الترابط عندي بين شكسبير واللغة العربيه يشكلان جماليات للحرف
اقترحت رئيسة التحرير السيده ابتسام اّوجي ان تكون ضيفة (لقاء وحوار )لهذا العدد الأستاذة خديجه
العلاق،فهي واحدة من نجوم الجاليه العربيه المعروفه ،ولها تاريخ مع الحروف والكلمات ،وأغوار اللغة العربيه وأسرارها، واسعدنا هذا الأختيار ،وكان اللقاء بالفعل مع أسرة التحرير ،وتولت السيدة ابتسام،مهام التقديم لضيفة الحوار،عبر عملية التعريف مع أسرة التحرير. قالت ان ضيفتنا سيدة لها تاريخ طويل في خدمة الجاليه العربيه في بريطانيا عبر( النادي العربي)عموما،ومن خلال المنتدى التعليمي ومدارسه خصوصا ،وقد قام (النادي العربي) بتأسيسه في العاصمة البريطانيه،وكانت مدرسة (ويمبلدون) ومديرتهاا ( خديجه العلاق) ومدرسة ( ويستمنستر) ومديرتها ( نعم الهاشمي) ومدرسة (ايلنج) ومديرتها فوزيه الدلال. كانت واجبات ومشاغل تلك المدارس محدده ،وهي تعليم اللغة العربيه يوم السبت من كل اسبوع ،واعطاء اهتمام خاص للقيم والأخلاق عبردراسة لتعاليم الدين. وقد سعدنا بهذا الأختيار ،فهي شخصية غنية بالثقافة والعطاء .كان المنتدى التعليمي هو اطلالة خديجه العلاق على العمل العام،وقد قامت بالفعل بتكريس طاقتها لتلك الرسالة التعليميه،تؤدي عن طريقها رسالة واجبه للصغار،مفادها ان لا ينفصلوا عن جذور الثقافة المجتمعيه التي شبوا عليها سواء في موطنهم الأصلي أوتأثروا بها في حياتهم العائلية،بعد الهجرة ،و تعد اساسا لبناء الشخصية ،وهم ينهلون في مجتمع جديد من معين اّخر في المدرسة الأنجليزية ،أو المجتمع الأكبر،حيث يتعايشون أو يدرسون أو يقرأون الصحف،ويشاهدون شاشات التلفزيون،في مجتمع الغربه والأغتراب،فالتوازن بين الجذور والفروع هام ومفيد ويترافق مع الأنفتاح العام على ثقافة جديده وعالمها الزاخر والواسع في مجتمعهم الجديد. كانت تلك السطور محاولة للتعريف بالضيفه الكريمه في ماضيها القريب،ولكل تلك الأسباب قام كل من المنتدى التعليمي واتحاد المدارس بالتعاون مع المنظمة العربيه للتربيه والثقافة والعلوم (الأليكسو) وشركة كنوز للنشر في تونس ،مع دور متميز للسيد ضياء الفلكي بتكليف مجموعة من الأستاذات خديجه العلاق وايفاد الجلبي ومريم شرارة ،بوضع منهج لتعليم اللغة العربيه في مدارس يوم السبت من كل اسبوع في العاصمه البريطانيه ايمانا بالرسالة التعليمية ،وتحقيقا للأهداف المشتركه ،وقد روعي في اعداد المنهج ان يكون مطابقا لبرنامج GCSEالبريطاني ،يضاف الى ذلك قيام خديجة العلاق،باعداد رسالة (ماجيستير) لشخصية بالغة الأهميه والتقدير في عالم الفكر والأدب وهو النابغه البريطاني (وليم شكسبير) .
اللقاء مع الشخصية في تاريخها الأبعد
لكن هذا اللقاء الذي نحن بصدده ، يعبرعن لقاء مع الشخصية الأبعد في ماضيها،وكيف تشكل هذا التكوين بقوامه الفكري،بل وكيف لعبت الصدفة دورها في مساره الحياتي،وتلك قصة تحتاج الى الكثير من التفاصيل،اّثرنا ان نشترك معا كأسرة تحرير(السيدة ابتسام اّوجي ،والسيد حسين حمود،والسيده مرام الأقطع،,وأمين الغفاري،وقد اعتذر عن عدم الحضور الدكتور مازن الرمضاني لأسباب صحيه( في حوار مع خديجة العلاق.
- كان السؤال الأول كيف كانت معالم رحلتك مع الكلمه ؟.
