هل تغير الشرق الاوسط وعاد الصراع الى تعريفه الأساسي
في هذه الأيام سوف يتم اعلان وقف اطلاق النار في غزة،وانتهاء الحرب التي دارت خلال العامين المنصرمين.كانت حربا ضروسا بين بعض الفصائل الفلسطينيه،تتصدرهم حركة (حماس) وبين الجيش الاسرائيلي ،بكل الدعم الذي يلقاه من امريكا،ودول( الناتو) التي حجت الى تل ابيب بعد احداث السابع من اكتوبر 2023، لكي تعلن مساندتها لأسرائيل ،واستنكار تصرف حماس بل وادانته باعتياره عدوانا ارهابيا ،قامت به منظمة ارهابيه ،ويتردد ان الرئيس (ترامب) سوف يحضر الى مصر بدعوة من الرئيس (السيسي) لأعلان انتهاء الحرب، ذلك ان لم تبادر اسرائيل بوضع العصا في الدواليب ،وافتعال نتنياهو اي مبرر لألغاء ماتم التبشير به. كانت حربا،ضحيتها الأولى الأطفال والنساء وكبار السن، ودفع الشعب الفلسطيني ثمنا أكثر من فادح،واشق واوجع من مؤلم وقاس .لكن علينا ان نتذكر ان تلك طبيعة حركات التحرير،وكم من شعوب دفعت هكذا اثمان واّلام.والعبرة دائما بالنتائج،وكم بلغت حصيلة النضال،التي حققها الشعب الفلسطيني، والحق في المقاومة دائما مشروع ،كما ان التضحيات ايضا أمرها معلوم ،ومن ثم ماذا تغير،وكم حصدت التجربه ؟.حقا وصدقا اريق على الارض الفلسطينيه الكثير من الدم سواء في غزة،أو في الضفة الغربيه ،وفي لبنان وفي سوريا وهناك على ارض اليمن،وان كان النصيب الأكبر،والأكثر فداحة كان على ارض (غزة) . لكن في المقابل لم يذهب كل ذلك سدى،فقد انجزت هذه الحرب الكثيرمن النتائج على الصعيد المحلي والأقليمي،وايضا على المستوى العالمي أو الدولي،وحققت نتائج ،لا ينكرها منصف أمين،ولا يجحد فضلها راصد صادق وحصيف. على المستوى المحلي
صلابة المواطن الفلسطيني،وشجاعته في الصمود والتحدي ،ورفضه المطلق لفكرة التهجير،وادراكه العميق لمعنى الارتباط بالأرض، وكم جرب من اختبارات ،وكم قاسى من محن، وكم عاني من جوع ومن مرض،ولكنه احتمل وقاوم كل صنوف المخاطر التي انهمرت عليه من صواريخ،وقصف،وتدمير
وحصار،وانذارات متوالية بتفجير المنازل والمستشفيات والمدارس،ومنظمات الرعاية كالأنروا،ولكنه ظل على الأرض،ومما بثير كل عوامل التقدير والأعجاب،ونحن نشاهد عبر شاشات التلفزيون الصغار وهم يلوحون باصابعهم بعلامات الصمود والانتصار،ويتحدثون عن معاني الأستشاد لعائلاتهم وذويهم وهم بكل الصلابة والشجاعه، يتحركون على ارضهم المقدسة ،دون هلع او خوف أو حتى دمعة حزن.
