تعد قضية نزع السلاح غير الشرعي في لبنان واحدة من القضايا اللبنانية المحورية التي تأثرت على مر العقود بالأحداث السياسية والاجتماعية المعقدة التي شهدتها البلاد.
تشكل هذه القضية عنصرًا رئيسيًا لتحقيق الاستقرار والأمن، في ظل المخاطر والتحديات التي تنجم عن وجود الأسلحة غير الشرعية. يأتي هذا الأمر في ظل ظروف سياسية معقدة، حيث تسعى الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ قرارات نزع السلاح في ظل تأثيرات القوى الإقليمية والدولية.
في الوقت الذي بدأ فيه الجيش اللبناني مؤخرًا توسيع عملية انتشاره في الجنوب، استعدادًا لمرحلة نزع السلاح من منطقة جنوب نهر الليطاني، يتم تنفيذ تفكيك المنشآت العسكرية كجزء من تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
ومع تصاعد الضغوط على حزب الله، يبرز السؤال الأهم عن مصير سلاح الحزب وما تبقى منه في الداخل اللبناني، خاصة في ضوء الأحداث المتسارعة في المنطقة وتداعيات سقوط النظام السوري.
ما هي الأبعاد الأمنية والاجتماعية والاقتصادية لدروس نزع السلاح في لبنان والتي تعكس تحدياتها.؟
من الضروري استعراض تفاصيل هذه القضية بشكل عميق، بدءًا من التأثيرات التاريخية للاحتلال الإسرائيلي وحتى العوامل الحالية التي تدعو إلى نزع السلاح. سنستعرض أيضًا الأبعاد المختلفة للحوار الذي يُعتبر ضروريًا لتحقيق التسوية السياسية وتحقيق الأمن، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الالتزام من جميع الأطراف. في هذا السياق، سنتناول كيفية تسليح القوى المختلفة وما يتطلبه نزع الأسلحة ومساعيه، مشيرين إلى التجارب العالمية الناجحة والفاشلة في هذا المجال.
تاريخيًا، يعود وجود السلاح غير الشرعي في لبنان إلى فترات الحرب الأهلية، حيث ارتبط بشكل مستمر بالاقتتال والصراعات بين الأطراف المختلفة. يعتبر الاحتلال الإسرائيلي هو المحرك الرئيسي لاستمرار هذه الظاهرة، حيث أدى إلى نشوء جماعات مسلحة ضد الاحتلال، وعلى رأسها حزب الله، وهو مرتبط بإيران، الذي استُخدم سلاحه كوسيلة للحفاظ على الأمن ضد التهديدات الخارجية. يغذي هذا الوضع استمرار وجود السلاح غير الشرعي، ويجعل من الصعب التوصل إلى اتفاقات تساعد على نزعه.
تأثير الاحتلال الإسرائيلي على لبنان كان عميقًا. منذ بداية اجتياح 1982، كانت الظروف الأمنية تتغير بشكل مستمر، وتميزت بتواجد قوات الاحتلال، مما أدى إلى تزايد المقاومة المسلحة. هذا الاحتلال خلق شعورًا قويًا من الحاجة إلى الدفاع عن النفس في المجتمع اللبناني، وبالتالي أدى إلى تعديل مواقف الأحزاب السياسية والشعبية بشأن مسألة نزع السلاح. وقد أدت هذه التطورات الى تنشيط الكثير من اللبنانيين الداعمين الذين اعتبروا نزع سلاح حزب الله بمثابة إضعاف لإمكانية الدفاع عن السيادة الوطنية.
اليوم تأتي التساؤلات حول مصير سلاح حزب الله لتظل محورية في النقاشات الدائرة حول نزع السلاح. بينما تدعو قوى المعارضة، مثل حزبي القوات اللبنانية والكتائب، إلى ضرورة سحب سلاح الحزب بشكل كامل من جميع الأراضي اللبنانية، يتمسك حزب الله بموقفه القائل بأن الاتفاقية تقتصر فقط على منطقة جنوب نهر الليطاني.