قالت ان الكلمة قد شكلت معها رحلة الحياة،و كانت البداية ،يوم ان انتهت من دراستها الثانويه، وتقدمت للألتحاق بالجامعه، لا سيما وان تخصصها في الثانوية كان علميا، وليس ادبيا ولذلك كانت قبلتها بطبيعة الحال في اختيار دراسة علميه ،وهي كلية الصيدله. لكن الأقدار يمكن ان يكون لها ترتيبها الخاص،فتتغير الأتجاهات،وتتبدل المقاصد، فقد التقت باستاذ جليل قدم لها شرحا وافيا عن اللغة الأنجليزية،واّدابها،بما يمكن ان يحقق لها انطلاقة أعمق وأكبر،ويفتح لها اتجاهات أوسع ،مما دفعها الى ان تغير خططها في اقتحام طريق مخنلف ،وكان ان تحولت الى دراسة اللغة الأنجليزيه .وبعد تخرجها عملت على تعزيز قدراتها في دراستها الجديده ،فقامت باعداد دراسة عن القامة الأدبيه الأشهر وهو(شكسبير) ونالت (الماجستير) من جامعة (برمنجهام)
شكسبير.. التميز والتفرد
- سؤال لماذا وقع اختيارك على وليم شكسبير كموضوع لرسالتك ؟
قالت يعد اسم شكسبير من أشهر الأسماء في عالم المسرح، فهو شاعر وكاتب مسرحي انجليزي عاش في النصف الثاني من القرن السادس عشر، وتعتبر مسرحياته من أهم ما كُتب وقُدم على المسارح البريطانية والعالمية. ومن أجل أن نتعرف على أسباب هذه الأهمية والشهرة سأحاول القاء الضوء على بعض العوامل التي ساهمت في تفتح عبقريته في هذا المجال، وبشكل مختصر إلى حد ما.
اولا : تكمن أهمية شكسبير، ليس فقط في مستوى و تنوع وبلاغة مؤلفاته الشعرية والمسرحية ، ولكن أيضا في غزارة انتاجه، فبالإضافة إلى القصائد الشعرية التي كتبها في مقتبل عمره ومنها الطويلة ومجموعة كبيرة من القصائد القصيرة المشهورة والتي عرفت بالسونتات، بلغ عددها ١٥٤ قصيدة ، فقد كتب جميع مسرحياته التي بلغت ٣٨ مسرحية في خلال مدة لا تتجاوز ٢٣ سنة، امتدت منذ كتابته أول مسرحية في عام ١٥٨٩ الملك هنري السادس، وحتى سنة تقاعده في عام ١٦١٢. وتنوعت مسرحياته ما بين ١٠ مسرحيات تراجدية و١٧ كوميدية و١٠ مسرحيات تاريخية تتناول حياة ملوك انكلترا المهمين وصراعاتهم في الحكم والسياسة.
ثانيا: الميزة الأخرى التي امتاز بها شكسبير هي عبقريته في تحويل قصص قديمة بسيطة الأحداث والمحتوى ذكرت في مصادرقديمة مختلفة، إلى مسرحيات غنية بالاحداث وبلاغة اللغة والحكمة والفلسفة ، كان يضيف إليها الكثير ويبني شخصياتها بشكل يحاكي الواقعية والطبيعة البشرية وصراعتها ما بين الخير والشر، العاطفة والعقل، الطموح والعدل، القدر والإرادة، وهكذا تناولت مواضيع مسرحياته جميع النوازع والغرائز الإنسانية، الحب والجمال والعفة. الانتقام والطموح والسياسة. ومن أجل أن يخلق هذه الأبعاد الأخلاقية والطبقية، أبدع في اختيار اللغة المناسبة لكل شخصية، لغة شعرية بليغة للشخصيات العالية الشأن، ولغة محكية بسيطة لعامة الناس، بالإضافة إلى تلاعبه بالكلمات والألفاظ. وبلغت موهبته في استخدام اللغة الى أنه ابتكر وأضاف إلى اللغة الانجليزية الحديثة ما يقارب من٣٠٠٠مفردة وتعييراً لغوياً.
ثالثا: ومن العلامات المسرحية التي أثرى بها شكسبير مسرحياته، هي إنه استغل الحوار الذاتي أو المونولوج الذي تقدمه بعض الشخصيات كي تعبر عن مشاعرها ونظرتها للأمور ونواياها.بل استفاد من شخصية المهرج ليضع على لسانه،ليس فقط الفكاهه والتهريج ،بل قول الحقيقة والحكمة أيضا .
