعيد مع لبنان حرصا قواته العسكرية وعلى حقوله النفطية البحرية القريبة جدا من صواريخ المقاومة في لبنان.