تصاعد التوترات في الشرق الأوسط رغم وقف الحرب تقييم شامل لدور الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل
في خضم عمليات التجاذب الإقليمي والدولي، أضلعت التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول التوصل إلى إنهاء الحرب بين إيران وإسرائيل ووقف شامل لإطلاق النار ريحًا جديدة في المفاوضات السياسية. إن استقرار المنطقة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بموازين القوى بين الدول المختلفة ومصالحها التي تتداخل في سياق الشرق الأوسط الجديد. فالموقف الأمريكي، الإسرائيلي، والإيراني حول القضية له دلالات فارقة تتجاوز الأسئلة العسكرية إلى أسئلة اقتصادية وسياسية مديدة.
الأرباح والخسائر للولايات المتحدة، إسرائيل، وإيران
بالحديث عن الولايات المتحدة، تشير التصريحات الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبراين، الذي صرح قائلاً: “إن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط هو ضمن أولوياتنا القصوى ونسعى جاهدين لبناء تحالفات جديدة”. وهذا يعكس قلق أمريكا التقليدي من توسع النفوذ الإيراني، ويشير إلى أن إنهاء الحرب بفتح المجال لمزيد من التعاون الأمني بين الحلفاء التقليديين قد يكون في أجندتها.
المكاسب الأمريكية قد تظهر من خلال الآليات الجديدة لوقف التوترات، مما يساعد على بيع الأسلحة وتعزيز التعاون العسكري. ومع ذلك، علق السيناتور ليندسي غراهام قائلاً: “إذا لم يتم معالجة قضية التخصيب الإيراني، سنكون قد خسرنا معركة أخرى في صراع طويل الأمد”. وبالتالي، فإن تحدي إيران في ملفها النووي قد يمثل أيضًا خسارة للولايات المتحدة، إذ قد تعيد إيران توجيه توجهاتها القومية الداخلية إذا لم تكن مطمئنة لأمنها القومي.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإنها حققت مكاسب من خلال استعادة الهدوء النسبي، إلا أن عمليات السلام الدائمة تبدو بعيدة المنال. صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، مؤخرًا: “لا يمكن أن نعطي إيران أي تسهيلات في مجال التخصيب، حيث يجب أن نرسل رسالة واضحة أننا غير مستعدين للاحتفاظ بحياة الإسرائيليين في حالة من عدم اليقين”. هذا يبرز المخاوف الإسرائيلية من المتغيرات المحتملة، ورغبتها في الحفاظ على سياسة أمنية صارمة.
من الجهة الإيرانية، فإن التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الإيراني، تعكس عمق الانقسام حول القضايا الجوهرية. حيث قال: “أي مفاوضات يجب أن تكون برعاية حقوق إيران في تخصيب اليورانيوم”. هنا تكمن الخسارة المحتملة لطهران، في حال عدم قبول شروطها التفاوضية، مما قد يؤدي إلى تفاقم العقوبات ويضعف مشروعها النووي.
احتمالات التفاوض حول الاتفاق النووي
إن احتمال إجراء مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي الإيراني يعتمد بشكل كبير على كيفية معالجة الشركاء الغربيين للملف النووي. لم يُخفي المسؤولون الأوروبيون رغبتهم في تكثيف الحوار؛ حيث صرحت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أنه “يجب على الأطراف العودة إلى طاولة المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق أكثر فاعلية”.
إيران من جانبها، قد تكون مستعدة للمحادثات، ولكنها تريد ضمانات واضحة. في حالة فشل هذه المفاوضات، قد تضطر إيران إلى الاستمرار في برنامجها النووي بشكل أكثر سرية مما يهدد استقرار المنطقة.
مواقف الأطراف في سياق “الشرق الأوسط الجديد”
في سياق “الشرق الأوسط الجديد”، تتزايد الحاجة لتعديل المواقف السياسية بين الدول. هذه الديناميكية تُعزز الحاجة إلى تحالفات جديدة، تتضمن استراتيجيات أكثر شمولية. يشير رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، إلى أهمية التعاون العربي: “يجب أن نتوحد لمواجهة التهديدات المختلفة، ونحن بحاجة إلى استراتيجية شاملة تعالج جميع أشكال العنف والتطرف”.
