قضايا ثقافية
تحية اجلال وتقدير واكبار… لرجل الثقافة والمعرفة والعلم
لنا ان نسأل أو نتساءل ابتداء: وفق اي معيار أو ميزان يمكن لنا ان نقيم اقدار الرجال ومكانتهم، وننزلهم في نفوسنا منزلة الكبار همة ودورا ورسالة ؟ تعددت الآراء، وتنوعت بين قوة النفوذ او السلطة ومنهم من ذهب الى لمعان الشهرة وبريقها ومدى تأثيرها على العقول. لكن هناك من رأى معيارا آخر أكثر دقة وامعانا في التحديد، واستند في ذلك الى تحليل لايخلو من وجاهه.طرح في البداية استفسارا عن صاحب النفوذ والى اي مدى يمكنه ان يستخدم نفوذه، ووفق اي قضية وما هي الفواصل بين الخاص والعام في استخدام ذلك النفوذ وصلاحياته ؟ثم ان ذهبنا الى معيار الشهرة فسوف نجد انها تجمع خليطا من الساسة والمثقفين والفنانين مع تباين الدور والموهبة وحجم التأثير ومدى ايجابياته، ولاننسى ان الشهرة تتضمن أيضا نماذج اخرى يملأها الشر، وتسكنها الجريمة..واستطرادا مع هذا التحليل لايمكن اعتماد معايير النفوذ او الشهرة على اطلاقها كمعيار حاسم، قيل ان أفضل المقاييس أو المعايير الحاكمة هو حجم المسؤولية، فبقدر ما زاد حجمها زاد ذلك من حجم تقديرالأنسان ومكانته، والمسؤولية بدورها درجات.هناك المسؤول عن نفسه، وهناك المسؤول عن عائلته، وهناك كذلك المسؤول عن مجتمعه، وهناك أيضا من يشعر بمسؤوليته بشكل اكثر بعدا واعمق رؤية، وهي المسؤولية عن المحيط ألأشمل والأوسع سواء للوطن أوللأنسان.
رجلنا الذي نتحدث عنه من ذاك الفصيل الأخير. هو رجل امتدت يده مرات لتشعل شمعة تنير الفكر قبل أن تنير المكان، وسارع في نجدة وثيقة من الضياع حرصا على ذاكرة الجيل ان لم تكن الأجيال، وساهم في الحفاظ على التراث لكي يحمي ثروة من الأبداع كمخزون ثقافي لعصور لاحقة فكان بذلك أمينا مع حركة التاريخ وسندا لدور العلم، وظهيرا لدور الجامعة والثقافة ان لم يكن لمفهوم التنوير والمعرفة بشكل عام. يضاف الى ذلك أنه لم يتردد ذ في لحظة الفداء والتضحية – ان يقدم نفسه متطوعا وهو شاب يافع ذ وباصرار ذ للمساهمة في القتال ورد العدوان )عام 1956( عن دولة ترفع العلم العربي في معارك التحرير وفي مواجهة قوى عظمى حركتها الشهوة للنهب والأستبداد.الرجل هو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أما مناسبة الحديث عنه فهو مؤتمره الصحفي الذي عقده مع صحافة الأمارات يوم 24 اكتوبر الماضي في جناح امارة الشارقة المشاركة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وطرح في ذلك المؤتمر الكثير من افكاره. قال عن دولة الامارات العربية المتحدة انها بنيت على اتحاد قوي وراسخ بتأسيس صحيح يخلو من المركزية المعقدة التي تعيق القرار، وتعرقل عجلة الانجازات، فتمكنت بذلك من تحقيق انجاز جديد كل يوم واثبتت للعالم ان عمرها يقاس بالأيام والأنجازات المحققة وليس بمئات السنين كغيرها من الدول.، وقبل المؤتمر وتفاصيله وسردياته، فتاريخه معنا حاضر يشكل صفحة وضاءة شديدة الأبهار، ، ولن نذهب بعيدا، فبين ايدينا وأمام أعيننا في الأساس مبادراته وتعددها وانجازاته وما أكثرها، وكلها تستهدف الفكر واستنارته، والتاريخ وذاكرته، والعلم وتأثيره، بصرف النظر عن مساهماته الأخرى في جوانبها الأنسانية وتلك قضية أخرى.
