افتتاح اضخم متحف اثري لحضارة واحده  

في اطار احتفالية اسطوريه تابعتها الملايين عبر الشاشات  

حظى افتتاح المتحف المصري الأخير باهتمامات واسعه في انحاء كثيره من العالم،وشارك في الأفتتاح وفود رسميه بلغت 79 وفدا من دول مختلفه، كانت اطلالاتها تعطى حفل الافتتاح بريقا لافتا من  مشاعر الأهتمام والتقدير. ولذلك تم وضع جدول زمنى يوفر الحدود الملائمه بين عمليات الفواصل الواجبه ونظم التواصل الحاكمه ، لمشاهدة تفاصيل هذا المتحف، من باب التنسيق، وتجنبا لتفاقم عملية الزحام ،والرغبه في مشاهدة المعروضات المختلفه ،والمتعدده داخل المتحف . خصص اليوم الأول للأفتتاح وهو السبت الأول من شهر نوفمبر2025 لأصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء والزعماء وقادة الدول ،اليوم الثاني للأفتتاح الأحد الثاني من نوفمبر لكبار الشخصيات من الوفود الأجنبيه . اليوم الثالث للأفتتاح الأثنين الثالث من نوفمبر للصحفيين والاعلامين. اليوم الرابع للأفتتاح لأستقبال الجمهور.والسؤال هنا لماذا هذا الاهتمام بالمتاحف، وصرف الكثير من الأموال في تشييدها والأهتمام بها ،من حيث الصيانه والحراسه ،واضفاء الكثير من الوان التمجيد على مظاهرها وتشكيلاتها. والسؤال بمعنى اّخر :لماذا تهتم الشعوب بالمتاحف،وتصرف عليها الى هذا الحد من البذخ،بما يكفل لها هذا القدر من الابهاروالأعجاب؟ علينا ان ندرك أن المتاحف تحتل اهتماما و مكانة خاصه في ذاكرة الشعوب،فهي تعطي بعض ملامح التاريخ، وتتجسد  رؤى الخيال في التماثيل المرئية لأبطال تلك العهود المنصرمة والمختلفة في اّن واحد ،لكي تراها رؤي العين ،وتكشف لك عن بعض الاهتمامات، لدى اجيال سابقه في جريان حركة التاريخ ،والآثار المصريه والفرعونيه تحديدا، تعطى نماذج من التشكيل المعماري ،في بناء المعابد وتشييد الأهرامات، وبراعة التحنيط ، في ذلك الزمن السحيق. كما ان الآثارالفرعونيه على تعددها وثراء تشكيلاتها، تروي لك احداثا وحروبا مضت،وتعرض لك نماذج من صناعاتها و خاصة اسلحة جيوشها. وخلاصة كل ذلك أن تزايد اهتمام الشعوب بالمتاحف يعكس رغبتها في الحفاظ على تراثها الثقافي وزيادة فهمها للماضي. وشغفها، بمتابعة حروبها ضد الغزاة، وتوحيد مصر بضم الشمال والجنوب في دولة واحده ،عبر تلك القرون. هذا الاهتمام يُعزز من الروابط المتعددة سواء كانت الاجتماعية أوالثقافية بين الأفراد،كما يُسهم في تطوير الهوية الوطنية وتنمية القطاعات الثقافية ومن ثم السياحية. 

