هل تصبح كامالا هاريس أول إمرأة رئيسة للولايات المتحدة؟

مميّزات وخصائص قد ترفع حظوظها لتحقيق النصر على ترامب

أعاد قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحد 21 تموز (يوليو) 2024، الانسحاب من السباق الرئاسي في الولايات المتحدة خلط الأوراق بالنسبة للمنافس الجمهوري دونالد ترامب. ومهد دعمه لنائبته، كامالا هاريس، لخوض الانتخابات في 5 نوفمبر المقبل، الطريق لحصولها على دعم الحزب الديمقراطي لتسميتها مرشحة رسمية لخوض هذا الاستحقاق. وفيما اعتبر ترامب أن التنافس مع هاريس سيكون أسهل، فإن الأسئلة بقيت تدور بشأن إمكانات هاريس في تحقيق الفوز وإبقاء البيت الأبيض تحت سيطرة الديمقراطيين.

سقوط أهم ورقة من يد ترامب

تبلغ هاريس من العمر 60 عاماً بما يزيل عن الحزب الديمقراطي ثقل التقدم بالعمر الذي يعاني منه بايدن والشكوك في قدراته الجسدية والعقلية كما معاناته من التعثّر والزلات التي استفاد منها منافسه ترامب. وقد سحب ترشّح هاريس من ترامب ورقة مهمة كان يشهرها دائما خلال ولاية بايدن في وصف بايدن “بالنعسان” والتعب.. الخ. وقد تحوّل ترامب من خلال ترشّح هاريس إلى أكبر المرشحين الأميركيين سنّا في تاريخ الولايات المتحدة. كما أن ترامب الذي بنى سرديته على مهاجمه بايدن وبرمج حملته ضده بات مضطرا إلى ارتجال استراتيجية جديدة ضد منافسته الجديدة.

بايدن أوصى سريعا بهاريس مرشحة بديلة

ويتيح خوض هاريس للسباق أن يؤهّلها لأن تكون، في حال الفوز، أول إمرأة تنتخب رئيسة للولايات المتحدة ما سيحفّز شريحة واسعة من المجتمع الأميركي لتحقيق هذا الهدف، لا سيما من الليبراليين والتقدميين، ناهيك عما سيوفّرة تحرّك النساء في هذه الحملة دعما لهاريس من فرصة استثنائية وربما تاريخية لإدخال سيدة إلى البيت الأبيض. إضافة إلى ذلك فإن هاريس تنحدر من أصول مهاجرة، فهي من أب مهاجر من جامايكا ومن أم مهاجرة من الهند. وستجذب أصولها الأفريقية الهندية مجتمع الملوّنين في الولايات المتحدة بما يوفّر لها الاستفادة من قفزة مجتمعية قد تكون شبيهة بما حظي باراك أوباما سابقا. ومن المفارقة التي أشار إليها معلقون أميركيون أن المنافسة الرئاسية ستجري بين هاريس، المدعية العامة السابقة في كاليفورنيا ومذنب مدان تلاحقه القضايا في المحاكم. الأمر يفتح الأبواب أمام مقارنة شرسة بين المسارات الأخلاقية للمرشحيْن.

لم تختلف مواقف هاريس في السياسة الخارجية عن مواقف بايدن وإدارته، غير أن مراقبين يسجّلون لها مواقف مختلفة في شأن الحرب في غزّة من حيث مطالبتها المبكرة بوقف إطلاق النار في وقت كانت الإدارة لا تستخدم هذا التعبير. ويعتبر هذا الموقف جاذبا لأصوات الناخبين المؤيدين لفلسطين، لا سيما من الجاليات العربية والمسلمة، التي سبق أن عبّرت عن غضب من مواقف بايدن في هذا الصدد. ولكون هاريس متزوجة من يهودي، هو دوغ إيمهوف، يمنح المرشحة الديمقراطية إمكانات الحصول على دعم اللوبي اليهودي ودوائره المالية. غير أن انتقادات كانت وجّهت لهذا الثنائي بسبب مشاركة ابنتهما في حملة تبرّع لأطفال غزّة.

