انتخابات نيويوك.. ورياح التغيير على زعيمة المعسكر الغربي 

 نجح زهران كوامي ممداني واصبح عمدة نيويوك،وهولم يتخط الرابعه والثلاثين من العمر . 

السؤال هل نحن بالفعل امام نجم يتألق على منصات التواصل الاجتماعي،وينبئ بميلاد قيادة شابه تتحمل مسؤوليات من شأنها ان تترك بصمة على عجلة التاريخ ،أم انه لا يعدو ان يكون مجرد ومضه لا تؤثر ولا تصيب؟ انه شاب مسلم ومهاجر وديموقراطي ،ويساري ،ويثير حفيظة التقليديين .هو يقدم برنامجا يخاطب مشاكل الناس وقضاياهم الحقيقيه التي يعانون منها .و لقد احدث زلزالا عنيفا بالفعل هز المجتمع الأمريكي، وداعب خيال الشباب واحلامهم في صناعة غد،قد  يرسخ لمفاهيم العدل.  

نعم احدث زلزالا عنيفا هز معاني الأنسانيه وتكافلها من الاعماق ،وخصوصا قواه التقليديه من رجال السلطه والمال  ،حتى وان كانت وحدة الطبقه تجمع بينهم بوثاق من المصالح المشتركه. الأمرالذي دعا (ترامب)وهو الزعيم الحالي للولايات المتحده الأمريكيه، لأعلان تهديده صراحة للقيادة الجديدة لمدينة (نيويورك) العمده المنتحب (زهران ممداني) قائلا ومحذرا (لا تتحداني) وقد كان نجاح ترامب المدوى  في الانتخابات طاغيا،وشديد التاثير في قراراته ،وكان ذلك صاحب الأثر في تلويحاته المستمره،وتهديداته التي لا تتوقف،ولا تنقطع،واصراره على تبني دعوات الاستقرار والسلام من خلال القوة،وضاربا عرض الحائط بوسائل السلام المتعارف عليها،وهي التفاهم والتفاوض حول القضايا المختلفة من خلال التوافق والتنازلات المشروعه،لخلق قدرمن التعادل  بين الاطراف المتنازعه. الرئيس الأمريكي بصفته رئيس دول كبرى،وصاحبة القوة الأعظم ،والذي سجل نجاحا ملحوظا في الانتخابات ،أصبح يتصرف ك(ملك) يتخطى السلطه،والصلاحيات،مما استدعي انفجار العديد من المظاهرات ضد سياساته ،وكان ذلك مع عوامل أخرى قد تجمعت ،وصنعت شعبية المرشح الجديد للعمودية في نيويوك،وهي مدينة تعد من أغنى وأكبر المدن ،وتجمع بين مواطنيها مايقرب من 180 الف مليونير،و 140 ملياردير،ولذلك لا نندهش من جزع وغضب (ترامب) من تصريحات (زهران ممداني) حول برنامجه الانتخابي فيتكلم عن المواصلات المجانيه ،وتجميد الايجارات، ومفاهيم العداله،والتركيز على الخدمات العامه، وما الى ذلك باعتبارها افكارا شيوعية. ونتذكر في هذه المناسبه ظاهرة اتسمت بها الولايات المتحده الأمريكيه في أواخر الاربعينات الى الخمسينات من القرن الماضي ،وهي حركة (المكارثيه) هي فترة اضطهاد سياسي في الولايات المتحدة ا،وقد اتسمت هذه الحركة باتهام أفراد بالشيوعية والخيانة بدون أدلة كافية، وقد ارتبطت هذه الحركة بالسيناتور (جوزيف مكارثي) الذي اتهم عددًا من موظفي الحكومة، مما أدى إلى تحقيقات واعتقالات وقائمة سوداء، وقد أثرت في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك مجالات فنية مثل هوليوود عاصمة السينما في العالم ،وقد أدت هذه الحملة إلى تداعيات قاسية على حياة الكثيرين،حيث تم اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة،وفقدانهم لوظائفهم، وتدمير سمعتهم. مما اثار الرأي العام بشده ،وتراجعت تبعا الى ذلك شعبية (مكارثي)  بعد أن اتهمه البعض بالتجاوزات المفرطة، وتم توجيه لوم رسمي له من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1954. لكن ترامب في اطار سياساته وتصريحاته المنطلقه، لا يبالي في التعبير عن خلجاته الطارئه،وان كان يتراجع في بعض الاحيان . 

أضواء على عمدة 

(نيويورك )الجديد زهران كوامي ممداني 

يرجع زُهران كوامي ممداني الى اصول هنديه مسلمه ،ولكنه ولد في( كمبالا ) عاصمة (أوغندا) .ينحدر من أب.يعمل استاذا في جامعة كولومبيا للدراسات الأفريقيه والعلوم السياسية واسمه (محمود ممداني)،ووالدته فنانه تعمل مخرجة للأفلام الأميركيه،اسمها(ميراناير)،وهي من أصول هندية.  