الشيخ الدكتور واهتماماته الثقافية
تحدث الشيخ عن العلاقة بين دولة الأمارات والأمارات التي تشكلها وخصوصا في اطار عملية التشريع وقال ان الدولة تشرع والأمارة تنفذ، وكل امارة لها جهازها التنفيذي ولدينا جهاز الفتوى والتشريع ويجتمع في الشهر اربع مرات وتشريعهم لايمثل الامارات ولهذا هو لايصطدم مع تشريعات وزارة العدل وهكذا تسير الامور لدينا باستقرار.تحدث الشيخ عن المشهد الثقافي واولاه اهتماما من خلال الشرح المطول وقال )لدي مشروعي الذي اعمل عليه منذ عام 1982 وأنا ماض فيه ومشروعي هو( الثقافة العربيه)ولأننا ندرك ان النهضة ان اردنا لها أن تنهض فيلزم لنا أن ننهض بالأم نفسها(. قال ان المشروع الثقافي موجود في مجالات كثيرة، وافاض عن دور المرأة باعتبارها نصف المجتمع وشريكه في عملية النهضة.ثم اشار الى ماتقوم به اسرته ذاتها في تبنيها للمشروع الثقافي، وعرج الى دور مصر وقال ان مصر هي الأساس في مجالات كثيرة
الشيخ ومشاعره القومية وهو في شرخ الصبا والشباب
يروي الشيخ في حفل منحه الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة يوم الثلاثاء 12 مايو عام 2015 قصته عن محاولته مع عدد من زملائه خلال دراسته بكلية الزراعة بجامعة القاهرة الألتحاق بالجيش المصري عقب نكسة عام 1967 وعندما لم يتم القبول وقف امام المعسكر وقد انفجرت عواطفه باكيا ثم قال لهم انه مستعد لمعاونة الجيش حتى في نقل الجنود حيث انه يستطيع قيادة مركبة عسكرية او اي عمل آخر يساعد الجنود في مهامهم، ولكن أيضا لم تتم الأستجابة له من جديد حتى مع استمرار محاولاته المتكررة. قال ايضا انه شعر بالصدمة والحزن خلال الخطاب الذي القاه الرئيس الراحل عبدالناصر في 9 يونيو 67 واعلن فيه قرار التنحي، وجلس يومئذ على كوبري الجلاء وسط القاهرة يبث النيل احزانه واشجانه، فلقد كان الألم يعتصر كل مشاعره. استمراراً للطرح يروي الشيخ ذكرياته عن عدوان 1956 المعروف باسم العدوان الثلاثي ( بريطانيا وفرنسا واسرائيل ) والهجوم الذي تعرضت له مصر، وذكر انه شارك ايضا في ذلك الحين في عملية المقاومة، ويضيف ان والده قام بطبع قبلة على جبينه أثر علمه بمشاركته في تفجير احد المعسكرات المعادية.
من مبادرات الشيخ سلمان القاسمي
حين اندلعت ثورة 25 يناير 2011 في القاهرة، ووسط لهيب الحماس، وتزاحم الجماهير في اطار مظاهرات عارمة امتلأت بها الشوارع، وسدت فيها المنافذ تسللت عناصر الهدم والتخريب الى بعض الأماكن ذات الوزن الخاص من حيث القيمة العلمية والتاريخية أوالحضارية ومنها حادثة احتراق المجمع العلمي، ويقول الشيخ واصفا مشاعره وهو يرقب على شاشات التلفزيون الحرائق المشتعلة في مشاهد اخبارية متتابعة تعرض كم الكتب والوثائق المحترقة، وشعر أن قلبه كان يحترق معها في آن واحد، ولذلك بادر بالأتصال بوزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور محمد صابر عرب، وأبدى له رغبته في المعاونة في معالجة هذا الأمر، وهنا طلب منه الدكتور عرب أن يرسل من طرفه من يرى ويعاين، وينقل له حجم الدمار، فرد الشيخ قائلا ليست هناك عيون تستطيع ان تنقل لي ماتراه سوى عيوني، وسوف احضر بنفسي فأنا اعلم المكان واقدر مكانته ومدى ثرائه، وأقدر كم اعتراه من عمليات التخريب. جاء الشيخ وزار وتفقد وشاهد وعاين ثم اتخذ قراره، وكان ان شيد مبنى دار الوثائق القومية من جديد ذ اهداء لجمهورية مصر العربية والشعب المصري ولكافة محبي وعشاق التراث والدراسات البحثية ذ على مساحة 5000 متر مربع وفقا لأحدث المواصفات والمعايير العالمية في العمارة الحديثه بتكلفة قيمتها 100 مليون جنيه، يتكون المبنى