لا يمكننا للإجابة ببساطة سوى التفكير سلفا بإسرائيل ومن خلفها إمعان الدول الكبرى وحتى الصغرى والمتوسطة لدى طرحنا هذا السؤال الضخم والتاريخي المُقترح والمعقد والصعب وكأنه المُقيم أبدًا في نفوسنا وتاريخنا ونصوصنا التي تسكننا بالخوف من المستقبل؟
لا يمكن التفكير للحظة بحثا عن اجوبة دون العجز عن سرد تواريخ فلسطين حتى مستقبل غزّة وجنوبي لبنان وبقاعه وضاحية عاصمته بيروت وصورها التدميرية الهائلة ودك المدن الأثرية وملامح التواريخ والقرى القديمةوالمعاصرة وقتل النساء والأطفال…الخ الى المشاريع والخرائط الجديدة الغامضة؟
وللمزيد: كيف يمكن لأي عقل عربي تفسير او فهم تراكم صور الخرائب عبر هذا التاريخ المعاصر الثقيل بدءا من تهديم بغداد الحضارة العريقة وصولا إلى غزة ولبنان وباستعراضية غريبة عبر شاشات العالم ومسرحا مفتوحا للعنف تحت أنظار البشرية.
قد يجرنا العنوان نحو السؤال المُلح:
ألم يتغيّر أو يتبدل موقع العرب فوق خريطة هذا العالم؟
يمكنني مقاربة التفكير للإجابة عبر الزوايا التالية:
أ- الزاوية الأولى: قريبة وباقية ملتهبة بأحداثها ونتائجها وخرائبها ودمغت تاريخنا المعاصر أعني منذ ال 2003 في العراق صعوداً نحو ال 2011 تاريخ بدايات “ثورات الربيع العربي وصولا الى المستحيلات في نقل الشعوب هجرة اختيارية او اجبارية كما تساق الأغنام.
«أي دم تيبس عق الربيعٍ العربي المستورد؟
تضعني هذه الزاوية في ظلّ تشابك وتعقيدات وإفرازات تتجدّد بين الشرق والغرب وبين الإرهاب والعالم. ويظهر العرب فيها محاصرين في خياراتهم الصعبة التي قد تشوّه بلادهم وقناعاتهم من ناحية بما يلبسهم ظلماً الإرهاب من ناحية ويؤلّب الدنيا ضد المسلمين للبحث الغريب الذي يربكنا أبداً عنوة بأقنعة الدين بنسخه الكثيرة والمقترحة وهذه مسائل لا تؤدّي سوى الى تجدد الدروب الدموية المستحيلة.
ويصبح البحث عن التغيير بالقوّة الى الإقامة في ملامح حرب عالمية ثالثة غير معلنة قد تناسب هويتها الجديدة ملامح العصر الذي يجذبنا لأن نفتن فيه ونعيشه لكأنّنا نقبض عليه لكنّنا لا نهضمه وسنعجز عن متابعة أفكاره وابتكاراته ومقتنياته ونوازعه المسقبلية.
هكذا يستمرّ معظم المسلمين والعرب بتوجّهاتهم وتطلّعاتهم التاريخية وبأصواتهم المتعدّدة والمتشابهة منقسمين يتوحّدون بين نقد الغرب ورفضه أو قبوله وتحدّيه، ويكابدون بسياساتهم المشتّتة وأنظمتهم المتحيّرة الكوارث المريرة التي قد تتجاوز كثرتهم وخلافاتهم . نحن للأسف مجدّداً، حيال أزماتٍ فكرية وحضارية كبرى تجعلنا مجدداً بين دولتين عظميين واحدة أميركية أوروبية تحضن اسرائيل وأخرى صينية محايدة وروسيّة حاولت وتحاول جاهدةً بالرغم من نسق زيلنسكي أوكرانيا المسنود بأوروبا وبعطف دونالد ترامب في ولايته الجديدة أو بغضبه وتحقيره الأخير لرئيس أوكرانيا ، استعادة عظمتها المفقودة عبر أي أرض عائمة بالنفط والغاز والمعادن الثمينة والتقاتل حتى تهديم مجد النصوص والأفكار والحضارات من ناحية والانشغال بلعبة التقنيات والمستوردات العالمية في الوقت نفسه. إنه التيه العربي بل المشرقي بين مفاهيم الحداثة والتحديث والتراث والمعاصرة والغير والتغيير وللإبقاء علينا امتدادا لا ينتهي من الكنوز الأرضية المهدّدة ربما بالنفاذ والجمود المفروض بين استبدادية الإنتاج الدولي واستبدادية الاستهلاك.
