متى ينفذ الصبر العربي على ازدواجية المعايير في قضية حقوق الإنسان الفلسطيني؟

يجب على الدول العربية استثمار الموقف الروسي والصيني وتطويره لجعله أكثر فاعلية لدعم الحق العربي

  • العرب يمتلكون أدوات كثيرة لمواجهة ازدواجية الغرب في مسألة حقوق الإنسان ولكن ينقصهم الإرادة السياسية
  • الدول الغربية تحولت من الانحياز اللفظي إلى الدعم العسكري لإسرائيل لأنها تدرك أن الدول العربية لن تتجرأ على اتخاذ أية قرارات ضد مصالحها

      “بعد الجرائم الصهيونية في غزة لم يعد هناك حاجة لتدريس مقررات القانون الدولي، ولا القانون الدولي الإنساني، ومنظمة الأمم المتحدة .. أعتذر من طلابي في الجامعة اللبنانية لأنني كنت متشددا في تدريس هذه المقررات.. حق القوة سيد العالم” .. بهذه الكلمات عبر عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية السابق في الجامعة اللبنانية الدكتور كميل حبيب عن استيائه مما تشهده فلسطين من مجازروحشية يرتكبها الاحتلال الصهيوني المجرم في حق الأبرياء تحت سمع وبصر العالم ضاربا بقواعد القانون الدولي وكل مواثيق حقوق الإنسان عرض الحائط في الوقت الذي يتشدق الغرب بحمايته لها ودفاعه عنها حينما يقرر التدخل في أي بقعة من بقاع الأرض تحت ستارها وبزعم حمايتها، في صورة تعكس ازدواجية صارخة في التعاطي مع حقوق الإنسان حينما يتم تفعيلها وتعطيلها بحسب كينونة هذا الإنسان وكأنها صنعت من أجل إنسان بعينه دونما غيره!!

عندما أقدمت روسيا على مهاجمة أوكرانيا وأعلنت الحرب عليها هبت الدول الغربية تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية لنجدتها وسخروا لها كل الوسائل الداعمة لمواجهة الضربات الروسية وفتحوا لها مخازن الأسلحة وضخوا مليارات الدولارات داخلها حتى لا ينهار الاقتصاد الأوكراني. ولكننا نجد نفس هذا العالم يقف متفرجا ببرود لا إنساني على المذابح الوحشية والمجازر البشعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينين العزل المحاصرين والمحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية كالماء والطعام والدواء في ظل سياسة تجويع  ثم تعطيش يتبعها الاحتلال منذ سنوات طويلة دون أن يحرك أحد من هذه الدول المتشدقة بحقوق الإنسان ساكنا، ولم تكتف بالفرجة على دماء الأطفال المذبوحة بل أعلنت دعمها لإسرائيل القاتلة السفاحة، وقامت بإمدادها بأحدث وأعتى أنواع الأسلحة وأرسلت لها حاملات الطائرات والبوارج الحربية وانتفضت من أجلها قواعدها العسكرية في كل مكان بالعالم لمساعدتها على القيام بمزيد من الجرائم والمجازر الإنسانية على الرغم من كونها دولة احتلال، بل واستخدام أسلحة محرمة دوليا كالفوسفور الأبيض إمعانا في الوحشية والإجرام وسط تغييب متعمد وتجاهل مستفز لكل ما يمت بصلة لحقوق الإنسان، وكأن الفلسطينيين ليسوا بشرا وأن قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان لم تخلق إلا لحماية الغرب فقط!

تأييد أعمى وانحراف عن الحق

إنها ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الدول الغربية مع البشر بحسب انتماءاتهم وخلفياتهم الدينية وأجناسهم  بعيدا عن مبادئ العدالة والرحمة والإنسانية.

