بين ضرورات السياسه .. ومحاذير الأيدولوجيات والأصوليات
كان للكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل جمهور عريض من القراء في المنطقه العربيه،وكان – ولازال – له مقدرين ومعجبين باجتهاداته واّرائه السياسيه،في مناطق مختلفة من العالم،فقد كان يكتب في بعض الصحف العالميه،بل ان كتاباته كانت تنشر في الصين،وله كتاب عن مقالاته في الصين. وقد كان على الدوام حريص على تأكيد العلاقات العربيه مع ايران، وهو امر جدير بالتقدير والأحترام ،ان يكون الكاتب على الدوام رسول خير وسلام للأمة وللانسانية عموما ،فالسلام شرط للتطور وللنهضة ولأسعاد البشر ،وتاريخيا كانت له علاقاته مع ايران، بعد زيارته الأولى لها عام 1951 ،وقد أصدر اول كتبه بشأنها (ايران فوق بركان) بعد ان استغرقت زيارته تلك شهرا من الزمن،وكان حينها مراسلا لجريدة(اخبار اليوم)، والتقى في تلك الزياره بشاه ايران،كما التقي برئيس الوزراء الذي خاض معركة التأميم لنفط ايران ممحمد مصدق ،كما التقي بابرز رجال الدين الشيعه في ذلك الزمان ،اّية الله الكاشاني،ولم تكن تلك الزياره، مجرد زياره استكشافيه،وانما كانت زياره لواقع ايران ،من حيث قواها السياسية والشعبيه،ولجس النبض الشعبي ولرؤاه،وتطلعاته وطموحاته.ايضا كان الاستاذ هيكل هو من التقي الخوميني قبل الثورة الايرانيه ( بناء على اقتراح من ابراهيم يازدي وكان اول وزير

كاتب شهير لم يناقش ابدا الصورة الاخرى للسياسة الايرانيه
لخارجية ايران بعد الثوره،وقد طرد بعد ذلك بل وسجن) كما التقى هيكل مع الخوميني بعد الثورة في ايران .وقد ظل الاستاذ هيكل من اشد المتحمسين لزيادة الروابط مع ايران،بل ان له مقوله شهيره قالها في احد البرامج الحواريه في التلفزيون المصري مع الاعلاميه (لميس الحديدي) . يقول فيها (سيحاسبنا التاريخ لأننا لم نوثق علاقاتنا مع ايران،بعد ثورتها على الشاه !).ويمكننا القول من جانب اّخر (ان التاريخ سيحاسب ايران على انها أهدرت كل الفرص لدعم علاقاتها مع العرب). والسؤال .. هل ثمة خلاف بين سياسة الشاه ،بالنسبة للعرب وسياسة الثورة الايرانيه ؟ أعود في الأجابة الى الأستاذ هيكل نفسه، وحديثه مع الشاه اثناء زيارته لأيران بعد انقلاب الجنرال زهدي على محمد مصدق ورجوع الشاه الى الحكم ،وعاد الاستاذ هيكل الى زيارة ايران عام 1975 بعد خلافه مع الرئيس السادات،و اقالته من رئاسة تحرير (الأهرام) تفرغ الاستاذ هيكل للقيام بعقد سلسله من اللقاءات مع شخصيات بارزة في المنطقه تميزت بتركيزها على القضايا السياسية والأقتصاديه خاصة فيما يتعلق بالنفط والأمن القومي .وفي لقائه مع شاه ايران ،قال له الشاه قبل ان تسألني اي سؤال ،اريد ان أسألك انا واعرف الاجابه منك ،لمذا كان عبدالناصر حادا معي لعودة علاقة ايران باسرائيل ، بعد ان قطعها مصدق ،مع انني لم اكن المعنرف الأول بدولة اسرائيل، ورد هيكل قائلا : لقد كنت الاول في معاودة الاعتراف بعد توقف تلك الموجه، ولذلك كان الموقف منك حادا ،وتلك كانت رسالة لمن يفكر في الاعتراف باسرائيل واقامة علاقات معها لاحقا .ثم قام الاستاذ هيكل بتوجيه هذا السؤال له ((لماذا كل هذه الترسانه من الأسلحه التي تزود بها جيشك، وارجو ان لا تقول لي من اجل مواجهة السوفييت،فهم على الحدود،لأنك مهما حاولت ان تسلح جيشك ،وحصنته بترسانه من السلاح ، لن تستطيع مجابهة السوفييت،الا بالتدخل الغربي المباشر،وعلى ذلك فانني اري ان هذه الأسلحه معده للأستخدام ضد العرب ،الذين هم يجاورونك ،ولك تطلعات ،وخصوصا بعد الأستيلاء على الجزر. اجاب الشاه ليست القضية