اطلاله على بعض المتاحف المصريه 

اولى الخديوى عباس حلمي الثاني اهتماما ببناء المتاحف في مصر،وكانت بداية الفكره تعود الى عام 1895 حين فاز المعماري الفرنسي (مارسيل دورنيو) في المسابقه التي اجريت لبناء المتحف المصري في ميدان(الأسماعيليه) الذي تغير اسمه الى (ميدان التحرير)بعد قيام ثورة 23 يوليو،وقد قام الخديوى بافتتاحه عام 1902.ثم تعددت المتاحف، المتحف الاسلامي ثم المتحف القبطي واليوناني والروماني في مدينة الاسكندريه ،ولعلنا نعرف ان المناخ الثقافى في الاسكندريه كان يعرف باسم( الثقافة الموزاييك) اي المتعدده ،لوجود جاليات اجنبيه كثيرة في المدينه.كما انسحب ذلك التعدد الى مدن كثيرة خاصة الساحليه.وبعد معاهدة 1936 وتولي الملك فاروق عرش مصر،ومع تزايد دور الحركة الوطنيه،واشتعالها ،عرفت مصر الطريق الى اقامة المزيد من التماثيل للزعماء الوطنيين مثل مصطفي كامل وسعد زغلول ومحمد فريد واحمد ماهر،وبعد ثورة 23 يوليو ظهر تمثال احمد عرابي في المحافظة التي ولد بها في (الزقازيق) وطلعت حرب الذي اسس للأقتصاد المصري  ،كما سمي ميدان باب الحديد (في محطة مصر) ميدان رمسيس،وقد تم نقل التمثال بعد ذلك الى مكان مؤقت ،قبل ان ينقل الى المتحف الكبير ،وهو يتصدر الآن مكانا متميزا في مدخل المتحف . 

المتحف المصري الكبير 

ذلك هو اسم المتحف الجديد (GEM)وهو يطل مباشرة على اهرامات الجيزة .وقد بدأت  فكرة  انشاء هذا المتحف على يد الوزير الفنان (فاروق حسني) وزير الثقافة في عهد الرئيس الراحل (حسني مبارك) وهو في الأساس فنان تشكيلي (رسام) وقبل ان يصبح وزيرا كان رئيسا لقصر الثقافة في منطقة الأنفوشي بالأسكندريه ،ثم تعددت مواقعه الوظيفيه ،كما رشح لليونسكو،وقامت اسرائيل بشن حملة ضاريه ضده ،أزاء تصريح له حول امكانية عرض كتب اسرائيليه في معرض القاهره للكتاب فقال(سأقوم بحرق تلك الكتب ان وجدت).يقول فاروق حسني عام 1992 عرضت على الرئيس حسني مبارك اقامة هذا المتحف الكبير،لأن المتحف القديم لدينا في ميدان التحرير اصبح مكتظا بالتماثيل،وبه المئات منها ،وعرضت عليه منطقة بجانب الأهرام ،وقمنا بالزياره فعلا الى المنطقه وكان معنا المشير طنطاوي ،واتفقنا على منطقة كانت افضل من الاختيار الأول،لأنها مرتفعه، ونتمكن من خلالها من النظر الى الأهرامات ،وكانت مساحتها ( 117) فدان ،وبعد ذلك اضفنا اليها قطعة أرض أخرى،وسألني الرئيس عن التمويل لهذا العمل ،وقلت له (ان الأعمال الكبيره تجد دائما من يساندها) قال اذن على بركة الله ابدأ.وصدر قرار رئيس الجمهوريه رقم 402 1992 في شأن تخصيص الأراضى اللازمة لاقامة المتحف  المصري الجديد وملحقاته الثقافيه.ثم تم الأتصال بالحكومة الأيطاليه، وتيسر الاتفاق معها على ان تقوم بتشكيل لجنة من الخبراء لعمل (دراسة جدوى)، وقد استغرقت اعمال هذه اللجنه نحو 4 سنوات بتكلفة قدرها 5 ملايين دولار،شملت دراسة شامله للأرض وكافة التغيرات والتقلبات بما فيها الزلازل.ساهمت ايطاليا في هذه التكلفه . ثم تم الاتصال باليابان،وقد اسفر الاتصال عن تعاون وثيق ،بل أصبح تحقيق انجاز هذا المتحف احد رموز التعاون الثنائي بين مصر واليابان،حيث قدمت اليابان من خلال ( هيئة التعاون الدولي اليابانيه ويرمز لها ب( جايكا – JICA ) دعما ماليا على اساس قرضين بشروط ميسره  للمساعدات الأنمائيه الرسميه بجانب التعاون الفني لدعم (مركز الترميم التابع للمتحف المصري الكبير) المعني بأعمال حفظ وترميم وتغليف ونقل القطع الأثرية . 

