الرئيس النووي تدمير الحضارة هو اسمي وشهرتي

لا يمكننا الكتابة والإجابة ببساطة خارج التفكير سلفا بإسرائيل ومن خلفها إمعان الدولة الترامبية والترابية الكبرى والصغرى والمتوسطة في الهلال الخصيب لدى طرحنا هذا السؤال التاريخي الضخم المعقد لكأنه أبدًا مقيم في  نفوسنا وتاريخنا وأفكارنا ونصوصنا التي تسكننا  حيث لا سكينة سوى القتل والتدمير؟

لا يمكنك التفكير للحظة بحثا عن اجوبة دون مكابدة العجز  في سرد تواريخ فلسطين التي تبدو وكأنها فلس من طين لا يعرف اين يستقر خلف مستقبل غزّة وجنوبي لبنان وبقاعه وعاصمته بيروت وصورها التدميرية الهائلة عبر المدن الأثرية المطبقة فوق قاطنيها الى خرائب القرى المبعثرة وبقايا العائلات المتراكمة فوق المسابح بالصلاة تحلم ببقايا  الأوطان والعائلات والأطفال…والمشاريع والخرائط الجديدة الدولية الترابية الغامضة في زمن الجنون؟

وللمزيد: كيف يمكن لأي عقل بشري معاصر تفسير او فهم تراكم صور الخرائب المتقاطعة عبر هذا التاريخ المعاصر الثقيل في تهديم الحضارات العريقة من العراق التاريخ  إلى غزة الضائعة ولبنان الحائر الدائر  عبر شاشات العالم  وألسنة زعمائه مسارح مفتوحة تهليلا للغموض تحت أنظار البشرية العمياء؟؟.

يجرنا العنوان نحو السؤال المُلح:

أتتغيّر أو تتبدل مواقع العرب وجغرافيتهم كليا فوق خريطة هذا العالم؟

يمكنني مقاربة التفكير للإجابة عبر الزوايا التالية:

أ- الزاوية الأولى: قريبة وباقية ملتهبة بأحداثها ونتائجها وخرائبها ودمغت تاريخنا المعاصر أعني منذ ال 2003 في العراق صعوداً نحو ال 2011 تاريخ بدايات “ثورات الربيع العربي” وصولا الى فكرة المستحيلات بنقل بقايا الشعوب نحو هجرة اختيارية او  اجبارية كما تساق الأغنام.

 «أي دم تيبس عبر هذا العصر العربي المستورد؟

تضعني هذه الزاوية في ظلّ تشابك وتعقيدات وإفرازات تتجدّد بين الشرق والغرب وبين الإرهاب والعالم. ويظهر العرب فيها محاصرين حيال  خياراتهم الصعبة التي تشوّه وتدمر بلادهم وقناعاتهم من ناحية بما يلبسهم ظلماً الإرهاب من ناحية ويؤلّب الدنيا عليهم اعني ضد المسلمين للبحث الغريب الذي يربكنا أبداً عنوة بأقنعة الدين وبنسخه الكثيرة والمقترحة وهذه مسائل لا تؤدّي سوى الى تجدد أقنية الدروب الدموية للشعوب بصيغ متفسخة متعددة.

ويصبح البحث عن التغيير بالقوّة الى الإقامة في ملامح حرب عالمية ثالثة غير معلنة قد تناسب هويتها الجديدة اعني ملامح عصر غريب عجيب يجذبنا لأن نفتن فيه عنوة ونعيشه لكأنّنا نقبض عليه لكنّنا لا نهضمه وسنعجز عن متابعة أفكاره وابتكاراته ومقتنياته ونوازعه وملامحه الحالية الدموية والمستقبلية ال؟؟؟؟؟؟.

هكذا يستمرّ معظم المسلمين والعرب بتوجّهاتهم وتطلّعاتهم التاريخية وبأصواتهم المتعدّدة والمتشابهة منقسمين يتوحّدون بين نقد الغرب ورفضه أو قبوله وتحدّيه، ويكابدون بسياساتهم المشتّتة وأنظمتهم المتحيّرة تلك الكوارث المعاصرة التي قد تتجاوز كثرتهم وخلافاتهم . نحن للأسف مجدّداً، حيال أزماتٍ فكرية وحضارية كبرى تجعلنا مجدداً بين دولتين عظميين واحدة أميركية أوروبية تحضن اسرائيل وأخرى صينية محايدة وروسيّة حاولت وتحاول جاهدةً بالرغم من نسق زيلنسكي أوكرانيا المسنود بأوروبا وبعطف دونالد تراب عبر ولايته الجديدة العجيبة أو بغضبه وتحقيره أوكرانيا والعام الواقف بالصف لدفع الضرائب الى غيرها من الدول العظمى في الدنيا قد لا تعنيها  استعادة عظمتها المفقودة بقدر لهفتها بأرض عائمة بالنفط والغاز والمعادن الثمينة والتقاتل حتى عبر تهديم مجد النصوص والأفكار والحضارات والإنسان من ناحية والانشغال بلعبة التقنيات والمستوردات العالمية في الوقت نفسه. إنه التيه العربي بل المشرقي والعالمي بين مفاهيم الحداثة والتحديث والتراث والمعاصرة والغير والتغيير للإبقاء علينا كومة امتداد لا ينتهي  من الكنوز الأرضية المهدّدة بالنفاذ والجمود المفروض بين استبدادية الإنتاج الدولي واستبدادية الاستهلاك.