كاتب شهير لم يناقش ابدا الصورة الاخرى للسياسة الايرانيه
تطلعات،ولكن المسأله تكمن في الأستعداد للمواجهه التي يمكن ان تحدث،فهناك مشاكل في العالم العربي،وعلينا ان نتقي اّثارها.انظر لما يحدث في ( ظفار). قد تقول انها ثورة أو اضطرابات داخليه،بعيدة عنا، ولكن عليك ان تعلم انها سواء كانت اضطرابات او ثورة ايدولوجيه. انهم الشيوعيون الذي يتحركون ،وعلينا ان نستعد للمواجهة ان تطلب الأمر ذلك،ولم تكن اجابة الشاه مقنعه، وكان من المؤكد ان تسليح ايران معدا من اجل طموحاتها في المنطقه العربيه ،ونضع في الاعتبار احتلالها قبل ذلك ( عربستان) ثم تحرشها بالعراق من اجل (شط العرب) وقد قامت ثورة (ظفار) ضد السلطان سعيد بن تيمور،وحين تعرضت للأنشقاق قرر بعض أعضائها قبول عرض السلطان قابوس الذي توج حديثا على البلاد،وكان هذا العرض ناجحا في التهدئة داخل (ظفار) وتلاه وصول مساعادات عسكرية وماليه من الدول الأوروبيه ).اي انها لم تشكل اي تهديد لأيران.
شاه ايران والعالم العربي
قبل ثورة يوليو عام 1952 ،كانت النظم القائمه في منطقة الشرق الأوسط متقاربه،فيما بينها الى حد بعيد،ومنها الأمبراطوريه مثل ايران ،والملكيه مثل مصر والسعوديه والعراق والاردن والمغرب وليبيا وجمهورية مثل سوريا ولبنان وتركيا، وامعانا في مزيد من التقارب،تزوجت شقيقة الملك فاروق الأميره ( فوزيه) من شاه ابران محمد رضا بهلوي،وقد بذل على ماهرباشا مستشار الملك فاروق جهدا طاغيا لأقناع الملك فاروق بالموافقه،حتى يعزز مكانته في العالم الأسلامي، وقد اثمر هذا الزواج الأميره ( شاهناز) كما تزوج احمد شفيق بك وهو مصري ايضا من شقيقة شاه ايران التوأم ( أشرف بهلوي) وقد تم طلاقهما 1959 وقد انجبا ولدا وبنتا. تماثل النظم في الجوانب الدستورية، والأتجاهات السياسيه، يدفعها للتقارب من اجل المصالح السياسيه لكل الأطراف.وكانت المصاهرة احد الأساليب ، لكن بعد الثورة المصريه 1952، وانعقاد مؤتمر باندونج 1955 ،وكان يمثل مظاهرة عالميه ضد الأستعمار ،ومشاركة بعض الدول العربيه به،نقطة تحول، ثم قيام الملك حسين في الأردن بطرد الجنرال جلوب من الجيش الأردني، وتعريب قيادة الجيش في مارس

رجب طيب اردوغان
برز دوره في ادارة السياسة التركيه المرنه واسعة الافق
1956،ظاهره جديده ،ثم تأميم قناة السويس 1956 وتحقيق الوحده بين مصر وسوريا 1958 وقيام الثوره العراقيه 1958 ،وبروز حركة التحرر الوطنى ضد الوجود الاستعماري .ورفع شعار (القومية العربيه). وكانت تلك ظاهره جديده ،ولذلك كان الرد الغربي يتمثل في التركيز على اصدقاء امريكا في المنطقه ،لاسيما ان امريكا كانت هي المدبره للأنقلاب على مصدق ،واعادة شاه ايران للحكم .لذلك كان العمل جادا في الحفاظ على الشاه ونظام حكمه ،باعتباره شرطيا لمنطقة الخليج بالنسبة للغرب.وفي الزياره الأخيره للرئيس الأمريكي الراحل كارتر لأيران 1977 قال (ان ايران هي ارض السلام في المنطقه).