وكان عامل الوقت قد وقف إلى جانب هاريس لردع أي منافسة لها داخل الحزب الديمقراطي، ناهيك من أن فتح المجال لهذه المنافسة لو حصلت كان سيؤدي إلى تشرذم الحزب وانقسامه بعد الوحدة التي أظهرها الحزب الجمهوري حول مرشحة، ترامب، في مؤتمره في تموز (يوليو) الماضي، بعد أيام على محاولة اغتياله. كما أنه كان يجب الانتباه إلى جانب تقني يتعلق بميزانية الحملة الانتخابية لبايدن التي لا يمكن تحويلها آليا إلى مرشح من خارج الثنائي بايدن-هاريس، وأن أمر ترشّح هاريس هو أسهل قانونيا لتحويل ميزانية حملة بايدن إلى حملتها، والدليل على ذلك سرعة تحول “حملة بايدن” إلى “حملة هاريس” بعد ساعات فقط من إعلان بايدن انسحابه من السباق. ويرى المراقبون أن انسحاب بايدن ودعمه

بايدن أوصى سريعا بهاريس مرشحة بديلة
بعد انسحاب بايدن بات ترامب أكبر المرشحين للرئاسة في تاريخ أميركا

لهاريس الحزب الديمقراطي أنقذ الحزب الديمقراطي من رتابة وفقدان للحيوية والحماس اتّسمت بها حملة بايدن ما دفع الحزب إلى دينامية جديدة مستفيدة من دفق “صدمة” منتظرة بانسحاب بايدن. وقد يمكن مقارنة الدفق العاطفي بذلك الذي انتاب الجمهوريين إثر محاولة اغتيال ترامب.

لماذا تأخر أوباما في دعم هاريس؟

ساد تساؤل محيّر بشأن تأخر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في الإعراب المبكّر عن مساندة هاريس. لكن بعض الخبراء أرجع الأمرعدم مسارعة باراك أوباما إلى إعلان دعم هاريس على الرغم من تزكيتها من قبل بايدن (وفعل ذلك لاحقا) إلى رغبته في أن يصدر الترشيح عن الحزب الديمقراطي وأن يشارك به أوسع قاعدة للحزب وأن لا يظهر الترشّح وكأنه قرار فوقي يفرضه قادة الحزب الكبار. كما أن الأمر كان يحتاج إلى التفاف المانحين وضرورة مشاركتهم في خيارات الحزب في هذا الصدد. وهذا الذي حصل عندما جرى تصويت عن بعد شارك به مندوبو الحزب منح هاريس بركة الحزب مرشحة رسمية تمّ الإعلان عنها في مؤتمر الحزب في شيكاغو (19-22 أغسطس 2024).

وقد لوحظ أنه فور “تزكية” بايدن المبكّرة لهاريس أظهرت استطلاعات الرأي تحسّن حظوظ المرشحة الديمقراطية مقارنة ببايدن، بحيث رجّحت هذه الاستطلاعات حصول ترامب على 51 بالمئة مقابل 48 بالمئة لهاريس. واعتبر الخبراء أن فارق الثلاث نقاط يدخل في نطاق هامش الخطأ في أي استطلاعات، ما يعني أن حظوظها مرتفعة حتى قبل بدء حملتها الانتخابية. وقد احتاج ترشّح هاريس إلى دعمه بالخيار الأنسب لمنصب نائب الرئيس. وقد تركّزت المعايير على أن يكون أبيض وحاكما لإحدى الولايات المتأرجّحة لكسبها. وفيما تنطبق هذه المواصفات على عدد من الأسماء، غير أن استطلاعات الرأي خيار نائب لهاريس كانت تمنح حينها حاكم ولاية بنسلفانيا، جوش شابيرو، أفضل النتائج مقارنة بثنائيات مع أسماء أخرى قبل أن تقرر هاريس غير ذلك كما سنشرح لاحقا.