الاعلان عن مسابقة دوليه لتصميم هذا المتحف الكبير

قام الرئيس الراحل حسني مبارك  بوضع حجر الاساس  يوم 4 فبراير 2002 بحضور جمع من المختصين والمسؤولين وقتها على رأسهم الوزير الفنان فاروق حسني وزير الثقافة والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار جاب الله علي جاب الله.ثم اعلن بعد ذلك في مؤتمر صحفي عن مسابقه معماريه دوليه لتصميم هذا المتحف ليكون اكبر متحف للأثار المصريه في العالم ،وقد نظمت تلك المسابقه تحت رعاية (هيئة اليونسكو) وتقدم لها معماريون من 83 دوله بمشروعات بلغت 1557 مشروعا ،وشارك في التصميم الفائز من تلك المشروعات 14 مكتبا استشاريا من خمس دول مختلفة،واستغرقت دراسة المشروعات ثلاث سنوات بتكلفة بلغت مليوني دولار ،ثم بدأ التنفيذ على مراحل ثلاث،وانقسمت تلك المراحل الثلاث الى خطوات متعددة،تم فيها اعداد التصميمات الابتدائيه واشتملت غلى الدراسات الهندسيه والفنيه ،ثم الدراسات التفصيليه لجميع بنود وتفاصيل المتحف وعقد اختبارات الجوده المطلوبه على المواد والتصميم بالاضافة الى النظم المتوقع تطبيقها،و في شهر مارس 2016  تم إنهاء الاستعداد لنقل 778 قطعة آثرية من محافظة الأقصر إلى المتحف المصري الكبير وسط تأمينات وتشديدات أمنية مكثفة، وكذلك باستخدام وسائل حماية وتغليف متميزة طبقا للقواعد العالمية. وتعود القطع الأثرية لعصور مختلفة من الحضارة المصرية القديمة، وإن كان أغلبها يعود لعصر الدولة الحديثة، من بينها تمثال كبير للملك (أمنحتب الثالث) و(الإله حورس) من الجرانيت الوردي و يزن حوالى 4 طن والذي سيتم عرضه على الدرج العظيم بالمتحف بالإضافة إلى عدد من قطع الفخار ومجموعة من التوابيت. وفي شهر سيبتمبر من نفس العام تم نقل 525 قطعه اثرية من المتحف المصري بالتحريرالى المتحف الكبير ومن ضمن تلك القطع 367 قطعه من مقتنيات الملك توت عنخ امون تمهيدا لعرضها ضمن مجموعته المقرر نقلها بالكامل الى المتحف الكبير عند الافتتاح الجزئي للمتحف عام 2018،كما تم نقل مركب (خوفو) الثانيه،وكذلك تمثال رمسيس الثاني من مكانه المؤقت،بعد نقله من ميدان رمسيس ،حيث تصدر مكانه في البهو الرئيسي بالمتحف الكبير،كما نقلت مركب خوفو الثانية. 

سمات المتحف وتشكيله ونفقاته 

مضت قوة الدفع لتحقيق هذا العمل الملحمي الكبير،عبر سنوات، شاركت في انجازه العديد من المؤسسات والشركات العالميه ،كما قامت الشركات المصريه بدور بالغ الاهميه ،وكان من ابرزها شركة (أوراسكوم للأنشاء والصناعه)،و(الهيئة الهندسية للقوات المسلحه)،وبعض رجال الاعمال من خلال مؤسساتهم. وايضا (شركة المقاولن العرب) وقد تخصصت في نقل القطع الأثريه الضخمه الى المتحف،ومنها تمثال رمسيس الثاني وتبلغ حمولته 85 طنا قطعه واحده.  