بأقسامه المختلفة من خمسة طوابق وزود بأحدث نظم الأدارة الذكية في تأمين الوثائق والأنذار المبكر والأطفاء والغلق والفتح الألكتروني والمراقبة بالكاميرا والفحص الألكتروني للدخول والخروج، كما تم تزويده بما مجموعة 7778 من الكتب والمخطوطات والوثائق الهامة التي كانت قد اتلفت منها أجزاء كبيرة في المبنى القديم الذي تم احراقه في اطارعمليات التخريب التي صاحبت ثورة 25 يناير من هؤلاء الذين لايعرفون قيمة ماتحتويه، وكانت مساهمات الشيخ تتخطى الجانب المادي في الأنشاء او الترميم الى جانب تقديم المقتنيات الخاصة والشخصية التي منحها بكل سماحة واخلاص للجمهورية المصرية.يضم المبنى كذلك قاعة المؤتمرات، ويمكن ان تقام فيها الأنشطة الثقافية والفنية المختلفة لوزارة الثقافة والجهات الأخرى بالأضافة الى قاعة لورش العمل وقاعة للندوات ومركز للتدريب المتخصص في مجال التصنيف والفهرسة والترميم، وهو يفتح ابوابه لجميع العاملين في مجال الوثائق بداية من طلبة الجامعات الذين تستقبلهم دار الوثائق القومية على مدار العام الدراسي الى جميع المؤسسات المعنية بالأضافة الى الجامعات المصرية على تعددها واختلافها، لابد ايضا ان نشير الى مايحتويه من متحف للوثائق والمخطوطات يعرض اهم الوثائق التي تتناول تاريخ مصر والمنطقة منذ العصر الفاطمي حتى الوقت الراهن روعي فيه استخدام احدث اساليب العرض، والعديد من الأدارات الأخرى التي تتعلق بالوثائق بما فيها مكتبة لبيع الوثائق الخاصة.
تتعدد مبادرات الشيخ سلطان حول دور العلم ونضرب الأمثلة في عجالة تسمح بها الصفحات فنشير الى دوره في جامعة القاهرة وزيارته الى المكتبة المركزية الجديدة والتي تم افتتاحها عام 2008 كمرحلة اولى ثم في عام 2014 كمرحلة ثانية وتضم المكتبة كنوز جامعة القاهرة من مقتنيات طوال مائة عام وقسم الفهرس الالكتروني ومعرضا مفتوحا للفن التشكيلي المعاصر ومعمل المسح الرقمي وعددا من القاعات: طه حسين والبانوراما والبيانات العالمية وغيرها ولكن الجدير بالذكر ذ في ذلك المقام ذ قاعة )القاسمي( للمؤتمرات وتقع في الدور الخامس لمبنى المكتبة المركزية وقد تكفل بها الشيخ حاكم الشارقة بانشائها وتجهيزها بامكانات النقل الاذاعي والتلفزيوني ومعدات الترجمة الفورية واحدث اجهزة الصوت وفق اعلى المعايير الى جانب الحاقها بمجموعة القاعات الخاصة بالمعارض والندوات والاجتماعات وغيرها وبلغ اجمالي تكاليف انشائها اكثر من 25 مليون جنيه. في ختام الزيارة تسلم الشيخ درعا تذكاريا من رئيس جامعة القاهرة تثمينا وتقديرا لدوره في دعم انشطة وبرامج الجامعة المختلفة. في كلية الهندسة أيضا قام الشيخ بزيارة ازاح فيها الستار عن اللوح التذكاري للمبنى في حلته الجديدة بعد ان بادر وتكفل باعادة الترميم والتجديد لمباني الكلية نتيجة لتعرضها لحريق وتدمير لحق بمبانيها خلال فض اعتصام )النهضة( وقد تكلف نحو مليوني دولار. في كلية الزراعة والشيخ احد خريجيها فقد درس بها وتخرج منها، وقد قدم لها العديد من المبادرات لدعم رسالتها ومنها انشاء مكتبة خاصة وحديثه ودعمها بأحدث الكتب العلمية في مجال الزراعة، ومن المعروف ان زيارته للكلية تؤكد حرصه على توثيق صلات المودة التي تجمعه بكلية الزراعة وطاقمها الاداري والتدريسي واحياء الذكريات الجميلة التي قضاها بين ربوعها على مقاعد الدراسة وفي اروقة الكلية مع زملاء الدراسة متنقلا بين قاعاتها ومختبراتها، وقد أكد ان اتصاله بكلية الزراعة لم ينقطع يوما على مدار 45 عاما حافظ فيها على التواصل مع الكلية وزملاء الدراسة، وبقيت الصلات قائمة مع الكثير منهم.