الخطر يحيق بدروز سوريا وتطال المحنة دروز لبنان
لم تكن الأحداث الطائفية التي شهدتها منطقتا جرمانا وصحنايا في محيط العاصمة السورية دمشق منذ 28 نيسان 2025 مفاجئة، بل كانت تتويجًا لمجموعة من التوترات والاضطرابات الدموية التي تفاقمت بعد ظهور السلطة الجديدة ذات الخلفيات الإسلامية الجهادية عقب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الاول 2024. وكما كان متوقعًا، تدخلت إسرائيل في المشهد، حيث أعلنت مرارًا عن حمايتها للأقلية الدرزية في سوريا، محذرة الفصائل التابعة للسلطة من عواقب التدخل العسكري. وقد تجلى تدخلها يوم 30 نيسان 2025 من خلال سبع غارات تحذيرية استهدفت مجموعات متطرفة كانت تخطط لإيذاء الدروز في محيط دمشق، وفق بيان مشترك لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس.
وأكدت المصادر الحكومية الإسرائيلية على عدم إهمال قضية الدروز في الجنوب السوري، حيث يواصل الجيش الإسرائيلي تعزيزه لمواقعه في المناطق المجاورة لدمشق، بما في ذلك محافظة السويداء.
لقد استنفرت هذه الأحداث الزعيم الدرزي في لبنان وليد جنبلاط فزار دمشق والتقى الرئيس أحمد الشرع وحذر من خطر تقسيم سوريا من خلال صدامات طائفية ومذهبية بواسطة الفصائل المتشددة.
بدأت الجولة الحالية من العنف الطائفي نتيجة تسريب صوتي لشخصية درزية تضمّن عبارات مسيئة للنبي محمد (صلعم)، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من كلا الطرفين. كما شهدت الأحداث عمليات إعدام ميدانية وتحشيدات في درعا وحمص ومحيط السويداء ودمشق. في الوقت نفسه، سعى بعض الدروز في إسرائيل للاقتحام من الجولان لإنقاذ أبناء طائفتهم، مما أدى إلى استنفار المشايخ الدروز في لبنان، الذين يُعتبر معظمهم داعمين للشيخ موفق طريف، الزعيم الدرزي في إسرائيل، والذي يتواصل بدوره مع الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل في سوريا.
لا تأتي مخاوف الدروز السوريين من فراغ، فهم عاشوا تجارب مؤلمة على مدار سنوات الحرب الأهلية السورية.
ليس تدخّل إسرائيل العسكري للدفاع عن دروز سوريا يوم الأربعاء 30 نيسان 2025، سوى تطوّر نوعي جديد في سياق العلاقة التاريخية بين دولة إسرائيل والدروز في كلٍّ من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن في مراحل مختلفة. فهذه المجموعة الدينية المنبثقة عن الدولة الفاطمية منذ القرن الحادي عشر، يكتف حالها مجموعة التباسات وأسراراٍ وطقوسٍ باطنية، جعلت منها أقلية متضامنة تؤازر بعضها بعضاَ تحت عباءَةِ “وحدة الدين ” والطائفة العابرة لحدود البلدان والدول. وفي ظلِّ عقيدة “الاستتار بالمألوف”، يمارس أنباؤها وعقاّلها ومشايخها “التقَّية”، ويلتزمون قوانين الدولة حيث يقيمون. وهكذا هم مواطنون يحملون الجنسية الإسرائيلية ويخدمون في جيش الدولة العبرية كما في جيوش لبنان وسوريا والأردن. ورغم أنَّ معظم مشايخهم يجاهر بأن الدروز هم إِحدى الفرق الإسلامية، فإنَّ علاقتهم بالإسلام يشوبها توتّر وحذر، على عكس العلاقة مع دولة إسرائيل، حيث يعاملهم رؤساء حكومتها وقادتها العسكريين بطريقةٍ مميَّزة، تبعاً لتموضع الدروز في مواقع ومناطق تشكِّل حاجةً استراتيجية لإسرائيل لاسيّما في الجليل والجولان المحتل منذ سنة 1967، والذي يشكِّل امتداداً لجنوب سوريا وجبل الشيخ ومنطقتَي البقاع الغربي والقطاع الشرقي لجنوب لبنان.
بعد سقوط نظام بشَّار الأسد في 8 كانون الاوّل 2024، تقدم الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي وأحتلَّ المنطقة العازلة في الجولان التي نصَّ عليها أتفاق فصل القوات سنة 1974. ثمَّ أحتلَّ مناطق واسعة في محافظتَي القنيطرة ودرعا وصولاً الى الحدود مع الأردن. بعد ذلك أحتلَّ الجيش الإسرائيلي قمّة جبل الشيخ الاستراتيجية، ورفع العلم الإسرائيلي في حضور وزير الدفاع على أعلى قمة في الشرق الأوسط، ومن هناك سيطر الجيش على كامل الجنوب السوري بالنار وعلى منطقتَي حاصبيا وراشيا الدرزَّيتين في لبنان. وبعد الصدام الاوّل في جرمانا قرب دمشق بين الدروز والفصائل الإسلامية الجهادية التابعة للسلطة الجديدة في سوريا، هددّت الحكومة الإسرائيلية رسمياً حكومة أحمد الشرع، بالتدخل العسكري لحماية دروز سوريا، ثمَّ أقامت منطقة حظرٍ جوّي فوق الجنوب السوري بعمق 60 كيلومتراً حتى حدود دمشق.