راعى تصميم المتحف ان يتضمن من داخله مركز هام لأعمال الصيانه والترميم ويقع ذلك المركز على مساحة 32الف متر ،وهو موجود تحت سطح الأرض بمقدار 10 متر تقريبا ،وتم انشاء نفق مابين  مركز الترميم والمتحف يتم من خلاله نقل الأثار بشكل اّمن بطول 300 متر تقريبا ،وبه معامل متعددة للخزف والزجاج والمعادن والأخشاب والأحجار والميكرسكوب الألكتروني وغير ذلك . 

يتم تقديم  الأرشادات داخل المتحف بثلاث لغات العربيه والانجليزيه والهيروغليفية  

دخل في دائرة التخطيط انشاء 20 محل تجاري و8 مطاعم في المنطقة الاستثماريه داخل حرم المتحف بالأضافة الى فندق يسع 30 غرفة ،وهو يقع بعيدا عن الجزء المتحفي المغطي وعن الآثار  

التمويل 

قامت عدة جهات بتمويل المتحف كان ابرزها قرضين بشكل ميسر من وكالة (جايكا) اليابانيه الأول في  

2006 بقيمة 280 مليون دولاروالثاني في 2016 بقيمة 460 مليون دولار،ثم 150 مليون دولار من التبرعات والمساهمات المحلية والدوليه ،بالأضافة الى 100 مليون دولار تمويل من الحكومة المصريه 

ويبلغ الرقم النهائي لتمويل المتحف  2،1 مليار دولار 

كم من الوقت تستغرق الزياره؟ 

حتى يمكن الاستفاده من الزياره ينبغي ان يخصص لها وقت مناسب يتراوح من اربع الى سن ساعات وهذا يمنحك وقتًا كافيًا لمشاهدة صالات عرض توت عنخ آمون، والتماثيل الضخمه، والمعارض المختلفة والمؤقتة بوتيرة مريحة. 

اسعار الدخول  

للكبار 350 جنيها –  لكبار السن 175  –  للاطفال 175  –  للطلاب 175  

وللاجانب للكبار 1450    وللصغار  730  

من كلمات الافتتاح 

قال الرئيس السيسي : ان المتحف المصري الكبير صورة مجسمه، تنم عن مسيرة شعب سكن ارض النيل منذ فجر التاريخ فكان ولا يزال الانسان المصري:دؤوبا صبورا كبيرا بناءّ للحضارات صائغا للمجد معتزا بوطنه حاملا راية المعرفة ورسولا دائما للسلام وظلت مصر على امتداد الزمان واحة للأستقرار،وبوتقة للثقافات المتنوعه وراعية للتراث الانساني . 

وتحدث الوزير الفنان فاروق حسني الذي بدأ المشروع وتحمس له،وسهر عليه الليال الطوال . قال 

عشت انتظر تحقيق هذا الحلم بافتتاح هذا المتحف الكبير،واليوم وانا اراه حقيقة واقعه ،أشعر ان هذه الحقيقه اجمل من الحلم الذي عشته في خيالي ،ولا استطيع ان استطر دون ان اذكر بكل الوان التقدير والشكر والامتنان لكل الرجال الذي عملوا على تحقيق هذا الأمل سنوات وسنوات، حتى تجسد هذا الامل الى واقع نراه .  

برنامج الافتتاح 

احتوى برنامج الافتتاح بعد كلمة الرئيس كلمات اخرى من بعض المسؤولين ،كذلك من ممثلي بعض الشركات التي قامت بالتنفيذ،كما تضمن البرنامج بعض الأعمال الفنيه شاركت فيه  مجموعة من الفنانين فقدموا بعض الاستعراضات التي تعبر عن تلك المرحلة التاريخيه وماتركته من كنوز فنيه

 واخيرا  

ان المحافظة على التراث ،وكما نراه من خلال هذا المتحف، وقد تجسد في الكثير من التماثيل والرسوم والأواني والكثير من الاشكال سواء كانت من ادوات الحرب ،او ادوات الاستعمال البشريه كما تعيش المجتمعات،لكن تكمن الأهمية في معرفة التاريخ وشكل الحياة وطبيعة التطور ،ومن لا تاريخ له ،لا يمكن ان يكون له مستقبل يرنو اليه بتفاؤل و استبشار.