رسوم ترمب الجمركية تفتح باب الحروب التجارية

تصاعد التوترات قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي

* تعدّ الرسوم الجمركية جزءاً اساسياً من رؤية ترامب الاقتصادية

* ترامب يريد تقليص الفجوة بين قيمة السلع التي تستوردها الولايات المتحدة وتلك التي تُصدّرها

* معهد “بيترسون” الشهير  يرى أن الرسوم الجمركية المرتفعة قد تزيد من العجز التجاري

مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بات هو الشغل الشاغل في العالم أجمع. فالكل، من الاقتصاديين إلى المستثمرين فالأسواق المالية، ينتظر قراراته وأوامره التنفيذية التي لها وقع كبير ليس في الولايات المتحدة فحسب إنما في الاقتصاد العالمي. ومسألة الرسوم الجمركية أساس في المشهد الاقتصادي الجديد.

يعتقد ترامب أن الرسوم الجمركية هي حلٌّ شامل… أداة اقتصادية شاملة تُعيد إحياء براعة أميركا في التصنيع، وتُجبر

ترمب يوقع على أوامر تنفيذية في البيت الأبيض

الدول الأجنبية على الرضوخ للنزاعات الرئيسية، وتُعيد التوازن التجاري، وتُدرّ أموالاً طائلة تُسهم في سداد العجز وتخفيف الأعباء الضريبية على الأميركيين.

كما يرى أن الرسوم الجمركية تُساعد في تحقيق العديد من وعوده، إن لم يكن جميعها: فعند استخدامها بفعالية، يُمكن أن تُساعد في تعزيز الإنتاج المحلي من خلال رفع أسعار السلع الأجنبية. ولأن أميركا اقتصاد ضخم ومتنوع لا يعتمد على التجارة بقدر جيرانها، يُمكن للولايات المتحدة استخدام الرسوم الجمركية لإلحاق أضرار جسيمة باقتصادات الدول الأخرى دون أن تُغرق نفسها في ركود. ويُمكن للإيرادات المُحصّلة من الرسوم الجمركية أن تُساعد في تعويض بعض عجزها.. هذا بحسب ما يراه ترامب. فهل هو مبالغ فيه؟

بداية، ما هي الرسوم الجمركية وكيف تعمل؟

الرسوم الجمركية هي ضرائب تُفرض على السلع المستوردة من دول أخرى، وعادةً ما تكون نسبة مئوية من قيمة المنتج. على سبيل المثال، فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على منتج بقيمة 10 دولارات يعني رسوماً إضافية قدرها 2.50 دولار. ويتعين على الشركات التي تُدخل السلع الأجنبية إلى البلاد دفع الضريبة للحكومة. وقد تختار الشركات تحميل العملاء بعض التكلفة أو كلها.

وتعدّ الرسوم الجمركية جزءاً اساسياً من رؤية ترامب الاقتصادية، ويمكن أن تكون أداةً فعّالة للحد من التهديدات التي تُهدد الأمن القومي الأميركي أو القضاء عليها، وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية.

بالنسبة إليه، فإن “الرسوم الجمركية” كلمته المفضلة، وهو  يُجادل بأن الضرائب ستشجع المستهلكين الأميركيين على شراء المزيد من السلع أميركية الصنع، مما يُعزز اقتصاد البلاد ويزيد من قيمة الضرائب المُحصّلة.

وقد ذكر البيت الأبيض مؤخراً أنه، بحسب تحليل اقتصادي أجري عام 2024، فإن فرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 10 في المائة سيُنمّي الاقتصاد بمقدار 728 مليار دولار ويخلق 2.8 مليون وظيفة ويرفع  دخل الأسر الحقيقي بنسبة 5.7 في المائة. كما أظهرت دراسة أُجريت عام 2024 حول آثار الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى أنها

فرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 25 في المائة على السيارات المصنّعة خارج أميركا

“عززت الاقتصاد الأميركي” و”أدت إلى إعادة توطين كبيرة” في قطاعات مثل التصنيع وإنتاج الصلب، وفق البيت الأبيض.

