هل تستمر طفرة الإكتتابات العامة في دول الخليج في 2023؟

حوالي 24 مليار دولار حجم الطروحات في 2022 مقارنة بـ11 ملياراً في 2021

ما هو مصير الإكتتابات العامة في دول الخليج في العام 2023؟ سؤال يجدر طرحه بعد نشاط زاخم طبع العام 2022 في وقت كان راكداً في الأسواق العالمية بفعل مخاوف عديدة، بما في ذلك الحرب الروسية -الأوكرانية، وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، والدولار الأميركي القوي.

لقد كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموماً تعج بنشاط الاكتتاب العام الأولي في العام 2022 العام، حيث تم جمع 23.9 مليار دولار من العروض مقارنة بـ11.1 مليار دولار في 2021، وفق بيانات “ارنست أند يونغ”.

وهي أعلى حصة بعد عام 2019 عندما طرحت شركة “أرامكو” السعودية للاكتتاب العام في طرح بقيمة 29 مليار دولار.

ومن حيث حجم المعاملات، برز عام 2022 كأفضل عام منذ عام 2008، حيث تم إجراء ما يصل إلى 46 أكتتاباً أولياً في المنطقة.

في المقابل، جمعت الإكتتابات العامة 179.5 مليار دولار في جميع أنحاء العالم في 2022، وبانخفاض 61 في المئة مقارنة بعام 2021. فالتضخم وارتفاع أسعار الفائدة والاضطرابات الجيوسياسية تسببت في تراجع أسواق الأسهم، وهو ما أدى إلى إظهار المستثمرين القليل من الرغبة في الإستثمار في العروض الجديدة.

كما تضاعف عدد الشركات الجديدة التي تتخذ من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقراً لها والمدرجة في بورصات المنطقة، بأكثر من ثلاثة أضعاف.

ويبدو أن المستثمرين العالميين يرون جاذبية متنامية في المنطقة بعدما تعافت معظم اقتصادات الشرق الأوسط بسرعة من التباطؤ الناتج عن فيروس كوفيد، مدعومةً بارتفاع أسعار النفط.

وتشكل دول الخليج الرئيسية الأربع – السعودية والإمارات والكويت وقطر- أكثر من 7 في المئة من إجمالي مؤشر MSCI للأسواق الناشئة، وهذا يعني أنه لم يعد من الممكن تجاهل أسهم هذه الدول من قبل مستثمري الأسهم الدوليين.

وفي استعادة لصورة الإكتتابات العامة في 2022، كانت أكبر صفقة من حيث القيمة الاكتتاب العام لهيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) في الامارات في أبريل (نيسان) 2022 ، والذي جمع أكثر من 6 مليارات دولار مع وصول عدد الأسهم المتاحة في الطرح العام إلى 9 مليارات تمثل 18 في المئة من رأسمال الشركة. فيما أطلقت شركة البتروكيميائيات “بوروج” اكتتاباً عاماً أولياً جمع ملياري دولار خلال إدراجها في سوق دبي المالي.

وفي السعودية، بلغ عدد الإكتتابات الأولية خلال العام 2022 نحو 17 طرحاً مقابل 9 طروحات أولية خلال عام

“ديوا” في سوق دبي المالي أكبر صفقة من حيث القيمة في العام الماضي

2021 ليرتفع عددها بنسبة 89 في المئة. واستحوذ طرح شركة “أمريكانا” للمطاعم العالمية كأول إدراج مزدوج في السوق السعودية، على النصيب الأكبر من إجمالي الطروحات حيث تم طرح 2.53 ملياري سهم لتشكل نحو 87 في المئة من إجمالي حجم الطرح بالسوق خلال عام 2022.

وكان ثاني أعلى حصيلة اكتتاب لشركة “النهدي الطبية”، وجمعت أكبر حصيلة طرح بين الشركات المدرجة بإجمالي 5.1 مليارات ريال (1.36 مليار دولار).

ويعد تطوير سوق الأسهم في المملكة أمراً أساسياً لبرنامج تطوير القطاع المالي، الذي يدعم رؤية 2030، وهي خطة اقتصاد ما بعد النفط في المملكة. ويهدف البرنامج إلى زيادة القيمة السوقية لسوق الأوراق المالية كجزء من الناتج المحلي الإجمالي من 66.5 في المئة في عام 2019 (باستثناء الاكتتاب العام الأولي لـ”أرامكو”) إلى 88 في المئة بحلول عام 2030.

ويبدو أن سوق الإكتتابات العامة سيتعزز في مصر أيضاً في عام 2023. ويتوقع أن يصار إلى ظرح 3 شركات حكومية في الربع الأول من العام الحالي.

وكان التقرير السنوي الذي أعلنته البورصة المصرية، كشف أنه تم تجهيز 4 شركات حكومية تمهيداً لطرح حصص منها في البورصة. وأوضح التقرير أن تلك الشركات تضمنت كلاً من “بنك القاهرة”، و”مصر لتأمينات الحياة”، و”الحفر المصرية”، و”إيلاب” التابعة لقطاع النفط.