الثورة الأيرانيه
استقبلت الثورة الأيرانيه بحفاوة شعبيه بالغه في العالم العربي،لاسيما وانها قامت على الفور بطرد السفير الأسرائيلي،وحولت السفارة الأسرائليه،الى سفارة لفلسطين.وان كانت حركة الاعدامات المتتاليه التي صبغت انطلاقة الثوره الأيرانيه مصدر ازعاج،وأثارت الكثير من القلق على مسارها، الا أن ماكان يتواتر من اخبار حول عزمها على جعل اللغة العربيه ،تدرس كمادة ثانية في المدارس الايرانيه، كما انها سوف تقوم باعادة الجزر الثلاث التي اغتصبها الشاه من دولة الامارات العربيه،من اجل ايجاد مساحة من الثقة والتقارب مع العالم العربي،وما يترتب على ذلك من انتظار علاقات اكثر حميميه بين ايران والعالم العربي.ولكن جاءت الصدمة من امتدادات الأحداث، التي كانت تبشر بتحولات كبري في حجم الاّمال العربيه، فلم يتم تدريس اللغة العربيه،ولم يتم تسليم الجزر العربيه،بل ان ايران ترفض حتى مبدأ المفاوضه أو التحكيم،وتعتبر ان الحكم السابق الشاهنشاه قد حقق مكسبا وطنيا لأيران ،فكيف للثورة ان تفرط فيه. ثم جري التحرش تباعا بالعراق،عن طريق سلسلة التفجيرات ،في محاولة لتصدير الثورة الأيرانيه الى العراق العربي.ومن ثم كانت الحرب التي امتدت لثمان سنوات. ثم جرى ضرب العراق بواسطة التحالف الذي قادته الولايات المتحده تحت شعارات كاذبة ومضلله فحواها (ان العراق يمتلك اسلحة الدمار الشامل) وانها تمثل خطورة على السلام العالمي). جرى العدوان،الذي اتضح معه كذب ادعاءات قادة دول التحالف.والأدهي والأمر ان جري تسليم العراق المنهك، بعد ضربه وتخريب بنيته الأساسيه ومرافقه ،بل والعبث بتراثه الذي يمتد الى اعماق التاريخ الى ايران،وتكشف الوجه الأخر،لمسار الثورة الأيرانيه .انها ثورة (فارسية) الأصل والمضمون. وان الصراع بينها وبين جيرانها هو صراع قومي ،ويفسر ذلك بوضوح تصريح احد مسؤوليها ( ان بغداد ستكون عاصمة الأمبراطورية الفارسيه .وتصريح اّخر( لقد امتد نفوذنا الأن الى خمس عواصم عربيه).