في السياق نفسه، جاء تأكيد الشيخ نعيم قاسم، أمين عام حزب الله، بأن الاتفاق كان قد نص على أن نزع السلاح يتم من جنوب نهر الليطاني فقط ولا يشمل باقي المناطق. هذا الموقف يعتبر جزءًا من الاستراتيجية الدفاعية للحزب والتي ترى أن وجوده جزء لا يتجزأ من القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية.
من جهة أخرى، فإن دور الإدارة الأمريكية يتداخل في هذا السياق وبشكل كبير. دعم المسؤولون الأمريكيون لفكرة نزع السلاح بشكل عام، ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا حول مدى التزام الحكومة اللبنانية والأطراف السياسية المختلفة بتطبيق هذا المطلب. يُظهر التأكيد من مستشار الرئيس الأمريكي أن الاتفاق “يتجاوز منطقة جنوب نهر الليطاني ويستهدف نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة، بما في ذلك حزب الله. وهذا يقودنا إلى إمكانية تحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال الحوار وتجنب التصعيد.”
لا يمكن إغفال الموقف الرسمي اللبناني تجاه نزع السلاح. إذ يبدو أن الحكومة اللبنانية، برئاسة نواف سلام، لا تعطي الأولوية لنزع السلاح من شمال نهر الليطاني في الوقت الراهن. وجاء في تصريحاته أن تنفيذ هذه الخطوة بحاجة إلى توافق وطني، وهو أمر ليس متوفرًا بسهولة في ظل الانقسام السياسي الحالي.
يتجلى تآكل الأمل في تحقيق نزع السلاح في تحذيرات الخبراء العسكريين الذين يُشيرون إلى ضرورة استيعاب اتفاق وقف إطلاق النار بشكل أوسع، حيث يعتقد العميد المتقاعد جورج نادر أن نزع السلاح يجب أن يكون حكوميًا غير مُحدد بجغرافيا معينة. يتساءل: إذا كان حزب الله يحتاج إلى سلاحه في شمال النهر، فما هي مبررات وجوده؟ هنا يُبرز دور الحوار كوسيلة لتحديد المستقبل الأمني للبنان ولتطوير الاستراتيجيات الدفاعية اللازمة.
يُعزز هذا السيناريو أيضًا تجارب نزع السلاح في مناطق أخرى من العالم. هناك عدة نماذج حققت نجاحًا في نزع السلاح كالنرويج في كولومبيا وجنوب أفريقيا. ومع ذلك، تُقدم حالات أخرى، مثل ليبيريا، دروسًا صارمة في ضرورة التوافق والالتزام من جميع الأطراف الفاعلة لتحقيق الأمان. قد يكون النجاح أو الفشل في تطبيق نزع السلاح مرتبطًا بجملة من العوامل، بما في ذلك الظروف السياسية والاقتصادية والتفاعلات الاجتماعية.
إن الاستراتيجية الدفاعية تعتبر إحدى النقاط المحورية في معالجة قضية نزع السلاح، إذ يُحدد الحوار كأداة فعالة للوصول إلى توافقات مشتركة. تطلبات الاستراتيجية الحالية ترتكز على بناء ثقة متبادلة بين الأطراف السياسيين في لبنان، والاستماع إلى أصوات المواطنين كممثلين للقاعدة الشعبية. وهذا يزيد من فعالية أي خطة تسعى لنزع السلاح. ومن الضروري أن تتمتع الحكومة اللبنانية برؤية واضحة تعكس قضايا الدفاع عن السيادة والأمن الوطني، وذلك تحقيقًا للتوازن بين المسؤوليات المحلية والضغوط الدولية.
يتطلب الأمر أيضًا مقاربة اجتماعية تركز على تعزيز الحوار وكسر الحواجز بين الفئات المختلفة في المجتمع. يجب أن تشمل الخطط تنفيذ برامج اعادة الإعمار في المناطق التي اصيبت بأضرار مخيفة وبرامج تنموية لها تأثير على تخفيف حدة التوترات، وتعزيز الثقة بين السلطة والمواطن.