ولد زهران ممداني في 18 اكتوبر 1991 ، وانتقلت أسرته إلى كيب تاون في جنوب إفريقيا عندما كان في الخامسة من عمره، ثم إلى الولايات المتحدة وهو في السابعة، حيث استقرت في مدينة نيويورك. تخرج في مدرسة برونكس الثانوية للعلوم وحصل على بكالوريوس في دراسات السود من كلية بودوين بولاية (مين )  Maine وهي ولاية في شمال شرقي الولايات المتحدة الأمريكية. عام 2014                         
. عمل مستشارًا للإسكان قبل أن يدخل السياسة المحلية في نيويورك مديرًا لحملات انتخابية (روس باركان).ثم  فاز في انتخابات عام 2020 بعضوية جمعية الولاية بعد هزيمته النائبة الديمقراطية المخضرمة( أرافيلّا سيموتاس) التي كانت تشغل المنصب لخمس فترات، وبصفته ممثلًا لحي أستوريا في كوينز، أُعيد انتخابه دون منافسة في 2022 و2024 . والتحق بالحزب الديموقراطي الأمريكي ،كما انه عضو في حركة الأشتراكيين الديموقراطيين الأمريكيه ،وهي حركه قريبه من الحزب، ولكنها ليست ضمن اركانه. 

عوامل عديده ساهمت في نجاح زهران 

أولا :وفي البداية لابد ان نشير الى تمتعه الذاتي بكاريزما لافته، مكنته من التأثير المباشر على ناخبيه ،كما انه في سرديته الأنتخابيه ،لم يتراجع في مقولة ولم يتناقض في حديث ،و كان وجها واحدا  لا يتغير.وان كان يختلف مع ما تعود عليه الناخبون في الانتخابات السابقه ،ويمكن القول انه وجه الأخر من العمله مع ترامب ،ولكنها في جانبها الجماهيري .ترامب يمثل اقصى اليمين في اطروحاته ،وزهران هو اليسار في اعتداله . 

ثانيا: تمكن (زهران) من القيام بادارة ناجحه لحملته الانتخابيه اعتمدت على برنامج يتجاوب مع تطلعات الناخبين ،وقد ظهر ان الرئيس الأسبق (اوباما) قد كلف المشرف على حملته الانتخابيه للرئاسة بالأشراف على الحملة الأنتخابيه لزهران في ترشحه لموقع عمدة نيويورك ،ثم عاد (اوباما) واتصل به بعد نجاحه في الانتخابات وعرض عليه ان يكون مستشارا له  في موقعه الجديد  (عمدة لندن). 

ثالثا: وضح ان الانتخابات ليست السياسة، بتعريفاتها النظريه ،والرطانه في تعبيراتها ،ولكن السياسة هي  (الناس وقضاياها ومشاكلها) على الطبيعه . لذلك كان برنامج زهران، ومعاونيه وداعميه من الأجيال الشابه، وكان واضحا التفاف الشباب من حوله باعتبار تقارب السن، وتمتعهم برؤي جديده ،تختلف عن القاضايا الدارجه ،وحاجته الى دماء جديده تخترق المواقع القيادية،وتتجه مع الأفكار الحديثه التى تخاطب مشاكل الناخبين.كان البرنامج الذي طرحه(زهران) يتواكب مع احتياجات الناخبين فقد تحدث عن العدالة الأجتماعيه، و التركيز على الخدمات العامه كالصحة ورعاية الاطفال، وسائل النقل ،ودعم حقوق العمال ،ورفع الحد الأدني للأجور،وتجميد الأيجارات،والرعاية الصحيه للاطفال ،وانشاء محلات جديده للتوزيع تستهدف الخدمة الحقيقيه للمجتمع،وقضايا التعليم ،فالقضايا الأجتماعيه التي تشكل السياسة الداخليه هي الهاجس،الذي يهم المواطنين،وقد اثبت الشباب ان لهم مكانا ودور شديد الاهمية.وانهم اصبحوا يشكلون قاعده اساسيه، ورؤيه حيوية في الأعوام القادمه. 

رابعا:و كانت حرب غزة من العوامل الايجابيه في حملة (زهران) فقد انخرط الشباب ،كما شاهدنا في الجامعات ،وفي النوادي،وحتى في الأحزاب ،في الوقوف ضد الممارسات الأسرائيليه في عمليات الابادة الجماعية بالقصف والاغتيالات وحرب التجويع ،مما ساهم في ازدهار حركة التنوير وادراك الحقائق عن طبيعة المشكلة، ولذلك جاءت تصريحات ( زهران) بالقبض على نتنياهو ان جاء الى نيويورك لكي تلهب حماس الشباب ،بل ان بعضا من الجاليه اليهودية قد ساهم بالتصويت لصالح ( زهران ) باعتبار ان نتنياهو قد اساء الى اليهود عامة بسياساته التي اتخذها ضد الفلسطينيين .  