وكان يُعاب على هاريس عدم تمكنها من البروز كنائبة للرئيس وعدم تسجيلها تميّزا يرفع من شعبيتها داخل الحزب الديمقراطي. غير أن آراء ترى أن الأمر عائد أيضا إلى تقصّد البيت الأبيض عدم إبراز دور لها والاكتفاء بهامش ضيّق لتحركاتها. وسيكون على هاريس أن تدافع مع نائبها عن أدائها نائبة لبايدن في الملفات التي يشهرها المرشح الجمهوري دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس، لا سيما قضايا الهجرة والقدرة الشرائية. وستواجه هاريس منافسة شرسة من قبل الثنائي ترامب-فانس الذين بدأوا ينجحون في تغيير وجهات الحزب الجمهوري نحو خيارات مرنه في قضايا المجتمع والجندر والمرأة (الإجهاض على مستوى الولاية وليس الفيدرالي) والدفاع عن الطبقة العاملة وانتقاد شركات الأعمال الكبرى.

عامل غزّة

على الرغم من تداول أسماء أخرى كان تُعتبر أكثر ترجيحا، فاجأت مرشحة الحزب الديمقراطي، كاملا هاريس، في آب (أغسطس) قبل أيام من مؤتمر الحزب الديمقراطي، المراقبين باختيار حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، ليكون نائبها لخوض الانتخابات الرئاسية. ولئن تدخل اعتبارات متعددة أملت هذا الخيار، غير أن الموقف من حرب غزّة وتداعياتها على الداخل الأميركي كان عاملا حاسما في اختياره لهذا المنصب. فكيف يتطوّر الموقف من هذه الحرب داخل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة؟

في نهاية شباط (فبراير) الماضي، وعلى الرغم من فوز بايدن في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي في ولاية ميشيغان، إلا أن نسبة الذين احتجوا واضعين علامة “غير ملتزم” (100 ألف صوت) في بطاقات الاقتراع كانت لافتة في الولاية المتأرجحة، التي تضم أكبر تجمع للأميركيين العرب في البلاد، ومن شأنها التأثير على السباق نحو البيت الأبيض. وقالت مصادر ديمقراطية حينها  إن  هناك قلقا في الحزب بشأن مستوى وعمق الغضب من الحرب في غزة وموقف إدارة بايدن منها.

ويعتبر الديمقراطيون أن هوامش الفوز في نوفمبر من المرجح أن تكون ضئيلة. ففي 2020 فاز بايدن بولاية ميشيغان بأغلبية 150 ألف صوت وأن ثلثي هذا العدد دعموا حركة “التصويت غير الملتزم” في الولاية. ويعتقد هؤلاء أن كتلة ناخبة شابة أدلت بصوتها لصالح بايدن في عام 2020، وإن لم يفعلوا ذلك، مرة أخرى، في الولايات المتأرجحة، فستكون لذلك عواقب حقيقية. وقد أدرك بايدن بصفته رئيسا ومرشحا قبل أن ينسحب من السباق تأثيرات ما يجري في الشرق الأوسط على مسار الانتخابات ومرشح الحزب الديمقراطي.

وقد عمل بايدن على ممارسة ضغوط باءت جميعها بالفشل للوصول إلى صفقة في غزّة توقف إطلاق النار. وتقول أوساط ديمقراطية إن دوافع بايدن الحقيقية تكمن في أن الصراع بات يهدد وحدة الحزب الانتخابية لإنجاح استحقاق الانتخابات المقبلة. وسبق لأن ظهر هذا الانقسام، ولأسباب متعددة، أدت إلى امتناع الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي بزعامة السيناتور بيرني ساندرز عن دعم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016 ما أدى إلى هزيمتها أمام الجمهوري دونالد ترامب.