رابعا : الذي ساعد على شهرة شكسبير هو إدراك أهمية أعماله وتميز عبقريته غير المسبوقة من قبل أبناء جلدته من المثقفين والمعنيين بدراسته والعاملين في المسرح والسينما على مدى القرون الماضية وخاصة في القرن الماضي، مما أدى بهم إلى العمل على الاهتمام به أكثر فأكثر، وبالتالي أصبح شكسبيرشيئاً فشيئاً صناعة تشمل، ليس فقط أقسام الدراسة الجامعية التي تتناول كافة الأمور الخاصة بدراسته من تاريخ ونقد وتحليل وجدل، بل منحت الفرصة لدور النشر لكي تعج بطباعة مسرحياته وشرحها وتحليلها. هذا بالإضافة إلى عمل المسارح العديدة على تقديم مسرحياته بشكل مستمر،ومن ذلك إلى صناعة الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية التي تتناول حياته ومسرحياته. ولا ننسى السياحة وزيارة المواقع الأثرية التي ارتبطت بتاريخه، فأصبحت المدينة الصغيرة التي عاش بها قبلة للسياح الذين يطفون في البيت الذي ولد فيه ويقصدون مواقع أخرى مرتبطة به وبعائلته ويشاهدون التماثيل التي نصبت له في الساحات العامة ولشخصيات مسرحياته المهمين مثل هاملت وليدي ماكبث.
- س ماذا عن ميلاده وعصره وموهبته ؟
ولد وليام شكسبير في بلدة صغيرة على ضفاف نهر أيفون في وسط انكلترا وذلك في عام ١٥٦٤ وتوفي في عام ١٦١٦، كان والده بسيط الحال يعمل في صناعة القفاز. من أهم العوامل التي ساهمت في تألق موهبة شكسبير، حقيقة أنه عاش في عهد الملكة اليزابيث الأولى، والتي بدأت حكمها في عام ١٥٥٨ ، جاء عصر الملكة اليزابيث، الذي امتد الى ٤١سنة، عصرا مستقراً نوعا ما من الناحيتين السياسية والدينية. ولكن الأهم من ذلك كان عصراً يحاكي النهضة الاوربية التي بدأت في مدن ايطاليا في القرن الثالث عشر، تأثرا بالحضارة العربية الإسلامية في الأندلس والمشرق العربي، ثم عمت جميع أنحاء القارة الاوربية وصولاً إلى انكلترا. شملت النهضة مجالات كثيرة من أهمها المجال الفني والثقافي فكثرالاهتمام بالرسم والموسيقى والمسرح. حاولت اليزابيث أن تكون قريبة من شعبها، على عكس ما كان عليه والدها، فشجعت الفعاليات الثقافية والفنية وخاصة الغناء والمسرح . ترعرع شكسبير، وهو الشاعر الموهوب، في هذه الأجواء المحفزة للعلم والفن والأدب وحب الاستطلاع وما كان منه إلا ان ينبهر بها، فقرر أن يترك مدينته الصغيرة، وفيها زوجته وأبناءه الثلاثة، ويذهب إلى العاصمة لندن حيث فرص الاطلاع والمشاركة في هذه الثورة الفنية، فوجد ضالته في المسرح وكان قد اطلع على مسرحيات أهم الكُتاب الذين عاصرهم مثل كرستفور مارلو وتوماس كد، فبدأ العمل في أحد المسارح كمساعد خلف الكواليس ثم كممثل بسيط ومن ثم بدأ بكتابة المسرحيات، وبعد ذلك أصبح شريكا في فرقة مسرحية مهمة. تحسنت امكانياته المادية فساهم في بناء مسرح جديد لعرض مسرحياته وعرف باسم الكلوب ، ومنذ ذلك الحين ارتبط هذا المسرح باسم شكسبير.