فرص التعاون بين دول مثل مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي قد تُساهم في إيجاد أرضية مشتركة لتعزيز الموقف العربي في مواجهة التحديات الإيرانية والتعبير عن القلق من تزايد الأنشطة الإسرائيلية.
أمن الخليج وإعادة الثقة بين الأطراف المتنازعة
تهيئة أجواء من الأمن والاستقرار في الخليج هي أولوية ملحة. بعض الدبلوماسيين العرب يشددون على أهمية إجراء حوار شامل. يقول أحد المسؤولين الخليجيين: “نحتاج إلى آلية فعالة لرسم خارطة طريق للمفاوضات تضمن حقوق جميع الأطراف وتساعد على تخفيف التوترات”.
عبر البعد الطبيعي للأمن، يصبح بناء الثقة عنصرًا أساسيًا يتطلب مشاركة جميع الأطراف بما في ذلك القوى الكبرى مثل روسيا والصين. كل من هاتين الدولتين تنظران إلى منطقة الخليج كمنطقة ذات أهمية استراتيجية.
الأوضاع في لبنان وسوريا واستمرار عمليات القصف الإسرائيلي
في إطار الأزمات القائمة في لبنان وسوريا، تستمر عمليات القصف الإسرائيلية والأعمال العدائية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار. تشير التقارير إلى أن العمليات الإسرائيلية تستهدف مواقع مرتبطة بحزب الله أو الميليشيات المدعومة من إيران. وقد أشار أحد الضباط العسكريين الإسرائيليين: “نحن جاهزون للرد على أي تهديد، وحزب الله لن يكون بمنأى عن عواقب أفعاله”. هذا التأكيد يمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة استراتيجيتها العسكرية على الأرض.
على صعيد آخر، الأوضاع في لبنان، حيث تزداد المتاعب الاقتصادية والسياسية، تظهر الحاجة الملحة لمعالجة الصراعات الداخلية. نستطيع أن نرى من هذا الوضع كيف أن استمرارية الصراع قد تُعوق إعادة الإعمار. تكمن التحديات الأساسية في كيفية نزع سلاح الفصائل المسلحة، مثل حزب الله، إذ قال الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم: “لن ننزع سلاحنا إلا وفق شروط وطنية ووحدوية”.
المصالح الدولية: روسيا، الصين، والمجموعات الأوروبية والعربية
يُظهر التحليل أن المصالح الروسية والصينية تظل متعمدة على المال والنفوذ. حيث إن روسيا تؤمن لها دعمًا عسكرياً للنظام مقابل الحفاظ على قاعدة حميميم الروسية على شاطئ المتوسط، بينما تسعى الصين للاستفادة من مشاريع البنية التحتية والاستثمار في الدول الغنية بالموارد.
أما بالمقارنة مع الموقف الأوروبي، فإن التحديات الراهنة تجعل التعاون الأوروبي-العربي أمرًا ملحًا. حيث ينادي العديد من السياسيين الأوروبيين بضرورة توحيد الجهود لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها المجتمعات. يتمثل ذلك في دعاواهم لإطلاق مبادرات مشتركة تعزز السلم والأمن الإقليميين.
وهكذا تظل الأوضاع في الشرق الأوسط معقدة ومتغيرة بشكل دائم. إن قضايا الربح والخسارة بين الولايات المتحدة، إيران، وإسرائيل، إلى جانب الاضطرابات الأمنية في لبنان وسوريا، تتطلب رؤى مستقبلية وتأملات أصيلة من جميع الأطراف. يتطلب التوجه نحو الاستقرار تقديم التنازلات من جميع الأطراف، ووقف حرب غزة ومعالجة مسألة الدولتين، وضمان استراتيجيات فعالة تعود بالنفع على الجميع. الحوار هو السلاح الأقوى لحل النزاعات، والمحافظة على الأمن والاستقرار يتطلب يقظة دائمة من المجتمع الدولي لضمان استدامة السلام الإقليمي.