تحتاج إسرائيل الى المناطق الدرزية في الجنوب السوري والجولان وجنوب لبنان، لإقامة منطقةٍ أمنية
عازلة من ” طائفةٍ صديقة”، شارك أبناؤها في كلِّ معارك إسرائيل وحروبها، من حرب 1948 الى مأساة غزَّة المستمرَّة منذ سنة 2024، حيث يمارس اللواء الدرزي المتقاعد، قائد “لواء غولاني” سابقاً غسَّان العلَّيان ادواراً متعددِّة مع الدروز والعرب البدو لصالح دولة إسرائيل بالتفاهم والتنسيق مع الزعيم الروحي الشيخ موفَّق طريف. وإضافةً الى المصالح الاستراتيجية العسكرية فإن لإسرائيل مصالح حيوية في المياه والنفط في الجولان، تجعلها تتذرَّع بحماية الدروز والدفاع عنهم. ذلك أنّ مرتفعات الجولان والقنيطرة، تشكِّل 70% من موارد المياه العذبة بين سوريا وفلسطين، بحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صدر عام 2022. وفي قريةٍ مهجورة على سفوح جبل الشيخ حيث تلتقي حدود سورية مع هضبة الجولان المحتلَّة، يقع “سد المنطرة”، على ارتفاع 1100 متر عن سطح البحر. موقعه هذا يجعله نقطة تدفّق تلقائية، وتحكّم في انسياب المياه، شمالاً نحو حوض بردى في سوريا، وجنوباً نحو بحيرة طبريا في فلسطين. وتقول وثائق الأمم المتحدة إنَّ 35% من موارد المياه الإسرائيلية تأتي من الجولان والقنيطرة، ما يعني تدفّق 500 مليون متر مكعب سنوياً الى إسرائيل. لذلك فإن هضبة الجولان المحتلَّة منذ حزيران سنة 1967، ليست مجرَّد أرضٍ متنازع عليها، بل هي “خزَّان استراتيجي”
مصالح إسرائيل في الجولان وجنوب سوريا
يمثل التدخل العسكري الإسرائيلي للدفاع عن الدروز في سوريا في 30 نيسان 2025 تطورًا نوعيًا في العلاقة التاريخية بين إسرائيل والدروز في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. هذه المجموعة الدينية، التي تعود جذورها إلى الدولة الفاطمية منذ القرن الحادي عشر، تحمل في طياتها العديد من التعقيدات والطقوس الباطنية، مما جعلها تشكل أقلية متضامنة تساند بعضها البعض تحت مظلة “وحدة الدين” والطائفة التي تتجاوز الحدود الوطنية. في سياق عقيدة “الاستتار بالمألوف”، يمارس أبناء الطائفة “التقية” ويلتزمون بقوانين الدول التي يعيشون فيها، مما يجعلهم مواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويخدمون في جيش الدولة العبرية فضلاً عن جيوش لبنان وسوريا والأردن.
على الرغم من أن معظم مشايخ الدروز يصرحون بأنهم جزء من الإسلام، إلا أن علاقتهم بالإسلام تشوبها الكثير من التوتر والحذر، بينما تُعتبر علاقتهم بإسرائيل متميزة. حيث تُعاملهم الحكومة الإسرائيلية وقادتها العسكريون بشكل خاص، نظرًا لموقعهم الاستراتيجي في الجليل والجولان المحتل منذ عام 1967، الذي يمتد إلى جنوب سوريا وجبل الشيخ، بالإضافة إلى منطقة البقاع الغربي والقطاع الشرقي من جنوب لبنان.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، استغل الجيش الإسرائيلي الوضع واحتل المنطقة العازلة في الجولان التي حددها اتفاق فصل القوات عام 1974. ثم وسّع سيطرته إلى مناطق واسعة في محافظتي القنيطرة ودرعا، وصولًا إلى الحدود الأردنية. كما احتل الجيش الإسرائيلي قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، ملوحًا بالعلم الإسرائيلي بحضور وزير الدفاع، مما منحهم السيطرة على كامل الجنوب السوري، بما في ذلك منطقتي حاصبيا وراشيا الدرزيتين في لبنان.
وبعد الاشتباكات الأولى في جرمانا قرب دمشق، بين الدروز والفصائل الإسلامية الجهادية التابعة للسلطة الجديدة، أصدرت الحكومة الإسرائيلية تهديدًا رسميًا لحكومة أحمد الشرع بالتدخل لحماية الدروز. وأقامت منطقة حظر جوي فوق الجنوب السوري بعمق 60 كيلومترًا حتى حدود دمشق.