التحليلات السياسية واصطدامها بالأوصوليات والمذاهب
ايران احد الدول الرئيسية في منطقة ( الشرق الأوسط) ،فهي ليست دولة دخيله أو مصطنعه،وتاريخها
طويل وعريض وفيه نبض الحضارات،ولذلك لايمكن التعامل معها،مهما كانت درجة الخلاف ،باعتبارها دولة هشه،أو مجرد قاعدة عسكريه،يجرى استخدامها وقت الحاجة،كالكيان الصهيوني على سبيل المثال،وكذلك الحال مع تركيا ،فهناك تاريخ يجمعنا بها لقرون عديده من الزمن ،كان يلفنا فيها علم واحد. تلك مراحل من التاريخ مرت ،وتركت فينا ذكريات،بعضنا ينظر لها باجلال، لكونها كانت امبراطوريه اسلاميه،وبعضنا ايضا يحسبها ضمن الأطار الأستعماري الذي يتلفع بالدين، ومهما كانت رؤيتك فان الواقع السياسي، والهجمة الأستعماريه الصهيونيه تقتضي من الجميع الاحتكام الى المنهج السياسي الذي يكفل لنا الخلاص مما يدبر،أو يخطط له ،بشأن اعادة رسم الخريطه التي قسمت العالم العربي عام 1916 ،والمعروفه باتفاقيات ( سايكس – بيكو). كانت تركيا بقيادة ( أردوغان) هي التي اقتربت من العالم

في عهد بازركان وتمت الاطاحة به ومات في تركيا
العربي،وقضاياه، بعد ان كانت على مدى عشرات السنين جزء من التحالف الغربي المناوئ للساسات العربيه،ونتذكر تهديداتها لسوريا عام 1957،مما اضطر عبدالناصر الى ارسال قوات مصريه لتقف على الحدود التركيه مع سوريا في اعلان صريح للمسانده المصريه. تغاضى اردوغان عن خلافه مع السيسي بعد اطاحة الأخير بحكم جماعة الأخوان ،وابرم اتفاقات تعاون مع مصر،والآن بصدد ابرام اتفاقات جديده على المشاركه في تصنيع معدات عسكريه. ويبقى الموقف مع ايران ومشكلتها مع دول المنطقه،حول السيطره السياسيه ان لم تكن العسكريه،على دول الجوار.وقد بذلت جهودا عديده ومضنية في تشكيل ( روافد عسكرية) لها في بعض الدول العربيه،وهو امر ليس سرا ،ويستدعي ان نقف ونتساءل عن المستقبل المرتقب في اطار تلك السياسات؟
واخيرا
ايران دوله من دول منطقة الشرق الاوسط ،ليست مختلقه ،وانما يمتد بها التاريخ طويلا ،ولذلك فهي ليست اسرائيل، بأي حال من الأحوال، والسؤال لماذا تتخاصم مع العرب،سواء في عهد الشاه،أوفي عهد الثورة،فلم يسلم العرب من ايران. هو بالتأكيد ولا ينبغي له ان يكون صراع مذاهب،فلقد عاشت كل المذاهب تحت الحكم الملكي ،وفي عهد الحقب المتعاقبه في العراق في تعاون وسلام حقيقي. وسؤال اكثر دقه لمن تحاول ايران ان تنتج سلاحها النووي، هل تنتجه للغرب ومقارعته للقوة للسيطره على مقاليد العالم .لا يمكن ان يكون حلم ايران محاولة السيطره على العالم .وانتاج اي سلاح نووي ليس القصد منه السيطره العالميه ،و لقد قامت كل من الهند وباكستان بانتاج الاسلحة النوويه،لهدف محدد ،وهو لكي تردع كل منهما الأخري ،فهما خصمان لحقب طويله ،واستفحل بينهما الصراع الى حد الأنفصال وتكوين دولتين،وومازال الصراع قائما حول (كشمير) ولذلك سمح لهما النظام العالمي بانتاج السلاح النووي لوجود قدر رادع لكل منهما. فما هي الحكمة من انتاج سلاح نووي ايراني، ولماذا لاتسمح امريكا ولا ترضى اسرائيل ،وذلك لسبب يسير ،وهو ان المنطقه العربيه هي موطن الصراع بين امريكا واسرائيل من جانب ،وبين ايران وطموحاتها في الارض العربيه من جانب اّخر ، وكا قال هيكل لشاه ايران عام 1975 أنه من اجل الطموحات الفارسية في المنطقه العربيه. ومن اجل ذلك يتعثر الوفاق دائما بين ايران والعالم العربي ، وما ان يتم التوافق ،حتى يصعد الخلاف والتوتر من جديد وبشكل دائم ،ولذلك يتم زرع الروافد العسكريه في اكثر من دولة عربيه ،والهدف تعطيل الأرادة الوطنيه،كما يحصل على الدوام في لبنان سواء في اتخاذ موقف سياسي أو حتى تشكيل وزاره ،أو الأتفاق على رئيس جمهورية ،،واستمرار صلب القرار،واتحاذه رهينة حتى يصدور القرار الأيراني . لقد قال الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل في حواره التلفزيوني ( سيحاسبنا التاريخ لأننا لم نوثق علاقاتنا مع ايران،بعد ثورتها على الشاه !).ويمكننا القول من جانب اّخر (ان التاريخ سيحاسب ايران على انها أهدرت كل الفرص لدعم علاقاتها مع العرب ،فهو أمن لها وامن لهم ).