سقوط شابيرو

حتى الساعات الأخيرة كان حاكم ولاية بنسلفانيا، جوش شابيرو، كما أسلفنا، من أبرز المرشحين لمنصب نائب هاريس لمنصب الرئاسة، وكان من أوائل حكام الولايات الديمقراطية في إعلانه دعم هاريس بعد إعلان بايدن انسحابه من السباق ودعمه لنائبته لخوض هذا السباق بديلا. ويمثّل شابيرو نموذجا مثاليا كونه يتّسق مع المعايير المطلوبة كونه أبيض البشرة وحاكما ناجحا لولاية متأرجّحة تحتاج هاريس الفوز بها. غير أن ظهور تحفّظات من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي مثّل رادعا للمضي قدما في دعم حظوظه وتوصية هاريس لاختياره.

ولفهم العوامل المحتملة لاختيار حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز،  بديلا لهذا المنصب، تجدر الإشارة إلى غضب يساريي الحزب الديمقراطي من شابيرو بالنظر لعلاقاته مع إسرائيل وتعليقاته السابقة ضد مؤيدي فلسطين في بنسلفانيا. وكان شابيرو قد أعلن إنه سيوقع على مشروع قانون في الولاية من شأنه أن يحجب التمويل الحكومي عن أي مؤسسة تقاطع أو تسحب استثماراتها من إسرائيل . وكان شابيرو، وهو يهودي، قد كتب: “لن يتعايش الفلسطينيون بسلام”، و”ليس لديهم القدرات لإنشاء وطنهم وجعله ناجحاً، وحتى بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة، فهم أصحاب عقلية قتالية، ولا يمكنهم بناء وطن سلمي خاص بهم”. وقال شابيرو إنه خدم في السابق كمتطوع في الجيش الإسرائيلي. وقد عمل شابيرو عام 1996 بدائرة الشؤون العامة في السفارة الإسرائيلية بواشنطن.

وقال شابيرو لاحقا إنه غيّرَ مواقفه، وأنه داعم لحل الدولتين. إلا أن المؤيدين لفلسطين وجماعات الدفاع عن حقوق المسلمين طالبوه بالاعتذار  وتقديم شيء غير الكلام. وتحدثت المعلومات الأولية عن أن اختيار هاريس لتيم والز جاء لأنه حاكم ولاية مينيسوتا، التي توجد فيها جالية مسلمة كبيرة نسبيا ذات قيمة انتخابية مرتفعة، ولكونه يحظى بدعم أعضاء تقدميين بارزين من ولايته، والنائبة إلهان عمر والمدعي العام كيث إليسون. وأنه كان أظهر نهجا أكثر ليونة تجاه المتظاهرين المنتقدين لحرب إسرائيل، وهو ما يتماشى أكثر مع  مواقف هاريس وتحوّلاتها.

تيم والز: وحدة الديمقراطيين

تلفت مصادر بأن والز مقبول من قبل الناخب المسلم واليهودي. فخلال تمثيله الولاية في مجلس النواب، لم يعرف عن والز التطرف في دعم إسرائيل، ونجح في الحصول على تأييد منظمة “أيباك”، أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي، وقال أمام مؤتمرها العام عام 2010 إن “إسرائيل هي أصدق وأقرب حليف لنا في المنطقة. وقبل أسبوع، قالت النائبة المسلمة من ولاية مينيسوتا إلهان عمر: “أعتقد أن الحاكم تيم والز لديه كل الصفات التي يحتاجها نائب الرئيس لتحقيق التوازن في البطاقة الانتخابية الديمقراطية. إنه مخضرم، وعضو في نقابة المعلمين ومن الواضح أنه شخص سيكون مثيرا من نواح كثيرة”.