تحتاج إسرائيل إلى المناطق الدرزية في الجنوب السوري والجولان وجنوب لبنان من أجل إنشاء منطقة أمنية عازلة من “طائفة صديقة”، حيث شارك أبناء الطائفة في الحروب الإسرائيلية منذ عام 1948 وحتى النزاع المستمر في غزة منذ عام 2024. يُمكن مشاهدة دور اللواء الدرزي المتقاعد، غسان العليان، قائد “لواء غولاني” سابقًا، في التنسيق مع الشيخ موفق طريف لخدمة مصالح إسرائيل.
إلى جانب المصالح العسكرية، تمتلك إسرائيل أيضًا مصالح حيوية في المياه والموارد النفطيّة في الجولان. تُعتبر مرتفعات الجولان والقنيطرة مصدرًا رئيسيًا للمياه العذبة بين سوريا وفلسطين، حيث تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن 70% من موارد المياه الإسرائيلية تأتي من هذه المناطق.
يقع “سد المنطرة”، الذي يُعتبر نقطة تدفق حيوية للمياه، على سفوح جبل الشيخ بارتفاع 1100 متر عن سطح البحر، مما يجعله يتحكم في انسياب المياه نحو حوض بردى في سوريا وجنوبًا نحو بحيرة طبريا في فلسطين. وفقًا لوثائق الأمم المتحدة، فإن حوالي 35% من موارد المياه الإسرائيلية تُستخرج من الجولان والقنيطرة، مما يعني تدفق نحو 500 مليون متر مكعب سنويًا إلى إسرائيل. ولذلك، فإن هضبة الجولان، التي احتُلَّت منذ يونيو 1967، ليست مجرد أرض متنازع عليها، بل تُعتبر مصدرًا استراتيجيًا حيويًا للأمن والمياه لإسرائيل.
.
مساءَ الخميس أوّل أيار، وصلت أنباء عن أن الجيش الإسرائيلي أنشأ نقطتَين عسكريتين جديدتَين في مناطق قريبة من الأراضي اللبنانية.
النقطة الأولى أقيمت في منطقة المجبل، الواقعة بين قرى بقعسم، ريمه وعرنة، في مواجهة قضاء حاصبيا في جنوب لبنان. أمّا النقطة الثانية، فأنشئت في جبل الشيخ، وتحديداً في نقطة جبل بربر المطِّلة على مدينة قطنا في الداخل السوري، وقضاء راشيا في الجانب اللبناني.
تزامن ذلك مع تحليقٍ للمسِّيرات الإسرائيلية فوق دمشق ومحيطها، والاعلان عن أكثر من مئة قتيل سقطوا في محيط السويداء ليل الأربعاء ـ الخميس. في الوقت نفسه كرَّر وزير الدفاع الاسرائيل يسرائيل كاتس تحذيره لرئيس النظام السوري قائلاً: ” إن لم يتوقف الاعتداء على دروز سوريا، سنردُّ بقوَّة كبيرة”. أما الجيش الإسرائيلي فقد أعلن أن “قواته منتشرة في جنوب سوريا ومستعدة لمنع دخول قوات معادية الى المنطقة والقرى الدرزية”.
أذا أضيفت المعطيات الراهنة على كلام المسؤولين الإسرائيليين عن ضرورة قيام فدرالية في سوريا لحماية الاقليَّات، بالتلازم مع “المؤتمر القومي الكردي” الذي انعقد في القامشلي قبل أيام للتشديد على المطالب الموحدَّة للأكراد، إضافة الى بداية تجميع العلويين في الساحل السوري بعلم روسيا، وسط فوضى الفصائل الإسلامية الخارجة عن سلطة أحمد الشرع، وعودة حركة “داعش” في البادية السورية، يكون المشهد السوري قد دخل في مسلسلٍ طويل من الدم والتحوّلات التي ستغيِّر سوريا والمنطقة.
في هذا الوقت، أعلن وزير الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل رون ديرمر، أن الحروب الإسرائيلية على الجبهات السبع ستستمّر سنة إضافية وتنتهي بالنصر واستكمال التطبيع. وبحسب مصادر ديبلوماسية غربية، فإن ناتانياهو ناقش مع الاميركيين خطَّة ً لتوسيع العمليات العسكرية في لبنان، وأبلغه أن هناك حاجةً الى عملية عسكرية برّية كبيرة، لانَّ “حزب الله” بدأ ترميم قدراته. وفي هذا السِّياق تعود الأركان الإسرائيلية الى خطةٍ سبق أن نوقشت قبل الحرب الأخيرة، ويساعد التغيير في سوريا على تنفيذها بسهولةٍ أكبر، وهي تستند الى استخدام الجيش الإسرائيلي للأراضي السورية التي
أحتلَّها في الشريط الفاصل بين الحدود الشرقية للبنان، مع مناطق القنيطرة والريف الغربي لدمشق، للانقضاض على مناطق البقاع الغربي وراشيا وحاصبيا، فيما تقوم القوات الموجودة على حدود منطقة العرقوب بالدخول الى لبنان لتنفيذ عملية برّية واسعة متلازمة مع حملةٍ جوّية كبيرة لكسر المعادلة الحالية والمراوحة القائمة في لبنان.
الحصاد