يجب أن ينظر إلى هذه الجهود باعتبارها استثمارًا يحتاج إلى استدامة. تُعتبر مسألة التزام الأطراف والشروط اللازمة لنزع السلاح من القضايا المهمة التي تحتاج إلى معالجة. كثيرًا ما يثار تساؤل حول مدى صدق النوايا في نزع السلاح من قبل الأطراف المختلفة، وأهمية الثقة بين الحكومة والمواطنين. في غياب هذه الثقة، تبدو عملية نزع السلاح عقيمة وتكون النيّات خاضعة للتشكيك. هناك حاجة ملحة لإيجاد أرضية مشتركة يمكن أن تحث الأطراف علي الجلوس معًا لتحقيق نزع سلمي للأسلحة.
تسليط الضوء على هذه التعقيدات يأتي في سياق تجارب العالم في تحقيق نزع السلاح. أبرز تجربة موقف دول النرويج وجنوب أفريقيا كمثال يُحتذى به، حيث تم علاج المواضيع الحساسة المتعلقة بالأسلحة تحت مظلة الشفافية والتواصل الفعال. ومع ذلك، فإن الفشل الذي شهدته بعض الدول الأخرى مثل ليبيريا وسيراليون، يتطلب من لبنان أن يأخذ العبرة من هذه الأمثلة بهدف تجنب الأخطاء التاريخية.
يمكن القول إن التحديات التي تواجه نزع السلاح في لبنان كبيرة ومعقدة، ولكنها ليست مستحيلة. تظهر الإرادة الحقيقية والالتزام الجاد مسؤوليتهما في تحديد كيفية نجاح العملية أو الفشل فيها. كلما تم تعزيز الحوار والشفافية، زادت فرص الوصول إلى النجاح.
بعيداً عن الاستهلاك الإعلامي يبقى السؤال مفتوحًا حول كيف ستنجح الأطراف اللبنانية في تحقيق الاستقرار من خلال التزامها بنزع السلاح، وكيف تتصور لمستقبلها في ظل هذه التحديات. المطلوب هو خطة شاملة ومتكاملة تعزز الأمن وتجلب الأمل للناس، وزيادة الجهد لإنهاء دوامة العنف والعمل من أجل بناء وطن قوي وآمن لجميع أبنائه.
إن عملية نزع السلاح تتطلب التفاهم والتعاطف وكذلك الصمود. لذا، بينما تستمر هذه المحاولات، تحتاج البلاد إلى قيادات مؤهلة قادرة على إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية العامة. قد تجلب الجهود الفعّالة نزع السلاح إلى أفق جديد يتوافق مع تطلعات الشعب اللبناني نحو الأمن والاستقرار.
تترافق هذه الجهود مع التطلعات البعيدة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، حيث يعكس تحقيق السلام في لبنان رغبته في تحقيق وعود الأمان والتنمية. على المجتمع الدولي أن يظل داعمًا، شريطة أن يعمل على تعزيز سياسة دعم السلام والحوار.
استمرار الدعم يؤكد الحاجة الملحة لإيجاد حلول دائمة وشاملة للفوضى التي عانت منها البلاد.
يعكس مستقبل نزع السلاح في لبنان ما تأمله القوى السياسية المختلفة والمواطنون من قوتهم وسيادتهم. هذا التحدي يدعو للارتقاء إلى مستوى المسؤولية، حيث إن الضغوط الخارجية والدولية تبقى حاضرًة في إطار السياسة اللبنانية، ولكن يمكن تخفيف هذه الضغوط من خلال بناء قوة ذاتية وتأمين الحقوق.
وفي الختام وبعيداً عن تعدد مفاهيم نزع السلاح والتصريحات المتناقضة تتجه الجهود نحو معالجة القضايا الحساسة ومواجهة التحديات بشكل فعال، وإذا كان رئيس الجمهورية العماد جوزف عون لا يكشف تفاصيل تفاؤله بنزع السلاح فهو يدرك ان الأمر يعود بالنفع على جميع المواطنين وهو يحتاج صبرًا وإصرارًا، ومساره يستحق المحاولة في سبيل تحقيق الأمان والسلام الدائم في لبنان.