ما يستحقّ التأمّل هنا أنّ الحلول الافتراضية تبدو مسنودة بشكلٍ دائم الى فكرة القدريّة النهائيّة بالمعنى المألوف التي لا تحتاج الى براهين مع أنّها فكرة نلاحظها تتمدّد في الأذهان وترتاح في القناعات أمام قساوة القتل والإبادة والتدمير. ولا ننسى أنّها فكرة قد تختصرها حكمةٍ إغريقية قديمة جديرة بالتأمّل ترى “أنّ الآلهة لا تعاقب البشر حين تغضب عليهم، وإنّما تسلّط عليهم أنفسهم”.
ب – الزاوية الثانية: وترتكز الى تحقيق الفرضيّة التي ترمي بأثقال الحضارة المشرقية وأعبائها القديمة عبر خلط السياسة بالدين والإسلام بالمسلمين الجدد بما يجعلهم في قلب العالم وخارجه في الوقت نفسه، يغذّي أحوالهم تلك السهولة في يقظة مذاهبهم ومدارسهم واجتهاداتهم ونزاعاتهم. ويمكنني أن أحشو هذه الزاوية بالمعادلة التالية:
يتعاظم الخوف من الإرهاب حيث لا يتوحّد البشر اليوم وفيهم المسلمون أكثر من أيّ زمنٍ مضى. ربّما هي المرّة الأولى التي يفقد فيها الفكر قدرته تحت وطأة المشاعر والانطباع الحماسي العام الذي لا يتجاوز الفكر أو التفكير المعاصر الاستهلاكي لكنّه يلغيه بل يفرغه من كلّ قيمة إنسانية.
ولّد هذا الفكر تثاقفاً مثمراً وغنياً بين الشعوب والحضارات وتأثيراً متبادلاً، ولطالما كان أجدادنا مبدعين في المجالات كلّها تفكيراً وإنتاجاً أو عن طريق النقل والترجمة ، لكنّ الفلسفة عجزت عن إيجاد الأجوبة النهائية للأسئلة الكبرى كالتي أطرحها وفشلت فشلاً ذريعاً في توحيد البشر ، وراحت تتواضع نحو مسائل عصرية مثل البيئة والصحة والرياضة أي أنّها خرجت من مقولة الفيلسوف كانت:” أنا أفكّر إذن أنا موجود” لتهبط الى مقولة الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر: “أنا موجود إذن أنا أفكر” والتي جاءت رفضاً فلسفيا عارماً يومها للحرب العالميّة الثانية.
وفشلت الأديان حتّى التوحيدية منها وسقط الفكر الإلحادي بدوره في توحيد البشر، ومثلهما اهتزت صدقيّة العلم الذي شارف المستحيل في توحيد البشر عبر وجهه القبيح النهم في صناعة الأسلحة وتغذية الحروب وتسخير المعارف والتكنولوجيا لأغراض الهجوم والعنف والبراعة في القتل للإستثمار .
قد تبرز أضخم المعضلات التي نعاني منها اليوم، بعد انكشاف المجتمعات وسقوط الأغطية والأساطير بزوال الحدود والحواجز الثقافية واللغوية بين الشعوب والأجيال، في عصرٍ من “متع” التواصل بين أهل الكوكب حيث نجحت التكنولوجيا الى حدّ كبير في تقريب البشر افتراضيا وثقافياً كما في جعل الغرائز العنيفة تتقدّم في مسيرتها خارج العقول والعبر.
ج- الزاوية الثالثة: كيف نفسّر التوغّل في العنف عند التذكير بمستقبل مشاهد تدمير غزّة وجنوبي لبنان الأخيرة والآتي أعظم؟
تندرج الأوهام حيال هذا السؤال في خانة المستحيلات، لأن الظاهرة اللافتة هي السؤآل الأعظم:
ألا تتقدم صناعة الأسلحة الفتّاكة وامتلاكها بوتيرة جهنّمية تعوّض عن أحجام العنف الذي أورثه ويورثه حظر استعمال السلاح النووي الذي يشغل العالم من ايران؟
ولكن ماذا مثلا في أجهزة “البيجر” التي قطّعت السبابات ونزعت العيون فصاح الأميركي بأنّ تفجيرها في ضاحية بيروت كان “الحدث الذكي الأعظم في هذا القرن”؟
للجواب على هذا السؤال ليس لي سوى استعادة ما قاله روبرت اونبهايمر المعروف ب “والد القنبلة النووية” بعد الانتهاء من صنعها:
“الآن أصبحت أنا الموت مدمر العالم” .
هذا قول صحيح ومرعب بعدما جرّبت الدول أن تدفّع العرب والمسلمين خلال سنوات ما دفعته في الحرب العالمية من ضحايا وخرائب.
من هو الرئيس الذي سيصرخ غدا : أنا هو الموت؟؟؟؟