تعتبر بعض المصادر أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سبب انقساما حقيقيا داخل الحزب الديمقراطي وأن اختيار والز يثبت أن كتلة انتخابية متنامية للحزب الديمقراطي تأخذ قضية حقوق الفلسطينيين على محمل الجد أكثر بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة. وترى هاريس ودوائرها الديمقراطية المحيطة أنه بات ولا بد من التعامل مع هذه الكتلة وأخذ آرائها في الاعتبار. ويرى مراقبون أن مواقف هاريس المبّكرة من الحرب في غزة والمطالبة بإيقافها، كما مواقفها التي ظهرت بعد لقائها برئيس الوزراء الإسرائيلي في تموز (يوليو) الماضي تقود إلى اختيار نائب لها يأخذ بعين الاعتبار هذه الحساسية المتنامية داخل الحزب بشأن الصراع.

وتتّسق مواقف والز من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واستمرار تواصله مع المجموعات المناهضة للحرب في غزّة مع موقفه المناهض للحرب عامة ودعمه لإلغاء قانون تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2001، والذي أعطى البيت الأبيض سلطات واسعة لتجاوز الكونغرس لتنفيذ هجمات وعمليات عسكرية في بلدان أخرى.

ويرى خبراء في شؤون الانتخابات الأميركية أن عدد السكان العرب حوالي 3.7 ملايين مواطن، وفقا للبيانات التي جمعها المعهد العربي الأمريكي، ويمكن لهذه الأقلية الصغيرة أن تحدث فرقا كبيرا في حملة المرشحة هاريس وقت الانتخابات. وبالإضافة إلى العرب الأمريكيين، هناك نحو مليوني ناخب مسلم مسجل في الولايات المتحدة يعبرون عن استيائهم من تعامل إدارة بايدن مع الحرب على غزة.

وكان لافتا، حسب مصادر ديمقراطية، أن ضغوطا مورست على القادة الأميركيين الديمقراطيين لتقليص دعمهم لإسرائيل، فيما ندر أن  واجه الرئيس السابق دونالد ترامب انتقادات كبيرة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في منزله أو خلال ظهوره في المناسبات العامة على رغم دعمه المفرط لإسرائيل، خصوصا أثناء ولايته الرئاسية. ولم يقل المرشح ترامب الكثير عن الحرب، بخلاف تصريحه بأن إسرائيل يجب أن “تنهي” الحرب. ما يعني أن الحزب الديمقراطي، لكونه الحزب الحاكم، يدفع ثمن الحرب في غزّة

هاريس وفلسطين

لفت اجتماع نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 25 تموز (يوليو) 2024، إلى ما يمكّن أن يميّز المرشحة الديمقراطية المحتملة للانتخابات الرئاسية من مواقف خاصة بالصراع في الشرق الأوسط، ومستقبل الحرب في قطاع غزّة. وفيما لا تحيد هاريس عن سياسة الولايات المتحدة التقليدية، غير أن المراقبين يرصدون مواقف كانت صدرت عنها خلال الأشهر الأخيرة ويبحثون في خلفياتها الايديولوجية لبناء صورة عن مواقفها المحتملة حيال المسألة الفلسطينية.

قالت هاريس، بعد اجتماعها مع نتنياهو، إنها عقدت محادثات “صريحة وبناءة” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقالت: “أبلغت نتنياهو بأن الوقت قد حان لإنجاز اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب”، لافتة إلى أن هناك صفقة على الطاولة لوقف النار في قطاع غزة. وأضافت هاريس أن هناك اتجاه متفائل بشأن محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وفيما أكدت التزامها بمسار يؤدي إلى حل الدولتين، قالت إن “حل الدولتين صعب، لكنه الحل الوحيد لتحقيق مصالح الطرفين”. وأشارت إلى أنها عبرّت لنتنياهو عن قلقها الشديد من مقتل عدد كبير جدا من المدنيين الأبرياء والوضع الإنساني المزري في غزة. لكنها أكدت أيضا التزامها الراسخ بدعم إسرائيل وأمنها وحقها في الدفاع عن نفسها ووصفت حركة حماس بأنها “منظمة إرهابية”. قالت هاريس:”لا يمكننا غض الطرف عن هذه المآسي. لا يمكننا السماح لأنفسنا بأن نصبح غير مبالين بالمعاناة ولن أصمت”

ودعت هاريس الشعب الأمريكي إلى تذكّر تعقيد الصراع وتاريخ المنطقة. ويجب إدانة الإرهاب والعنف، حسب قولها. وأضافت: “دعونا جميعا نفعل ما في وسعنا لوقف معاناة المدنيين الأبرياء. ودعونا ندين معاداة السامية والإسلاموفوبيا والكراهية من أي نوع”.