في 13 إبريل من العام الماضي اتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي بارتكاب مذابح وجرائم إبادة جماعية في أوكرانيا. وعندما قامت روسيا بقصف مدينة تشيرنيهيف في شمالي أوكرانيا والذي أسفر، بحسب كييف، عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة 110، أدان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هذا الحدث بعبارات لاذعة واصفا وقوع هذا العدد من الضحايا بأنه هجوم وحشي! ولكنه لم ير في مقتل أكثر من عشرة آلاف مدني من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة آية وحشية ولا يعتبرها جريمة منكرة بل جاء إلى إسرائيل يعلن دعمه لها وممارسة التحريض على استمرار الحرب ضد الفلسطينيين!

وللأسف الشديد تحذو أوروبا حذو أمريكا في انحرافها عن الحق وتأييدها الأعمى للدولة الصهيونية، ومن ذلك ما قالته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، يوم 18 من أكتوبر الماضي، إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وأن أوروبا تقف إلى جانبها! وانعكست هذه المواقف الغربية على تزايد التضييق على أية محاولات لنقد الممارسات الإسرائيلية الوحشية أو التعبير عن دعم الضحايا الفلسطينيين بأي نوع حتى لو بإشارات، بشكل يتنافى مع ما يزعمه الغرب من دفاعه الدائم عن الحريات وحقوق الإنسان التي من أهمها حرية التعبير عن الرأي، ووصلت العقوبات على إبداء التعاطف مع الحق الفلسطيني إلى الغرامات والسجن والطرد من الجامعات بل والطرد من الدول التي يقيمون فيها.

الملكة رانيا العبد الله ملكة الأردن فضحت ازدواجية الغرب البغيضة في تصريحات للإعلام الأمريكي وقالت أن الغرب يظهر الدعم الفوري لإسرائيل بينما يبدي صمتًا أمام القصف الإسرائيلي على غزة.

الدكتور جهاد الحرازين أستاذ القانون العام يكشف للحصاد عن التباين الكبير بين ما تنص عليه القوانين الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وخاصة الأسرى والشعوب المحتلة وبين ما يكشفه الواقع من ممارسات منحرفة بعيدا عن أية حقوق. ويضرب المثل بما يلقاه الأسرى في السجون الإسرائيلية من معاملات لا آدمية وجرائم تعذيب وحشية وحرمان من حق العلاج إلى درجة تعريض حياتهم للخطر وصولا لكم الجرائم المرعبة التي يتم ارتكابها كل لحظة ضد شعب مدني أعزل يتم ترويع أطفاله وقتلهم بدم بارد دون مراعاة لآية عهود ولا مواثيق. وما يحدث هو إبادة بكل معاني الكلمة للشعب الفلسطيني في غزة بينما يتشدق الغرب بحق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها أما الشعوب المحتلة فلا ترى لها حقا!

لأي إنسان المواثيق الدولية؟!

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948، كأول وثيقة قانونية تحدد حقوق الإنسان الأساسية التي يجب حمايتها عالميًا، ينص على المساواة بين جميع البشر في كل الحقوق بما فيها الحرية والصحة والغذاء وأعلاها الحق في الحياة. وتعد حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف بموجب هذه الوثيقة العالمية. كما توجد قواعد قانونية دولية لكيفية التعامل في أوقات الحرب حيث تنص اتفاقية جنيف على حماية المدنيين وعدم التعرض لهم. وفي نفس السياق، تؤكد كل من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب، واتفاقية لاهاي على شرعية حمل السلاح لمقاومة المحتل. وكذلك تتضمن احترام قوانين وأعراف الحرب البرية، والتي تنص في مادتها الـ 25 على “حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية أو المباني المجردة من وسائل الدفاع أيا كانت الوسيلة المستعملة”، وفي مادتها الـ 23 نصت على “حظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد التي من شأنها إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها… فأين ذلك من الجرائم الإسرائيلية الآن ضد الفلسطينيين!

وتنص المادة الثانية من إعلان حقوق الانسان على الحق في مقاومة القمع، كما أن حق تقرير المصير يعد حقا ثابتا ضمن قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي اعترفت أيضا بحق السعب الفلسطيني تحديدا في تقرير مصيره، وكذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على شرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية.