ما يستحقّ التأمّل هنا أنّ الحلول الافتراضية تبدو مسنودة بشكلٍ دائم الى فكرة القدريّة النهائيّة بالمعنى المألوف التي لا تحتاج الى براهين مع أنّها فكرة نلاحظها تتمدّد في الأذهان والقناعات أمام قساوة القتل والإبادات والتدمير. ولا تنسى ايها القاريء الحبيب أنّها فكرة قد تختصرها حكمة إغريقية قديمة جديرة بالتأمّل ترى “أنّ الآلهة لا تعاقب البشر حين تغضب عليهم، وإنّما تسلّط عليهم أنفسهم”.

ب – الزاوية الثانية: وترتكز على تحقيق الفرضيّة التي ترمي بأثقال الحضارة المشرقية وأعبائها القديمة عبر خلط السياسة بالدين والإسلام بالمسلمين الجدد بما يجعلهم في قلب العالم وخارجه في الوقت نفسه، يغذّي أحوالهم تلك السهولة في يقظة مذاهبهم ومدارسهم واجتهاداتهم وإشعال نزاعاتهم. ويمكنني أن أحشو هذه الزاوية بالمعادلة التالية:

يتعاظم الخوف من الإرهاب المتضافر عنوانا للعصر حيث لن يتوحّد البشر اليوم وفيهم المسلمون أكثر من أيّ زمنٍ مضى. ربّما هي المرّة الأولى التي يفقد فيها الفكر قدراته القيادية تحت وطأة المشاعر والانطباع الحماسي العام الذي لا يتجاوز الفكر أو التفكير المعاصر الاستهلاكي لكنّه يلغيه بل يفرغه من كلّ قيمة إنسانية.

ولّد هذا الفكر تثاقفاً مثمراً وغنياً بين الشعوب والحضارات وتأثيراً متبادلاً، ولطالما كان أجدادنا مبدعين في المجالات كلّها تفكيراً وإنتاجاً أو عن طريق النقل والترجمة ، لكنّ الفلسفة عجزت عن إيجاد الأجوبة النهائية للأسئلة الكبرى كالتي أطرحها وفشلت فشلاً ذريعاً في توحيد البشر ، وراحت تتواضع نحو مسائل عصرية مثل البيئة والصحة والرياضة والجنس والذكاء المصطنع أي أنّها خرجت من مقولة الفيلسوف كانت:” أنا أفكّر إذن أنا موجود” لتهبط الى مقولة الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر: “أنا موجود إذن أنا أفكر” والتي جاءت رفضاً فلسفيا عارماً يومها للحرب العالميّة الثانية.

هكذا فشلت الأديان حتّى التوحيدية منها وسقط الفكر الإلحادي بدوره في توحيد البشر، ومثلهما اهتزت صدقيّة العلم الذي شارف المستحيل في توحيد البشر عبر وجهه القبيح النهم في صناعة الأسلحة وتغذية الحروب وتسخير المعارف والتكنولوجيا لأغراض الهجوم والعنف والبراعة في القتل للإستثمار .

قد تبرز أضخم المعضلات التي نعاني منها اليوم، بعد انكشاف المجتمعات وسقوط الأغطية والأساطير بزوال الحدود والحواجز الثقافية واللغوية بين الشعوب والأجيال، في عصرٍ من “متع” التواصل بين أهل الكوكب حيث نجحت التكنولوجيا الى حدّ كبير في تقريب البشر  السخيف افتراضيا وثقافياً كما في جعل الغرائز العنيفة تتقدّم في مسيرتها خارج العقول والعبر.

ج- الزاوية الثالثة: كيف نفسّر هذا التوغّل في العنف ؟

 للجواب أتذكر  ما قاله روبرت اونبهايمر المعروف ب “والد القنبلة النووية” بعد الانتهاء من صنعها:

 “الآن أصبحت أنا الموت  مدمر العالم” .

من هو هذا الذي سننتظره مجنونا صارخا في وجه العالم :

“تدمير الحضارة هذا هو اسمي وشهرتي”.