ورأى مراقبون أن انتقادات هاريس الصريحة تتعارض مع صورة الودّ الكبير التي أظهرها بايدن ونتنياه خلال لقائهما، عشية لقائه مع هاريس، على الرغم من أن العلاقة بين الرجلين معقّدة للغاية. واعتبر مراقبون أن هاريس التي تمسّكت بالموقف الأميركي الرسمي المدافع عن أمن إسرائيل، قدمت خطابا مختلفا نسبيا في الحديث، في حضور نتنياهو ،عن معاناة غزّة. وأضافوا أن هاريس اعتمدت خطابا متوازنا ضروريا لصالح حملتها الانتخابية. فمن جهة ترضي اللوبي اليهودي وأنصار إسرائيل في تأكيد التمسّك بالدفاع عن أمن إسرائيل ووسم “حماس” بالإرهاب، ومن جهة أخرى ترضي شريحة أخرى من الأميركيين لا سيما من أصول عربية ومسلمة (الذين قد تحسم أصواتهم الانتخابات في الولايات المتأرجحة) في الحديث عن المعاناة في قطاع غزّة والحاجة لوقف الحرب.

التخلّص من وصاية بايدن

تشير بعض المصادر إلى أن مواقف هاريس بعد لقاء نتنياهو كانت رئاسية متخلّصة من وصاية بايدن متوجّهة للداخل الأميركي قبل الخارج. وعلى الرغم من أن تلك المواقف قد تحسب بسبب توقيتها لصالح الحملة الانتخابية لكن من غير المستبعد أن تكون عناويين تتحوّل لسياسات في المستقبل. ونقل موقع “والاه” الإسرائيلي عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إنّ “تصريح هاريس بعد اللقاء كان أكثر انتقاداً بكثير مما قالته لنتنياهو في الغرفة المغلقة”. وأضاف أنّ نتنياهو “منزعج” من حقيقة أنّ هاريس تحدثت عن صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار باعتبارهما نهاية للحرب، بينما تتمسّك إسرائيل بموقفها الذي يتيح لها استئناف القتال بعد تنفيذ الصفقة. وقال المسؤول الإسرائيلي أيضاً إن نتنياهو غير راضٍ عن انتقاد هاريس لإسرائيل علناً في ما يتعلق بالأزمة الإنسانية في غزة وقتل المدنيين، خاصة في الوقت الحالي أثناء التفاوض على الصفقة.

ويتناسب موقف هاريس في لقائها مع نتنياهو من مواقف سابقة. فأثناء زيارة بيني غانتس إلى واشنطن في آذار (مارس) الماضي القت هاريس باللائمة على إسرائيل في ارتفاع حجم الضحايا المدنيين. وفي نيسان (أبريل) الماضي شاركت هاريس منشورا على موقع “إكس” في أعقاب الغارة الإسرائيلية التي قتلت عمال “المطبخ المركزي العالمي” في قطاع غزة، مؤكدة أنه على إسرائيل بذل المزيد من الجهد لحماية عمال الإغاثة الذين يعملون بشجاعة ونكران ذات لتخفيف المعاناة في غزة”. وذكرت شبكة “إن بي سي” نقلا عن مسؤولين سابقين، أن هاريس تبدو أكثر استعدادا لانتقاد نتنياهو علنا والتعبير عن تعاطفها مع محنة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. وكتب موقع “جويش إنسايدر” الأميركي أن “نائبة الرئيس ردّدت وجهة نظر الرئيس بشأن إسرائيل إلى حد كبير، لكنها أبدت تعاطفا أكبر مع محنة الفلسطينيين في غزة”.