ولكن للأسف الشديد قامت اسرائيل بخرق كل هذه القوانين والمواثيق وسط دعم وتأييد غربي أعمى وأصم عن كل المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في حق الفلسطينيين وآخرها مجازر غزة التي استخدمت فيها أسلحة محرمة دوليا دون أية مساءلة من أحد! ولاتزال إسرائيل ترتكب المزيد من الجرائم التي يعتبرها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة حرب بسبب هجماتها الوحشية ضد السكان المدنيين والأطفال والنساء الأبرياء تحت سمع وبصر الجميع دون تورع مما تفضحه شاشات الفضائيات من مشاهد ارتكابها للجرائم على الهواء بلا رادع يذكر للأسف!

لقد كشفت الجرائم الاسرائيلية الأخيرة في فلسطين عن وجود هوة سحيقة بين ما تنص عليه المواثيق والأعراف الدولية وبين ما يحدث على أرض الواقع في ظل صمت عالمي مطبق وتجاهل بغيض للجرائم الإسرائيلية كما فضحت مواقف الغرب المزدوجة تجاه نفس المواثيق حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

بحسب وزارة الصحة الفلسطينية سقط أكثر من 500 شهيد في ليلة واحدة في قصف إسرائيل للمستشفى المعمداني التي كان يحتمي بها المئات من المدنيين العزل وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان بجنيف أنه منذ اندلاع الأحداث في غزة يجري قتل الفلسطينيين بمعدل 14 شخصاً كل ساعة وأن هجمات إسرائيل الجوية والمدفعية الدموية على قطاع غزة حولته إلى حفرة من الجحيم ينتشر فيها الموت والدمار في ظروف إنسانية بالغة التعقيد ومن دون أي خدمات أساسية للحياة وهي شهادة من مصدر دولي غير متحيز. وفي ظل هذه الازدواجية القبيحة لمفهوم حقوق الإنسان كشف تقرير لهيومن رايتس ووتش عن استخدام جيش الاحتلال قنابل الفسفور الأبيض المحرمة دولياً في قصف كل من غزة ولبنان ولم يحرك العالم ساكنا.

من الانحياز اللفظي إلى الدعم العسكري

الدكتور عزام شعث الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني وقضايا حقوق الإنسان قال في تصريحات خاصة للحصاد: لاشك أن العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة أظهر بوضوح سياسة الانحياز الغربي لإسرائيل، وعمق مفهوم إزدواجية المعايير التي تتبناها الأنظمة الغربية في دعم إسرائيل والتنكر لحقوق الفلسطينيين عبر تاريخ قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وذلك بخلاف المواقف الشعبية والرأي العام الغربي الذي انتفض في عديد من المدن لمناصرة فلسطينيي غزة الذين يتعرضون لأبشع صنوف القتل والتدمير والتهجير القسري بواسطة الطائرات الحربية الإسرائيلية، واعتداءات الاحتلال ضدهم. وأرى أن المواقف الغربية اليوم تعدت كثيرًا مسألة الانحياز اللفظي لإسرائيل إلى الدعم السياسي والعسكري لها، بما يلبي أهداف تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه والإجهاز على حقوقه السياسية والقانونية وقضيته الوطنية كشعب محتل، وأن الدول الغربية باتت شريكًا لإسرائيل في أنشطتها العدوانية ضد المدنيين الفلسطنيين في قطاع غزة بما يتعارض مع منطق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