هم كما قال الشهيد (ابوعمار) شعب الجبارين. من جانب اّخر ان المقاومة لم تتوقف،وظلت قائمه حتى وصلت الى مرحلة المواجهة بالسلاح،من خلال (المسافه صفر).ولابد ان نضع في الاعتباران احد الاهداف الرئيسيه التي حددها (نتنياهو) هو تدمير(حماس)،وهو الأن حسب خطة ( ترامب) لأنهاء الحرب عليه ان يفاوض حماس،حتى ولو كان التفاوض غير مباشر،الا ان (حماس) موجوده ولم يستطع عبر قتاله بجيش مدعوم بالسلاح،وتم توفير كل مايلزمه من ادوات القتال،غيرانه عجز عن تدميرفصيلا للمقاومه ،وهو جيش لاينقصه السلاح او التدريب،ولكنه بالتأكيد لا يملك ايمان اصحاب الارض بقضيتهم . في اّخر الأمرقامت (حماس) بتشكيل وفد المفاوضه،وضمت الى اعضائه ممثلين لفصيلين اّخرين من فصائل المقاومه،وكانا من (حركة الجهاد الاسلامي)ومن (الجبهة الشعبيه) وذلك يعزز من تمثيلها وما يأخذه الوفد من قرارات،كما يعزز العلاقات بين فصائل المقاومة على اختلاف مناهجها وادوارها،مما يكسب العمل الوطني قوة وصلابة على المستوى القومي
تعرضت القضية الفلسطينيه الى دورة كامله من التغاضي ،تراجعت فيها مواقعها في العمل القومي الى حد ان تراجع تعريفها من (الصراع العربي – الاسرائيلي) الى الصراع ( الفلسطيني – الأسرائيلي) وذلك بعد الهروله الى التطبيع مع اسرائيل، بعد اتفاقية ( كامب ديفيد) عام 1979، وضغوط الولايات المتحده الأمريكيه،مؤخرا وابرام اتفاقيات (الأبراهيميات) دون اي تقدم على ساحة القضية الفلسطينية،


واستمرأت اسرائيل بالأمر،وبدأ التوسع في بناء المستوطنات ،وشاهدنا الكثير من التحرشات الأسرائيليه في مناطق مثل ( الشيخ جراح،واقتحام المسجد الأقصي،والعدوان على الضفة ،واعلان ضم الجولان ،ونقل السفاره الاسرائيليه الى القدس،والعدوان المتكرر على الأراضي الفلسطينيه ،وحدثت عمليات السابع من اكتوبر،وجرى على اثرها الرد الاسرائيلي الوحشي على غزة كما طال الضفه ،وظهرت دعاوي التهجير الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطيني ،بعد ان اعلن (ترامب) ان مساحة اسرائيل ضيقه ،وينبغي توسعيها ،ثم ظهور فكرة تحويل (غزة) الى ( ريفييرا) الشرق وهنا حدثت الأنتفاضة العربيه ،والتصدي لتلك الدعوات التي جرت على لسان الرئيس الأمريكي،ومن ثم المواقف العربيه التي اعادت قضية فلسطين الى مكانتها الأساسيه، وجري بوضوح تصحيح حركة الصراع من ( فلسطيني – اسرائيلي ) الى مسماه الحقيقي (الصراع العربي – الأسرائيلي ). ومن ثم جاء اعلان ولي العهد السعودى (ألأمير محمد بن سلمان) لا اعتراف باسرائيل قبل اقرار قيام الدولتين
اي قيام دولة فلسطين، وجاء تصريح رئيس الأمارات (الشيخ محمد بن زايد) ان اعلان اسرائيل ضم الضفة ستكون له انعكاساته السلبيه على العلاقات مع اسرائيل .واثر اعلان (ترامب) مبدأ تهجير الفلسطينيين ،وتحويل غزة الى ريفييرا على البحر اعلن الرئيس المصري(عبدالفتاح السيسي) اعتذاره عن قبول دعوة الرئيس الأمريكي لزيارة واشنطن ،وقال ان تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينيه (خط احمر) وقام بحشد قوات الجيش المصري في سيناء،كما رفض الطلب الامريكي ان تمر السفن الامريكيه مجانا في قناة السويس،كما رفض المساهمة في ضرب اليمن نتيجة لقصفها السفن التي تمر بباب المندب في طريقها الى اسرائيل،رغم ان مصر تتضرر اقتصاديا نتيجة ما تحمله تبعات المرور ومشاكله على قناة السويس وعائداتها.