وفي حزيران (يونيو) من العام الماضي كتب الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت في موقع “مونيتور” أن انتقادات هاريس للحكومة الإسرائيلية تتجاوز حدود غزة، فقد كانت دعت إسرائيل إلى الحفاظ على “قضاء مستقل”. وقد أثارت هذه التصريحات غضب اليمين الإسرائيلي في ذلك الوقت.

وعلى عكس أعضاء رفيعي المستوى في فريق بايدن للسياسة الخارجية والدفاع، بما في ذلك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الدفاع لويد أوستن وبايدن نفسه، من بين آخرين، لم تسافر هاريس إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر. وبينما كان بايدن يتعامل مع نتنياهو منذ أربعة عقود ويروج لعلاقتهما الوثيقة على الرغم من توترها الواضح في الأشهر الأخيرة، لم تقابل هاريس رئيس الوزراء الإسرائيلي سوى عدد قليل من المرات.

وقالت هاريس، في كلمتها أمام مؤتمر ميونيخ الأمني في شباط (فبراير) الماضي، إن حماس استخدمت اغتصاب النساء الإسرائيليات كسلاح في الحرب، لكنها أضافت: “لقد أوضحنا أيضًا أن عددًا كبيرًا جدًا من الفلسطينيين الأبرياء قُتلوا، وأنه يجب على إسرائيل أن تفعل ما هو أفضل من أجل ذلك”. حماية المدنيين الأبرياء”. -في تلك المناسبة دعت هاريس أيضًا الإسرائيليين والفلسطينيين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، مشيرة إلى أنه “في رأيي، لا يمكن أن يكون هناك سلام وأمن لتلك المنطقة – لشعب إسرائيل أو الفلسطينيين وشعب غزة من دون حل الدولتين”.

لم تختلف دعوة هاريس لحماية حياة المدنيين في غزة بشكل ملحوظ عن التصريحات التي أدلى بها بايدن. ومع ذلك، وعلى النقيض من بايدن، في مقابلة أجرتها معه صحيفة The Nation في 8 تموز (يوليو)، تناولت هاريس تفاصيل أكبر حول معاناة سكان غزة. ونقلت الصحيفة عن هاريس قولها: “أطرح أسئلة مثل: ما الذي يأكله الناس فعليًا الآن [في غزة]؟ إنني أسمع قصصًا عن أكلهم لعلف الحيوانات والعشب… وهكذا أفكر في الأمر”.

ربما هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية يكون فيه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي محدّدا مهما لمسار الحملة الانتخابية وما ستخرج به الصناديق. وعلى الرغم من حساسية ما يجب أن يقال أثناء حملة انتخابية لمرشح أميركي من حرص على إرضاء اللوبي اليهودي ومعايير المؤسسة الأميركية الحاكمة وعدم اسنفزاز إسرائيل، فإن ما عبّرت عنه كامالا هاريس، على الرغم من تمسكها بثوابت الدفاع الأميركي عن إسرائيل، يُعد تطوّرا لافتا يجدر التوقف عنده. فالمرشحة ربما تعبّر عن مزاج شخصي وعن خلفية أيديولوجية تقدمية، غير أن هاريس ليست محسوبة على الجناح التقدمي ولا تعتبر يسارية بالمعنى الراديكالي. وتعكس مواقف هاريس تحوّلا داخل المجتمع الأميركي وانزياحا حقيقيا لمؤسسة الحكم كان عبّر عنه بدقّة الرئيس الأسبق باراك أوباما من دون أن يؤدي الأمر إلى تغير في السياسة الأميركية. ويُسجل لهاريس أنها تخوض الانتخابات وفق معايير جديدة تسوّق من خلالها نفسها أول إمرأة، ومن أصول مهاجرة، يمكن أن تتبوأ منصب رئيسة الولايات المتحدة.