تراجع عربي وضعف للمنظومة الأممية

وأضاف شعث للحصاد أنه ما كان للدول الغربية عمومًا التي تنحاز لإسرائيل وتدعمها بهذا الشكل الذي كشفته المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية في قطاع غزة مؤخرًا، أن تنتهج هذه السياسة لولا اختلال ميزان القوى، وإدراكها لحقيقة ضعف المنظومة الأممية، وتراجع دور الدول العربية في تبني المواقف الأكثر جدية في مواجهة إسرائيل ومن خلفها الدول الغربية التي تدعمها. وفي هذا السياق، فإن الغرب يدرك أن الدول العربية لن تتخذ من القرارات ما يهدد مصالحها، ولن تتجرأ على اتخاذ أي قرار يمكن أن يؤثر على موقفها في دعم إسرائيل على المستويين السياسي والاقتصادي، وهي ضمن الأمور التي تطمئن لها دول الغرب وتعمق انحيازها الدائم لإسرائيل. إن أشكال الضغط العربي على الدول الغربية كثيرة ومتعددة، من أجل ثنيها عن الانحياز والدعم لإسرائيل، إن هي أرادت ذلك وتوفرت الإرادة السياسية لها، ليس أقلها طرد سفراء الدول الغربية الداعمة لإسرائيل في عدوانها ضد المدنيين في قطاع غزة، وقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية معها.

الموقف الرسمي الفلسطيني يشابه تمامًا مواقف الدول العربية الضعيفة، التي لا تملك إرادة اللجوء واتخاذ قرارت من شأنها مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. وأضاف شعث أن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لم تنفذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي منذ عام 2015، بشأن تحديد العلاقة مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها، وما زالت تراهن على خيار المفاوضات والتسوية السياسية مع إسرائيل والمعطلة منذ عام 2014، في الوقت الذي تنكرت فيه إسرائيل لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران، وألغت مبدأ “حل الدولتين” عبر اجراءاتها الميدانية من تعزيز للإستيطان غير الشرعي في مدينة القدس المحتلة والضفة الغربية، ومن أعمال القتل والتهجير في الضفة الغربية وغزة، ومن ترسيخ خطة الفصل والامتداد الجغرافي بين الضفة وغزة. السلطة الفلسطينية لم تسجل موقفًا يعتد به من أجل الدفاع عن المدنيين الفلسطنيين في قطاع غزة، وغابت عن الفعل تمامًا. وبرأيي أن أحداث الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ستتجاوز السلطة الفلسطينية وقيادتها، بما أنها مغيبة عن تبني المواقف وإتخاذ القرارات نصرة لأهل غزة ودفاعًا عنهم، وهي بذلك تكرر مواقفها السلبية تجاه قطاع غزة التي تخلت عنه إداريا وقانونيا من عام 2007، جراء الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس.

لاشك أن العرب يمتلكون وسائل وأدوات كثيرة يمكنهم بها الضغط لتفعيل قواعد القانون الدولي المسكوت عنها وتنشيط المواثيق الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وازدواجية الغرب في التعامل مع فلسطين واسرائيل، وفي هذا الأمر يقول المفكر العربي الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هناك ردود أفعال ايجابية من بعض الأطراف لكنها لا تتصل بصانع القرار، تكشفها المظاهرات الشعبية التي شهدتها دول أوروبية مختلفة وكذلك بعض الولايات الامريكية.

كل هذا التدمير والشعب صامد بلا طعام ولا ماء ولا علاج ولا بيوت ولا مستشفيات وآلاف مؤلفة من الشهداء والجرحى يعجز العقل عن أن يستوعبها.

ويضيف الدكتور يوسف أنه من جهة أخرى يمكن للعرب أن يستثمروا مواقف الروس والصين التي أبدت مواقف مختلفة تجاه أحداث غزة خاصة وأن الدول العربية لم تتبن المشاركة في العقوبات الدولية على روسيا ومن ثم تأتي أهمية السعي العربي لاستغلال هذا الأمر في تطوير الموقف الروسي والصيني لجعله أكثر فاعلية ودعما للحق العربي وكسر حلقة التحيز الغربي الدائم والمستمر لإسرائيل.

إن استمرار الظلم والكيل بمكيالين والتعامل مع حقوق الانسان بوجهين بحسب كنه هذا الإنسان وتسييسها وفقا لاعتبارات المصالح الخاصة يسهم في زيادة تفجر الأوضاع ونشر الكراهية وتعقيد الأمر والابتعاد كثيرا عن السلام بمعناه الشامل القائم على العدل.