عجز الميزان التجاري… ولكن

منذ تولي ترامب منصبه لولاية ثانية، فرض سلسلة من الرسوم الجمركية بهدف القضاء على عجز الميزان التجاري الأميركي مع شركائه التجاريين، والذي يراه دليلاً على علاقات اقتصادية غير عادلة. وقد أدت هذه الإجراءات إلى حالة من الهياج في الأسواق وزادت من مخاوف الركود، حيث فرضت الولايات المتحدة وشركاؤها التجاريون الآخرون، بمن فيهم حلفاء تجاريون قدامى، رسوماً جمركية انتقامية.

فترامب يريد تقليص الفجوة بين قيمة السلع التي تستوردها الولايات المتحدة وتلك التي تُصدّرها إلى الدول الأخرى. ففي عام 2024، بلغ عجز الولايات المتحدة التجاري الصافي في السلع 1.2 تريليون دولار، مما يعني أن قيمة السلع المستوردة أعلى من قيمة الصادرات.

لكن هل ستؤدي الرسوم إلى تحقيق هدف ترامب هذا؟ يقول معهد “بيترسون” الاقتصادي الشهير إن البيانات تشير إلى احتمال أكثر سلبية – وهو أن الرسوم الجمركية المرتفعة قد تزيد من العجز التجاري – لأن الدول ذات الرسوم الجمركية المرتفعة تميل إلى تسجيل عجز أكبر.

في حين يرى معهد “تشاتام هاوس” أن الرسوم الجمركية لا تُخفّض العجز التجاري، وأنها تُخفّض الواردات والصادرات على حد سواء، بالإضافة إلى إجمالي الدخل. ذلك لأنها تُجبر الدولة على تحويل مواردها من الصادرات الأكثر ربحية إلى الواردات الأقل ربحية، وكذلك إلى الخدمات. إلا أن آثارها الاقتصادية طويلة المدى سلبية أيضاً. فبحماية المنتجين من المنافسة الأجنبية، تؤدي الرسوم الجمركية في النهاية إلى تراجع الابتكار التجاري، وتباطؤ نمو الإنتاجية، وانخفاض مستويات معيشة الأسر، بحسب المعهد.

“بلومبرغ” من جهتها ترى أن تعزيز الصادرات من خلال الرسوم يعني في الوقت نفسه زيادة الواردات، كما أن الزيادات الواسعة في الرسوم الجمركية ستعيق عمل المُصدّرين في الولايات المتحدة. ورغم أن الولايات المتحدة ليست دولة تجارية كبيرة حيث أن ربع اقتصادها فقط يأتي من التبادلات الدولية، مع ذلك، تبيع سلعاً وخدمات بقيمة تقارب 3 تريليونات دولار سنوياً إلى العالم، داعمةً بذلك ما يقرب من 10 ملايين وظيفة أميركية، وفق احصاءات “بلومبرغ”. كما أنها مُصدّر رئيسي للسلع، حيث تبيع ما يقارب 700 مليار دولار من النفط والغاز والفحم، بالإضافة إلى الحبوب وفول الصويا واللحوم وغيرها سنوياً. وكما تبيع أكثر من تريليون دولار سنوياً من الخدمات الراقية في الخارج، بما في ذلك البرمجيات والإعلانات والأفلام ورحلات الطيران التي تنقل عشرات الملايين من المسافرين حول العالم.

تُتيح المبيعات الدولية فرص نمو كبيرة للشركات والعمال الأميرييين. فبينما تفوق النمو الاقتصادي الأميركي مؤخراً على الدول الأخرى ذات الدخل المرتفع، بل وحتى على العديد من الاقتصادات الناشئة، فإن قاعدة عملاء الولايات المتحدة لا تُمثل سوى 4 في المائة من سكان العالم. وسيعيش المليار القادم من الطبقة المتوسطة الجديدة في أماكن أخرى، معظمها في آسيا. وسواءً كانت الشركات التي تُركز على السوق المحلية فقط، أو تُنتج طائرات، أو تُطور ألعاباً إلكترونية، فإن فرص نموها المستقبلي محدودة.