اشار الشيخ الدكتور سلطان الى نشاطه السياسي في مراحل مختلفة، وعلاقته بحزب البعث، وكيف ابتعد، ثم تكوين )التنظيم الطليعي السري( في مصر ابان حقبة الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وذكر انه يرفض الفرز أو التفرقة بين المصري وغير المصري، وان كان لم يلتحق، ثم فكرة )الحركة العربية الواحدة(، وأضاف: كنت اسعى من خلال الحركة العربية ان نضمن على الأقل التجمع والمصالحة بين التيارات العربية تحت مظلة واحدة وهي )المصلحة العربية الواحدة( وان لانعيش مرحلة الشتات التي نعيشها الآن، وهذا ماتتمناه اسرائيل ، ولقد وصلنا ذ للأسف الشديد ـ في الوطن العربي الى درجة التناحر، والمطلوب الآن ان نوفر لأبنائنا العلم والثقافة بقدر مانوفر ونشتري لبلادنا الاسلحة، وبهذا الطريق الثقافة والعلم والمعرفة ـ نستطيع ان نصنع نهضة جديدة للعالم العربي.عن مصر قال ان مصر عائدة بقوة، ولكن بعد الأنتهاء من هذه الغمة التي نشاهدها في العراق وسوريا. مصر فيها كل الخير ولنا فيها العمق والضمان، ويجب علينا ان نشترك في دعم اهم عامل يجمع بيننا وهو )القومية العربيه( حتى نتمكن من أن يحمي بعضنا بعضا ولهذا اقول مصر عائدة.والسيسي رجل يتحمل المسؤولية.
التواصل مع مثقفي المهجر
لم تغب عن فطنة الشيخ الدكتور مايمكن ان يلعبه المثقفون في المهجر من ادوار لخدمة القضايا العربية والثقافة العربية تحديدا باعتبارها مؤثرا مهما في التواصل بين الشعوب بل وللتأثير ايضا فقال لقد بدأنا الخطوة الأولى وهي الأتصال بالعرب المقيمين في المهجر ليكونوا همزة الوصل بيننا وبين المثقفين بالمهجر وهومشروع كبير يتضمن اللقاء والمناقشة والتواصل وطباعة الكتب بلغة البلدان التي هم في مهجرها ونترجمها الى العربية واضاف: ان لدي مشروع مع بعض المؤسسات تبلغ تكلفته مبالغ كبيرة ولا اريد ان اعلنها الآن قبل ان تستوفي دراستها.
حديث الشيخ الدكتور سلطان متعدد الجوانب ومنها كتاب يعمل على اصداره حول اصل تكوين الخليج وتاريخه والأقوام التي حلت به على مر العصور وسيكون هذا الأصدار في اكثر من مجلد، وهو مشروع ثقافي كبير يعمل عليه منذ خمسة عشر عاما.
قبل ان انتهي من ذلك العرض
جرت توصيفات كثيرة للحكام وطرق الحكم، كما تعددت اساليبه ومدارسه، ولكن مانراه رؤيته العين من مبادرات الشيخ الدكتور، سواء في مصر او في غيرها من الدول العربية، وسعيه الدائم على هدي طريق واحد محدد المعالم وهو التعليم والفكر والثقافة والمعرفة باعتبارها أدوات للتنوير، ومن ثم للتربية والأعداد تحت المظلة العربية الجامعة يجعلنا نجدد الأمل ونطرد اليأس، ونستبشر بالمستقبل، فما زال هناك من يفكر في العروبة وينتشي بذكرها ويتعطر بنسائمها، ولايخامرني ادنى شك أن هذه الدعوة لها مريدون وخلصاء على امتداد الأرض العربية، سيتصدرون المشهد ذات يوم فالعروبة هي جوهرة الخلاص الوضاءة حتى وان حجب نورها في مرحلة ذات ليل بهيم.. بعض الضباب.
أمين الغفاري
تعبيراً عن تقدير وامتنان… الرئيس السيسي يهدي قلادة الجمهورية للشيخ
الدكتوراه الفخريه… الشيخ سلطان وسط اساتذة جامعة القاهرة
وعلى يساره د.جابر نصار مدير الجامعة
الدكتوراه الفخرية من جامعة شيفيلد
اليونسكو ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب 2016
كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة )اليونسكو( ضيف الشرف في معرض الشارقة للكتاب عام 2016 تكريما للجهود التي تبذلها هذه المنظمة لرفع مستويات المعرفة للعالم والأرتقاء بمستويات التعليم والثقافة وانقاذ المعالم التراثية او الحضارية جراء الحروب او الكوارث الطبيعية وهو مايعكس رؤى الشيخ الدكتور سلطان القاسمي