يضاف الى ذلك حصلت المنطقه على دعم لافت بانضمام تركيا الى جانب المفاوضين العرب مثل قطر ومصر، كذلك انضمام باكستان وتركيا واندونيسيا الى المؤتمر العربي الاسلامي الذي دعت الى عقده (قطر) اثلر العدوان الاسرائيلي عليها من اجل تصفية القاده الفلسطينين اثناء تفاوضهم في قطر،مما دعا الرئيس الامريكي الى الضغط على نتياهو الى الاعتذار.من جانب اّخر قامت اسرائيل بقدر كبير من العربدة في المنطقه،في ظل مباركه امريكية،وتأييد مطلق تمثل في قيام اسرائيل بضرب ايران،وهو امر لم يكن في قدرة اسرائيل القيام به،دون مساندة امريكيه واضحة،بل ان امريكا قامت بتعزيز تلك الضربه،حين شعرت ان اسرائيل يمكن النيل منها بالمثل، كما قامت اسرائيل بتسديد ضربات متتاليه الى حزب الله وتمكنت من تصفية الكثير من قياداته،وعلى الاخص قائده ذو الكاريزما(حسن نصر الله). تطورات عديده حدثت في المنطقه،تختلف عما تردد ان هناك خطه امريكيه غربيه لاعادة تقسيم المنطقه، بعد التقسيم المشهور في اتفاقية (سايكس بيكو)، ولكن التغيير الذي حدث كان تطورا ايجابيا اعاد اللحمه العربيه واضاف لها جانب اسلامي مثل تركيا ،واصبح اكثر تأثيرا،كما اعاد للصراع مع اسرائيل الى طبيعته الأولى
( الصراع العربي – الأسرائيلي). على المستوى العالمي


حدثت عدة تطورات على الجانب الدولي او العالمي،يقع في المقدمة منها
أولا -كسر التبعية الأوروبيه للولايات المتحده الأمريكيه،ونرى الأمر اشد وضوحا، في الأقبال على الأعتراف بدولة فلسطين من بريطانيا اولا وتحديدا،وهي الدولة الاوروبيه الأكثر التصاقا بالسياسة الأمريكيه، ثم هي صاحبة التاريخ الطويل مع القضية الفلسطينيه،فهي صاحبة (وعد بلفور) باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في 2 نوفمبرعام 1917 ،وكان المندوب السامي البريطاني (هربرت صمويل) هو من يسر دخول اليهود الى فلسطين ،كما ان بريطانيا هي صاحبة (الكتب البيضاء) المتكررة التي صدرت بوعود من اجل الحقوق الفلسطينيه التي لم تتحقق،،ثم ان بريطانيا وفرنسا هما الدولتان الأوروبيتان اللتان يحصلان على حق الفيتو في مجلس ألأمن،وبل وتصبح فرنسا بالأشتراك مع السعوديه هما الدولتان اللتان دعتا الى عقد المؤتمر الشهير في امريكا للدعوة الى حل الدولتين، ويعد هذا الأمر جديدا في العلاقات بين امريكا وكلا من بريطانيا وفرنسا. ثم تواكبت الاعترافات بدولة فلسطين على نحو متزايد خصوصا من اوروبا.
ثانيا كسر الصورة النمطيه لأسرائيل،باعتبارها الدوله المسالمه التي يحيط بها اعداء يريدون ان يحطموها ،بينما هي واحة الديموقراطيه في المنطقه، وظهور اسرائيل بحقيقتها العدوانية المتنمره بجيرانها، باعمال ادوات الترهيب،والأستيلاء على الأرض الفلسطينيه، من شعب غير عدواني وهو الشعب الفلسطيني ،اللهم الا عند سلب حقوقه ،فيصبح من حقه التصدي للغاصبين. ونتذكر مقولة السكرتير العام للأمم المتحده(أنطونيو جوتيريش)حيث قال (ان السابع من اكتوبر لم يحدث من فراغ)
في اشاره صريحه للمعاناة التي يكابدهاالفلسطينيون .