ماذا عن اصوله وجذوره لاسيما ،وان هناك من يقول ان اصله عربي واسمه ( الشيخ زبير) ؟
رغم كل المعلومات والدراسات التي نمتلكها عن شكسبير وأعماله، فهناك الكثير من الغموض والجدل حول عدة أمور متعلقة به منها شكله وأصله ومذهبه، وفيما إذا كان قد كتب فعلاً بنفسه كل هذه المسرحيات المتميزة، أو إن اسمه كان مجرد تغطية لاسم شخص آخر من الطبقة الارستقراطية المثقفة لم يرغب بالإعلان عن نفسه لأسباب اجتماعية. ولكن لم تثبت صحة هذه النظرية وتم استبعادها تماما، رغم انها أخذت جهدا كبيرا، وخاصة في القرن الثامن عشر، في محاولة اثباتها استنادا على كون شكسبير من خلفية اجتماعية وثقافية متواضعة حيث لم يكمل دراسته الجامعية كمثل بعض كتاب ذلك الوقت، فكان من الصعب على البعض الاعتقاد بانه صاحب هذه المؤلفات الراقية ادبيا وثقافيا والمليئة بالحكمة والفلسفة. ومن الجديد بالذكر هنا انه من المعروف أن شكسبير كان يكتب بعض مسرحياته بالتعاون مع كتاب آخرين. أما عن أصله، فهناك من رجح بأنه من أصل عربي عراقي من بني شيخ زبير، أو من أصل سوري، هاجر أجداده إلى الأندلس ثم إلى انكلترا بعد سقوط مدن الأندلس في القرون الأولى من الألفية الثانية. ومن أبرز القائلين بهذه النظرية المرحوم الاستاذ صفاء خلوصي، أما عن دوافع هذه النظرية فهي أولاً بسبب اسمه الذي يوحي بانه غير انكليزي الأصل، حيث لم يعرف اسم شكسبير من قبل ولا حتى من بعد، وليس هناك أي تفاصيل عن أجداده، بل وحتى عن جده المباشر، هذا بالإضافة إلى أن شكسبير كان يكتب اسمه في حياته على مقطعين وبعدة اشكال إلى أن تم لاحقاً الاتفاق على شكله الحالي. والسبب الآخر هو فصاحته اللغوية وتمكنه من الشعر والقافية والتلاعب بالالفاظ ، بالإضافة الى الحكمة والتقدم الفكري الذي تتميز به مؤلفاته. وبما إن العرب كانوا قد تميزوا باتقانهم لغة الشعر والحب والحكمة في وقت كانت فيه اللغات الأوربية بسيطة وغير متطورة، فكل ذلك يوحي بأنه قد حمل جينات عربية مكنته من الإبداع في كتابة الأدب. هذا بالإضافة الى اقتباساته التي تبدو من مصادر عربية والتي لابد أنها كانت متوفرة إلى حد ما في ذلك القرن من الزمان، أو حتى تأثره بها. هذا ولا ننسى شكله ذو الملامح الشرقية الواضحة. ورغم أنه لم يكن يُعرف له أي رسم أو صورة في حياته، فقد وصفه معاصريه بعد وفاته بسنوات بهذه الصورة الحالية التي نعرفها الآن، والتي جاءت من تخطيط لشكله وُضع على غلاف أول كتاب يضم جميع أعماله من أشعار ومسرحيات ، وسمي هذا الكتاب الفوليو الأول صدر في عام١٦٢٣. ومن ذلك التخطيط جاءت جميع رسومات وجهه وملابسه، وعلى أساسه أيضا صُبت تماثيله. وهناك من أدعى بأنه ايطالي الأصل، وإلا كيف له أن يعرف كل هذه الأماكن الايطالية التي تحدث مسرحياته فيها، مثل روما والبندقية وجنوا وبادوا. ويقال إن هناك أقوام أخرى ادعت نسبه إليها، ولكن في الواقع تبقى هذه الآراء مجرد نظريات يصعب اثباتها من الناحية العلمية وذلك لعدم توفر المعلومات الأكيدة. وهنا يمكننا القول بأن هذه الإدعاءات دليل على عالمية هذا العبقري الذي استطاع أن يجعل أعماله بمحتوى يلامس ويعكس المشاعر الإنسانية ويتناول الهموم البشرية بشكل عام. ولكن في الحقيقة يبقى شكسبير ابن بيئته الثقافية الانكليزية في ذلك العصر المتميز وغيرالمسبوق في تاريخ انكلترا، البيئة التي نشأت في عصر النهضة الثقافية الاوربية والتي شملت المجالات العلمية والأدبية والسياسة ومهدت لظهورانكلترا كقوة عظمى، وبالتالي وفرت هذه البيئة أرضا خصبة ساعدت على وجود أسماء علمية وثقافية كثيرة، كان شكسبير من أبرزها .
وأخيرا
تعددت القرون منذ ان رحل وليم شكسبير عن عالمنا،ولكنه لم يغادر العقول والقلوب ،حتى مع سريان حركة الزمن ،وتعدد القرون والعقود ،وتكاثر الفنانين والأدباء من شعراء وكتاب المسرح،الا انه مازال في عليائه ،ولم يرق احد الى مكانته ،ولم تحرك مدارس النقد مع تعدد تياراتها ساكنا ازاء شموخه وتفرده ،وخلود موهبته ونبوغه المبكر . وانتهى اللقاء مع ضيفة (اللقاء والحوار) الأستاذة المعلمه الدارسه حاملة لغة الضاد على اكتافها ،والرواية والمسرحية وفنون الأدب الراقي في اعماق وجدانها الأستاذة خديجه العلاق .