خامسا : ساهم (ترامب) من خلال  هجومه على المرشح زهران ووصفه (أنه شيوعي) في ايجاد قدر من التعاطف مع زهران والاقبال على انتخابه. 

سادسا : طرح زهران في حملته فكرة ان الاقتصاد لاينبغي ان يقتصر في خدمته للمجتمع  ان يعمل فقط على خدمة من يتربعون على قمة الهرم،وان يدفع من هم دون تلك المرتبه الثمن،وهو مالفت نظر الناخبين فالتفوا من حوله باعتبارهم  خارج الصندوق في الانتخابات الماضيه.  

سابعا : زهران ممداني يطرح شعار (نيويورك مدينه للناس وليست مدينه للأغنياء)،وهو يعني بذلك انه  

          يملك فكرا ،ولا يملك مالا . 

ماهي الآفاق المحتمله لهذه الانتخابات ؟ 

أولا :هل يتأجج الصراع بين ترامب رئيس الجمهورية،وزهران عمدة نيويورك ؟ . من المرجح ان يتم نوع من التراضي والوفاق بين القيادتين ،في محادثات تجري من وراء الستار، فترامب كرئيس للجمهورية  في اطار نظام  فيدرالي للحكم يملك بعض الصلاحيات حيث تتشارك الحكومة الفيدرالية المركزية مع حكومات الولايات الـ 50 في السلطة والسياده، ويمكنه بوسائل متعدده المساهمه في دعم بعض المطالب أو تيسيرها ،ويمكنه ايضا  حجبها، وذلك بالطبع يمكن ان يعقد المشاكل امام العمدة الجديد ،ولا تتوفر له الفرصة الكامله لتحقيق برنامجه الانتخابي الذي تعهد به .بصرف النظر مما حدث في فترة الانتخابات ،وماقام به ترامب من البحث عن مرشح قوى يتصدى للمرشح (زهران )، وكانت صحيفة (نيويورك تايمز) قد ذكرت في تقرير قامت بنشره،أن ترامب قد أجرى مكالمه تليفونية مع المرشح (أندرو كومو) كما بحث مع مقربين منه عن المرشح الأنسب لهزيمة (زهران ممداني) سواء اريك اّدامز أو كورتيس سيلوا ، ولكن في النهاية الذي حقق النجاح كان الاقوى هو (زهران ممداني).  

وصحيح ان (زهران) سئل عما اذا كان سيتحدث مع ترامب،خصوصا في حال ان اتصل به ليهنئه بالنجاح ،فقال (زهران)( سأقول له ما أقوله الآن .ان هذا ما يميزني عن غيرى .ان ما أقوله في الشارع ،أقوله ايضا في المؤتمر الصحفي ،كما أقوله كذلك في صباح اليوم التالي .انها نفس الرسالة ،ونفس الأجنده ،وهي النضال من أجل الناس أنفسهم. وهي شجاعة لاشك فيها، ولكن هناك ايضا مسؤوليه اصبح يحملها مع نجاحه،فهل تملك تلك الشجاعه تأثيراتها على الواقع الذي اصبح يلمسه بيديه . انها خيارات مطروحه وايضا مسؤوليات استجدت ،كما هناك كذلك التزامات الكبرياء وصلابة الراي وهي اعتبارات لابد ان تتفاعل من خلال تجربه مازالت في اول الطريق مع مهام التنفيذ،ولذلك فالحكم مؤجل حتى يتبدد الضباب ،وتتضح مسالك الطريق .وعلينا ان نتذكر ان الديموقراطيه في الولايات المتحده تسيرالى الأمام ،فقد سمحت ان يتولى الملونون الحكم ،وتم انتخب (أوباما) رئيسا للولايات المتحده ،كما رشحت هيلاري كلينتون وكذلك رشحت (كمالا هاريس) وهما سيدتان ولم يكن ذلك مستحقا من قبل ،والآن يترشح مهاجر ومسلم وديموقراطي واشتراكي ويفوز (زهران) . وتحدثنا عن الماركسيه او الشيوعيه كمجرد اتهام في الماضي ،كان يقود للفصل ان لم يكن للسجن في عهد (مكارثي ) بلا ادله ،ولكن الاتهام الأن لايثير ذعرا ،وانما يدعو للسخرية او للابتسام فحسب .لكن  الديموقراطيه الآن  تفتح ذراعيها وتهدد بالسخريه من يهددها بالألفاظ .