ورغم الفوائد الاقتصادية الهائلة للصادرات، تواصل الولايات المتحدة فقدان حصتها في السوق العالمية: إذ انخفضت حصتها من المبيعات الدولية في عام 2023 إلى أقل من 9 في المائة، بعد أن كانت 12 في المائة في عام 2000، بحسب “بلومبرغ”.  ويُعزى ذلك جزئياً إلى التكاليف والعوائق المحلية. فعلى سبيل المثال، على الرغم من وفرة الطاقة، لا تزال الأسعار مرتفعة مقارنةً بمنافسيها الصناعيين كالصين وفيتنام والمكسيك. وتتفوق الأجور، حتى مع مراعاة ارتفاع إنتاجية العمال الأميركيين، على أجور العديد من المنافسين، وكذلك معدلات ضرائب الشركات الأميركية. وبالنسبة للعديد من الصناعات، بما في ذلك التعدين والتكرير والتصنيع الكيميائي، تُصعّب العوائق التنظيمية وغيرها من العقبات تأسيس الأعمال.

الرسوم والاضطرابات

لا شك أن سياسات التعريفات الجمركية الأخيرة التي فرضها دونالد ترمب تشكل اضطراباتٍ كبيرةً على الاقتصاد العالمي، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • زيادة التوترات التجارية و”الحروب التجارية”: تثير اجراءات ترامب تدابير انتقاميةً من الدول المتضررة، مما يُؤدي إلى دورةٍ من التعريفات المتصاعدة. وهذا يُولّد حالةً من عدم اليقين وعدم الاستقرار في التجارة الدولية. وتُعطّل هذه “الحروب التجارية” العلاقات التجارية القائمة، وقد تُؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة لجميع الأطراف المعنية.
  • تعطيل سلاسل التوريد العالمية: تعتمد الاقتصادات الحديثة على سلاسل توريد مُعقّدة ومترابطة. يُمكن أن تُجبر الرسوم الشركات على إعادة هيكلة هذه السلاسل، مما يُؤدي إلى زيادة التكاليف وانعدام الكفاءة. ويُمكن أن يُلحق هذا الاضطراب ضرراً بالغاً بقطاعات التصنيع التي تعتمد على المكونات والمواد المستوردة.
  • الضغوط التضخمية: تُزيد الرسوم الجمركية من تكلفة السلع المستوردة، مما قد يُؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين. ويمكن أن يُسهم هذا في ضغوطٍ تضخمية، مما قد يُضعف القدرة الشرائية ويُبطئ النمو الاقتصادي.
  • تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي: يمكن أن تؤدي الآثار المُجتمعة للتوترات التجارية، واضطرابات سلاسل التوريد، والتضخم إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. كما يُمكن أن يُؤدي تزايد حالة عدم اليقين إلى تثبيط الاستثمار، مما يُضعف النشاط الاقتصادي أكثر.
  • التداعيات الجيوسياسية: يمكن أن تُؤدي الرسوم الجمركية إلى توتر العلاقات بين الدول، وتُسبب تحولات في الشراكات التجارية العالمية.

وبالعودة إلى التساؤل أعلاه عما إذا كان ما يراه ترامب في الرسوم مبالغاً فيه أم لا، فالجواب هو:  في الغالب كذلك. فمشكلة ترامب تكمن ترامب في أن الرسوم الجمركية لا تُحقق جميع هذه الأهداف في آنٍ واحد. وذلك لأن أهداف ترامب فيها الكثير من التناقض. فإذا كانت الرسوم الجمركية بمثابة حملة ضغط، فيجب إلغاؤها بمجرد موافقة الدول، مما يعني عدم وجود رسوم جمركية لاستعادة التوازن التجاري. وإذا كانت تهدف إلى تعزيز قطاع التصنيع الأميركي، فإنها لا تستطيع أيضاً زيادة الإيرادات لتعويض العجز. وإذا تحول الأميركيون إلى السلع المصنوعة في الولايات المتحدة، فمن يدفع الرسوم الجمركية على المنتجات الأجنبية؟.

كما أن خطة ترامب للرسوم الجمركية قد تُلحق ضرراً بالاقتصاد الأميركي أكثر مما تُساعده. وقد أقرّ ترامب مؤخراً بأن الرسوم الجمركية ستُسبب “اضطراباً”.

لكن يبدو أن ترامب مؤمنٌ بشدة بالرسوم الجمركية. فهو يُشيد كثيراً بالرئيس السابق ويليام ماكينلي، الذي فرض قبل أكثر من مئة عام رسوماً جمركية باهظة على الدول الأجنبية قبل أن تُطبق أميركا ضريبة الدخل. هو يريد بأي ثمن أن يعيد ثراء الأميركيين. فهل سيحقق هدفه؟ الإجابة في الآتي من الأيام.