وبحسب التقرير، من المتوقع قيد أسهم 8 شركات في البورصة تشمل، “بنك الإسكندرية”، و”مصر للتأمين”، و”إنبي”، و”أسيوط لتكرير البترول”، و”الشرق الأوسط لتحرير البترول” (ميدور)، و”المصرية” لإنتاج الإثيلين ومشتقاته، و”الوادي” للصناعات الفوسفاتية والأسمدة، والشركة المصرية “ميثانكس” لإنتاج الميثانول.

وماذا بعد؟

يبدو العام 2023 قوياً بالقدر نفسه الذي سجل في العام 2022. ومن المتوقع أن يؤدي الدعم الحكومي والاستقرار الاقتصادي إلى تعزيز ثقة المستثمرين في المنطقة، وهو ما من المتوقع أن يؤدي إلى تسريع وتيرة النشاط في أسواق رأس المال.

ونقلت “ستاندرد آند بورز” عن أنيش أيلاوادي، الرئيس العالمي للخدمات المصرفية الاستثمارية في “أكويتي نولدج بارتنرز” إن قطاعات البيع بالتجزئة والطاقة والعقارات والإعلام والمرافق من المقرر أن تشهد بعض عمليات الإدراج الكبيرة. إذ تم الإبلاغ سابقاً عن قيام مجموعة “أم بي سي”، باستكشاف طرح عام أولي. كما وردت معلومات أن سلسلة متاجر سوبر ماركت “لولو غروب انترناشونال” ومقرها أبو ظبي، وشركة الطاقة العمانية “أو كيو saoc” قد اختارت المصارف لإدراجها المحتمل.

واضاف: “من المقرر أن تشهد منطقة دول مجلس التعاون الخليجي المزيد من نشاط أسواق رأس المال في عام 2023 حيث تسعى المزيد من الشركات إلى الإدراج العام، بعد أن كانت نقطة مضيئة وسط تباطؤ في أماكن أخرى هذا العام”.

وتشرح “ستاندرد” أن أسواق الاكتتاب العام في دول مجلس التعاون الخليجي واصلت الازدهار على خلفية عمليات الإدراج الحكومية الكبيرة التي يتم إجراؤها في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهي تعتبر أن مستويات الاكتتاب المفرط لأجزاء التجزئة من الإكتتابات العامة الأولية في المنطقة “دليل صارخ على شهية الاستثمار لدى المستثمرين”.

وفي محاولة للحصول على حصة أكبر من طفرة الاكتتاب العام، عززت مجموعات مصرفية كبرى فرقها في المنطقة. إذ تخطط مجموعة “غولدمان ساكس غروب”، ومقرها الولايات المتحدة، لتوظيف المزيد من مديري الثروات والمصرفيين الاستثماريين في الإمارات والسعودية، وكذلك فعل مصرف “سيتي غروب” العملاق في وول ستريت و”جي بي مورغان” حذو “غولدمان”. وتسعى “باركليز بي إل سي” التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها للحصول على ترخيص سعودي حتى تتمكن من إدارة الإكتتابات العامة الأولية.

من جهتها، ترى “غلوبال كابيتال” التي تعتبر من أهم مصادر للمعلومات لأسواق رأس المال الدولية، أن “النشاط المتزايد سيستمر في كل من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة اللتين تواصلان بناء اقتصادهما وجذب الاستثمار الاجنبي. وتعتبر أن اسعار النفط المرتفعة كانت عاملاً مساهماً بالطبع، لكن السعودية والامارات سجلتا مؤشرات ماكرواقتصادية قوية ونمواً اقتصادياً، في حين أن التضخم أدنى بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة وأوروبا. وبالتالي، فإن كلاً من السعودية والإمارات لم تواجها التحديات نفسها، كما أنهما تجريان إصلاحات هيكلية من أجل تنمية اقتصاداتهما وجذب رأس المال الأجنبي.

بالإضافة إلى ذلك، اتخذت السعودية والامارات إجراءات جوهرية تسهل عمليات الطروحات في أسواقيهما، في ما يتعلق بتسهيل الاعمال كما اداء الإكتتابات العامة.

وفقاً لـ”بنك أوف أميركا”، برهنت السعودية والامارات على أنهما كانتا قادرين على مواجهة تداعيات ما حصل في أوكرانيا. ويتوقع المصرف الأميركي استمرار هذا المسار في العام 2023.

كذلك، توقع كل من “سيتي غروب” ومجموعة “غولدمان ساكس” استمرار ازدهار الإكتتابات العامة في منطقة الخليج عموماً خلال عام 2023.

ختاماً، يبدو أن موجة الإصدارات في الشرق الأوسط في وضع يسمح لها بالاستمرار في عام 2023، مع وجود مجموعة من الشركات التي تستكشف العروض. ولكن هل يعيد احتمال حدوث ركود عالمي طفرة الإكتتابات العامة في الشرق الأوسط الى الوراء هذا العام؟ مشهد تجدر مراقبته هذا العام.