ثالثا : الصحوة التي غمرت شعوب العالم ،وخصوصا الشباب منهم وحملة الأضرابات والاعتصامات التي قام بها الشباب في عواصم ومدن العالم تضامنا مع شعب فلسطين وعمليات الحصار والتجويع التى تحاصرهم ،بالأضافة الى عمليات القتل الممنهج لشعب اعزل من السلاح،وفي نفس الوقت تقصف المنازل،ويطلق الرصاص حتى على من يسارعون بالخروج على امل الحصول على الطعام او الشراب
رابعا : اصدارالدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائيه الدوليه مذكرات اعتقال بخق بنيامين نتنياهو رئيس الخكومة الاسرائيلية واّخرين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب.وقد استدعى هذا الأمر غضب الولايات المتحدة الامريكيه باعتبار ان هذه المحكمة ،كان انشاؤها يهدف الى محاسبة اعداء الولايات المتحده ،وحمايتها هي واصدقائها، ولكن المحكمة قامت بواجباتها القانونيه
خامسا : تعرضت اسرائيل الى قدر من العقوبات من خلال بعض حكومات العالم بعدم توريد اسلحة لها وحرمانها من بعض الوان التصدير والاستيراد ،بل ومقاطعة منتاجاتها
خامسا: توارت مشروعات مثل تشكيل تحالف (سني) في المنطقه يشمل الدول العربيه بالأضافة الى تركيا ،ويسمح بالتعاون مع اسرائيل لمواجهة ايران ،والعمل على عزلها .
سادسا : توقفت عمليات التطبيع المجاني على الاقل بين الدول العربيه واسرائيل،بعد ان وضعت على الطاولة باسم ( السلام الابراهيمي) دون النظر الى القضية الفلسطينيه، بما سمي السلام المجاني.
سابعا: قاد الشباب في مختلف بلاد العالم مظاهرات صاخبه مناصرة للحقوق الفلسطينيه،ويمكن النظر الى تلك الظاهرة انها تشي بمواقف مستقبليه،فهؤلاء الشباب من خلال عشرة سنوات مقبله سيكون منهم اعضاء برلمان ومواقع اخرى مؤثرة ،ولذلك فان قضيىة فلسطين قضيه واعده بالتقدم خلال السنوات القادمه.
و أخيرا قضية فلسطين قضية مركبه،وليست قضية بسيطه ،تتعلق باحتلال دولة تم غزوها بجيش دولة اخرى
ككل الدول التي تم استعمارها طوال قرون انصرمت،ولكنها قضية استعمار استيطاني احلالي ،تم دعمه – وما زال هذا الدعم بشكل او باّخر ساريا، وعلى رأسه دولة عظمي هي الأقوى بين دول العالم ،حتى وان كانت شمسها قد بدأت بالأفول، ونرى الآن ان تأثثيرها قد نراجع ،وخرجت بعض الدول الاوروبيه من حظيرتها، ولذلك فان احداث السابع من سيبتمبر عام 2023 بقدر ماكبدت الفلسطينيين اثمانا فادحه ،الا انها على نفس الصعيد قد احدثت انفراجة كبيره للقضية، واصبحت على كل لسان وارتفعت اعلام فلسطين فس سماوات العالم المفتوحه،وهزت الضمير العالمي،واصبحت اسرائيل بفضل تلك الحرب ،ونتيجة للهوس الصهيوني، وتطرف اليمين ،الدولة المنبوذة في العالم ،والمعزوله ،وانفض عنها الكثير من المخدوعين. الا ان القضية لم تنته بعد ،واحرزت تقدما ،ولكن الطريق طويل،والصدام وارد ، والغيم لم ينقشع ،والخطه التي وضعها ترامب،لا توحي بالكثير من عوامل الثقة، فترامب هو ايضا الخصم والحكم ،والخطه مازالت في اول الطريق، والشيطان يكمن دائما في التفاصيل . علينا ان لانفاجأ ، والسلاح الاول الاجدر في المواجهة هو وحدة القرار الفلسطيني، لا التفرد ،والحرص على التكاتف العربي وداعميه من الدائرة الاسلاميه ،لاسيما وان تركيا اصبحت ضلعا مهما في المفاوضات،وقد كانت تركيا في عهود كثيرة دوله من حلف ( الناتو) لا علاقة لها بالمنطقه، وقد اعاد لها اردوغان انتماءها الى عالمها الروحي ،وانخرطت في مشاكله وساهمت في التصدي لها. ان الطريق مازال طويلا ومازال شاقا ،رغم كل المكاسب التي تحققت، والمعارك التي نشبت والشهداء الذين غابوا ,قد قالها الدكتور عصام السرطاوي القيادي الفلسطيني البارز طيب الله ثراه ( فلسطين سوف تتحرر،ولكن الذي سيحررها هو الدم الفلسطيني)
2
